لماذا اخترت هذه القصص؟

تعالج هذه القصص ثلاثة موضوعات تبدو ظاهريًا مختلفة لكنها في عمقها تعالج فكرة واحدة، وخصوصًا في اثنتين منها: «نسيم البحر» و«امرأة الموكوس»: الرجل (الزوج) والمرأة المعذبة وطفل أو أطفال.
في القصتين تم التطرق إلى معاناة المرأة: العقم والمرض في قصة «نسيم البحر». والضعف والهزال مع تحمل عبء الأطفال في غياب تام ومجحف للزوج في قصة «امرأة الموكوس». أما في القصة الثالثة «الزائر»، فتحضر فكرة الوقوف في برزخ ما بين الحياة والموت. نفس الفكرة تحضر في القصتين السابقتين، لكن بشكل غير صريح.
يحضر في هذه القصص الثلاث وبشكل متفاوت ولافت (حسب تجربة كل مؤلف ومؤلفة) الخيال، وهو شرط أساس في كل عمل إبداعي مع الحرص على التفرد وعدم استنساخ أفكار كتاب آخرين، والعمق في الطرح، واستجلاء الخبايا المطمورة في أعماق نفسية الشخصية.
واللافت في القصص الثلاث بنيتها السردية التي حرص مؤلفوها على أن تكون بنية صلبة تنم عن تمكن من الكتابة القصصية، مع الابتعاد عن الأسلوب الإنشائي وعدم الإكثار من التفاصيل التي لا تلائم بنية القصة القصيرة.
المرتبة الأولى: «نسيم البحر» لناصري سندس/ الجزائر
ميزة هذه القصة القصيرة، اختيارها لفكرة غير مطروقة كثيرًا في القصة القصيرة كمحور أساس، علما بأنها تحضر في ثنايا كثير من السرود، وبخاصة منها الروائية، لكنها في القصة القصيرة برأينا المتواضع قليلة، أعني بها فكرة العقم. العقم في معناه البيولوجي. قد تبدو الفكرة بسيطة، ومتداولة على ألسن الناس في أحاديثهم العائلية، لكنها في نص قصصي، تحتاج إلى ذكاء ومرونة في التعامل معها. نعني بالمرونة، طريقة التناول للفكرة. وهكذا تدعونا الكاتبة في البدء إلى أن نتقاسم معها معاناتها مع العقم. وتحت وطأة التعليقات وأسئلة الأقارب، تقرر النزوح إلى البحر. البحر هنا ما هو إلا حيلة، أو وسيلة لفكرة أساس أخذت من القصة الجزء الأكبر، وتتجلى في تعثرها بقارورة بداخلها رسالة... رسالة إلى مجهول. فحوى الرسالة نتركها للقارئ الكريم، لكن الأهم في القصة أنه بعد اطلاع المرأة على مضمون الرسالة ستهاتف زوجها بصوت يملأه الأمل.
المرتبة الثانية: «امرأة الموكوس» لأحمد صلاح/ مصر
من أين لسيدة بيت كل هذه القوة وهذا الصبر على تحمل كل هذا العناء؟! طلبات الزوج وإكراهات تربية أطفال ثلاثة.
النص في مجمله بسيط في لغته وبنائه. يعتمد على وصف لحالة امرأة هشة لا حول ولا قوة لها أمام «جبروت» زوج يأمر فيطاع: «بصوت خشن يأمر بأمر لا يُرد». الوصف في القصة يعتمد الحركة التي تنأى بالحكي عن السرد الممل، ومن خلال الأفعال المتلاحقة يضعنا الكاتب أمام حالات كثيرة ووضعيات مختلفة للمرأة وهي تنتقل من مكان إلى مكان في البيت، حاملة ثقل رضيعيها وثقل جسدها المنهك حد التلاشي. نفس هذه الأفعال تضعنا أمام مشهد المرأة وهي لا تدري كيف تقوم بعدة أشغال في وقت واحد درجة الارتباك والحيرة: «وأغفلت حقيقة أنها لو فعلت ما عرفت كيف تحبس الغاز عن البابور، ولا كيف تحمل البراد كي تصب الشاي، ولا كيف تمسك بالملعقة الصغيرة...».
بدأ النص واقعيًا، إلا أن الكاتب، كما يبدو لنا، بوعي الكاتب القصصي، حرص على تجنب التقريرية، التي هي إحدى الزلات التي يقع فيها بعض كتاب القصة القصيرة، فسار بالحكي نحو منطقة أخرى محبذة في القصة القصيرة بل ينشدها كثير من الكتاب، ألا وهي منطقة العجائبي. قد نقول إنه لم يصل، أو لم يقترب كثيرًا من تخومها، ولعله لم يكن يقصد توظيف العجائبي في نصه القصصي إلا بالقدر الذي يتيح له وضع نقطة نهاية للقصة، وأظن النهاية كانت مأساوية.
إشارة لابد منها تشير إلى كلمة «الموكوس». في المعجم نقرأ: الموْكوس ـ بتسكين الواو ـ هو الشخص الناقص. فهل هذا الذي كان يعنيه الكاتب؟
المرتبة الثالثة: «الزائر» لمحمد حامد/ مصر
أقصر النصوص الثلاثة، وكما سبقت الإشارة إليه، يلتقي هذا النص مع النصين السالفين في تيمة المرض، إلا أن المرض هنا، مزمن، أقعد صاحبه وألزمه كرسيًا متحركًا. الكاتب في القصة لا يشير إلى مرض بعينه، وإنما إلى أمراض فتكت أو تفتك بصاحبها المتشبث بالأمل في أن يصحو ذات صباح وقد شفي من علله وأصبح سليمًا معافى.
لكن كيف تناول الكاتب هذه الفكرة؟ أثناء قراءتنا للنص القصصي، تبادرت إلى ذهننا نصوص لكتاب كبار، ويكفي أن العنوان: «الزائر» تكرر في نصوص كثيرة لكتاب آخرين خلاف عنواني النصين السابقين. نشم في النص حضور أجواء (إدغار آلان بو) السوداوية، وقليل جدًا من كآبة ورهاب (كافكا). طرق على الباب كان بمنزلة الدخول إلى النص القصصي. زائر غير منتظَر. نفهم أنه الموت أو مسخر من لدن الموت (كان الأجدر ألا يصف سحنة الزائر بالسواد).. علمًا بأننا نفهم من سياق السرد أنه وحده كان يراه، لأن حضور الطبيب المشرف على علاجه والذي جاء متأخرًا لم يكن يرى هذا الشخص/ الزائر ولا يسمع له صوتًا. ميزة النص التكثيف، ونكاد نقول إنه تكثيف ملغز، غير أن الكاتب لم يتمكن منه بشكل متقن.
الخلاصة: لم تخل القصص الثلاث من هنات لغوية وإملائية وصرفية نرجو أن يعمل الكتاب الثلاثة على تداركها في نصوص قادمة.