قضية إشكالية القمر الصناعي العربي أحمد عبدالملك

قضية إشكالية القمر الصناعي العربي

برزت فكرة استخدام تكنولوجيا الفضاء للاتصال فيما بين الدولي العربية خلال مؤتمر وزراء الإعلام العرب الذي عقد في (بنزرت) بتونس عام 1967، حيث كان التوجه آنذاك سياسيا بحتا، روعي فيه أن يمتص الهزيمة العسكرية ويرفع الروح المعنوية، وإيصال صوت الحق العربي خارج المدى الإقليمي.

في إبريل 1976 وخلال اجتماعات وزراء المواصلات العرب في القاص برة (أي بعد 9 سنوات من ظهور الفكرة) تمت الموافقة على إنشاء المؤسسة العربية للاتصالات الفضائية، على أن تكون إحدى قنوات الجامعة العربية. وتلخصت أهداف مؤسسة في الآتي:

1- توفير استثمار قطاع فضائي عربي للخدمات العامة والمتخصصة في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية لجميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وفقا للمعايير الفنية والاقتصاد المعمول بها عربيا ودوليا.

2 - ومن أجل تحقيق هذه الأهداف فللمؤسسة أن تقوم بالأنشطة التالية:
أ - مساعدة الدول العربية فنيا وماديا في تصميم وتنفيذ المحطات الأرضية.
ب - إجراء البحوث والدراسات الخاصة بعلوم وتكنولوجيا الفضاء.
ج - التشجيع على إنشاء الصناعات اللازمة لتجهيز القطاع الفضائي والمحطات الأرضية في الدول العربية.
د - القيام بعمل النقل التلفزيوني والإذاعي بين الإدارات والهيئات المختصة في البلاد العربية؟ عن طريق الشبكة الفضائية العربية وكذلك وضع قواعد استعمال القنوات المخصصة للتلفزيون والإذاعة بما يحقق المطالب المحلية والجماعية للدولي العربية.

3- أي أنشطة أخرى تخدم أهداف المؤسسة غير ها تقدم، توافق عليها الجمعية العمومية للمؤسسة بناء على اقتراح دولة أو أكثر من الدول الأعضاء في المؤسسة أو من مجلس الإدارة.

التأخير في الإطلاق والتشغيل

ولئن كانت فترة السنوات التسع منذ بروز الفكرة حتى توقيع اتفاقية إنشاء المؤسسة طويلة بالنسبة للتطور التكنولوجي الرهيب الذي مازال يجتاح العالم، فإن الفترة من توقيع ذلك العقد 1976 وحتى إطلاق القمر الصناعي في 1985 هي الأخرى طويلة وهي أيضا تسع سنوات. وما زاد في الإشكالية التي نحن بصددها أن التشغيل التجاري الحقيقي لم يبدأ إلا مع نهاية العمر الافتراضي للجيل الأولى من الأقمار (أي مع بداية التسعينيات).. إذن المشروع من جانبه الهندسي تأخر حوالي 32 عاما وهي فترة ليست بالقصيرة رجوعا إلى ما يصرفه كل بلد عري على اتصالاته، من خلال استخدام شبكة (الانتلسات) وغيرها من الشبكات العالمية.

وهكذا تم أن المشروع الذي تكلف حوالي 300 مليون دولار - برغم أن رأسماله الأصلي 100 مليون دولار لم تتم الاستفادة منه على الرغم من أن المشروع يوفر خدمات متعددة سيرد ذكره ا لاحقا.

هذا التأخير لا بد- من الناحية السيكولوجية- أن يعكس نمط التفكير والتنفيذ ونظرة الإنسان العربي لعامل الوقت، وهذا مبحث بعيد عن طرحنا الحالي كما أنه- التأخير كأن وليد ظروف سياسية كما سنرى لاحقا.

