وفجأة قالت المرأة: النمر
كانت المرأة واقفة عند النافذة المواجهة للغابة، تغني كلمات أوبرا كيوبيد وسايكي. بالضبط عند المرحلة التي تحمل فيها سايكي، الفضولية والقلقة، الشمعة إلى وجه كيوبيد لتفحص بشرته في الظلام، تسقط قطرة من الشمع المنصهر على جسد كيوبيد، وفجأة اخترقت شرارة، تشبه البرق لمنبعثة من زوج من العيون، جفنيها؛ أوقفت لسانها مؤقتًا عند كلمة «قطرة»... قطرة قطرة، تلك القطرة الساخنة. وفجأة رأت النمر جالسًا في الظلام، نصف مختبئ في ثنايا أوراق الشجر والأغصان الملتفة؛ وهو يمسح بمخالبه الدمعة الكريستالية الصافية التي سالت من عينيه.
وقفت المرأة ساكنة في إطار النافذة ورأت النمر يجلس ساكنًا بلا حراك تحت ضوء القمر، ويمسح تلك الدمعة الكريستالية بمخالبه. وهناك، بينما كان النمر يفتح عينيه، اخترق سهم كيوبيد المملوء بالشرر قلبها. بقيت صامتة ومذهولة، وهي محدقة بهذين العينين. وبعد لحظة رأت النمر يختفي في متاهة الغابة دون أن يترك أي أثر على الإطلاق. استدارت نحو المرآة، ضائعة، قبل أن تستعيد رباطة جأشها بما يكفي لمواصلة الغناء، بالضبط من حيث سقطت قطرة الشمع الذائب على جسد كيوبيد، مما تسبب في اختفائه في بطن الجبل.
ظلت المرأة تغني: قطرة، قطرة، قطرة، لكنها لم ترغب في المضي قدمًا بعيدًا عن كلمة «قطرة». وواصلت في المرآة رؤية عيني النمر وذلك الجسم الأنيق الذي اختفى بين أوراق الشجر والأغصان. حركت أصابعها على البيانو، عبر لوحة المفاتيح لتجد لحنًا يناسب الوحدة فى صوتها، لكنها بعد لحظة رأت نفسها تجري في الغابة الكثيفة متتبعة آثار أقدام النمر. شيء بداخلها كان يصرخ: نمر؟
رغبة جامحة وناعمة، جعلتها مضطربة؛ أرادت الجلوس وجهًا لوجه مع النمر، والتحديق في عينيه، وقراءة الكلمات الغامضة المخبأة في عينيه. هل كان الفضول أم الرغبة في المخاطرة؟ أم حاجة غامضة فوق إردتها؟
ركض النمر إلى الأمام، منغمسًا في خيالاته، يتقلب ويقفز ليبتعد عن ممرات الغابة المتاهة. الحزن الرهيب جعل البريق في عينيه أكثر إشراقا. كان يعلم أن البريق في عينيه قد أثار المرأة. لا، فهو لا يرغب في أن تجد المرأة طريقة للوصول إلى وحدته البلورية. هل كان يستطيع أن يجمع غضب القرون المختبئ في أطراف مخالبه؟ لقد بذل جهدًا كبيرًا لجعل بلورة عزلته مبهرة للغاية؛ لا، فهو لن يسمح الآن لامرأة بسيطة أن تجد طريقها إلى المتاهة الداخلية.
أغمض عينيه وأسند رأسه على جذع شجرة، ثم ملأ صوت المرأة المؤرق أذنيه واهتز جسده كله في تمرد جامح ومجنون. فتح عينيه ونظر إلى القمر. لا، ذلك الصوت، ذلك اللحن الغامض الذي يغني عبر نافذة الليل، لا يمكن أن يكون صوت المرأة التي طردته بعيدًا، من أحشائها. لم تكن تلك المرأة امرأة واحدة، بل كانت امرأة تنسخ نفسها طوال الوقت، وتقدم في كل مرة وجهًا مختلفًا.
وبعد يوم واحد، أصبحت المرأة جدة وغنت التهويدات للنمر حتى يتمكن من النوم. قفز مرة أخرى ليقول شيئًا، ليقول إنه كان ينوي البقاء مستيقظًا، لكن التهويدة أخذته بعيدًا، على حين غرة، إلى أرض النوم. وفي اليوم التالي، أصبحت المرأة ابنة النمر وغسلت قدميه في النهر. هذه المرة، قفز النمر ليقول شيئًا عندما غمرته الفتاة فجأة في النهر.
وفي أحد الأيام، بينما كان النمر يمشي عبر مساحة من السهل المتناثر، صادف المرأة التي كانت بالقرب من النافورة، مع نمر آخر. عندها التفتت المرأة إلى النمر الوحيد في السهل وقالت: «أنت لم تكن نمرًا أبدًا».
- نمر؟ نمر؟
لم يكن النمر يعرف ماذا يعني أن يكون نمرًا. لقد كان ضائعًا في نفسه.
والآن، هذا الصوت الأنثوي! بعد سنوات عديدة، كان جسده فاترًا في مضيعة للجنون. هل كان الفضول أم الرغبة في المخاطرة؟ هل ربما كانت هناك حاجة غامضة بعيدة عن متناول يده؟ لم يكن لدى المرأة أي فكرة عن سبب سيرها بوقاحة على طول طريق النمر. كانت هناك بعض الخبرة، وبعض المعرفة التي لم ترها في عيون أخرى. لماذا بعد كل شيء، بعد أن قررت ألا يكون لها رفيق في حياتها أبدًا، بعد أن استقرت بوعي شديد على حياة من الوحدة، لماذا كانت تنجذب إلى نمر بري وشرس في هذه الغابة الكثيفة؟
وقفت الآن على أرض رطبة، عازمة على إحياء شرائح من ذاكرة الألفية في ذهنها. حدقت في القمر وبدأت تغني بصوت عالٍ أبياتًا من أوبرا اللحية الحمراء؛ بصوت عالٍ لدرجة أن صوتها اخترق عروق وأعصاب أغصان الغابة البعيدة. وفجأة ظلت معلقة على كلمة مفتاح، مفتاح، مفتاح ملطخ بالدماء.
في تلك اللحظة، شعر النمر، الذي كان متكئًا على جذع شجرة، بإحساس مزعج للغاية من صوت المرأة، وشعر بأطرافه ترتجف عند صوت كلمة «مفتاح» وبدأ يتدحرج ببطء على الأرض الرطبة. النهايات العصبية في أطرافه. كان هناك صمت في الغابة، وكان الصمت يلف جذوع المتاهة المعقدة، وكان الصمت يطفو في ضوء القمر.
تمتمت المرأة، لا! تلك العيون، تلك العيون الرطبة، تلك العيون الصامتة القلقة، تلك العيون الحزينة المشعة، امتلأت الآن بنوع مختلف من المعرفة والخبرة. بدأ صوتها يهدأ مرة أخرى عندما بدأ الدفء اللطيف يهتز في أحبالها الصوتية. وذلك عندما بدأت في الغناء أورفيوس.
تدفق الدم الدافئ والعاطفي إلى شرايين النمر. وقف منتصبًا على قدميه بجوار النهر، مستمتعًا بوهج القمر المكتمل. لقد سلخ جلدها - ببطء وبشكل متعمد. انفجر رجل نحيف طويل القامة من خلال جلد النمر.
رأت المرأة، التي كانت لا تزال تغني أورفيوس، وراء الصناديق الدوارة الرجل الممدود على جلد النمر السابق؛ عند كلمة «حب» توقفت عن الغناء. همست عدة مرات: الحب، الحب، الحب، وأصبح صوتها أكثر هدوءًا. لكن لم يكن بوسعها فعل أي شيء لإبطاء إيقاع تنفسها العاطفي الذي كان يجعل الغطاء النباتي على ضفاف النهر يتصبب عرقًا. سقطت قطرة من العرق الساخن على جسد الرجل؛ فتح عينيه متحمسًا وخائفًا، فرأى امرأة واقفة مقابله على ضفة النهر.
بصوت رقيق حنون ولطيف نطقت المرأة بكلمة: «النمر!». نظر الرجل حوله وهو مضطرب. لقد وقع على حين غرة في مجموعة متشابكة من الأحاسيس المعقدة، وشعر بقطرة من العرق تتساقط على شفتيه. ذاق القطرة؛ وكان طعمها مثل المعرفة، مثل الحب...
وكان هناك المزيد، كان هناك المزيد من النكهات - مذاق شيء كان ينتظره طوال سنوات عديدة. وفجأة قال النمر: يا امرأة! ■
• تمت الترجمة بالاتفاق مع المؤلفة عن النص الإنجليزى.