قطع غيار حيوانية لأجسام البشر محيي الدين لبنية

قطع غيار حيوانية لأجسام البشر

بعد ظهور مشكلات عديدة في عمليات نقل الأعضاء من البشر إلى البشر، بعضها علمي وبعضها أخلاقي، فإن الأنظار تتوجه- كالعادة- إلى الحيوان المغلوب على أمره، لانتزاع أعضائه وزرعها- بعد معالجتها- في أجسام البشر.

صاحب زيادة فرص نجاح عمليات زرع الأعضاء في جسم الإنسان وازدهارها انتشار المراكز المتخصصة في عدد متزايد من دول العالم، لكن يحد من نشاطاتها قلة الأعضاء البشرية المتوافرة للزرع سواء من متبرعين أحياء أو أموات نتيجة عدة أسباب منها عاطفي المنشأ وآخر تنظيمي، وساهم النجاح الذي حققته حملات التوعية للتبرع بالأعضاء بعد الموت في أوربا وشمال أمريكا وأستراليا، وكذلك تشجيع أقارب المصابين بموت جذع الدماغ Brain stem death - وهم في حكم الموتى سريريا- للتبرع بأعضائهم في توفير ما يزيد على نصف العدد المطلوب من الأعضاء البشرية للمرضى الذين يحتاجون إليها، كما أدخلت بعض الدول تعديلات على قوانينها تسمح بنقل أعضاء الإنسان بعد موته إلى المرضى، ما لم يقرر عدم رغبته في ذلك مما حسن من فرص توافر الأعضاء للزرع، وتباع في جمهورية الصين الشعبية أعضاء المحكوم عليهم بالموت لاستخدامها في عمليات زرع الأعضاء للمرضى الأجانب الذين يفدون إليها لهذا الغرض، وازدهرت أيضا تجارة بيع الأعضاء من متبرعين أحياء لمرضى أغنياء في بعض الدول الفقيرة كالهند. وفي مواجهة الطلب المتزايد على الأعضاء البشرية كالقلب والكبد والرئتين المراد زراعتها للمرضى ونقص المتوافر منها تركزت اهتمامات العلماء نحو استخدام قطع غيار حيوانية -Xeno grafts والتغلب على حاجز اختلاف الجنس لإتاحة الفرصة أمام الحيوان أن يكون هو المتبرع- رغم أنفه بالطبع- عوضا عن الإنسان.

تجارب علمية رائدة

منذ زمن طويل فكر الأطباء في نقل أعضاء حيوانية للإنسان، وظل ذلك حلما راودهم إلى أن أصبح واقعا في أوائل الستينيات من هذا القرن عندما نجح العالم "ك. ريمتزما" في نقل الكلى من قرود من نوعي الشمبانزي والبابون إلى المرضى، ثم تلاه قيام الطبيب الجراح "ستارزل" ومعاونوه بعمليات في زرع مشابهة، وعملت إحدى الكلى التي نقلوها من شمبانزي إلى مريض أطول فترة واستمرت 9 شهور، ولسوء الحظ توقف هذا البرنامج نتيجة قصر فترة بقاء الكلى الحيوانية حية داخل أجسام المرضى.

كما أجرى الجراح "هاردي" عام 1964 خلال موجة الحماس التي واكبت نقل الأعضاء الحيوانية للإنسان أول عملية نقل قلب شمبانزي إلى مريض كان عمره 68 سنة، ولم يعش طويلا بعد زراعته، ، ثم أجريت عملية زرع قلب قرد من نوع البابون لطفلة كانت حياتها مهددة بخطر الموت، ولم يكن أمام الأطباء في ذلك الوقت خيار آخر لعدم توافر قلب بشري يناسبها، ولسوء الحظ لم تحقق عمليات نقل قلب حيواني لإنسان نتائج جيدة.

كما جرب بعض الأطباء استخدام عظام من عجول صغيرة في إصلاح إصابات في عظام مريض، وحاول آخرون استخدام غضاريف مأخوذة من الثيران لإصلاح عيوب في الأنف، كما زرعت قرنية عين خروف لمريض ولكنها لم تحقق نتائج جيدة، واستخدم البعض له تجاربهم طعوم أوعية دموية مأخوذة من الحيوانات كبدائل للأجزاء. التالفة منها في الإنسان، لكن تفوقت عليها في المزايا عملية استعمال أوردة من جسم المريض نفسه. وقد أكتشف العلماء خلال دراساتهم لحالة التوافق النسيجي بين الحيوان والإنسان وجود أعلى درجات القرابة الوراثية بين القرود من نوع شمبانزي والإنسان مما يزيد طول فترة بقاء العضو المنقول منها حيا في جسم المريض، لكن الشمبانزي هو من الحيوانات المعرضة للانقراض، ثم يأتي بعده القرود من نوع البابون وهي أفضل حظا في البقاء على الأرض ع لكنه أبعد وراثيا عن الإنسان، وتكون أعضاؤه كالكبد والقلب والرئتين ليست بحجم كاف لنقلها للمرضى البالغين.

ويعتقد البعض أن الخنزير هو أكثر الحيوانات حظا ليصبح مصدرا للأعضاء الممكن نقلها للإنسان على الرغم من كونه من رتبة أخرى للثدييات، وقام العلماء خلال السنوات القليلة الماضية بمحاولتين جريئتين لإحداث التوافق النسيجي بين الحيوان والإنسان عن طريق نقل أعضاء من قرد البابون إلى الإنسان وكان لها صدى دعائي واسع برغم أنها لم تحقق النجاح المرجو منها، كما استعملوا الأبقار والكلاب والخراف مصدرا لقطع غيار حيوانية للمرضى، وظهرت معارضة شديدة من جمعيات الرفق بالحيوان لجعلها مصدرا لقطع الغيار في عمليات زراعة الأعضاء لإنسان..

مشكلات ونجاحات

من أكبر المخاطر التي تواجه عمليات نقل أعضاء حيوانية كالقلب والكبد إلى الإنسان حدوث ما يعرف بـ "مرض رفض الجسم للطعم المزروع" نتيجة ردود فعل المناعة الطبيعية التي تظهر في جسم المريض، الناشئة عن حالة عدم التوافق النسيجي بين الحيوان المتبرع والإنسان، ويكون قرد الشمبانزي أقربها وراثيا للإنسان، لذا تكون فرص نجاحه أفضل من غيره من الحيوانات. ولقد لاحظ فريق من الأطباء بعد دقائق من زرع عضو حيواني من الخنزير مثلا في جسم مريض، توقف سريان الدم خلاله ظهور أجسام مضادة طبيعية له ونشاط المكمل. Complement في الدم سببت حدوث تلف شديد في الغشاء المبطن للأوعية الدموية للعضو المزروع، وتكونت خثرات دموية وحدث نزيف دموي، وتسمى هذه الأعراض المرضية بتفاعلات عدم التوافق النسيجي بين العضو الحيواني المزروع والإنسان، وهناك ضرورة دراسة طبيعة ردود الفعل الفسيولوجية للعضو الحيواني المنقول للمريض كالكبد بما فيها الإنزيمات والهرمونات وقدرته على القيام بالوظائف الجديدة المكلف بها بشكل جيد في الجسم البشري، كما تواجه عمليات الزرع عدم تناسب حجم العضو الحيواني المراد نقله كالقلب مع مثيله في جسم الإنسان البالغ وإن كان يناسب المرضى من الأطفال.

ويمكن وقف حدوث تفاعلات عدم التوافق النسيجي بعد زرع العضو الحيواني في جسم المريض عند التغلب على الأجسام المضادة الطبيعية والمكمل. وفي مطلع التسعينيات من هذا القرن أجرى العالم وايت ومعاونوه في جامعة كامبردج بالمملكة المتحدة دراسته على آلية تنشيط المكمل في دم الإنسان بوساطة الأغشية المبطنة الداخلية للعضو الحيواني المنقول، فاستطاع إعاقة تنشيط المكمل بواسطة بروتينات تعرف بـ "البروتينات المضادة للمكمل" وهي متخصصة لأنواع حيوانية دون سواها، كما نجح حديثاً فريق آخر من العلماء في إدخال المورثات المسئولة عن البروتينات المضادة للمكمل من نوع العامل المسرع للتلف في بيضة أنثى الخنزير، فأمكنها ولادة ما عرف ب "خنزير انتقالي وراثيا" يحتوي على مورث خاص، ومن ثم نتفادى تنشيط المكمل في دم الإنسان، ومازالت جهود العلماء مستمرة في مجال التغلب على حالة رفض العضو غير المتوافق نسيجيا بعد نجاح إطالة فترة بقاء العضو المزروع غير المتوافق نسيجيا في جسم المريض عند إعطائه علاجا مكثفاً بمثبطات المناعة الطبيعية وما قد تسببه من مضاعفات صحية.

وقد أثمرت الجهود المضنية للعلماء عن نجاح استخدام بعض الأعضاء الحيوانية في علاج المرضى، وتستعمل على نطاق واسع الدسامات (الصمامات) الحيوانية من قلوب الخنازير وأحيانا الأبقار كبدائل لأخرى تالفة لمرضى القلب مثل مرض القلب الروماتيزمي وهي منخفضة الثمن وتتفوق في مزاياها العلاجية على الدسامات الصناعية الأخرى كالمحضرة من اللدائن بانخفاض معدل تكوينها الصمامة الخثرية عند استخدامها ويمكنها العمل جيداُ فترة خمس سنوات ثم تتناقص قدرتها على العمل بشكل تام تدريجيا بعد ذلك في المرضى الذين تزيد أعمارهم على 35 سنة، وقد يعمل دسام قلب الخنزير في جسم المريض الأكبر سنا فترة تصل إلى حوالي عشر سنوات، لكن يرتفع معدل حدوث قصور وظيفي في عمله، ويكون هذا النوع من الدسامات سريع التلف في الأطفال نتيجة ترسيب عنصر الكالسيوم الموجود في الدم فيه، لذا ينصح الأطباء بعدم زراعة الدسام المأخوذ من الخنزير للمرضى صغار السن واستعمال دسام صناعي آخر يستطيع العمل فترة أطول منه.

ويستخدم الأطباء أحيانا طعوما جلدية مجففة بعد تجميدها، مصدرها الخنازير والكلاب كغطاء حيوي مؤقت للجروح التي تسببها الحروق لمساحات كبيرة من جسم المصاب، ثم تفصل هذه الطعوم من الجروح عند توافر مساحات جلدية من المريض نفسه، وتباع هذه الطعوم الجلدية على شكل شرائح وتعامل بطريقة خاصة قبل استعمالها للمريض، كما حقق استخدام الأغشية الرقيقة المحيطة بأجنة الأبقار بعد فصلها من المشيمة نجاحا في علاج الجروح التي تسببها الحروق لمساحات كبيرة من جسم المصاب وتستعمل كغطاء حيوي لتقليل فرص حدوث الإنتانات الجرثومية وفقد السوائل من الجروح، كما نجح الإنسان منذ وقت طويل في استعمال أمعاء الخراف في عمل خيوط جراحية يمتصها جسم الإنسان دون الحاجة إلى إزالتها بعد شفاء الجروح.

المستقبل!!

يتوقع كثير من العلماء أن تصبح الحيوانات مصدراً متاحاً لقطع غيار يمكن نقلها إلى الإنسان خلال العقد القادم لمواجهة الطلب المتزايد عليها خاصة بعد نجاح الجهود العلمية مستقبلا في مجال نقل المورثات البشرية إلى الحيوان فيما يعرف بتقنية الحيوانات المتحولة وراثيا التي هي موضع اهتمام الأبحاث العلمية الحديثة لفوائدها في مجال اكتشاف أدوية وطرق علاجية جديدة للأمراض التي تصيب الجنس البشري.

 

محيي الدين لبنية

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات