كائنات وضاءة إبراهيم عبدالله العلو

كائنات وضاءة

يضم كوكبنا الجميل مخلوقات بديعة متمايزة. تملأ العالم بالحياة وتجعله ينساب ألقا ويفيض توردا ويسطع بريقا آسرا، ليكمل رسم لوحة الخلق المعجز. فهل نتأمل في شيء من أجزاء هذه اللوحة؟

في أماسي الصيف المظلمة تملأ الريف أضواء متماوجة تصدرها الحباحب Fireflies بلمح البصر وتراقص حولها. ويطلق سراج الليل وميضا "خافتا" من نحدعة العشبي، بينما يسم توهج أخضر واه وجود الفطور. تلك في المخلوقات المتألقة ـ Lu minescent التي تصنع أضواءها الخاصة.

يعج البحر بصانعات الضوء مثل البطلينوس وبعض الأسماك والحبار والإسفنج والبكتريا التي تتلألأ في الظلام. ويعتقد أن ما يقرب من 90% من جميع الكائنات الحية التي تعيش في المياه العميقة هي كائنات متألقة. لقد بدأت تعض هذه المخلوقات بالخروج من مواطنها الطبيعية لتدخل المختبرات حيث تسخر للعمل كأدوات ووسائل حية. وقد تكشف آلية الإضاءة لديها والتي تسمى بالتألق الحيوي bioluminescence عن أشياء عديدة مثل سمية بعض مخلفات المعامل الكيميائية وحسن أداء الخلايا في نسيج العضلات وحتى مستوى الأمان لجرعة من الإشعاع. لقد ثبت أن هذه المخلوقات الحاملة للضوء أشد حساسية من أيه أدوات صنعتهـا يد الإنسان حتى اليوم.

تستخدم تلك المخلوقات الضوء للمحافظة على وجودها في بيئاتها الطبيعية واستمرار ذراريها.

أضواء لمقاصد شتى

توظف بعض الضواري في المحيطات أنوارها الطبيعية لاصطياد طعامها وتمتلك بعض أنواع القرش في أعماق البحر أعضاء متألقة توجد قرب بطونها. وتقترح إحدى النظريات أن هذه الأعضاء تتقد عندما يقترب القرش من السمك في الظلام ألد أسى، بعد ذلك يمكن ابتلاع الضحية المرتاعة والتي تسمرت في مكانها بسهولة بالغة. وتحمل بعض أنواع سمك أبو الشص angler fish مصباحا "مترعا" بالبكتريا أعلى لاحقة يستخدمها كعصا صيد لإغواء الفريسة وجذبها نحو فمه. بينما تستعمل حيوانات أخرى الضوء لتفادي الضواري، إذ تتقيأ بعض أنواع حبار البحر العميق غيمة من الحبر المضيء على مهاجميها ثم تسبح مبتعدة وتترك أعداءهـا مصابة بالارتباك والعمى المؤقت. وتبين أن بعض أنواع الحباحب تزيد من حدة وتكرارية الومضات لاستخدامها كأضواء هبوط كي تتجنب الماء أو شباك العناكب.

تستخدم حيوانات أخرى تألقها لإنارة المناطق المحيطة بها تحت الماء. يحتوي سمك photoblepharon فوتوبليفارون على أكياس من البكتريا المتألقة أسفل كل عين والتي تساعد المخلوق على تفحص واستكشاف البيئة بحثا عن الغذاء. ومعظم أسماك أعماق البحر حساسة فقط للضوء الأزرق وهو القسم الوحيد الذي يخترق أعماق المحيطات، ولكن أحد الأسماك من نوع أريستوستومياس Aristostomias scintillans يتمكن من رؤية اللون الأحمر، إذ تمتلك رقعا حمراء متوهجة أسفل العينين تستخدمها للتسلل خلسة نحو فريستها درن أن تلاحظ. ويعتقد بعض العلماء أنها تستخدم أضواءها الحمراء أيضا للاتصال فيما بينها.

يستخدم الضوء في كثير من الأحيان من أجل التزاوج. وخلال موسم التزاوج تصعد أنثى دودة البحر النارية Odontosyllis إلى السطح وتسبح في دوائر متراصة وهي تريق البويضات الممزوجة بالمخاط الأخضر المتوهج ثم يقوم الذكر الذي جذبه الضوء وحركاتها بإخصاب البويضات.

تشتهر الحباحب بكونها عشاقا حاملة للضوء، إذ تقوم تلك الخنافس بالإعلان عن حاجتها لقرائن مع ومضات ذات أنماط متنوعة تنتجها أعضاء إضاءة متخصصة موجودة أسفل أبدانها، وتقوم إناث النوع فوتوريس Photoris بإصدار الإشارات لجذب ذكور الأنواع الأخرى ثم تحاكي الإشارات الجنسية من نوع مختلف، وتستجيب الذكور المخدوعة للنداء البراق دون أن تعلم أنها تسير إلى حتفها.

كيف يتولد الضوء؟

كشف عالم الحشرات جيمس لويد من جامعة فلوريدا أن ذكور فوتوريس تقلد أيضا إشارات الذكور الضحية، ربما لتقترب أكثر فأكثر من إناثهـا ويقول لويد شارحا: إذا حضر ذكر فوتوريس وهو يصدر أضواء مثل أضواء الضحية فقد ترد الإناث على الإشارة، وربما يجتمع الاثنان للتزاوج. ولكن بعض أمثلة الإضاءة الحيوية مثل إضاءة السوطيات ـ dino flagellates الوحيدة الخلية لاتزال لغزا محيرا. تضيء هذه المخلوقات المجهرية مياه المحيط بوميض فوسفوري، لكن ما الغاية من استخدام الضوء؟.

يعرض علماء الأحياء تفسيرات عديدة محتملة. بعضهم يقول بما أن تلك المخلوقات تومض عندما تحتك بشيء ما فإنها قد تضلل سمكا عابرا وتدفعه نحو ضوار ليلية. وربما يكون فتات الطعام الوجبة التالية للسوطيات. لا يعرف أحد على وجه اليقين لم تنتج بعض المخلوقات الضوء في حين لا يقوم البعض الآخر بتوليده. ولكن العلماء يعرفون كيف تنجو الكائنات المضيئة ذلك. لقد لاحظ الإنسان الإضاءة الحيوية منذ آلاف السنين، ولكن تفهمه لها لايزال حديث العهد إلى حد ما. إذ لاحظ أرسطو الضوء الصادر من جذع خشبي وربما شاهد كريستوفر كولومبوس الديدان البحرية الوضاءة وهو في طريقه نحو العالم الجديد. ولكن قبل أكثر من 100 عام قدم الفسيولوجي الفرنسي رافائيل دربوا أول تفسير لكيمياء توليد الضوء

ينتج الضوء البيولوجي على المستوى الجزيئي، إذ يجب أن يدفع الجزيء أولا إلى مستوى طاقة أعلى، وغير مستقر في آن واحد، وعندما يقفل عائدا إلى وضعه الطبيعي يصدر "فوتون" أو جسيما من الضوء.

يقول الدكتور جون بوك من المعهد الأمريكي القومي للصحة يجب أن يدفع الجزيء إلى مستوى طاقة أعلى وفي الإضاءة الحيوية يحدث ذلك بوسائل كيميائية وفي النور اللصفي fluorescence بوسائل فيزيائية مثل الضوء فوق البنفسجي. هناك طائفة من التفاعلات الكيميائية التي تسبب الإضاءة الحيوية وأحد الجزيئات الكيميائية الحساسة في مثل تلب التفاعلات يسمى عادة اللوسفرين ـ Lu ciferin أو حامل الضوء

عندما يتحد اللوسفرين مع الأوكسجين بوجود إنزيم يعرف باسم لوسفريز Luciferase وأحيانا مع جزيئات أخرى تختلف تبعا للنوع المشمول ينتج عن ذلك الاتحاد جزيء في مستوى طاقة أعلى يكفي لإصدار الضوء.

وثمة طريقة أخرى لتوليد الضوء في السمك الهلامي المسمى Aequorea أيكوريا وهو حيوان يمتلك خلايا زرقاء وضاءة تسمى بالخلايا الضوئية Photocytes تنتشر حول حافة جسمه ولدى تعرض الحيوان للمضايقة أو الإثارة فإنه يحرر شوارد الكالسيوم التي تقدح بروتينا يسمى أيكورين ـ ae quorin ليصدر فوتونات من الضوء.

لا يعرف أحد لماذا وكيف تولدت تلك الأنظمة. ويقول بوك: لا توجد مستحثات كثيرة تحمل أعضاء وميض معرفة، إضافة إلى ذلك لا نعرف الكثير عن الخلفية الوراثية لتلك المخلوقات بما يكفي لفهم كيفية تطوها.

وسواء فهم البحاثة أم لا جذور الإضاءة الحيوية فإنهم يسلكون مناحي عديدة لوضع تلك الظاهرة قيد العمل في المختبر وفي حقول الطب والكيمياء والصناعة.

إذ أصبح علم السطوع Luminosity أداة بحث لا يمكن الاستغناء عنها.

تطبيقات عديدة

تتمثل أحذ التطبيقات الأكثر شيوعا للإضاءة الحيوية في الكشف المبكر عن الأخماج البكتيرية حيث تضاف المواد الكيميائية المستخلصة من ذيول الحباحب إلى عينة من بول المريض. تتطلب هذه المواد الكيميائية الادينوزين ثلاثي الفوسفات وجه (وفي مادة أيضية تستخدمها جميع الخلايا الحية) كي تتوهـج وتتفاعل مع الـ حول بوجود البكتريا لأن البول لا يحتوي في الحالة الطبيعية على الـ Atp وإذا بدأت العينة بالتوهج فإن ذلك يدل على وجود خمج بكتيري.

تشمل تطبيقات أخرى اختبار مستويات مواد كيميائية محددة. وعندها تتحد المضادات الحيوية والمبيدات الحشرية والملوثات الكيميائية مع البكتريا الملائمة فإنها سوف تتسبب في إخفات ضوء المخلوق. ويخبرنا مستوى تدني حدة الضوء عن سرعة وحسن أداء المواد الكيميائية وبمعنى آخر مدى سميتها.

يختبر الدكتور ميلتون كورمير والدكتور جون وامبلر من جامعة جورجيا مستوى أداء خلايا الجسم باستخدام بروتين مولد للضوء يسمى أيكورين مستخرج من السمك اللامي. وقع الاختيار على الأيكورين لأنه يتألق بوجود شوارد الكالسيوم التي تعتبر أساسية لكثير من استجابات الجسم البشري ودون الكالسيوم لا تتمكن العضلات والأعصاب من العمل على أكمل وجه. يحقن البحاثة الأيكورين في الخلايا ويقيسون الضوء الصادر، والذي يوفر مقياسا دقيقا لارتفاع مستوى شوارد الكالسيوم في الخلايا، أما الدكتور جوزيف مانتل من مشفى ديترويت فيستخدم الإضاءة الحيوية البكتيرية لقياس جرعة الإشعاع التي سوف تتمكن من تدمير الأوراق السرطانية بشكل آمن وفعال. قد تختلف نفس الجرعة المولدة من نوعين مختلفين من الإشعاع إلى حد كبير من حيث القوة وتأثيرها على مريض ما. وتبين أن مستوى الإضاءة المتبقية بعد التعرض للإشعاع يعتبر دليلا موثوقا لقوته الفعلية، ويقول مانتل: نأمل بتحويل معرفتنا بمقدار الجرعة الآمنة لنوع من الإشعاع إلى نوع آخر لم يسبق اختباره.

ولكن ما يؤرق بعض العلماء مشكلة تتمثل في الحاجة إلى إنتاج ما يكفي من مادة الإضاءة الحيوية، ويقول العالم كينيث ويلسون وزملاؤه في معهد سكربس بمحاولة جادة لحل هذه المعضلة، إذ قاموا بإنسال Clone مورثات البكتريا المتألقة في الأي كولي E. Cloicoli وهي بكتريا ضائعة يسهل تربيتها ومعاملتها.

ويقول ويلسون إذا تمكنا من الحصول على سمك نادر يمتلك آلية الإضاءة الحيوية وقمنا بإنسال تلك الخاصية في شيء مثل الخميرة التي تنمو بسرعة فعندها نستطيع إنتاج مادة كيميائية ثمينة بطريقة رخيصة.

 

إبراهيم عبدالله العلو

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




يقوم العالم كينيث نيلسون بتحليل ضوء البكتيريا المضيئة بالأواني الزجاجية





يمتلك سمك الضوء الومضي Flashlight مصابيح أمامية وهي عبارة عن بكتيريا متألقة أسفل عينيه تنير له طريقه





تعبر الموجات من الضوء بنفسج البحر عندما يرتطم بشيء ما





تبقى أضواء سراج الليل في نيوزلندة متقدة مدى الحياة





يتورد السمك الهلامي عندما يتعرض للإثارة أو حتى لدى مرور سفينة عابرة