دون ذرة من الندم

دون ذرة من الندم

لا أدري من أي مادة جُبل الجندي الإسرائيلي، كيف لا يتأثر وهو يوغل في القتل بهذه الصورة، خاصة أنه لا يواجه جيشًا منظمًا يناوؤه، وهو يقتحم أرضًا غير أرضه، ويهدم بيوتًا فوق رؤوس أهلها بحجة توفير الأمن له، ويطأ بأقدامه فوق جثث لمواطنين عزّل لا يملكون سلاحًا يردون به عدوانه، ولا جماعات مدربة تستطيع أن تناوره، ورغم كل المحاذير الإنسانية فهو يواصل القتل العمد،  أزاح من نفسه كل مشاعر الشفقة والضمير وعوامل الضعف الإنساني الغريزية ووضع حول عقله سياجًا يحميه من أي تعاطف، يقال إن كل الحيوانات لا تتصارع حتى الموت إلا نوعين فقط هما الفئران والإنسان، نحن لا نفهم دوافع الفئران لأنها لا تعبّر عن نفسها، فهل يمكن أن نفهم دوافع الجندي الإسرائيلي؟ نتنياهو يستعين بنبوءة منسوبة إلى المدعو آشعيا، لا نعرف إن كان نبيًا يهوديًا متخفيًا أو حاخامًا متعصبًا، ولكنه يعتبرها توصية إلهية، تأمره أن يقتحم بيوت أعدائه من العماليق الذين لا ندري في أي أرض يقيمون، وعليه يقتل الجميع، الرجال والنساء والشيوخ وحتى الأطفال، وأن يقتل أيضًا الأبقار والأغنام وحتى الحمير، ليس قتلاً ولكنها إبادة جماعية كما يحدث في غزة، ولا أدري أي نبوءة إلهية هذه التي تحث على القتل المطلق، أمر يخالف كل الرسالات السماوية التي تأمر بالرحمة والجنوح إلى السِّلم، فنحن نؤمن بأن مَن قتل نفسًا بغير حق أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا، أي أن جريمة القتل هنا هي جريمة ضد الإنسانية، لأنها سلب لروح الحياة التي وهبنا الله إياها، كل الجنود الذين عادوا من الحرب كانوا يشعرون بثقل هذه المهمة، بغض النظر عن الشعارات التي يرفعها قادتهم والتي تبرّر شرعية الحرب، الكثيرون منهم يحملون أمراضهم الخاصة، البعض يعاني من الاكتئاب والقلق وقلة النوم بسبب الكوابيس التي تهاجمهم، بل إنهم في أغلب الأحيان يعانون من العجز الجنسي، ربما لأنهم عاجزون عن أن يكونوا سببًا في إنجاب حياة جديدة بعد أن سلبوا الحياة من نفوس الآخرين. 

في أمريكا فتحت المؤسسات الصحية أبوابها للعائدين من حروب كوريا وڤيتنام ومازالت أبوابها مفتوحة للذين يتوافدون من حروب جديدة، فهل يشعر الجنود الإسرائيليون بذلك، أنهم يخوضون حربًا غير عادلة حتى وإن توهموا العكس، فهم يسلبون أرضًا ليست لهم، لمجرد وعد وهمي يزعم أن الله قد وهبها لهم، رغم أنهم كانوا أقل الأقوام الذين سكنوها عمرًا، لقد فتشوا في فلسطين طولاً وعرضًا، ونقبوا تحت كل ذرة رمل فيها ولم يجدوا أثرًا لمملكة داود، كل ما يملكونه هو بعض الأساطير التي كتبها حاخامات العهد القديم، وباسم هذه الأساطير يقتلون دون رحمة ودون وازع من ضمير أم أنه لا يوجد لديهم ضمير أصلاً؟ لكن وحشيتهم لن تدوم طويلاً، فالتاريخ يقول لنا إن كل الأمم التي نهضت على الدم غرقت في الدم ■