إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي

جمود العقل العربي

إذا ألقينا نظرة عجلى على ما ينشر من أدبيات عربية، في الصحافة والكتب، يتبين لنا أن حصة التحذير من الغزو الإعلامي والثقافي الأجنبي، تشغل حيزاً مهما فيها. فهي دائما تدق نواقيس الخطر، وتقرع طبول الخوف من التأثيرات الخارجية الهدامة في أفكارنا ومبادئنا وتقاليدنا. ويبدو لي أن هذه المخاوف مبالغ فيها.

وإذا شبهنا هذا الوضع بحالة الجسم البشري، نجد أن هذا الجسم يستطيع أن يقاوم أي غزو فيروسي، عندما يكون منيعاً ومحصناً، ولكنه سرعان ما يتداعى وينهار أمام أول هجمة جرثومية، وهو في حالة الضعف والهزال والخوار. والأمر نفسه ينطبق على واقعنا الفكري والثقافي ومدى تأثره بالاستهدافات الخارجية.

إن هناك، بالفعل، خطرا ماحقا يهدد الفكر العربي. ولكنه، على ما أرى، لا يفد من الخارج، بقدر ما ينبع من الداخل. وهو يتجلى في بعض أجهزة الإعلام العربي الموجهة التي ترمي إلى التأثير في عقل الإنسان العربي، تأثيراً أحادياً، وفي اتجاه مرسوم سلفا، بهدف تحقيق أغراض سياسية وأيديولوجية معينة. فمثل هذه الأجهزة، ممثلة بالصحافة أو الإذاعة أو التلفاز، لا تعنى في جوهرها ومراميها البعيدة، بالحقائق أو الأحداث أو الوقائع أوالتطورات، بقدر اهتمامها بحشو عقول الناس بأفكار مغرضة، وتوجيهها توجيهاً خاصاً هادفاً، في سبيل خدمة مصالح قوى سياسية معينة. إنها تدفع القارئ أو المستمع أو المشاهد دفعاً نحو توجه معين، وتحشره حشراً ضمن بوتقة واحدة فلا تسمح له بالخروج منهما وتخطيهما نحو فضاء واسع من التعددية، وذلك تحقيقاً لمصلحة زعيم أو فئة أو أيديولوجية أو اتجاه سياسي ما.

إن مثل هذه الأجهزة، تستنفر كل إمكاناتها للدعاية والترويج في الوقت الذي تحاصر فيه عقل الإنسان العربي وتلجم تفكيره وتسد عليه جميع منافذ الحوار والمناقشة والاستنتاج وتقليب مختلف أوجه الرأي، وتبقيه حبيساً ضمن شرنقة ضيقة. هذا، في رأيي، الخطر الحقيقي الذي يهدد عقولنا بالجمود ويسمم ثقافتنا، وهو الذي يضعف بنيتنا الثقافية والفكرية ويجعلها قابلة للتأثر بالغزو الأجنبي.

وفي مقابل هذا الإعلام الأحادي، توجد الآن، لحسن الحظ، بعض المنابر العربية الراقية التي تسمح للعقل العربي بالتحرك والانطلاق، وتمنحه قدراً من حرية التفكير والاختيار. ولكننا مازلنا بحاجة إلى مزيد من مثل هذه المنابر، حتى نستطيع مواجهة الغزو الإعلامي والثقافي العربي، الموجه والأحادي. أما الغزو الأجنبي، فسيصبح من السهل التغلب عليه، بعد أن ندعّم بيتنا الفكري والثقافي الداخلي.

 

ياسر الفهد