معرضٌ فنيٌّ على قاع المحيط!

إننا لا نعرف الكثير عما تُخبِئه قيعان بحار الأرض ومحيطاتها. كل ما أنجزه العلماء، حتى الآن، تصويرُ 5 % فقط منها، بالرغم من القفزات الكبيرة في تكنولوجيا التصوير التي يسرت لنا الحصول على صور لمواقع مختلفة من قيعان محيطات وبحار العالم، تقرِّبُ لنا ملامح ذلك العالم الهائل بعيد المنال.

شكراً لهذه التكنولوجيا المتقدمة التي أضاءت لنا الأعماق البعيدة وكشفت عن ملامح وتشكيلات قاعية مذهلة، تخضع الآن لدراسات موسعة في مختلف المجالات، والتي أحدثت نقلةً هائلة في محصول علماء الجيولوجيا البحرية من معلوماتهم عن طبيعة تضاريس القاع البعيدـ التي يثير تأمُّلُها الإعجابَ بروعة جمال صورها التي تبدو أقرب إلى لوحات رسامي الاتجاهات الفنية الحديثة منها إلى كونها مجرد بيانات علمية.

 

فماذا يرسم لنا هذا الفنان العظيم: المحيط؟

لنبدأ بلوحته التي دبجها فوق قاعِ البحر المتوسط، أمام جزيرة مالطا، وفيها تشكيلٌ فريد من فصوص وتموجات صنعتها الرمالُ، متراكبة مع مساحات صغيرة من الحصى وفتات بقايا شعاب مرجانية. وقد أعطى العلماء لهذه اللوحة اسماً فنياً هو (الوشم المالطي) إذ يماثل إلى حد كبير وشم الحنَّاء الذي يرسم في مناسبات شعبية على الكفِّ والكاحل.

في مياه خليج بشمال إقليم (بريتاني) الفرنسي، تمكنت آلات التصوير من رصد منطقة متسعة من القاع الرملي، على بعد نحو 15 مترًا من سطح المحيط، تحتلها أعداد هائلة من حيوان بحري رخوي معروف لدى العامة باسم البطلينوس، وله قدرة كبيرة على الالتصاق بالصخور، مكوناً صورة من خطوط متوازية متبادلة، من الأبيض والأسود، تذكرنا بنظام تخطيط جلد الحمار الوحشي .

وفي المياه البلجيكية الضحلة من بحر الشمال، تتوزع على القاع الرملي أذرعٌ من التكوينات الرملية الكثبانية الكبيرة، يعرفها الجيولوجيون باسم (برخانويدات)، يبلغ طول كل منها 20 كيلومتراً، واتساعه 1-2 كم، وارتفاعه 10-20 متراً، ويفصل بينها قنوات من الحصباء؛ وتبدو البارخانويدات في تعرجها وميلها كألسنة لهب رهيبة تتصاعد في جو عاصف. 

وتتدخل الأساطير الإغريقية لتوحي للجيولوجيين البحريين بتسمية لوحة فنية رسمها المحيط الأطلنطي فوق قاعه، أمام شبه جزيرة معروفة باسم "رأس العقدة"، في المياه الأيرلندية، حيث تتخذ التكوينات الجيولوجية الرائعة التي تشكلت على مدى ملايين السنين فوق القاع الرملي المستوي هيئة لوحة تستحق فعلاً أن يكون عنوانُها (عين الميدوزا) وهي عين شريرة، فالميدوزا في الحكايات الأسطورية كانت فتاة جميلة، غضب عليها إله البحر "بوسيدون"، وحولها إلى امرأة بشعة المظهر، يتحول كلُّ من ينظر في عينيها إلى حجر. وللتسمية دلالة أخرى، فهي تعكسُ ما تتعرض له تلك المنطقة من الساحل الأيرلندي من تهديد دائم من عواصف الشتاء.

ونختتم هذه الجولة بلوحة رائعة رُسمت على القاع المكون من صخور رملية أمام ساحل العاصمة الأسترالية (سيدني)، والذي تفترشُه موائل متداخلة لأنواع من الإسفنج والبزَّاقات البحرية، توزعت ألوانُها من الوردي والأرجواني على نحو جعلها ترسم وجهين واضحين، يتركان انطباعاً بأنهما في حالة تأمل أو حوار، ويبدو أحدهما أكبر حجماً وأوضح، وله فم أوسع.

 

  • يوافق يوم 8 يونيو اليوم العالمي للمحيطات