السكان والتنمية نادر فرجاني

السكان والتنمية

ماذا بقي من مؤتمر الزوابع؟
هدأت الضجة وتبدد الغبار وبقي علينا أن نناقش القضايا الحقيقية التي تمخض عنها مؤتمر السكان والتنمية الذي اعقد في القاهرة في الفترة من 5 إلى 13 سبتمبر الماضي. لقد وصلت الاعتراضات إلى ذروتها متهمة هذا المؤتمر بأنه يسعى إلى إبادة الجنس البشري كله. والعربي تحاول أن تزيح ركام المعارك الكلامية وتلقي الضوء على مختلف أوجه هذه القضية المهمة ألا وهي مخاطر الانفجار السكاني وأثره في تباطؤ معدلات التنمية، خاصة في بلدان العالم الثالث. إن هذا الملف يجمع رؤى مختلفة لبعض المفكرين العرب حاول كل منهم أن يتصدى للحقائق الموضوعية والقضايا الأساسية التي تمخض عنها هذا المؤتمر المهم.

جوهر القضية
تخفيض السكان أم زيادة التنمية؟
هذا هو المؤتمر الثالث حول السكان والتنمية. الأول كان في بوخارست - رومانيا (1974) والثاني في نيومكسيكو- المكسيك (1984). وقد اجتمع هذان المؤتمران على ثابت أكيد هو رغبة البلدان الغربية في تقليل معدلات نمو "الملونين" خوفا من اطراد تضاؤل نصيب البيض من سكان الكوكب. فهل سلك مؤتمر القاهرة (1994) في هذا الاتجاه؟!.

لقد تم التحضر للمؤتمر الأول، وانعقد، حين كان العالم ما زال مستقطباً بين والشرق والغرب وكانت الصين لاتزال تسعى، بدأب، لتخليق "الإنسان الاشتراكي" أما مؤتمر المكسيك فقد عاصر بداية الانكسار التاريخي للنموذجين السوفييتي والآسيوي، المعيبين، لبناء الاشتراكية، والتأم شمل مؤتمر القاهرة والرأسمالية، والحضارة الغربية، تتباهيان بتربعهما على قمة العالم، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، ولو إلى حين.

وكان من الطبيعي أن يعبر كل من المؤتمرات الثلاثة عن طبيعة النظام العالمي الراهن وقت قيامه، بما في ذلك تصاعد غلبة الموقف الغربي من موضوع السكان على صعيد العالم وإن تسربل بمسوح "التنمية" الذي جاء في المؤتمر الأخير أقرب إلى ملابس السلطان العاري- لا يراه ذو بصيرة إلا زيفاً. والواقع أن مفهوم التنمية يتراجع بوجه عام في أدبيات المؤتمرات العالمية لتحل محله باطراد مفاهيم مثل "التخفيف من الفقر"، وليس حتى القضاء عليه. ولكن هذا حديث آخر.

بل إن تطور الموقف المتضمن في وثائق المؤتمرين الثاني والثالث يعكس خصوصيات الموقف الغربي، خاصة قطبه الغالب، أي الولايات المتحدة الأمريكية. فبينما جاء مؤتمر المكسيك بعد إعادة انتخابات الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان، هو يحمل الإنجيل بيمينه، تلا المؤتمر الأخير عودة الحزب الديمقراطي للبيت الأبيض بعد حملة انتخابية أعطى فيها المرشح كلينتون وعوداً بالعمل على إباحة الإجهاض وتطبيع حياة معاشري المثل جنسياً. ومن ثم، فإن موقف الوفد الأمريكي من المؤتمر الثاني كان ضد الإجهاض، وأشهر سلاح منع المعونات الأمريكية عن الدول التي تدخل الإجهاض في برامج الحد من الإنجاب ( الذي بقي الغاية الجوهرية لمسمي "تنظيم الأسرة" البراق). وعلي طرف نقيض جاء الموقف الغربي، ومشروع خطة العمل، في المؤتمر الأخير محملين بتوجهات ثقافية غربية بوجه عام، والسعي لإفساح حيز اجتماعي أوسع لممارسة الإجهاض والمعاشرة الجنسية المقلية، بوجه خاص. ومرة أخرى لوحت مصادر أمريكية بربط المعونات الأمريكية بتأييد هذه التوجهات.

ولم تأل الولايات المتحدة جهداً في دعم هذا الموقف في وجه المعارضة الشرسة، وغير المحقة أحياناً، من مراجع غربية (مثل الفاتيكان) وأخرى إسلامية. فقد تكون الوفد الأمريكي إلى المؤتمر حسب المصادر الرسمية من خمسمائة عضو. وتجشم نائب الرئيس الأمريكي مشقة المساهمة في افتتاح المؤتمر، على عكازين. بل أشبع أن الرئيس الأمريكي قد يحضر بنفسه الحدث الجلل.

ولا ريب أن المؤتمر الأخير قد انتهـى بصياغات أكثر دبلوماسية من تلك التي بدأ بها مشروع خطة العمل، والتي ألقى جانب كبير منها على عيوب الترجمة (!!) ولكن الرؤية الفاحصة، والمعرفة بآليات العمل على الصعيد الدولي، والتي يحركها أساسا التمويل الذي تهيمن عليه الدول الغربية، لا تدع مجالا للشك في أن "من يدفع للمغني يحدد الأغاني". والآن، بعد أن هدأ غبار المعارك، والمعارك المضادة، حول مؤتمر "السكان والتنمية" لنلق نظرة هادئة على بعض جوانب مسألة السكان والتنمية.

جدل السكان والتنمية

إن السكان نسق متعدد الأبعاد. فهناك حجم السكان، والزيادة في عدد السكان، وتوزيعهم على الرقعة الجغرافية للمجتمع، والخصائص السكانية. ويترابط نسق السكان داخلياً بإحكام، بمعنى أن مكوناته تتفاعل مع بعضها بشدة. وعليه، فإنه من الخطأ أن نعالج بعداً واحداً من أبعاد هذا النسق بمعزل عن باقي مكوناته. ولكن هذا الخطأ ارتكب كثيراً بالتركيز على بعد الزيادة في حجم السكان في بلدان العالم الثالث، والعمل على تخفيضه عن طريق تقليل معدلات الإنجاب.

ولا يوجد نسق السكان في فراغ، بل هو أحد المكونات التي تتجزأ من سياق اجتماعي ـ اقتصادي عام. فحجم السكان، ومعدل نموهم، ونمط توزيعهم هي بعض فقط من العوامل المقررة لمدى إشباع الحاجات الأساسية للسكان في مجتمع ما في طار نسق إنتاجي محدد وتنظيم اجتماعي معين. عندنا أن كفاءة النسق الإنتاجي وعدالة التنظيم الاجتماعي هي المحددات الجوهرية لمستوى الرفاه الاجتماعي في المجتمع، بل وللنسق السكاني، بما في ذلك معدلات الإنجاب ومستوى النمو.

لقد نوقش موضوع النمو السكاني وعلاقته بالأوضاع الاقتصادية كثيراً. ولعل أشهر المقولات في هذا الصدد، وأقدمها، هي تلك التي ترجع لأصول مالتوسية، مخوفة من عواقب وخيمه لنمو السكان، والتي وجدت لها أخيرا دعاة محدثين، ممن يسمون بالمالتوسيين الجدد. وسادت هذه المقولات بعض دوائر الفكر الغربي، كما تشيع لها البعض في بلدان العالم الثالث. إلا أن آراء مضادة قد تبلورت من قديم زمن ووجدت لها تغييرات محدثة.

على طرف نقيض من المقولا المالتوسية، نجد مقولات على شاكلة "أن زيادة عدد السكان هي أحد الأسباب الرئيسية للتنمية الاجتماعية، والحضارة والتقدم - بل هي السبب الأصيل والعام" (دوربيل، 1914) وأخيراً نجد صدى حديثا لهذا التصور في العبارة الجميلة "إن الناس هم المورد النهائي"، (سيمون، 1981). وفي أن البشر هم ثروة الأمم"، (تقرير التنمية البشرية، برنامج الأمم المتحدة للإنماء. 1990).

لقد كان محور الخلاف في جدل السكان التنمية هو ما إذا كان النمو المرتفع في عدد السكان ضاراً بالتنمية في العالم الثالث، حتى، بالنسبة للبعض، إذا لم يكن النمو المرتفع في عدد السكان هو "سبب" التخلف، وهو أمر يصل حد السخف.

وقد تبلور خذا الخلاف، جزئياً في معركة " الحد من نمو السكان في العالم الثالث" والتي أعطيت بالطبع اسماً مهذباً هو تنظيم الأسرة".

وعندنا أن جوهر التنمية بعيد كل البعد عن النمو السكان فالتنمية مسالة تغيير هيكلي اقتصادي واجتماعي وسياسي لا يفيد في إحداثة إنقاص نمو السكان.

موقفان نقيضان

من المفيد هنا الإشارة إلى موقفين نقيضين تبلورا في منتصف السبعينات وإن كان ما زالا معاصرين.

يعبر عن الأول مضمون " حطة العمل العالمية للسكان" الصادرة عن المؤتمر العالمي للسكان في بوخارست منذ عشرين عاماً.

تقرر "الخطة" أن البشر هم "المصدر الذي لا ينفد للإبداع، وعامل مقرر للتقدم:، كما تعترف بتعدد جوانب المسألة السكانية. وتوجز المبادئ الأربعة الأولى للخطة الأساس الاستراتيجي للسياسة السكانية، وهو بوضوح، غير مالتوسى، فيحوي المبدأ الأول المقولة الشهيرة "من بين كل الأشياء في العالم، البشر هم الأكثر قيمة على الإطلاق. إن معرفة الإنسان وقدرته على السيطرة على نفسه وعلى بيئته ستستمر في النمو، إن بالإمكان جعل مستقبل البشرية مشرقاً إلى ما لا نهاية". ويلي ذلك المبدأ القائل بأن "التنمية الحقة لا يمكن أن تحدث في غياب الاستقلال، والتحرر الوطني". وتحدد العلاقة بين السكان والتنمية بصورة جدلية حيث "تؤثر المتغيرات السكانية على المتغيرات التنموية، كما تتأثر بها". وأخيراً، فإن السياسات السكانية هي "عناصر مكونة لسياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وليست أبداً بدائل لها".

وتمتد توصيات السياسة في "الخطة" إلى جوانب النسق الفرعي للسكان بالاتساق مع المبادئ المشار إليها أعلاه. فعلى سبيل المثال، أوصت "الخطة" بأنه "على البلدان الراغبة في التأثير على مستويات الإنجاب أن تعطي أولوية لتنفيذ برامج التنمية والاستراتيجيات التربوية والصحية التي من شأنها أن تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي ومستويات معيشة أعلى، ويكون لها تأثير حاسم على الاتجاهات السكانية، بها في ذلك الإنجاب". وفي المقابل يمكن وصف موقف حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بالعمل على "تقليل الزيادة السكانية في العالم الثالث عن طريق برامج الأسرة". وهذا الموقف واضح في تصريحات المسئولين وفي الوثائق الرسمية.

وهناك وثيقتان وصفتهما مجلة "السكان والتنمية"، (مجلس السكان العالمي نيويورك،1983)، بأنهما "ربما كانتا أوضح وأوثق تعبير عن السياسة الدولية للولايات المتحدة في مجال السكان بواسطة الجهاز التنفيذي في الحكومة". وقد صدرت، كلتاهما، عن (مجلس الأمن القومي"، الأولى في ديسمبر 1974 (أي بعد إصدار المؤتمر العالمي للسكان لخطة العمل العالمية)، والثانية في نوفمبر 1975. وقد صدرت كلتا الوثيقتين كوثائق سرية ولكنهما أعلنتا في بداية الثمانينيات.

والوثيقة الأولى، المعنونة،آثار الزيادة السكانية في العالم على أمن الولايات المتحدة ومصالحها فيما وراء البحار"، هي في تقديرنا الأهم، ونقدم فيما يلي مقتطفات منها: تعلن الوثيقة أن "العالم يعتمد بصورة متزايدة على الإمدادات المعدنية من البلدان النامية، وإذا أدى النمو السكاني السريع إلى إحباط إمكانات التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي في هذه البلدان، فإن عدم الاستقرار الناجم عن ذلك يمكن أن يدمر الظروف المناسبة للتوسع في الإنتاج واستمرار تدفق هذه الموارد". وتدعو الوثيقة إلى تنظيم الأسرة بزعم أن "الإنفاق على خدمات تنظيم الأسرة الفعالة يعتبر بوجه عام واحداً من أكثر الاستثمارات فعالية في بلد نام يسعى لزيادة الرفاه العام والنمو الاقتصادي للفرد. نحن لا نستطيع انتظار التحديث الشامل والتنمية كي يؤديا إلى خفض معدلات الخصوبة بصورة طبيعية نظراً لأن هذا سوف يستغرق دون شك عدة عقود في معظم البلدان النامية".

وتذكر الوثيقة أن العواقب السياسية للأوضاع السكانية القائمة في بلدان العالم الثالث "مضرة بالاستقرار الداخلي والعلاقات الدولية لبلاد توجد للولايات المتحدة مصلحة في تقدمها، مما يؤدي إلى نشوء مشكلات سياسية، بل وحتى مشكلات أمن قومي للولايات المتحدة".

وتحدد الوثيقة هدف المساعدة على خفض نمو السكان بالتركيز على "البلدان النامية الأكبر والأصح نموا، وحيث توجد مصلحة خاصة سياسية واستراتيجية للولايات المتحدة". وقد ضمنت قائمة البلدان الداخلة في هذه المجموعة اثني عشر بلدا بينها قطر عربي واحد هو ممر. بل إن هذه الوثيقة تحدد أهدافا كمية للنمو السكاني في مناطق مختلفة في العالم تنطوي على تخفيض عدد السكان المتوقع بحلول عام 2075 بحوالي 35% في المناطق الأقل نموا (أي حوالي 1,5 مليار من البشر) وبما يقرب من 60 بر في أفريقيا. ومن الواضح أن الاعتبار المسيطر في تحديد الموقف السياسي المعبر عنه في هذه الوثيقة هو مصلحة البلدان الرأسمالية الغربية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، في استمرار تدفق موارد بلدان العالم الثالث إليها. ولكنه واضح أيضا أن هذا الموقف يتجاهل حقيقة أن أقل من خمس سكان العالم في المجتمعات الغربية المصنعة يستمتعون حاليا بأكثر من 85% من الناتج الإجمالي في العالم. وأن الفرد في الأقسام الأسرع تزايدا من البشرية في الحقبة التاريخية الراهنة، يستهلك قسما أقل بكثير من نظيره في المجتمعات الغربية المصنعة. وأنه على الرغم من أن غذاء كافيا لجميع البشر ينتج حاليا في العالم، إلا أنه لايزال هناك قرابة المليار من الناس جوعى، ومرضى، وعلى وشك الاحتضار، فقط لأنهم أفقر من أن يتمكنوا من شراء ما هو موجود. وقد تفاقم حال الفقراء في العالم بسبب إعادة هيكلة اقتصادات دولهم على النسق الرأسمالي الطليق. إن هذا الموقف يتجاهل أيضاً الإجماع الذي تبلور في دراسات "النماذج العالمية" والقائل بأن الحدود الأساسية للنمو والرفاه في العالم ليست طبيعية أو متوقفة على حجم السكان، وإنما هي في الأساس اجتماعية- سياسية على الصعيدين القطري والدولي.

نجاح باطنه العذاب

غير أن الأهم في تقديرنا هو أن الحد من الإنجاب في غياب تنمية حقه، لا يرتب ميزات تذكر في تطوير المجتمعات المتخلفة التي توصم بأنها تعاني من مشكلة سكانية، بل قد يعود جزئيا إلى تعسر التنمية ويترافق مع استفحال أزمة التخلف.

ولنضرب مثالاً بمصر التي احتضنت الدورة الثالثة للمؤتمر العالمي للسكان والتنمية واعترف منظمو المؤتمر بالنجاح الباهر الذي حققته السياسة السكانية فيها عبر العشرين عاماً الماضية في تخفيض معدل النمو السكاني عن طريق إنقاص معدلات الإنجاب. واستحق عليه رئيس الدولة الجائزة العالمية من صندوق الأمم المتحدة للسكان. بل وقيل إن عقد المؤتمر في القاهرة جاء تكريماً، وتتويجاً، لهذا النجاح.

من جانبنا نرى أن انخفاض معدلات الإنجاب في مصر قد تحقق أساساً بين الشرائح الاجتماعية الأعلى دخلاً وتعليماً، خاصة في الحضر، والتي تعرضت إلى ضائقة اقتصادية متزايدة أدت إلى التأثير على محددات أساسية لمستوى الإنجاب: انخفاض معدلات الزواج، وارتفاع سن الزواج، وتقليل الإنجاب أثناء الزواج من خلال ممارسة منع الحمل. وتميل هذه الشرائح الاجتماعية إلى تبني قيم وأنماط السلوك غير التقليدية، إضافة إلى أن الأطفال لا يمثلون فيها أصلاً اقتصادياً كما هو الحال بالنسبة للشرائح الاجتماعية الأفقر. فالمعلوم أن استعمال وسائل منع الحمل يرتفع بين الأوساط الاجتماعية الأعلى في الحضر ويتدنى إلى أقل مستوياته بين فقراء الريف.

بيد أن المفارقة الأقسى تتمثل في مقابلة هذا "النجاح" في مجال "السكان" بها تحقق، عبر نفس الفترة، في مضمار التنمية البشرية، والتي تقوم على محاور ثلاثة: تطوير القدرات البشرية، وتوظيف هذه القدرات في إنتاج مكونات الرفاه البشري، ومستوى الرفاه الاجتماعي الناجم عن هذا التوظيف.

إذ تدل نتائج الدراسات المتأنية على تعسر انتشار التعليم، واستحكام أزمة الأمية، وتدهور مستوى اكتساب المهارات الأساسية من خلال التعليم.

ويشير تفاقم البطالة السافرة ـ وجل من يعانونها من الشباب المتعلم ـ إلى تعاظم هدر الطاقات البشرية، المورد الأهم في بلد كمصر.

ويشي ازدياد الفقر بتهافت مستوى معيشة السواد الأعظم من السكان خاصة بالقياس إلى القطاعات الأكثر تقدماً من البشرية.

ويزيد الطين بلة، تفاقم سوء توزيع الدخل والثروة في سياق إطلاق قوى السوق الشرسة التي تحابي الأغنياء وتفترس الفقراء في غياب نظم كريمة للضمان الاجتماعي.

فإذا استمرت الأوضاع على ما كانت عليه إبان تحقيق "النجاح الباهر" في مجال السكان، فماذا سيحمل المستقبل؟.

قد يقول قائل إن الوضع كان سيصبح أسوأ لو لم تنخفض معدلات الإنجاب! ونجيب، ربما. ولكن فقط بصورة هامشية، وليس في الجوهر. تخفيض نمو السكان يتيح هامشاً صغيراً للتحسن، ولا شك. ولكن التنمية هي تغيير جذري في الهيكل الاجتماعي الاقتصادي. وشتان بين الهامش والجوهر.

في حدود المعرفة الراهنة، يتوقع أن يدور عدد السكان بعد ربع قرن حول خمسة وثمانين مليوناً.

ولن يكون الفارق الحاسم في مستقبل مصر ما إذا كان عدد سكانها خمسة وثمانين مليوناً، أو أكثر، أو أقل، بملايين قليلة. ولكن الفيصل سيكون ما إذا فتئت مصر في مطلع القرن القادم تعاني من السمات الهيكلية للتخلف المتفاقمة حالياً، أو ستجد طريقها لعملية إنشاء حق، ترقي من قدرات البشر، وتوظفها بكفاءة، في إطار تنظيم اجتماعي منتج وعادل، وصولاً إلى تنام مطرد في رفاه عموم الناس.

وليس الحال ببعيد عن أوضاع غالبية البلدان العربية كثيفة السكان.

وليعتبر العرب حال أفريقيا جنوب الصحراء. وأتى يفيد في مثلها الحد من نمو السكان؟.

 

نادر فرجاني

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات