«كوكب محموم» كيف تظهر الأمراض عندما نجور على الطبيعة؟

«كوكب محموم» كيف تظهر الأمراض عندما نجور على الطبيعة؟

يُعد كتاب «كوكب محموم» استكشافًا مُلحًا وضروريًا في الوقت المناسب من جون فيدال، محرر شؤون البيئة في صحيفة الجارديان الشهيرة منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا، يوضح لنا فيه كيف يؤدي تدمير الطبيعة إلى إطلاق المرض في مجتمعاتنا. وصولاً إلى وباء كوفيد - 19، وقبله أوبئة الجدري، وإنفلونزا الطيور، ومتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد المعروف اختصارًا باسم سارس، وفيروس نقص المناعة البشرية، ثم المرحلة المتقدمة من الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة المسمى بالإيدز، ثم فيروس الإيبولا؛ نحن نعيش في عصر الأوبئة، وكلها أوبئة حصاد ممارسات الإنسان. بدأنا للتو حساب آثار الانهيار البيئي على صحة البشر على سطح الكوكب مع وصول أزمة المناخ إلى ذروتها واستمرار الدمار البيئي بلا هوادة.

 

 

يكشف لنا كتاب «كوكب محموم» كل شيء عن الطريقة التي نزرع بها، وماذا نأكل، والأماكن التي نسافر إليها والتجارب العلمية التي نجريها، وكيف تخلق الظروف المثالية لظهور الأمراض الجديدة الفتاكة وانتشارها بشكل أسرع وأكثر من أي وقت مضى. 

يأخذنا جون فيدال، وبالاعتماد على أحدث الأبحاث العلمية وعقود من التقارير التي تم إعدادها وتجميعها من أكثر من 100 دولة، إلى غابات واسعة ومجهولة في الغابون والكونغو، ووديان بأكملها قضت عليها حرائق الغابات بالقرب من بحيرة تاهو، ومدننا الأكثر كثافة وتلوثًا، لإظهار إلى أي مدى تتشابك أمراض الإنسان، والحيوان، والبيئة النباتية الآن مع تدمير الكوكب. يدعو المؤلف إلى تحول عاجل في علاقتنا مع عالم الطبيعة من حولنا، ويحدد بحنكة كيف يمكن أن نجعل هذا التغيير ممكنًا.

احتفت صحيفة الجارديان بكتاب محررها لشئون البيئة في صفحة «كُتب العلم والطبيعة» فكتبت تحت عنوان بارز: «تشخيص مخيف»، وعنوان فرعي يقول: تحذير قوي بأن صحة البشر والحيوانات والكوكب لم يعد من الممكن التعامل معها كقضايا منفصلة».

 

تحذيرات عن المظاهر الطبيعية

«أطلق إعصار ياكو العنان لرياح بقوة الإعصار، وسيول من الأمطار، عندما ضرب الساحل الشمالي لبيرو في مارس 2023، مما أدى إلى حدوث انهيارات أرضية وفيضانات هائلة. ثم جاءت ظاهرة النينيو، وهي ظاهرة تؤدي إلى ارتفاع دوري في درجة حرارة المياه السطحية في شرق المحيط الهادئ كل بضعة سنوات، مما يؤدي إلى حدوث تحولات في نمط الطقس في المناطق الاستوائية وزيادة هطول الأمطار، وإحداث زيادة هائلة في تكاثر بعوضة «الزاعجة المصرية» التي تتكاثر في البرك المائية، وهي الناقلة الرئيسي لحمى الضنك. من المحتمل أيضًا أن يكون تفشي حمى الضنك – وهي عدوى فيروسية تسبب ارتفاعًا في درجة حرارة جسم الإنسان، وصداع وقيء، بالإضافة إلى آلام المفاصل – قد اكتسب زُخمًا إضافيًا بسبب تغّير المناخ. تكثر لدغات البعوض في كثير من الأحيان، في درجات الحرارة المرتفعة، كما يسرع فقس البيض، وبالتالي يتكاثر فيروس حمى الضنك نفسه بمعدلات أسرع. أصيب أكثر من 160 ألف شخص في بيرو بحمى الضنك بحلول أواخر يونيو/ حزيران 2023، وتوفي 287 منهم.

يحذر جون فيدال في كتابه «كوكب محموم» من أن حمى الضنك «قابل للانتشار بسرعة كبيرة في وسط أكثر دفئًا وأكثر رطوبة، وفي المناطق الحضرية على وجه الخصوص»، وهي واحدة من العديد من الأمراض التي تتفشى في عصر أزمة المناخ والتدهور البيئي.  

يوثق المؤلف في أثناء تنقلاته الدؤوبة من الجابون، إلى الدائرة القطبية الشمالية، والعديد من المناطق الأخرى بينهما كمحرر لقسم البيئة منذ فترة طويلة في صحيفة الغارديان، ظهور وانتشار العدوى التي يُعتقد أنها انتقلت من الحيوانات إلى البشر، بما في ذلك فيروس كوفيد-19، والإيبولا، وفيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، وفيروس جدري القرود، وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وفيروس سارس (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد). يبرهن جون فيدال بشكل مقنع بأننا نخلق الظروف الملائمة لظهور مثل هذه الأمراض من خلال استغلال موارد الكوكب، وإتلاف الموائل الطبيعية للكائنات الأخرى على ظهر الكوكب. كما يقول، على الرغم من ذلك، لا يزال هناك وقت لإيقاف حدوث بعض هذه الأضرار. 

خذ الإيبولا، على سبيل المثال، فقد ظهر الفيروس الذي يسبب هذه الحمى النزفية المميتة في كثير من الأحيان لأول مرة في عام 1976 في قرية بالقرب من نهر الإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية (التي كانت تسمى زائير آنذاك والذي أخذ منه الوباء اسمه)، حيث يُعتقد أن «المستودع المضيف» لفيروس الإيبولا هي الخفافيش على الأرجح. تحدث مثل هذه الطفرات الانتقالية من الحيوانات إلى البشر في أغلب الأحيان كما يشير المؤلف، عند الأطراف المتدهورة بيئيًا للغابات الاستوائية في العالم، ومع انتهاكات البشر البيئية، فإنهم يتلامسون بشكل متزايد مع الحياة البرية غير المألوفة، ويصبحون فريسة للأمراض التي تحملها. وأظهرت دراسة أُجريت عام 2017 أيضًا، أن انتقال فيروس إيبولا من الحياة البرية إلى البشر قد حدث في الغالب في غرب ووسط إفريقيا في الفترة من 2004 إلى 2014 في «النقاط الساخنة لإزالة الغابات».

 

الغطاء النباتي أكثر كارثية

يصف فيدال أيضًا بلغة أنيقة، الدمار الذي أعقب ذلك عندما تم قطع أشجار التبلدي العملاقة النادرة (اسمها العلمي هو Baillonella toxisperma) في الغابات المطيرة الكونغولية، بأعداد هائلة لأغراض تجارة الأخشاب، ويبلغ ارتفاع هذه الشجرة ستين مترًا ويصل عمرها إلى 200 عام تقريبًا. وكتب يقول: «بدت أشجار التبلدي العملاقة المنكوبة لعدة دقائق وكأنها تمطر طيورًا، وحشرات، وبذورًا وأبواغًا، وأوراق أشجار، وأسرابًا من النحل، وزهورًا، ودبابير، وأعشاشًا، وأعدادًا لا حصر لها من أسراب النمل، والخنافس، والأعثان، والضفادع، والقواقع، وآلاف الأنواع من الحشرات والثدييات الصغيرة التي عاشت جنبًا إلى جنب في بيئة واحدة على تلك الأشجار، طار منها ما يستطيع الطيران، وهرب منها من يستطيع الركض، أو الزحف، أو اختبأ، وهربت كل هذه الكائنات من بيئتها الطبيعية إلى غير رجعة. لقد تحول النظام البيئي الكامل الذي كان يضم آلاف الكائنات المترابطة في لحظات قليلة، وأصبح أثرًا بعد عين».

الغابات الاستوائية المطيرة أو الغابات المدارية المطيرة: هي غابات دائمة الخضرة تتواجد في الأراضي المنخفضة في مناطق المناخ التي لا يوجد فيها موسم جفاف، ومعدل هطول الأمطار لا يقل عن 60 مم – وتوجد عادة في المناطق 10 درجات شمال وجنوب خط الاستواء. تشمل هذه الغابات مستويات عالية من التنوع البيولوجي، حيث تعتبر موئلًا لما يقرب من 40 – 75 في المئة من الأنواع الحيوية المتوطنة في الغابات المطيرة، كما تضم ثلثي جميع النباتات المُزهرة. توجد في الغابات الاستوائية المطيرة نباتات نادرة وقديمة تعتبر هي الأقدم على سطح الأرض، كما تحتوي الغابات المطيرة على 42000 نوع مختلف من الحشرات، وما يصل إلى 807 شجرة من 313 نوعا من الأشجار، بالإضافة إلى 1500 نوع من النباتات العليا. توصف الغابات الاستوائية المطيرة على أنها «أضخم صيدلية في العالم»، حيث تم اكتشاف أكثر من ربع الأدوية الطبيعية بداخلها. يحتمل أن تكون هناك ملايين من أنواع النباتات والحشرات والكائنات الحية الدقيقة التي لم يتم اكتشافها بعد في هذه الغابات، غير أن الغابات المدارية المطيرة هي من أكثر النظم البيئية تعرضًا للتهديد على مستوى العالم بسبب امتداد الأنشطة البشرية المتزايدة إليها.

تم تدمير ما يقرب من 4.1 ملايين هكتار من الغابات المدارية المطيرة الأولية عام 2022، أي بمعدل يساوي 11 ملعب كرة قدم في كل دقيقة، وذلك وفقا لبيانات قام بجمعها معهد الموارد العالمية. يفاقم تحويل الغابات إلى أراض زراعية أو إغراق مساحات كبيرة لبناء السدود من خطر انتقال الأمراض الحيوانية المنشأ (أي التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر). تزدهر الحشرات اللادغة مثل البعوض، والقراد، والذباب، والبراغيث في المناطق التي تعاني من اضطرابات بيئية، وترتبط بما لا يقل عن 16 مرضًا معديًا، بما في ذلك الملاريا، وحمى الضنك، والحمى الصفراء وداء لايم (الذي ينتج عن التعرض للدغات حشرة قراد الغزال المصابة، وسُميت بهذا الاسم لاكتشافها لأول مرة في مدينة لايم بولاية كونيكتيكت).

 

الأحياء البرية لها نصيب

يقتبس المؤلف أقوالاً من عالمة الأوبئة في الحياة البرية كريستين كرودر جونسون، مديرة معهد الاستخبارات الوبائية في جامعة كاليفورنيا، ديفيس، حيث وجدت هي وزملاؤها في بحث نُشر عام 2020، أن أنواع الحياة البرية المهددة، والمستغلة، والتي يتم اصطيادها شاركت المزيد من الفيروسات مع البشر. وُجد أن الخفافيش مسؤولة عن الإصابة بمرض متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (المعروفة اختصارًا باسم سارس)، وفيروس نيباه، وفيروس ماربورغ (المسبب للحمى النزفية)، وفيروسات إيبولا، بالإضافة إلى فيروس كوفيد-19، على الرغم من أن الأصل الدقيق لهذا الأخير لا يزال غامضًا بسبب الجدال الذي دار حوله. يقوم أحد العاملين في مجال الرعاية الصحية برش بخار التطهير في محاولة لوقف انتشار فيروس حمى الضنك في ليما / بيرو يونيو عام 2022 – تصوير سيباستيان كاستندا / رويترز.

يُضيف محرر صحيفة الجارديان في مقالته عن الكتاب قائلاً: «يُعد بحث فيدال شاملاً لكافة جوانب الموضوع، كما أن قوائمه الخاصة بالأمراض المُعدية واسعة النطاق، للدرجة التي جعلتني أتساءل بعد فترة عما إذا كانت قطتنا، بيبلز، على وشك أن تصيبني بالديدان الحلقية أو حمى خدش القطط، ولحسن الحظ ليست هناك أوبئة أو جوائح كبرى بدأت من المنازل حتى الآن، وعلى الرغم من ذلك فقد ارتبطت حدائق الحيوانات الأليفة، ومناطق السياحة البيئية بتفشي داء السالمونيلا، والتهاب السحايا، كما ارتبطت مزارع النعام في جنوب أفريقيا بظهور أنفلونزا الطيور». 

«ولحسن الحظ هناك بصيص من الأمل، حيث يتم التعامل في الوقت الحالي مع صحة البشر، والحيوانات، والكوكب كقضايا منفصلة، ولكن وكما يوضح المؤلف، بينهم رباط وثيق للغاية، وما نحتاج إليه ليس فقط مجرد نهج للتعامل مع الأوبئة عند ظهورها – عن طريق «تحديد الأشخاص المصابين، وحجرهم صحيًا، وعزلهم»، وإجراء التطعيمات الممكنة – ولكننا نحتاج إلى «منهج جذري جديد لضمان الصحة العالمية»، بما في ذلك الاستعداد للمرض عن طريق إجراء الدراسات الاستقصائية، وتوقْع الأماكن التي من المرجح أن تضربها. يتمثل مشروع فيروم العالمي على سبيل المثال، خطة بقيمة 4 مليارات دولار لتحديد، وتسجيل خرائط وراثية لجميع الفيروسات التي من الممكن أن تهدد البشرية. يتعين علينا وفي نهاية المطاف أن ندرك أن تأثيرنا على الكوكب بما في ذلك القيام بإزالة الغابات بشكل متعمد، وما يؤدي إليه ذلك من تآكل التنوع البيولوجي - هو الذي يدفع بحدوث العديد من هذه الأوبئة، وعندما نجور على الطبيعة في كوكبنا، يُصيبنا ذلك بأوخم العواقب في المقابل».

