رجل الخيرعبدالعزيز سعود البابطين
عبدالعزيز سعود البابطين رمز من رموز الخير في دولة الكويت، تجد آثاره الطيبة وسمعته الرفيعة أينما اتجهت في أقطار الأرض... رجل عصامي استطاع بعد سنوات من الكفاح والعمل الجاد المبني على الأمانة والصدق أن يكون واحدًا من أبرز رجال الأعمال في الكويت، له نشاطه التجاري والاقتصادي الممتد إلى مختلف ربوع العالم.
كانت جذوة الثقافة والخير كامنة في قلب عبدالعزيز البابطين، وقد ازدادت توقدًا واشتعالًا بتعيينه في مقتبل حياته أمينًا لمكتبة ثانوية الشويخ، حيث أصبح ملازمًا للكتب محبًا لها باعتبارها منهلًا من مناهل الشعر الذي شغف به منذ نعومة أظفاره. ولما نجح في عمله التجاري ترك الوظيفة الحكومية وتفرغ لعمله الخاص قام بتوظيف ذلك النجاح في خدمة الشعر والتراث الثقافي العربي، وهو الأمر الذي اتسمت شخصيته به، فلم يعرف عبدالعزيز البابطين إلا بالشاعر صاحب المبادرات الثقافية، صانع المؤسسات الداعمة لها التي بدأها بإنشاء مؤسسته الثقافية عام 1989م، التي انطلقت من القاهرة تحت اسم مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري.
ويؤكد عبدالعزيز البابطين «أن إنشاء هذه المؤسسة التي تعتني بالشعر العربي والشعراء العرب أن لم يكن ترفًا ثقافيًا ولا استعراضًا للإمكانات المادية، بل كان عزمًا على تأكيد دور الشعر في حياة الأمة، فهو ديوان العرب وسجلهم الذي حفظ لغتهم ووثق تراثهم». ويرى البابطين أنه إذا كانت بريطانيا تفخر بشاعرها العظيم «شكسبير» وفرنسا بشاعريها «بودلير» و«هوجو» وروسيا تعتز بشاعرها العظيم «بوشكين»، وإسبانيا بشاعرها «لوركا»، وباكستان تعد «محمد إقبال» من أكبر مؤسسيها والمبشرين بإنشائها وإيران تتيه على الدنيا بـ«عمر الخيام» و«حافظ» و«سعدي» و«الشيرازي»، أفلا يحق لأمة العرب أن تفخر بسلسلة ذهبية من شعرائها العظام منذ امرئ القيس وزهير والنابغة ولبيد، مرورًا بالبحتري والمتنبي والمعري إلى أحمد شوقي والشابي والأخطل الصغير والسياب؟ إنها سلسلة لم تنقطع منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا، لا بد من توثيق سمات كل مرحلة منها وشعرائها، وأن نجعل الأذن العربية تتذوق هذا الفن الجميل ففيه ما يسر النفس ويسمو بالروح ويشنف الأذن فيحرك الوجدان ويطربه».
أهداف المؤسسة
ولتحقيق المأمول من هذه المؤسسة وضعت لها الأهداف التالية:
1 - إقامة مسابقة عامة في الشعر العربي وفي نقده مرة واحدة كل سنتين ضمن دورات المؤسسة، وتكريم المبدعين في هذه المجالات.
2 - إصدار سلسلة معاجم البابطين لشعراء العربية المعاصرين والراحلين.
3 - إصدار مطبوعات عن شعراء دورات المؤسسة بالتزامن مع إقامتها تتضمن دواوينهم وأعمالهم الإبداعية الأخرى وأبحاثا عن سيرهم وأدبهم.
4 - إقامة ندوة أدبية مصاحبة للدورة عن شاعرها وتتضمن أبحاثًا عن بعض قضايا الشعر ونقده، وأخرى لحوار الحضارات والثقافات والأديان بالإضافة إلى أماسٍ شعرية تشارك فيها نخب مختارة من شعراء الوطن العربي.
5 - إقامة ملتقيات شعرية نوعية وفقًا لما يقرره مجلس الأمناء كملتقيات الشعر النبطي أو ملتقيات أخرى خارج نطاق دورات المؤسسة.
6 - إنشاء مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي والدراسات الأدبية والنقدية والتاريخية المتصلة بالشعر والشعراء.
7 - إنشاء المكتبة السمعية للشعر العربي من خلال تسجيلات صوتية ومرئية لمختارات من قصائد شعراء العربية القدامى والمعاصرين بأصوات فنانين وإذاعيين.
8 - تدعيم العلاقات مع الروابط والجمعيات والاتحادات الأدبية والشعرية على مستوى الوطن العربي.
9 - الاتصال بأساتذة أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية، وأقسام الاستشراق في الجامعات الأجنبية وإيجاد فرص للتعاون معهم في ما يهم الشعر العربي إبداعًا ونقدًا ودرسًا.
وقد تحققت جميع الأهداف أعلاه بصورة أوسع بكثير مما يوحي به عنوان كل هدف منها، ونذكر فيما يلي الأعمال التي أنجزتها مؤسسة البابطين:
1 - مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي
في الثامن من أبريل 2006م، افتتحت مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، وهي أول مكتبة متخصصة في مجال الشعر العربي في العالم؛ صمم مبناها على شكل كتاب مفتوح من واجهتها الأمامية والخلفية، وقد أصبحت في عمارتها وعطائها الكبير معلمًا مميزًا في قلب العاصمة الكويتية، ومقصدًا أساسيًا للزوار والباحثين في مجال الشعر والأدب العربي. وتميزت بحسن الإدارة والتنظيم ومتابعة كل جديد في مجالها.
وقد بلغ إجمالي مجموعات المكتبة: أكثر من (383) ألف كتاب، وتضم المكتبة مجموعة من المخطوطات الأصلية العربية، تعد الأكبر عددًا في دولة الكويت تتمثّل بأكثر من (3340) عنوان مخطوط في شتى الموضوعات التي كتب بها العلماء العرب والمسلمون وغيرهم عبر العصور، كما بلغ عدد الكتب النادرة بالمكتبة (13500) كتاب نادر في شتى الموضوعات، وتضم مجموعات المكتبة أكثر من (5500) رسالة جامعية متخصصة في مجال اللغة العربية والشعر العربي والأدب.
كما أن المكتبة تقدم العديد من خدمات المعلومات التقليدية والخدمات الحديثة المعتمدة على أحدث وسائل التكنولوجيا في مجال المكتبات، كما توفر الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة من المكفوفين والصم والبكم وغيرهم من الفئات، وذلك من خلال توفير مجموعة من الكتب المطبوعة بطريقة بريل في مجال الأدب والشعر العربي، بالإضافة إلى نظام إبصار الذي يُمكّن ضعاف البصر وفاقديه من التعامل مع تطبيقات الحاسب الآلي كافة باللغة العربية واللغة الإنجليزية، كما وفرت المكتبة مجموعة من البرمجيات للصم والبكم والأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم ومرض التوحد، وذلك بهدف جذب جميع الفئات للمكتبة والاستفادة منها.
وتقوم المكتبة بتقديم العديد من الخدمات المجتمعية داخل دولة الكويت، مثل إعداد دورات مجانية منذ تأسيسها لمحو أمية الحاسب الآلي، والتي استهدفت تدريب الفئة العمرية من أربعين سنة وما فوق على مهارات استخدام الحاسب الآلي والإنترنت في كافة مجالات الحياة اليومية، بالإضافة إلى دورات في شبكات التواصل الاجتماعي من منطلق إيصال الفائدة للجمهور ورغبة من المكتبة بتوفير السبل العلمية والتدريبية لتثقيف المجتمع وإرشاده لكيفية الاستفادة من هذه الخدمات الجديدة.
كما أقامت المكتبة، خدمة للطلاب في دولة الكويت، دورات «قواعد اللغة العربية ومهاراتها»، والتي تُسهم بربط مهارات التدريب والتعلم بمجموعات الكتب الموجودة بالمكتبة وذلك من خلال التطبيق العملي لقواعد النحو، وحفظ الشعر، بالإضافة إلى تدريب الطلبة على قراءة الكتب وتلخيصها، وإعداد الأبحاث الأدبية أو اللغوية، والربط بين القراءة وتعليم اللغة العربية.