المشكلة الكبرى في الاستخدام

مع بداية إطلاق قمري (عربسات) الأول عن طريق الصاروخ الفرنسي (أريان) في 2/82/ 1985، والثاني عن طريق مكوك الفضاء (ديسكفري) في 1985/6/17 لم تكن المحطات العربية جاهزة لاستقبال البث الوارد من (عربسات)، وكان لا بد من التردد وانتظار وفحص مدى المصداقية والكنية والجودة للشبكة قبل أن يتم إنشاء المحطات، وقبل أن ينقل العرب حركة اتصالاتهم على (عربسات).

إذن فلقد كان هـنالك شك وخيفة هن نجاح المشروع، ليس هندسيا فحسب، بل سياسيا، وهذا ما لمسته لجنة تابعة لاتحاد الإذاعات العربية زارت الدول العربية للتعرف على احتياجاتها من خدمة القمر الصناعي اتحاد إذاعات الدول العربية التعجيل في مجالات الاستخدام إذاعيا تلفزيونيا، لكن عدم وجود المحطات كان عائقا أمام التبادل في مراحله الأولى. وتمحور الاستخدام التلفزيوني حول نقل بعض المباريات الرياضية ومواسم الحج وتبادل محدود للأخبار عبر مركز التبادل العربي بالجزائر، وهذا كله لم يخرج عن استخدام ضئيل للإمكانات الهائلة الموجودة على عربسات، وهو استخدام حدده أحد المسئولين العرب عام 9987 بأنه لم يتجاوز 1% من إمكانات القمر.

ومع أن تطورا ملحوظا طرأ في حجم الاستخدام إلا أنه جاء متأخرا ومع نهاية العمر الافتراضي للجيل الأول من أقمار عربسات. وعلى الرغم من أن الاتفاقية الخاصة بمشروع عربسات (المادة الثالثة) تنص على ثلاثة أهداف رئيسية، منها إجراء البحوث والدراسات الخاصة بعلوم وتكنولوجيا الفضاء. وكذلك الحث على إنشاء الصناعات اللازمة لتشجيع القطاع الفضائي والمحطات الأرضية، إلا أن ذلك ظل بعيدا عن التحقيق بدليل أن شركات آسيوية بدأت تنشر إعلانات لأطباق تتعامل مع عربسات.

بعد عامين من تشغيل المشروع وحتى تاريخه لم يتم التفكير بالصناعة المشار إليها برغم شراء المؤسسة لقمر كندي.. وهذا ما يعيده الكتاب إلى الأذهان من تبعية إلكترونية للمشروع.

وهذا لا يخرج عن الهاجس الذي أشار إليه الدكتور موسى المزيدي وصرخته الحقيقية المنشورة في العربي (العدد 422) بأن يكون المشروع عربيا بعيدا عن التبعية الغربية.

الواقع الذي مرت به المؤسسة

إن تناول إشكالية القمر الصناعي العربي يجب أن يبعدنا عن حديث العواطف، ويجعلنا نناقش القضية بروح من المسئولية والتقدير للظروف التي أحاطت بالمشروع، فعلى الرغم من أن دولا عربية ترددت في دفع أنصبتها في المشروع، كما ترددت أخرى في تحويل حركتها الاتصالية من الشبكات الأجنبية، إلا أن ظروفا إقليمية ودولية أخرى كان لها تأثير مباشر على وضع القمر الصناعي العربي، ولعل تأخر إطلاق أقمار عربسات (بعد توقيع العقود) ولمدة ستة شهور كان بسبب محاولة إسرائيل عرقلة المشروع وذلك بالضغط الذي مارسه اللوبي الصهيوني على الكونغرس الأمريكي بعد إعطاء شركة (فورد) رخصة بيع قطع الغيار إلى أقمار عربسات بحجة أنها سوف تستخدم لأغراض عسكرية من قبل أعداء إسرائيل.

وبعد التأخير منحت الرخص تحت قائمة طويلة من الشروط وهي:

1 - إن قطع الغيار التي ستباع لأقمار عربسات لها قيمة عسكرية قليلة.

2 - توجد اتفاقية سرية تربط عربسات بالقمر الأمريكي، (أنتلسات) الذي يضم معظم الدول العربية.

3 - إن بيع قطع لعربسات سيؤمن فرصا عديدة للشعب الأمريكي ويفيد الشركات.