 

آراء تدعيمية للكتاب

يقول بيل ماكيبين: «لقد ارتحل جون فيدال شرقًا وغربًا وفي كل مكان، وسيكون من الحكمة أن نأخذ التقارير التي يرسلها على محمل الجد، فلا تغير في سلوكيات البشر ولا سيما الأغنياء منهم، البيئة بطرق يمكن التنبؤ بها بشكل مدمر فحسب، بل إنها تهيئنا لبعض المفاجآت السيئة». أما بيتاني هيوز فتقول عن الكتاب: «إنه عمل حيوي يوضح لنا بصراحة تقترب من القسوة أن الأوبئة تحدد تاريخ البشرية، وقد حان الوقت لنُدرك أن الطريقة التي نعيش بها اليوم تؤدي إلى تفشي الأوبئة على مستوى الكوكب».

وتقول كارولين لوكاس النائبة في البرلمان البريطاني عن الكتاب: «موضوع حيوي وعاجل، واستقصاء علمي متميز - يجب أن يكون استقصاء جون فيدال الجازم لأخطار الأوبئة بمثابة جرس إنذار لكافة الحكومات في جميع أنحاء العالم. يمكن أن يكون وباء كوفيد - 19 مجرد قمة جبل جليدي من الأمراض الفتاكة والمدمرة القادمة، هذا ما لم نقم بتغيير المسار بسرعة ومهارة. يُعد تحويل علاقتنا بالطبيعة التي حولنا أمرًا ضروريًا ومُلحًا لصحة الإنسان وسلامة الكوكب الذي نعيش عليه. يشرح لنا كتاب «كوكب محموم» بحنكة ومهارة كيف يمكننا أن نفعل ذلك».  

بينما يورد جوناثان بوريت رأيه قائلاً: «يضع جون فيدال، بالاعتماد على عصارة تجربة حياته كصحفي في الخطوط الأمامية، النقاط على الحروف، ويوضح بشكل مثير التغّير المتسارع للمناخ، والنمو السكاني، والنظم البيئية المضطربة بشكل خطير، وهوسنا بالنمو الاقتصادي – وحتمية حدوث أوبئة في المستقبل. يُعد كتاب «كوكب محموم» هو الكتاب الأكثر توسيعًا للمدارك وتوضيحًا لمعضلة بيئية من الكتب التي قرأتها منذ سنوات». يقول البروفيسور سير ديفيد كينج، كبير المستشارين العلميين السابق لحكومة المملكة المتحدة ومؤسس المجموعة الاستشارية لأزمة المناخ ومركز إصلاح المناخ في كامبريدج عن الكتاب: 

«يأخذنا هذا البحث الذي تم إجراؤه بشكل رائع، ومن خلال رحلات فيدال الخاصة حول العالم، ومن خلال دراسة العدد المتزايد من الأوبئة حتى وباء كوفيد19- وما بعد ذلك، إلى رواية مقلقة تفضح عجزنا السياسي عن فهم ما يحدث، وكيفية إدارة مستقبل آمن لحضارتنا... وللكوكب. يجب على صانعي السياسات العالمية والوطنية والمحلية قراءة واستيعاب هذه المساهمة المهمة جدًا للوضع الحالي للعالم. يجب أن نتعلم وندرك جيدًا أننا جزء من الطبيعة، ولسنا منفصلين عنها».  

بينما جاء في تعليق صحيفة الإندبندنت عن الكتاب: 

«يقدم الصحفي الخبير في شؤون البيئة جون فيدال في كتابه المثير للإعجاب والانزعاج معًا: «كوكب محموم: كيف تظهر الأمراض عندما نؤذي الطبيعة»، والذي صدر عن (دار بلومزبري)، حجة مقنعة للبشرية لتقوم بتغيير علاقتها بالعالم الطبيعي» ■