2 - دورات المؤسسة وملتقياتها
عقدت الدورتان الأولى والثانية للمؤسسة في القاهرة (مايو 1990م، أكتوبر 1991م)، وقد اقتصرت الدورتان على حفل توزيع جوائز المؤسسة التي كانت أول أهدافها، وكانت أربع جوائز تدور كلها في محاور الإبداع في مجال الشعر العربي. وفي الدورة الثالثة التي كانت أيضًا في القاهرة (ديسمبر 1992م) رأى مجلس الأمناء أن تسمى كل دورة باسم شاعر عربي كبير يتم إحياء ذكراه وإقامة ندوة فكرية حوله، وعليه فقد تقرر تسمية الدورة الثالثة باسم الشاعر محمود سامي البارودي، ويكون ذلك مصاحبًا لحفل توزيع جوائز المؤسسة.
وقد تتابعت تلك الدورات بعد ذلك، التي كانت تطبع أعمالها ونتاجها الفكري في عدة مجلدات، وتعددت أماكن إقامتها؛ فالدورة الرابعة كانت دورة أبي القاسم الشابي (فاس 1994م) والخامسة: دورة أحمد مشاري العدواني (أبوظبي 1996م)، والسادسة: دورة الأخطل الصغير (بيروت 1998م)، والسابعة دورة أبي فراس الحمداني والأمير عبدالقادر الجزائري (الجزائر2000م).
وتميزت الدورة التاسعة وهي دورة ابن زيدون التي عقدت في قرطبة عام (2004م) بأنها قد تضمنت ندوة الحوار الحضاري تحت عنوان «الحضارة العربية الإسلامية والغرب من الخلاف إلى الشراكة». وقد أصبح هذا المحور في الحوار الحضاري مصاحبًا لجميع الدورات التالية، ونقل فعاليات المؤسسة من النطاق العربي والإسلامي إلى النطاق العالمي، وهذا ما رأيناه في الدورات العاشرة (باريس 2006م) والحادية عشر (الكويت 2008م) والثانية عشر (سراييفو 2010م) والدورات التي أتت بعد ذلك.
وحول تعدد أماكن اللقاءات يقول البابطين في كلمته التي ألقاها في دورة ابن زيدون التي عقدت في قرطبة (أكتوبر 2004م).
«ونحن في مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وهي من مؤسسات المجتمع المدني، كان مطمحنا - منذ أولى خطواتنا قبل عقد ونصف من الزمن - أن نتحرر من التحيزات السياسية والمذهبية التي تمزق النسيج الاجتماعي، وأن نجعل من المؤسسة ساحة يتجاذب فيها المثقفون العرب - على اختلاف اتجاهاتهم - أطراف الحوار للنهوض بالشعر العربي وبالثقافة العربية، وقد استطعنا أن نتجاوز الجدران العازلة لنقيم لحمة ثقافية تؤسس للحمة سياسية مستقبلًا.
ولم نقتنع بالعمل داخل الإطار العربي، بل تطلعنا إلى أن نمدّ الجسور مع ثقافات نسجت معنا خيوط الماضي، فأقمنا ملتقى سعدي الشيرازي في طهران عام 2000 لنجدد الصلة بالثقافة الفارسية، وها نحن نختار قرطبة عاصمة الأندلس مقرًا لدورة ابن زيدون لكي نعيد التلاحم مع الثقافة الإسبانية».
وإذا ما توقفنا عند الدورة التاسعة التي عقدت في مدينة قرطبة الأندلسية، وتمعنّا في نتائجها لوجدنا أن من ثمارها إنشاء أربعة كراسي باسم عبدالعزيز سعود البابطين للدراسات التاريخية والثقافية والعربية في جامعات قرطبة (2004م)، وغرناطة (2007م)، ومالقا (2008م)، وإشبيلية (2009م)، وتم الاتفاق مع جامعة قرطبة على رصد جائزة باسم «جائزة عبدالعزيز سعود البابطين الأندلسية» وتختص بدور القرى الأندلسية التي أسهمت في صنع الحضارة الأندلسية الكبرى، ولم تأخذ حقها من الدراسة والبحث الذي تمتعت به المدن الأندلسية التي ساهمت في صنع الحضارة الأندلسية ولم تأخذ حقها من الدراسة والبحث الذي تمتعت به المدن الأندلسية الكبرى من مثل قرطبة وإشبيلية وغرناطة.
وقد أسهمت تلك الكراسي في تدريس اللغة العربية التي أقبل على دراستها مئات الطلبة الإسبان، كما أسهمت في تنظيم دورات تثقيفية شاملة للمرشدين السياحيين الإسبان، وقد بدأت أولى تلك الدورات في قرطبة عام 2005م، وتخرج منها ذلك العام 118 مرشدًا إسبانيًا، وتبعتها جامعات غرناطة وإشبيلية ومالقا.
ويدرك قيمة تلك الدورات من زار الأندلس قبل هذا المشروع وبعده، فقد كانت لي زيارة لبلاد الأندلس عام 1971م، ثم زرتها مرة أخرى عام 2023م، فوجدت فرقًا كبيرًا بين ما كان يقدمه المرشدون من معلومات عن آثار العرب في الأندلس في المرتين الأولى والثانية، فقد اختفت المعلومات المغلوطة عن تاريخ العرب في الأندلس وأصبحت معلوماتهم أكثر صحة ووفاءً وإنصافًا.
3 - إصدارات مؤسسة البابطين
بجانب ما أشرنا إليه من إصدارات توثيقية عن شعراء دورات المؤسسة التي تتضمن دواوينهم وأعمالهم الإبداعية وأبحاثًا عن سيرهم وأدبهم، أولت المؤسسة اهتمامًا خاصًا بنشر مجموعة كبيرة من دواوين الشعراء العرب القدامى، وأنشئ لذلك مركز باسم «مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية» وقد أوكلت تحقيق تلك الدواوين إلى محققين متميزين، وصدرت عن ذلك المركز عشرات الدواوين منها ديوان الجعبري وديوان أبي الطيب الرندي وديوان أبي إسحاق الصابي وغيرها.
ورغبة من رئيس المؤسسة في الإسهام بدعم حركة الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية وبالعكس، تم إنشاء «مركز البابطين للترجمة» عام 2004م. وقد صدر عنه حتى الآن عشرات الكتب. ويركز في مطبوعاته على المجالات العلمية الجديدة والاكتشافات التكنولوجية الحديثة من مثل الهندسة الوراثية والطاقة النووية والذكاء الاصطناعي والمعلوماتية الحديثة وما إلى ذلك.
وقد أصدرت المؤسسة عدة معاجم للشعراء العرب المعاصرين، لكن أبرزها كان «معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين»، الذي صدر في خمسة وعشرين مجلدًا، واشتمل على ترجمة 9518 شاعرًا من البلاد العربية وغيرها، وشارك في جمع مادته 541 باحثًا من مختلف الأقطار، وذلك وفق منهج دقيق يراعي فيه مكانة الشاعر، والنموذج المختار لشعره.
وهذا المعجم يكمل المساحة التي استهدفها المعجم الذي سبقه في الصدور وهو «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين»، وكلاهما جزء من مشروع قومي يهدف إلى تقديم لوحة شاملة للشعر العربي عبر عصوره المتتابعة.
وهذا المعجم يترجم لشعراء العربية بغض النظر عن مواطنهم وأماكن إقامتهم، فهو يضم كل مَن أبدع شعرًا باللغة العربية دون اعتبار لجنسية الشاعر أو اتجاهاته.
ويضاف إلى ذلك إصدارات مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي التي بلغت إصداراتها حتى الآن أكثر من (84) مجلدًا، منها: سلسلة «مكتبة عبدالكريم سعود البابطين» نوادر النوادر من الكتب، والتي صدر منها (24) جزءًا (وهي سلسلة مستمرة)، وتهدف هذه السلسلة لتعريف القراء بأهم الكتب النادرة الموجودة بمكتبة السيد عبدالكريم البابطين من خلال تناول كل جزء تعريفًا بثمانين من الكتب النادرة، حيث يتم التعريف بمؤلف الكتاب وكتابة ملخص عن الكتاب، وقد بلغ إجمالي الكتب النادرة الواردة في هذه السلسلة (1920) كتاباً.
ومن الإصدارات المهمة للمكتبة أيضًا «سلسلة مخطوطات مكتبة البابطين» والتي صدر منها حتى (21) مجلدًا، عن أهم المخطوطات الأصلية الموجودة في المكتبة.
ويعد كل ذلك إضافة ثرية للمكتبة العربية.
4 - الدورات التدريبية
تعد الدورات التدريبية من النشاطات المتميزة أيضًا ضمن أعمال مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين، فقد أقامت أكثر من 300 دورة تدريبية مجانية في علم العروض والتذوق الشعري وفن الإلقاء ومهارات اللغة العربية وتدريب الإذاعيين والإعلاميين، وكانت مدة كل دورة منها أربعة أشهر، وكانت جميع تلك الدورات على أيدي أساتذة جامعيين متخصصين في هذه المجالات، وامتد نطاقها الجغرافي ليشمل نحو أربعين بلدًا.
ومن أبرز الأعمال المتصلة بالنشاط التدريبي كان ذلك الاتفاق الذي تم مع رئيس جمهورية القمر المتحدة من خلال 15 دورة لتعلم اللغة العربية في آن واحد وبشكل مستمر، منها 3 دورات للوزراء والقضاء، و12 دورة لمدرسي المرحلة الابتدائية، إضافة إلى تزويدهم بمختبر لغوي حديث يتسع لـ 50 متدربًا، وأرسلت «مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري» مهندسين كويتيين لتركيبه وتشغيله وتدريب القائمين عليه، بالإضافة إلى ذلك أمر رئيس المؤسسة بإنشاء (مركز الكويت للدراسات العربية والإسلامية) في العاصمة مورني بتاريخ 27-1-2009م، والهدف من إنشائه: العمل على الإسهام في تعريب جزر القمر وأن يكون المركز مصدر إشعاع ثقافي وآصرة من أواصر التعاون التي تربطنا بجزر القمر ولإلغاء البعد الجغرافي الذي يفصلنا عنها.
5 - المنح التعليمية
في سنة 1974م قرر عبدالعزيز سعود البابطين إنشاء بعثة تعليمية لمعاونة المتفوقين من أبناء الكويت وبعض الدول العربية الذين لم تشملهم المنح الرسمية ولم تسعفهم ظروفهم المادية لتحقيق طموحاتهم في مواصلة دراساتهم العليا. وأطلق على هذه البعثة اسم «بعثة سعود البابطين للدراسات العليا» تكريمًا لذكرى والده رحمه الله، وترسيخًا لدور الكويت حكومة وشعبًا في العناية بالعلم والتعليم.
وفي مطلع تسعينيات القرن العشرين، وعقب تفكك الاتحاد السوفييتي واستقلال دول وسط آسيا الإسلامية، وبسبب رغبة الكثيرين من أبناء هذه الدول الارتباط بجذورهم الثقافية الإسلامية بعد أن حاول النظام السابق أن يقطع ذلك الرباط، واستجابة لتلك الرغبة تحرك الأستاذ عبدالعزيز البابطين، فشكل وفدًا برئاسته وعضوية الدكتور خالد المذكور والدكتور عبدالله محارب والسيد عبدالعزيز المطوع والدكتور أنور اليحيى، وقام الوفد برحلتين في سبتمبر 1992م وأكتوبر 1993م، زار الوفد خلالها أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وقرقيزستان وأذربيجان، التقى في أثنائها بوزراء التعليم والخارجية وكبار المسؤولين، وزاروا الجامعات والمؤسسات العلمية المختلفة، وعقد مجموعة من الاتفاقيات أنشأ من خلالها عددًا من المدارس أطلق عليها «مدرسة الكويت» في كل من كازاخستان وأذربيجان وقرقيزستان وجورجيا، كما أنشأ «معاهد عبدالرحمن سعود البابطين الكويتية للغات الشرقية» في جامعة جوي بجمهورية قرقيزستان.
وفي الرحلة الأولى تم اختيار مائة طالب للدراسة في الأزهر الشريف على نفقة السيد عبدالعزيز البابطين، وقد تم تخصيص من 10 منح إلى 15 منحة، يختار فيها الطالب التخصص الذي يلائمه، فالأزهر فيه الدراسات الدينية والدنيوية.
وقد مهّدت الصلة الوثيقة بين عبدالعزيز البابطين وبين فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في قبول البعثات المذكورة التي أولاها شيخ الأزهر منزلة خاصة تقديرًا لعطاء عبدالعزيز البابطين وإخلاصه. ومع مرور السنين تضاعفت تلك البعثات، وأضيف إليها طلاب آخرون من القارة الإفريقية، كما تم تخصيص مئات البعثات لطلاب البوسنة والهرسك الذين شردتهم الحرب منذ عام 1992م، وخصص مائة بعثة سنوية لأبناء شهداء الانتفاضة الفلسطينية منذ عام 2000م، ومنح أخرى للمتضررين من الحروب والزلازل في دول أخرى.
وقد حققت بعثة عبدالعزيز سعود البابطين نجاحًا كبيرًا دفع الكثيرين للسعي للالتحاق بها وشجع بعض رؤساء الدول والحكومات في السنغال وجزر القمر والصومال على التواصل مع البابطين من أجل الحصول على منح دراسية لأبناء بلدانهم في البعثة.
وقد خصصت المؤسسة لطلاب البعثة بالقاهرة ثلاث عمارات سكنية كبيرة بمدينة نصر. وإضافة إلى السكن المجاني والمنح الدراسية الكاملة تقدم لهم رواتب ورعاية طبية مجانية وتذاكر سفر إلى بلدانهم مرة كل عامين، مع تشجيع المتفوقين منهم بمنحهم تذاكر سنوية، والأوائل منهم يكافئون بإرسالهم لأداء فريضة الحج.
وقد أصبحت بعثة البابطين تضم آلاف الطلاب من مختلف المراحل الدراسية حتى درجة الدكتوراه، وبلغ عدد المتخرجين فيها 3546 طالبًا وطالبة من 77 دولة. وقد تصدر كثير منهم قائمة الأوائل في تخصصاتهم. كما أن كثيرًا منهم قد تبوأوا مناصب رفيعة في بلدانهم.
ولم يكن عبدالعزيز سعود البابطين مجرد راع لمشروع تعليمي يرى فيه وجهًا من وجوه البر والإنفاق في سبيل الله، بل كان أبًا حقيقيًا لجميع أولئك الطلاب المنتسبين إلى بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا؛ يسبغ عليهم رعايته ويوليهم عنايته، ويخصص من وقته وجهده وماله الشيء الكثير لتهيئة سبل النجاح لهم. وكان - رحمه الله - حريصًا على أن يلتقي بهم مرة أو مرتين كل عام؛ يستمع إليهم ويستجيب لمطالبهم. وكان يولي عناية خاصة للطلاب الذين كونوا أسرًا أثناء دراستهم، فكان يضاعف رواتبهم ويمنحهم مكافآت استثنائية عندما يرزقون بالأطفال، وكان يقول عن هؤلاء إنهم أبناء البعثة.
وإلى أيامه الأخيرة كان عبدالعزيز البابطين يعمل على إجراءات مئة طالب وطالبة من أبناء الشعب السوري المتضررين من أحداث الزلازل بالتعاون مع بعض الهيئات والجمعيات الخيرية في الكويت وتركيا؛ كما كان - رحمه الله - ينوي ضم 150 طالبًا وطالبة من أبناء شهداء غزة للدراسة بالقاهرة فور انتهاء العدوان الغاشم على ذلك القطاع.
وبعد؛ فإن ما قدمنا لم يكن سوى غيض من فيض عطاء المغفور له بإذن الله عبدالعزيز سعود البابطين، وهو ما عرف وانتشر ولا يقل عن ذلك ما كان في ظهر الغيب. وندعو المولى عز وجل أن يكون ذلك في ميزان حسناته، وأن يتواصل العمل عند أبنائه الذين تعلموا على يديه قيمة العمل الخيري، ولا شك أن برّهم المعروف لوالدهم سوف يدعوهم إلى دعم هذه الأعمال الجليلة ومواصلتها ■