الأمور طيبة!

الأمور طيبة!

يحدث أن نكون بالقرب من خطر محقق، أو وسط فوضى عارمة، أو على شفير انهيار عظيم، حيث يعترينا القلق ويستوطن قلوبنا الخوف، ونرتقب اللحظات القادمة بحذر وصمت، قِوانا خائرة لا يعتمد عليها، دقات قلوبنا متسارعة وغير منتظمة، أنفاسنا ضائقة، ودموعنا تغرغرت في محاجر أعيننا. حينها نكون كالأحياء الأموات التائهين في أزقة الأرض لا نصل إلى حياة ولا إلى خلاص، كالطيور الضائعة في سماوات رحبة وأضاعت أسرابها وتتحين سقوطها فريسة لأحدهم، كالأشجار الشاهقة التي تنتظر قطع أغصانها أو اقتلاع جذورها، باختصار نصبح كمن ضاعت حيلته في تدبير أبسط أموره وأكثرها اعتيادية، نصبح كل شيء إلا أنفسنا. 

ويحدث أيضًا في تلك اللحظات الطويلة والمملة، أن تخترق مسامعنا عبارة من كلمتين، لا يهم حينها مَن يكون قائلها، لأنه وإن عجزت عن تحديد هويته، فإنك ستعرفه من أثر عبارته عليك، إنه ساحر! نعم، فقد استطاع أن يقلب حالك كما يقلب المنديل إلى حمامة أو أرنب، بخفة وسلاسة وبلمح البصر. لقد قال هذا الساحر عبارة «الأمور طيبة» فقط، لتهدأ، لتأخذ نفسك، لتبلع ريقك، لتفكر بمنطق، ولتطمئن. كثيرًا ما نحاول أن نقول هذه العبارة لأنفسنا، لكننا في تلك الحالة، نكون مضطربين لا نعرف الاستقرار، نكون مقبلين على كل فكرة مزعجة بنهم فلا نعي الإيجابية والخيرة، نكون عاجزين عن تحديد مشاعرنا ومشاكلنا الحقيقية فلا نرى المخارج والحلول. 

إن قائل عبارة «الأمور طيبة» قد لا يعلم فداحة ما نمر به، إلا أنه يعلم جيدًا أننا بحاجة لهمسة هافتة ومطمئنة، وللمسة رقيقة وحانية، كفيلة أن تبعث إلى أرواحنا المرهقة أملاً وتفاؤلاً وراحة، وإن كانت مؤقتة، إلا أنها ضرورية لوضوح الرؤية، واستعادة التوازن، وترتيب الأولويات. في المقابل فإن متلقي عبارة (الأمور طيبة) ليس بالغبي، أو الساذج، ليعتبر أنها نهاية أو خاتمة ما يشعر به، بل هو مدرك أنها كسترة النجاة التي انتشلته من غياهب الجب أو لجة البحر وقعره إلى سطحه، حيث الهواء والنور... والأمان النسبي، ليتمعن جيدًا بوضعه وأحواله، ويبحث له عن مخرج مناسب. 

كثيرًا ما أترجم عبارة «الأمور طيبة» ترجمة تناسب حالتي النفسية، والتي كثيرًا ما تجنح للقلق، إلى عبارة «الأمور ستمر» بمساوئها وبأخطارها وبآلامها وبكل المحاذير التي تحصنت بها، ستمر، إلا أنها قد تترك آثارًا مزعجة، جروحًا دامية، مشاعر متطرفة. وهنا أتذكر وصف أمي لبعض الأرواح الطيبة التي غادرتنا (مر ولا ضر)، كذلك الأمور السيئة التي تباغتنا في الحياة، كم أتمنى أن تتقلص نسبة الضرر فيها إلى 0 في المئة، لأقول «مرّت ولا ضرّت». 

كم أنا شاكرة وممتنة لكل من قال لي إن «الأمور طيبة»، وهي لم تكن كذلك، لكل مَن هوّن علي المصائب الجلل وأخذ بيدي، لكل مَن استطاع أن يهدئ نفسي ويدخل فيها السكينة، وها أنا أقول «الأمور طيبة» لكل النفوس المتعبة