واحة العربي

القلب
من الحنان إلى الحجر

مع أن علماء التشريح والنفس نقلوا مراكز الإحساس إلى المخ، واعتبروا القلب جهازًا لضخ الدم له ردود أفعال فقط، إلا أني اعتبر القلب موضع كل إحساس من الحب إلى الغيرة إلى الحقد إلى الرغبة الجارفة التي تؤدي إلى الهلاك، انظر إلى قلب العجل في الطاسة محاطا بالفلفل الأخضر والسمن البلدي وأنصت جيدا إلى طشطشته عندما تداهمه النار، إن قدراً هائلاً من الأحاسيس يتسامى في رائحته الشهية، ولذا فإن الأطباء ينصحون مرضى الكولسترول والنقرس بعدم أكل القلب تخفيفاً عن باقى مشاعرهم القديمة، وأعظم قلب هو قلب الأم - وأحيانا قلب الجدة والجد، ويأتي قلب الأب في المرتبة الرابعة ويحتل قلب الزوجة المرتبة الثالثة في الشهور الأولى من الزواج ثم يتراجع في سرعة محسوبة ينظمها القانون الذي اكتشف حديثا : وزن القلب × طول اللسان × حجم العيون والناتج يقسم على حاصل ضرب طول زمن العِشرة × المرتب الشهري، ويميل مدرسو علم الأحياء إلى التعامل مع قلوب الضفادع بديلا لعموم القلوب، لأنها أرخص من قلوب القرود، وقلب الأوضاع هو قيام جماعة مسلحة بقلب الأوضاع في سبيل العدل حيث يظل الكل مقلوبا: الأوضاع والعدل والجماعة المسلحة، والقلب الكبير هو قلب الجمل - يمكنه أن يشبع تسعة من أفراد قبيلتك الجائعة، وقلب فريد الأطرش، وصغار الأطباء في بداية حياتهم المهنية، والمرابين حينما يغسلون مكاسبهم الضخمة بمياه التبرع للفقراء، والقلب واحد من ثلاثة يصابون بالتضخم وهم الاقتصاد والقلب والكبد، فتداهم الثلاثة أمراض تصلب الشرايين والحب المفرط والحقد الأسود، كما أن القلب هو أول أهداف رصاص الاغتيال، وأول ما ينصت إليه طبيب المشنقة فور الإعدام، وأول ما يتلمس العاشق من دقات التجربة الأولى، وأول ما يدخل عناوين القصص والقصائد المبكرة دقات قلب وقصة قلبين وقلب من حرير - مع أن هذا التعبير مجازي رديء ومثله قلب من ذهب - ويطلق عادة على رؤساء التحرير دون انتباه لبرودة الحرير والذهب، أما ذوو القلوب التي من حجر فهم سائقو القطارات، وباعة عظام جثث الموتى لطلبة الطب، والسفاحون، والضبع، وبعض الذئاب، وتمورجية (ممرضو) المستشفيات، وحراس أديرة الرهبان، ونظار العزب، ووكلاء الأثرياء، والعقيمون من البشر: إنجاباً أو إنتاجاً أو موهبة، أما ذو القلب الواسع فهو الحليم الذي نادرا ما يغضب حيث يصبح قلبه كالفندق يكثر رواده ومستعملوه، وكان معن ابن زائدة ذا قلب من فئة خمس نجوم، ويليه من فئة أربع نجوم: حاتم الطائي، ثم ثلاث نجوم: زكريا الحجاوي، أما أصحاب النجمة الواحدة والاثنتين فهم كل القلوب الغلبانة المتناثرة على أرصفة الثقافة المعاصرة.