قل للغة العربية السلام

قل للغة العربية السلام

أود التعقيب على ما جاء في باب «وجهًا لوجه» العدد 612 نوفمبر 2009، الذي جمع جهاد فاضل مع الدكتور عبدالملك مرتاض بعنوان «إذا انعدمت المروءة والنخوة من سيرة العرب فالله المستعان»، والحقيقة التي أبدأ بها أنه ما أكثر حراس اللغة العربية اليوم في الجزائر، ولكن واقعها مر وغير مطمئن، من هؤلاء الحراس الذي وصفه الأســتاذ جهاد فاضل بالحارس الكبير، فالحقيقة المخيبة للآمال أن إنتاجات وإبداعات كل هؤلاء الحراس ونشاطاتهم بلغة الضاد فكريًا وأكاديميا لا ترقى إلى مستوى يمكن أن نطلق عليه أدبًا عربيًا كان ملفوظًا أو مكتوبًا، وإلا كيف تفسرون وضعية الإبداع الجزائري بالعربية فهو ركيك وهزيل، لا يقارن بإنتاج المشرق العربي وأنه حان الوقت للتحدّث بموضوعية أكثر ولا داعي للاستهتار في تغطية الشمس بالغربال.

فمشكلة عدم قدرة الإبداع الأدبي الجزائري على الوقوف أمام نظيره المشرقي كان في ما مضى بسبب مشكلة اللغة نفسها، أي أن اللغة العربية كانت متخلفة أمام الفرنسية أو أمام العامية المحشوة بالألفاظ الفرنسية والبربرية والتركية، أما اليوم - برأيي - فقد انتقلت المشكلة إلى الأدب العربي، فأصبحت اللغة العربية بالجزائر عاجزة عن التعبير عن نفسها أدبيًا.

والسبب واضح فإتقان الإبداع الأدبي بأي لغة يرجع بالأساس إلى ناصية اللغة ولاغرو في أن ثلاثة أجيال متتابعة لم تتعلم، أقول لم تتعلم في المدرسة الأولى وهي الأسرة ولم تلقّن بعدها المبادئ الصحيحة للعربية.

والمجتمع الجزائري حاضرًا لا ينمي اللغة العربية ولا يحفظها، بل يفطمها ويكسدها لفظيا وذاكرتيا - إن صح القول - فتُطمس وتنسى، خذ مثلاً تلك الشواهد اللغوية الأصلية مازالت العديد من المجتمعات العربية تحتفظ بها - لو كان لها من أثر في داخل طبقات الشعب الجزائري كيف سيكون لها الأثر في الرفع من مستوى اللغة العربية وصولاً إلى صناعة الأدب العربي من خلالها إلى المستوى الذي قد لا يخطر ببال أحد - كما حصل مع محمد ديب وكاتب ياسين في إبداعهما الخارق باللغة الفرنسية - وكان قد ذكر الأستاذ عبدالملك مرتاض « حيل بين العير والنزوان» ليدل بها على الاستعمار وأساليبه الماكرة. لكنه قد حان الوقت لأن نترك الاستعمار قليلاً ونلتفت لواقعنا، فمازالت الأم تقول لابنها في بادية الشام والأردن وفلسطين وغيرها من المناطق العربية الأصيلة: «شوف الولد، حيل بين العير والنزوان وهو ما عندو خبر» فيستوطن المعنى اللغوي بشكل نهائي وقار فتُغنى لغته وتتأدب بمثل هذه الشواهد المتوارثة أباً عن جد، أيضًا قد تقول له: «يا حادي العيس شايفلك الخيمة ولا لسة»، فينغرس معنى هذه اللغة حتى أن المشارقة لا يعانون مثل ما يعاني المغاربة في التعبير عن مبتغاهم ولا الأستاذ المحاضر في التعبير بفصاحة وجمالية وببلاغة حتى يكاد الأديب يعجز والأمثلة عدة.

فأين المجتمع الجزائري من هذا كله، والفرق واضح بين اللهجة العربية واللغة العربية الفصحى التي كان وجودها بالمدارس القرآنية والمساجد حافظًا على شخصية الجزائر العربية والإسلامية، ولم يكن الدور اللهجي إلا دورًا تواصليًا وإبلاغياً وحتى أزيل باليقين كل شك، المجتمع اللغوي الجزائري اليوم خليط من لغات غير قابلة للتجانس، لا هو فرنكوفوني بالكامل، ولا هو عربي عامي أمازيغي بالكامل.

بوزيان سالم بغلول - الجزائر