حتى تبلغ الكمال!
«هو الكمال بعينه يا ابنتي»... هذا ما قالته الأم واصفة الخطيب الوسيم الثري المتعلم الذي تقدم لابنتها، أطلقت البنت استغرابها: «وأين الكمال في ذلك! فقد يكون ذا سمعة سيئة مع أهله أو أصدقائه أو بيئة عمله». بابتسام أجابت الأم بالنفي وأنه وأهله أصدقاء لأسرتهم منذ القدم إلى الآن، والكل يشهد له بالبر والصلاح والاستقامة.
منذ الأزل والإنسان الذي يتطلع دومًا للكمال... يرجوه ويأمله ويحاول جاهدًا بلوغه، إلا أنه يصطدم بحاجز الصد العظيم ألا وهي جملة: «الكمال لله عز وجل»، وهذا أمر مفروغ منه، إلا أنه هنا قابل للنقاش.
يقول كونفوشيوس: «الكمال ليس تحقيقًا مطلقًا، ولكنه ممارسة مستمرة تتطلب الجهد المتواصل والتحسين المستمر». كما ذكر المفكر العراقي علي الوردي أن: «الكمال في كل شيء مستحيل، فمن طبيعة الحياة أن تكون ناقصة لكي تسعى لسد هذا النقص فلا تقف». وبين عملية البحث عن الكمال أو صناعته تُفقد الطاقة أو ينتهي الشغف. فرؤيتنا للأشخاص والحاجات على مستوى تام تأتي من أنفسنا ونشأتنا لاختيار الكمال بذواتنا أو بالآخرين.
فما هو الكمال بعيدًا عن أقوال المنظرين لأنه موضوع فلسفي وأمر نسبي، لذلك فهو بالمجمل «تمام الشيء وسلامته من العيوب والنواقص وتوافقه مع ما نرغب ونحب». أي أنه معيار قابل للاختلاف من شخص لآخر وفقًا لمعايير القيم والثقافة والبيئة والتربية والحاجة.
وها هي فتاتنا تقبل بالزواج من رجل بمميزات الكمال وستجدها أكثر وأكثر بالتوافق وبالرضا والقناعة، ولن تكتفي به بل ستعمل على تأطيره في أبلغ صوره عند التقبل والانسجام والاحترام هو ميزان الحياة الأهم لانسيابية مسيرها.
الشيخ محمد متولي الشعراوي له رأي جميل حين قال: «لن تحصل أبدًا على كل شيء كامل، ستحصل على أشياء ناقصة تكتمل برضاك». فلأفعالنا بالغ الأثر في تحديد قناعاتنا ورؤيتنا لما نهواه ونرغب، وكما يقال: «أقداركم تؤخذ من أفواهكم»، فكثرة تكرار الإيجابيات تجعلنا نراها أمامنا، لأن التنكر والمقارنة والرفض يبني حاجزًا غليظًا أمام أي تسهيلات للوصول للكمال.
لذلك ونحن في طريقنا للسعي نحوه بتحسين وتطوير قدراتنا وإمكانياتنا لا ننسى الهدف من الوصول إليه، وهو بالتأكيد سيكون السعادة والراحة، فأحيانًا كثيرة تكون الرحلة أجمل من بلوغ الهدف، والصحبة أروع من الطريق. لذلك فإن الكمال موجود، ونحن مَن يصنعه وتلك أدواته... إذن كما قال أحد الصالحين: «وإنها القلوب يا علي إذا صفت رأت بنور الله» ■