هو . . . . هي

لا تغيير للترتيب الطبيعي

لم تهدأ مناقشاتنا طوال شهر كامل، انشغلت أسرتي بموضوع أراه جد خطير .

قبل هذا الشهر، جاءت إلي ابنتي هدى وذكرت أن زميلا لها يريد زيارتنا ، وأنه سيصطحب أسرته في هذه الزيارة، طلبت مني أن أفاتح والدها في الأمر، ثم أفهمتني أنها فرحة بهذه الزيارة وتنتظرها بفارغ الصبر .

لم يكن في الأمر غرابة على فتاة كهدى، أنهت تعليمها وبدأت تشق حياتها العملية، أن تلتقي بشأن ترى فيه زوجا وربا لبيتها ووالدا لأولادها، في هذه الحدود، لا يوجد شيء يستحق أو يستدعي حدة في المناقشة وتباعدا في الآراء .

لم تكن المشكلة مع هدى، بل كانت مع منى ابنتي الكبرى التي أنهت دراستها والتحقت بالعمل وتصبوا إلى الزواج .

تزوجت منذ 25 عاما، في البداية أنجبت منى ثم جاءت هدى ثم محمد، بعد ذلك، اكتفينا زوجي وأنا بالأبناء الثلاثة، كبرت البنتان وأنهتا دراستهما الجامعية والتحقتا بالعمل، ولا يزال محمد طالبا في الجامعة، بدأت مع زوجي اليوم الذي ينضم فيه إلى أسرتنا زوجان لابنتينا وزوجة لابننا ، كما أننا نصبو إلى تلك المشاعر العميقة التي تنشأ بين الأجداد والأحفاد، وهي المشاعر التي طالما سمعت عنها من جدتي عندما كانت تضمني إلى صدرها ومن أمي عندما أنجبت أبنائي .

تبلورت أحلامي في إطار من نظام دقيق تأتي فيه أولوية الزواج لابنتي الكبرى ثم الصغرى، لذلك ارتبكت مشاعري عندما حدث التحلل من ذلك الترتيب الموضوع، خاصة أن ابنتي الصغرى لا تتفوق على الكبرى في أي شيء .

لماذا إذن تتزوج الصغرى قبل الكبرى ؟ هل ستتأثر فرص زواج الكبرى إذا ما تزوجت الصغرى قبلها ؟، كيف ستستقبل منى خبر زواج أختها ؟ ماذا سيكون رد فعلها ؟ هل سترحب بالزيجة أم أنها ستوافق عليها أدبا وكبرياء ؟ طرحت على نفسي عشرات الأسئلة قررت رفض الزيجة من أساسها والتمسك بالترتيب والنظام الذي وضعته لنفسي كأم لاثنتين .

فاتحت حديثي عنها بقرار رفضي للزيجة . اختلفنا .

طلب مني زوجي أن نبادر باستقبال الشاب مع أسرته ثم نقرر بعد ذلك مبدأ الرفض أو القبول، صمم على أن نضع في اعتبارنا رغبة الابنة الصغرى، لم أستطع مجرد قول الاقتراح .

لا يستطيع أي رجل تقدير مشاعر الفتاة وهي ترى من تصغرها سنا تتقدمها إلى الزفاف، ربما لم يضع زوجي اعتبارا لتلك المشاعر الهادئة التي ستستقبل بها ابنتنا الكبرى الخبر ، أنا أقرب الناس إلى طبيعتها، أعرف أنها لن ترفض الزيجة ، ستقودها عزة نفسها وربما الاندفاع إلى الموافقة .

أشفقت عليها، لذلك بادرت بالرفض . لم تتوقف المناقشات منذ شهر، أقف على جانب ويقف زوجي على الجانب الآخر .

كلما اقتربت من ابنتي الكبرى تدعم إحساسي بأنها تقول ما لا تعتقد وتعبر عما لا تشعر، فيزداد تمسكي براي، وأعود إلى حيث كنت أتمسك بالنظام الذي وضعته لنفسي ، أريد أن تلد لي منى أول أحفادي .

..هي

التغيير .. خطوة خطوة

منذ فترة، جاءني محمد أصغر أبنائي قائلا وناقلا بعض أخبار عن شقيقته، منى وهدى . ذكر أنه لاحظ همسا يدور بينهما وأنه التقط ضمن ما التقط من همسات أن شقيقته الصغرى تعرفت على زميل لها في العمل . استنتج محمد أن مشروعا للزواج يتبلور وأن هدى في طريقها للزواج .

دارت مناقشات طويلة بيني وبين ابني محمد حول مبدأ قبول فكرة زواج شقيقته الصغرى قبل أختها الكبرى ، لقد تعودت أن أشرك ابني في الكثير من أمور بيتي وشون عائلتي ، أعتقد أن الأعمار بيد الله، لكن على كل إنسان أن يحصن أسرته ببعض الركائز، لا بد أن يشب الأبناء وهم الكون للقدرة على قيادة هذه السفينة الصغيرة إذا ما سافر الأب للعمل في الخارج أو إذا ما رحل عن دنياهم .

في مداولاتي مع محمد، وصلنا معا إلى أنه من الأفضل أن تسير الأمور سيرتها الطبيعية، يأتي زواج الابنة الكبرى قبل زواج الابنة الصغرى . لكن، إذا لم يتحقق ذلك الترتيب فكيف يمكننا التصرف ؟، اتفقنا، أن أمامنا حلقتين للبحث ، الحلقة الأولى هي هدى الابنة الكبرى، وكيف ستتصرف وما هو موقفها، ثم الحلقة الثانية هي ذلك الضيف الجديد . من هو وما هو مستقبله وما هي أخلاقياته ؟ قسمنا الأدوار، تحمل محمد مسئولية البحث والتنقيب في الحلقة الأولى، هدى ، عليه أن يتعرف بدقة على موقفها . كان عليه الاقتراب منها واستنتاج موقفها.

ثم تحملت أنا مسئولية الحلقة الثانية، كان علي أن أسأل عن الضيف الجدي الذي يطلب أن يكون زوجا لابنتي الصغرى .

أما بالنسبة لزوجتي، فقد اتفقت مع ابني على أن نكتشف لها مدخلا خاصا متدرجا نشدها إليه خطوة بعد خطوة، كنا نعرف رأيها مسبقا ، كنا نعرف كذلك أنها لن تستسلم بسهولة لمجرد قبول فكرة ومبدأ خلط الأولويات .

جاءني محمد وأبلغني أن هدى ترحب بالزواج غير الخاضع لترتيب الطبيعي ولكنها لا تشعر بسعادة مفرطة فهي في النهاية الابنة الكبرى التي سبقتها الصغرى .

أما ما يخص الضيف المتوقع فقد اكتشفت أنه شاب يتمتع بخلق ويمتلك مقومات مستقبل جيد .

ثم جاءتني زوجتي منذ شهر وأبلغتني من " طرف لسانها " أن ابنتنا الصغرى تريد منا استقبال أسرة زميل لها في العمل ، ثم أسرعت قائلة " ضع في حسابك أن هدى لن تتزوج قبل منى ".

طلبت منها الموافقة على استقبال الأسرة، حاولت أن أشدها إلى موقفي خطوة خطوة، ربما تغير رأيها بعد أن ترى الشاب وتستمع إليه .

اتهمتني بأنني لا أقدر مشاعر البنات ولا أرى أحاسيسهن .

شخصيا ، أتعامل مع أبنائي بلا تفرقة بين الابنة والابن ولا أضع لمعيار السن أي تمييز .

فقط إنني أخاف رفض الزيجة فتخسر ابنتي زوجا جيدا .

الفارق ، أن زوجتي تميل وتصمم على ترجيح الجانب العاطفي من الموضوع، أما أنا فلا أرى إلا الجانب الموضوعي، وكل شيء قسمة ونصيب .