الأمريكي يلهث خلف الثروة.. لا المرأة شوقي رافع

الأمريكي يلهث خلف الثروة.. لا المرأة

الديمقراطية وحروب العصابات

أمريكا مشغولة بالانتخابات وبأحدث دراسة عن السلوك الجنسي. السود يرشحون "المدمن" ليحكم العاصمة، والبيض يردون بترشيح "الخائن". . والجميع يلهث خلف الثروة... وليس خلف المرأة، أما صنع القرار في البيت الأبيض فتحكمه العلاقة الشخصية وحرب العصابات" كما يؤكد مستشار الأمن القومي الأسبق روبرت ماكفارلين.

"الأمريكيون يهتمون بالمال أكثر من اهتمامهم... بالجنس". تقولها المؤلفة الأمريكية "إيريكا جونز" تعليقا على أحدث دراسة عن، الحياة الجنسية في أمريكا". الدراسة صدرت عن مركز الأبحاث في جامعة شيكاغو، و "صدمت" الرأي العام لأنها كشفت عن مجموعة وقائع، من بينها أن الأمريكي "العادي" يلهـث خلف الثروة وليس خلف المرأة، وأن 70 في المائة من الأمريكيين يكشفون عن فحولتهم مرة واحدة في الشهر، أو في السنة، وبعضهم لا يكشف عنها إطلاقا (!).

أكثر من ذلك، تقول الدراسة الميدانية، إن 60 في المائة من الأزواج والزوجات تعرفوا إلى بعضهم بعضا، عبر طرف ثالث ـ الخاطبة أو الخاطب باللغة العربية الدارجة. وهذه النسبة العالية توحي بأن المجتمع الأمريكي هو مجتمع "محافظ" في الأعماق، مازال يحمل جذور أجداده "المتطهرين" بدليل أن 75 في المائة من الأزواج مخلصون لزوجاتهم، ويرتفع العدد إلى 85 في المائة بين النساء المتزوجات، كما تقول الدراسة.

"الثورة الجنسية" التي اجتاحت أمريكا في الستينيات والسبعينيات انتهت، ولم تعد ظاهرة "وودستوك" ـ حيث كان يلتقي أفراد جيل التمرد والغضب عراة أو شبه عراة ـ تثير اهتمام الأمريكي، إلى حد أنه عندما تظاهر في جامعة فيرجينيا، الشهر الماضي، 80 شابا و 20 فتاة عراة داخل حرم الجامعة حفاظا على "تقاليد" جامعتهم، لم يجد مسئول الأمن في الجامعة إلا عبارة واحدة للتعبير عن احتجاجه، قال: "... أعتقد أن بعضهم سوف يصاب بالزكام".

والبرودة ليست في الجو وحده (!).

لا للمدرسة... نعم للمنزل

هذه "المحافظة" التي تكشف عنها الدراسة تأخذ بعدا جديدا لدى مجموعة أمريكية ترى أن ما يهدد مستقبل أطفالها هو "المدرسة،، لذلك اختارت هذه المجموعة أن تقفل باب المنزل، وأن تقول هي بمهمة تعليم أطفالها. وقد نجحت المجموعة في انتزاع اعتراف الدولة بشرعيتها في عام 1984، حين صدر قانون يبيح "التعليم المنزلي" للأطفال، وارتفع بذلك عدد هؤلاء التلاميذ في ولاية فرجينيا وحدها من 500 طفل في عام 1984 إلى 7 آلاف تلميذ في العام الحالي.

"نريدهم أن يحصلوا على تربية دينية مسيحية متكاملة" هذا ما قاله والد أحد هؤلاء الطلاب، عندما عقد 900 مندوب عنهم ندوة، الشهر الماضي، في إحدى ضواحي فيرجينيا، ويضيف رئيس المركز القومي للتعليم المنزلي البروفيسور "بريان راي": "إن 80 في المائة على الأقل من أهالي هؤلاء الطلاب هم مسيحيون محافظون يرفضون التعليم الرسمي والخاص ويفضلون أن يقوموا هم أنفسهم بهذه المهمة".

ومع أن المدارس والجامعات المسيحية الملتزمة تنتشر بوفرة في أنحاء الولايات المتحدة، إلا أن أعضاء هذه المجموعة يرون أن هذه المدارس والجامعات ليست محافظة بما فيه الكفاية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الطلاب والطالبات. تقول إحدى الطالبات: "أرفض أن أسمع موسيقى الروك والأغاني الصاخبة، وآخر فيلم شاهدته هو "علاء الدين" كما أنني أرفض "المواعيد"، وإذا كان هناك من أعجبه، فعليه أن يتصل بأهلي، وأن يحدد موعدا ليلتقي مع... أبي".

ويعلق رئيس اتحاد المعلمين في ولاية فيرجينيا، قائلا: "الديمقراطية تعنى الوفرة... ولكن أخشى أن يسعى بعض الآباء إلى أن يجعل من ابنه نسخة طبق الأصل عنه.. إذا حدث هذا فإن الماضي سوف يصبح هو المستقبل، وهذا أمر مرعب"

المدمن والخائن والمليونيرة

والديمقراطية التي تعني الوفرة، تأخذ ملامح "شخصية" في النظام السياسي الأمريكي، فالشخص ـ في حياته الخاصة والعامة ـ هو محور الاستقطاب السياسي. ماريون باري، حاكم واشنطن السابق واللاحق، اعتقلته الشرطة الاتحادية، في غرفة في أحد الفنادق مع صديقته" وهو يتعاطى الكوكايين، حوكم وسجن، ثم خرج ليرشح نفسه، عن الحزب الديمقراطي، ليحكم العاصمة للمرة الرابعة. الصحف القومية، بما فيه صحيفة "واشنطن بوست" ومعها شبكات التلفزيون الرئيسية وقفت ضده. "هل يمكن أن يحكم عاصمة أمريكا مدمن مخدرات؟.. سوف يبدو الأمر نكتة سمجة" ولكن باري ذهب إلى حيث الفقراء والمعدمين يطلب أصواتهم فزار السجون. وتحدث مع "زملائه" المسجونين، طلب أن يقنعوا أهاليهم بانتخابه.. واكتسح منافسته التي كانت تحكم واشنطن، بعدد هائل من الأصوات.

الأفارقة الأمريكيون، أي السود وهم الأغلبية، منحوا باري صكوك الغفران، مع أن مدينتهم واشنطن، ضربت أرقاما قياسية في جرائم القتل والمخدرات والعاطلين عن العمل. بعضهم قال إن اعتقال باري كان مؤامرة وبعضهم قال: "إنه مثلنا جميعا، يخطئ ويندم ويتوب ولكنه ينهض من رماد خطاياه ليعيد بناء مستقبله ومستقبلنا" كما ورد في إحدى الرسائل التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست".

ومع أن نجاح وليال باري اكتسب صبغة "عنصرية" كما يقول معارضوه، إذ إن منافسته السيدة كيلي كانت أقل سوادا منه، كما اكتسب بعدا "طبقيا" باعتبار أن الفقراء السود كانوا أول الناخبين، إلا أن "الشعار" لا يعني الواقع في كثير أو قليل، ولنأخذ الانتخابات في ولاية فيرجينيا مثلا.

الديمقراطي باريس غلاندينغ رشح نفسه حاكما لفيرجينيا في مواجهة منافسته الجمهـورية إيلين سوربري. غلاندينغ اتهم منافسته بأنها " مليونيرة" المنافسة ردت أن هذه التهمة تعني "إعلان حرب طبقية" والحروب الطبقية انتهت حتى في روسيا، غلاندينغ قال مجددا إن منافسته هي من بدأ هذه الحرب الطبقية، عندما وعدت الأغنياء باقتطاع جزء كبير من ضرائبهم.

وتبين، بعد أن دخل الإعلام ساحة الحرب الطبقية أن المرشحين معا هما من طبقة "المليونيرية".

وفي مواجهة وليام باري يقف أوليفرنورث، بطل فضيحة "إيران كونترا غيت" الذي رشح نفسه لتمثيل الحزب الجمهـوري في مجلس الشيوخ. نورث اعترف أنه كذب على الرئيس رونالد ريغان، وكذب على رئيسه المباشر روبرت ماكفارلين، وكذب، وهذا هو الأهم، على الكونغرس الأمريكي الذي يريد أن يكون عضوا فيه ونجح نورث في أن يجمع مبلغ 17 مليون دولار من الناخبين لدعم حملته الانتخابية.

"إنه ليس كاذبا فحسب بل هو خائن" بهذه العبارة يصفه رئيسه السابق روبرت ماكفارلين في كتاب صدر أخيرا بعنوان "ثقة مميزة" والكتاب يحكي عن أيام ماكفارلين عندما كان مبعوثا خاصا للرئيس رونالد ريغان إلى الشرق الأوسط. ثم مستشارا للرئيس لشؤون الأمن القومي في البيت الأبيض، وهو في كتابه يكشف عن العنصر الشخصي" في صنع القرار السياسي، بما فيه قرار إعلان الحرب (!).

الرئيس والوزير وأبو حيدر الموسوي

يؤكد ماكفارلين أن الصراع في تلك الفترة اشتعل بين وزير الدفاع كاسبر وينبرغر ووزير الخارجية جورج شولتز "لم يكن صراعا سياسيا بل شخصيا، كان وينبرغر لا يعارض سياسة شولتز، بل يعارض شولتز شخصيا" وبعد أن تبدأ ما يسميه "حرب العصابات " داخل الإدارة الأمريكية، يكشف للرئيس أن الإدارة باتت شبه مشلولة بسبب هذه العداوة المستحكمة بين وينبرغر وشولتز، ويرد الرئيس ريغان "ولكن كليهما صديقي، لا أريد أفي أطرد أيا منهما...)، ويتصاعد هذا الصراع ويبلغ الذروة بعد نسف مقر قوات المارينز في بيروت، يقول ماكفارلين: "إن الاستخبارات الأمريكية كشفت أن المسئول عن التفجير هو "وحدة من الكوماندوس الشيعة"، تعرف باسم قوات الحسين الانتحارية" بقيادة "أبو حيدر الموسوي". وقد وضعت هذه الوحدة تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني في يونيو 1983، وكان الحرس الثوري يتوزع بين "فندق الشمس" في بعلبك، وثكنة الشيخ عبدالله القريبة منه.." وتم وضع خطة، بالتنسيق مع الفرنسيين، على توجيه ضربة جوية ردا على نسف مقر المارينز، ويضيف ماكفارلين: "وفي يوم 14 نوفمبر جمعت مجلسه الأمن القومي لمناقشة هذه القضية، وقد أعطى الرئيس ريغان موافقته على توجيه الضربة الجوية يوم 16 نوفمبر. وكان قراره مباشرا وواضحا، وفي يوم 15 نوفمبر، أبرق قائد الأسطول السادس الأمريكي الأدميرال جيري توتل، عبر القيادة. الأوربية، يطلب الإذن بتنفيذ الضربة فجر اليوم التالي، ولكنة لم يتلق أي جواب"

وفي صباح اليوم التالي يكشف وينبرغر في مكالمة هاتفية مع ماكفارلين أنه تلقى الطلب بتنفيذ الضربة ولكنه لم يستجب "ويشتعل ماكفارلين غضبا" عندما يقول وزير الدفاع: "القد شعرت أنه لا ينبغي القيام بهذا لأنه غير صحيح". ويسرع ماكفارلين إلى الرئيس ريغان لييلغه رفض وزير الدفاع تنفيذ أوامره، ويرد ريغان: "إنني لا أفهم... لماذا لم يقوموا بتنفيذ القرار؟".

ويرد ماكفارلين: "ليس هناك أي عذر أيها السيد الرئيس. لقد وافقت شخصيا على العملية، غير أن كاسبر قرر ألا ينفذها، إن مصداقية الولايات المتحدة انحدرت في دمشق إلى الصفر. ليس هناك أي مبرر. إن وزير الدفاع على خطأ، وينبغي أن توضح له مشاعرك تجاه هذه المسألة"... ويرد ربغان: "هذا مخيب للأمل فعلا. إنه أمر رهيب، كان يجب أن نقتلع شمس نهارهم.. إنني لا أفهم".

ويعلق ماكفارلين "كان واضحا أن الرئيس لن يتصل بكاسبر، فهو أمر أكبر مشقة من أن يتحمله فهو لن يحرج صديقا قديما...".

..وانتصرت الصداقة... ومعها أبو حيدر الموسوي (!).

 

شوقي رافع

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات