أرقام

يرصد النجوم ويلعب الشطرنج

اتفق علماء اللغة العربية على استخدام كلمة "الحاسب الآلي" أو "الحاسوب" تعبيرا عن الكلمة الإنجليزية "كمبيوتر" ، ويبدو أن التطور التكنولوجي في هذا المجال قد جعل الكلمتين - العربية والإنجليزية - غير معبرتين. صحيح أن البداية كانت تتصل بالحساب وعلم الرياضيات، وحين صمم العالم الرياضي البريطاني "شارل باباج" آلة حاسبة في أوائل القرن التاسع عشر لم تكن مهمتها أكثر من إجراء العمليات الحسابية وإعطاء جواب مطبوع، لكنها - وفي نفس الوقت - كانت تعمل كأي آلة صغيرة بالروافع والمسننات، وبعدها تطور الأمر لاستخدام الكهرباء والترانزستور، وتطورت وظائف الحاسبات، ولم يعد الأمر مجرد إجراء العمليات الحسابية.

لقد تطورت الاستخدامات بشكل مذهل في الفترة الأخيرة، الآن يحفظ الحاسب الآلي الشعر، وينقل صفحات الصحف في لمح البصر من عاصمة إلى أخرى، ويوجه الطائرات والصواريخ، ويرصد حركة النجوم، ويلعب الشطرنج.

في بريطانيا يتم حاليا تجميع خمسة آلاف ديوان شعر، هي إنتاج الشعراء الإنجليز من القرن السابع عشر حتى القرن العشرين، وذلك بتخزينها في حاسب آلي.

وفي نفس الدولة - بريطانيا - وضعت إحدى الجامعات نظاما يساعد الشرطة على أخذ البصمات، ومطابقتها، واستعادتها عن طريق الحاسب الآلي، وذلك بتحويل البصمة إلى رقم غير متكرر، يمكن الرجوع إليه عند اللزوم، وقبل ذلك كان قد تم استخدام الحاسب الآلي في رسم أشخاص المتهمين بعد تلقين الجهاز بالمواصفات التي يدلي بها الشهود.

أيضا فقد بدأ إنتاج أجهزة وبرامج أولية للترجمة، بحيث يقوم الجهاز بما كان يقوم به الإنسان، وجرت تجربة من هذا النوع على وثائق البنك الدولي فاستغرقت ترجمتها نصف الوقت الذي يأخذه البشر، وبالتدريب والتعود - كما يقول الخبراء - سوف يختزل الوقت إلى الثلث، وقد يجري اختزاله بشكل أكبر.

وقد ساعد التطور التقني وتخفيض سعر الوحدات بسبب المنافسة بين الشركات على شيوع الأجهزة بين الأفراد العاديين، ففي بريطانيا تجرى الآن التجارب على أجهزة اتصال وإرشاد لقادة السيارات عن طريق الحاسب الآلي. وفي اليابان قامت وكالة التخطيط الاقتصادي بعملية مسح عام (1990) اتضح منها أن فردا بين كل أربعة أفراد يملك ما يسمى "جهاز معالجة الكلمات" ، وأنه يلي ذلك في امتلاك أجهزة المعلومات والاتصال "الكمبيوتر الشخصي" ، ثم الحاسب الآلي الذي يتلقى طلبات الشراء.

أصبح الحاسب شريكا لست البيت، وأصبحت الغسالة المزودة بما يسمى (ميكروبروسيسور) تستطيع أن تميز إذا كان الغسيل ملوثا بالوحل أو الشحوم، أو أي نوع آخر من القذارة وتتعامل معه.

ثلاثة تطورات

وفي عام 1990، برز رقم هام، فقد بلغ عدد الأجهزة التي بيعت في العالم من الحاسبات (24) مليون وحدة، وكان ذلك مؤشرا على الاستخدام الواسع رغم ما يصاحب الصناعة من ركود في الآونة الأخيرة.

وقد صاحب التوسع في الاستخدام ثلاثة أنواع من التطورات، أبرزها التطور التكنولوجي نفسه، ففي الوقت الذي تنتشر فيه الحاسبات الشخصية، والحاسبات التي تستخدم في الألعاب والتسالي، ظهر ما يسمى "السوبر كمبيوتر" ، وهي أجهزة عملاقة تستطيع القيام بعمليات معقدة وطويلة لم يرد بفكر الإنسان منذ سنوات أنه يستطيع إنجازها.

وفي يونيو من عام 1991 تم الإعلان عن حاسب جديد حقق رقما قياسيا في السرعة إذ إنه ينجز (6 و8) مليار عملية حسابية رياضية في الثانية، لذا فإنه سوف يستخدم في قياس المناخ والإنزيمات القادمة من الفضاء والعوالم الكونية الأخرى وللأغراض العسكرية. وقبل ذلك كانت هناك أجهزة لتشخيص الأمراض، وأجهزة لاستكشاف النفط في الأعماق. أيضا، وتحت البحث دراسات لطريقة تفكير الإنسان. وهل يمكن أن تنتقل للأجهزة حتى تتطور ولا تستمر أسيرة لما يلقنه لها الإنسان. والهدف: صناعة عقل كامل، بعد أن ثبت أن تطور الحاسبات قد زودها بإمكانات هائلة، تم تصورها وتصميمها مسبقا، ولكن، وعندما نفاجئ الجهاز بشيء بسيط خارج البرنامج لا يستطيع الإجابة، وهو ما يحاولون الآن التغلب عليه بنقل نمط التفكير الإنساني للآلات الحديثة!

التطور الثاني المهم جرى في الجانب التطبيقي لنظم المعلومات والإدارة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يجري تشييد مركز عملاق للحاسبات الآلية والمعلومات، مهمة المركز الجديد، والذي جاء بناء على توصية من مجلس الشيوخ، أن يصل ملايين المستخدمين بمركز واحد للمعلومات، يعطونه ويأخذون منه. تدخل في ذلك الجامعات وأجهزة البحث العلمي وبيوت المال والبورصات والمنشآت الاقتصادية والحكومية، ورصدت الحكومة الأمريكية للعام الأول من المشروع (638) مليون دولار، وستتوالى الاعتمادات طوال الخطة الخمسية المقرر أن يتم فيها بناء المشروع، والذي سيكون ناتجه خمسين صفحة معلومات للمشترك في ثانية واحدة من أي بقعة في الولايات المتحدة، وربما في العالم!

ويأتي المشروع الأمريكي في سياق السباق مع اليابان، والتي خصصت (250) مليار دولار لإنفاقها على مدى (25) عاما لإقامة مشروع شبيه.

صناعة عملاقة

ومن الطبيعي أن ينعكس التوسع في الاستخدام وزيادة اهتمام الحكومات ومراكز البحث والإنتاج على الصناعة والشركات. فإذا كانت مبيعات الاجهزة - كما أشرنا- قد بلغت (24) مليون وحدة عام 1990، فقد خص شركة واحدة نصف هذه المبيعات تقريبا. وتلتها شركة أخرى تستولي على ما يقرب من ثلث حجم السوق. وقد سجلت الشركة الأولى عام 1990 مبيعات مقدارها (60) مليار دولار ودخلا صافيا قدره ستة مليارات، وفي نفس الشركة أكثر من نصف مليون مشتغل داخل الولايات المتحدة (حيث مقر الشركة) وخارجها حيث الفروع والمصانع والوحدات.

وفي تقرير نشرته صحيفة متخصصة هي "الفينانشيال تايمز" أن نوعا واحدا من الحاسبات هو (الكمبيوتر الشخصي) قد بلغت مبيعاته (90) مليار دولار في السنة.

ورغم ذلك، ورغم نمو المبيعات سنويا بمقدار (20%) طوال السنوات الخمس عشرة الماضية، رغم ذلك فإن ركودا مفاجئا قد ساد الأسواق الأوربية والأمريكية عام 1991، وبدأت الشركات اليابانية تعاني من أزمة، وبدأ التفكير في اندماج بعض الشركات والبرامج بعد أن اشتدت المنافسة وتراجعت الأعمال، وفي الشهور الأخيرة من عام 1991 تم الإعلان عن مشروعات مشتركة بين أكبر شركتين، ولأول مرة تتجه شركات الحاسبات لاستخدام مكونات نمطية موحدة، مثل المحركات، وذلك لضغط نفقات الصناعة.

إنها الأزمة، والخسائر التي واجهت بعض الشركات بعد رواج شديد، لكنها - على أي حال - أزمة في الصناعة، وليست أزمة في نظم المعلومات التي تقفز للأمام، والتي جعلت الدول العربية تفكر أخيرا في إنشاء شبكة معلومات موحدة، تمتد من المحيط إلى الخليج.

إنه عالم جديد.. ومثير.