4 - إن بيع قطع لعربسات لا يأتي بالضرر على إسرائيل.

5 - إن إعطاء رخصة لشركة (فورد) لا يعنى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية أو تحسين العلاقات مع ليبيا.

6 - إن معظم الدول العربية. تربطها علاقات صداقة مع أمريكا.

ولا نود الحوض في واقع الخلافات السياسية التي عصفت بالمنطقة خلال الثمانينيات، وبعثرة الجهود والموارد العربية، وسوء الفهم الذي ساد أجراء كثيرة في المجالات المختلفة.

وحتى لا نخرج من المأزق الهندسي لا بد أن نشير إلى تطورات جد مهمة حدثت مع ظاهرة البث الفضائي عبر الأقمار الصناعية وهي في بلدانا عربية بدأت تفكر جديا في إطلاق أقمار لها... وهذا بطبيعة الحال سوف يضعف الموقف المالي لمشروع عربسات والذي تساهم فيه كل الدول العريية، مع العلم بأن هنالك تقنية مهمة اشتمل عليها القمر وهي: القناة غزيرة الإشعاع، التي لم تستخدم حتى مع تطور الوعي وظهور موجة البث الفضائي.

كما لا بد من الإشارة إلى الخدمات المتعددة التي عول عليها المهندسون الحرب عندما شاركوا في تصميم التصورات الخاصة بتلك الخدمات.. وهي:

ا - تبادل البرامج والمواد الإخبارية.

2 - البث التعليمي. ويشمل:
أ - رفع مستوى الخدمة التعليمية المنهجية.
ب - الأخذ بالنظريات الحديثة في طرق التعليم
ج - تدريس اللغات خاصة الأجنبية.
د - تدريب المعلمين.
هـ - تعليم الكبار ومحو الأمية.
ز - الإرشاد الزراعي والصحي.
حـ - التنمية الاجتماعية.
ط - تبادل البرامج الثقافية والفنية.

3 - تراسل المعطيات (البيانات): 16 خدمة متنوعة.

4 - الاتصالات العارضية:
أ - اتصالات الإغاثة.
ب - اتصالات المناطق النائية والمعزولة.
ج - التطبيب عن بعد.
د - نقل المؤتمرات تلفزيونيا.

5 - الاتصالات المحلية:

وللأمانة العلمية فإن أداء القمر الصناعي العربي خلال عام 1993 كان جيدا وبلغت الحركة الهاتفية الإقليمية زيادة قدرها 8,6% على ما كانت عليه في نهاية عام، 4199 بينما تراجع معدل الإرسال التلفزيوني خلال العام نفسه إلى 258 دقائق في اليوم مقابل 214 دقيقة لعام 1991، أما معدل الاستقبال فكان عكس ذلك، حيث بلغ 520 دقيقة في اليوم مقابل 295 دقيقة في اليوم خلال عام 1991.

وجاء في تقرير للمؤسسة العربية للاتصالات القضائية أن نسبة استغلال القمر الصناعي العربي الثالث أصبحت 100% إذ يحمل اجر الهاتفية الإقليمية عبر ثماني قنوات قمرية بما مجموعة 3018 قناة هاتفية، كما تستأجر الدول العربية القنوات القمرية الباقية عبر أربع عشرة قناة لخدمة البث التلفزيوني وخدمة الاتصالات الهاتفية المحلية، بالإضافة إلى القناة التي استأجرها اتحاد إذاعات الدول العربية، والقناة القمرية الإقليمية التي تخصصها عربسات لتبادل البرامج التلفزيونية بين الدول العربية.

ولا يختلف الإعلاميون العرب على أن التطور الذي لازم الجانب الهندسي، في مشروع عربسات، لم يقابله تطور مماثل في الجانب البرامجي، وهذا ما حدا بالبعض إلى تشبيه حالة عربسات بمن وضع العربة أمام الحصان.

إذ كان من المفروض أن تلتفت الجهات المختصة إلى وضع التصورات الخاصة باستخدام القمر، وعرضها على المسئولين المختصين لتكون معدة مع بداية إطلاق الأقمار. لكن الواقع خالف هذا كثيرا، وبرزت اتجاهات واجتهـادات في الدوائر الرسمية بأن بعض الدول العربية تحاول الهيمنة على المشروع، وأنها - هذه الدول - سوف تستخدم المشروع كبوق دعائي مما سبب تراجعا- حتى هذا اليوم- في طرح التصورات الأكاديمية التي وضحت خلال نقاشات اتحاد إذاعات الدول العربية في بداية الثمانينيات.

وبرغم أن اتحاد إذاعات الدول العربية، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وبعض المؤسسات ذات العلاقة قد وضعت مشاريع - ورقية - للاستخدام الأمثل لعربسات في التربية والعلوم والإعلام، إلا أن هذه المشاريع ظلت حبيسة الأدراج وذلك لغياب القرار، وعدم وضوح الصورة ، ودخول العالم العربي دائرة الصراعات الإقليمية والدولية، وتغيب النخب المهنية عن دائرة القرار، وانشغال بعض الدول بأعبائها الداخلية، وانخفاض سعر البترول، والشرخ الذي طال جسد ووجدان الأمة العربية وعصف ببرامجها القومية والذي تمثل في احتلال النظام العراقي لدولة الكويت وما أعقبه من نتائج بلورت مفاهيم جديدة سواء لدى أبناء المنطقة أم لدى أبناء الأمة العربية قاطبة

ومن هنا لا نستغرب أن تعلن بعض الدول ـ المشاركة مشاركة فعالة في مشروع القمر العربي ـ أنها سوف تنفرد بنظام خاص بها للاتصالات، أو أن تقوم دول أخرى بث قنوات فضائية تؤطر القطرية البحتة وتجمد الانكفاء، وبذلك تتشتت الجهود ويضيع المالي العرفي هنا وهناك.

إن القرار السياسي أصبح يحكم المشاريع التنموية المشتركة بين الدول العربية، وما، يستعد هذا القرار عافيته، ويتخلص من تبعات الأزمات والكوارث التي لاحقته، فلن يكون في المستطاع بلورة نظام أو مشروع جدي لاستخدام المشروع العربي كما خطط له. ولكون أداة تقارب ووحدة بين الدول العربية.

ولسنا ها هنا بحاجة إلى وضع تصورات لأصحاب القرار لمجالات الاستخدام التلفزيوني فيما بين الدول العربية عبر القمر الصناعي العربي، فلقد وضعتها نخبة من المختصين العرب على أجندات اجتماعات اتحاد إذاعات الدول العربية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وبعض المؤسسات الأخرى، وتم تكرارها في الندوات المتعددة ومنها ندوة الثقافة في قطر، وندوة استخدامات القمر الصناعي العربي في تونس، وندوة القمر الصناعي العربي التي عقدها منتدى الفكر العربي في عمان عام 1986.

وخلاصة القول إننا أمام إشكالية تكنولوجية برغم كونها موفرة لاستخدامنا، وقد مولناها بأنفسنا لكننا مازلنا مختلفين على شكل هذا الاستخدام تماما كمن غرس نبتة وعندما أثمرت لا يعرف كيف يقطف ثمرها.

وهذا الوضع يذكرنا دوما، ليس فقط بتبعيتنا الهندسية- في مشروع عربسات- كما ورد على لسان الدكتور المزيدي، بل باستهلاكيتنا لكل ما يأتي به الآخرون. وهكذا نجد أنفسنا زحمنا أسطح المنازل بصحون الالتقاط (Dishes ) للقنوات الفضائية كما أنشأنا القنوات الفضائية دون أن نعمد إلى توفير الإنتاج اللازم واعتمدنا على البرامج الوافدة ومازلنا مختلفين مع المربين في المدارس والجامعات، ونتهم- نحن الإعلاميين- بتدمير ما يبنيه التربويون !!!

أين أهدافنا، القطرية، والإقليمية، والإنسانية.. هل يستطيع أحدنا الإجابة عن هذا السؤال؟ إذا وفق أحدهم في الإجابة فحتما سوف نرى بداية الطريق الذي لا نعرفه اليوم.

 

أحمد عبدالملك

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات