تجليات صورة المرأة في السينما المغربية الخيال السينمائي والواقع الاجتماعي

تجليات صورة المرأة  في السينما المغربية  الخيال السينمائي والواقع الاجتماعي

منذ البداية يمكن أن نعتبر السينما مرآة سحرية تعكس بشكل أو بآخر وجه المجتمع الحديث وأحزانه وأفراحه. ونتيجة لذلك، قال عالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران هذه الكلمات عن هذه العلاقة بين السينما والمجتمع: «لقد انعكس العالم في مرآة السينما. تقدم لنا السينما انعكاسًا، ليس فقط للعالم، بل للروح الإنسانية». 

ومن هنا سندرس صورة المرأة في السينما المغربية، لنُظهر من خلال هذه الصورة بالذات تطور المجتمع المغربي برمته، لأن «الواقع الاجتماعي ينعكس بشكل صريح أو غير مباشر في الإنتاج السينمائي لبلد ما في لحظة معينة من تاريخه».

1 - صورة المرأة بين الخيال والواقع 

    تواصل السينما المغربية مسيرتها الفنية من خلال تتبع مساراتها المختلفة والاعتماد على الوقائع الاجتماعية لتُظهر لنا مقبوليتها الاجتماعية كمرآة تعكس التغيير الاجتماعي من جهة، وتُساهم من جهة أخرى بالإرادة والضرورة في نفس الوقت في عملية كشف هذا التغيير نفسه، نجد أن عدة أفلام سينمائية جديدة تتبع هذا المسار الاجتماعي الثقافي من خلال محاولة تقديم صورة المرأة في المجتمع المغربي بكل ثرائه وتنوعه، ومن بين هذه الأفلام السينمائية، يمكن أن نذكر على سبيل المثال هذه الأفلام السينمائية: «15 يومًا» لفيصل الحليمي، «كازا أوفر دوز» لإبراهيم شكيري، «فاطمة، السلطانة التي لا تنسى» لمحمد عبدالرحمن التازي، «البطاقة الخضراء» للمخرج هشام الركراكي، «حبيبة» لحسن بن جلون، «علّي صوتك» لنبيل عيوش، «تاج الموسم» لمحمد حسيني، «ميكا» لإسماعيل فروخي «مرجانة» لجمال السويسي، «لو كان يطيحو لحيوط» لحكيم بلعباس، و«أسماك حمراء» لعبدالسلام كلاعي.

وفي هذه الأفلام المغربية السينمائية الجديدة نجد أن عملية تمثل المرأة المغربية يختلف من فيلم إلى آخر، إذ يُحاول كل فيلم أن يعطيها صورة مختلفة اعتمادًا على السرد السينمائي من جهة، واتباع وظيفتها في سياق الفيلم وأحداثه من جهة أخرى. وبالتالي نرى أن المخرج فيصل الحليمي يقدم في فيلمه السينمائي «15 يومًا» صورتين للمرأة المغربية، إحداهما سلبية وتظهر من خلال شخصية «سارة»، لأنه رغم خلفيتها الأكاديمية العالية جدًا، فقد ظلت دائمًا تحت تأثير بعض العادات المرتبطة بقوة السحر الأسود والدجل. وحاولت من خلال ممارسة هذه العادات القاتلة أن تضع خطيبها «يوسف» تحت سيطرتها الأنثوية الكاملة. مما يدفعها إلى ارتكاب جريمة لا مفر منها، ظنًا منها أن خطيبها يخونها مع الممرضة «مريم»، وهي شابة جميلة جدًا التقى بها في المستشفى التي كان يُعالج فيها. في حين أن الصورة الأخرى للمرأة المغربية في نفس الفيلم إيجابية للغاية رغم النهاية المأساوية التي لحقت بها، وأظهرت نفسها من خلال شخصية «مريم» نفسها. هذه الشابة المغربية التي تعمل ممرضة في مستشفى كبير حيث تعرّفت على «يوسف» خطيب «سارة» ووقعت تحت تأثير سحره الذكوري. مما دفعها إلى تحذيره من خطر داهم من لدن خطيبته ولكن دون جدوى، بالإضافة إلى أن «مريم» التي ستُقتل على يد هذه الخطيبة غير المتوازنة نفسيًا. هذه الأخيرة التي كانت، رغم تحضيرها للدكتوراه في علم النفس، امرأة تعاني من مرض نفسي مرتبط بأحداث مرت بها في طفولتها.  

بالنسبة لفيلم المخرج المغربي عادل عمور بعنوان «كازا أُوفر دوز» نجد تمثلاً آخر لصورة المرأة المغربية في المجال السينمائي. وهو تمثل يتعلق بالمرأة المغربية المعاصرة التي تنتمي إلى الطبقة المهيمنة في المجتمع، والتي تتمتع بالقوة الاجتماعية، والتي تعيش في مستوى اجتماعي أعلى. هذه المرأة لم تستطع أن تهذّب بشكل إيجابي سلوك أبنائها أو بناتها المراهقين الذين يعيشون معها وتحت رعايتها. لذلك، فهي لا يمكنها أن تفعل شيئًا ضد رغبتهم في عيش حياتهم بالطريقة التي يريدونها. مما دفعهم إلى الإدمان وتعاطي المخدرات. ويصف الفيلم، هنا، التفكك الأسري، من خلال صورة المرأة المغربية التي تنتمي إلى أسر ثرية، في مجتمع تقليدي، رغم انفتاحها بشكل أو بآخر على متغيرات العالم الحديث، ورؤيتها له بشكل أو بآخر. ومن ثم، فإن صورة المرأة المغربية هنا، في هذا الفيلم السينمائي، من خلال بطلته، هي صورة سلبية حيث دورها محدود جدًا في مجتمع في حالة حركة، مجتمع في حالة تغيير فاعل، مجتمع في طور الخروج من السلطة المطلقة للتقاليد والانضمام إلى طريق الحداثة. كما نجد في هذا الفيلم السينمائي صورًا سينمائية تهم الشباب المغربي، حيث تستطيع الشابة المغربية أن ترسم طريقها في الحياة بمفردها تقريبًا، وفقًا لرؤيتها للعالم، وتنجح في ذلك وهي صورة إيجابية للفتاة المغربية الشابة المتعلمة.

لذلك، هناك شابات يرغبن في مواصلة تعليمهن العالي، وأولئك الذين يريدون فقط قضاء الوقت، لأن أسرهم غنية جدًا، ويمكنهم العثور على الوظيفة التي تناسبهم. وفي هذه النقطة الأخيرة، حاول مخرج هذا الفيلم أن يوضح لنا مكانة المرأة المغربية التي تنتمي إلى عائلات ثرية، بكل صدق، إذ استطاع أن يعاملها بشكل عام، من خلال التركيز على الصورتين لهذه المرأة، الإيجابي والسلبي، بحسب أوضاعها المختلفة، الاجتماعية والمالية، وقبل كل شيء الثقافية. 

   ونتيجة لذلك، يتناول هذا الفيلم السينمائي مشكلة الشباب المغربي الذي ينتمي أساسًا إلى أسر ثرية، من خلال إظهار وضعية المرأة المغربية في هذا النوع من الأسر أو على الأقل البعض منه وطبعًا دون عملية تعميم أو إسقاط، إن البعض من هذه الصور السينمائية ذاتها المقدمة للمرأة المغربية قد تشكّلت تحت تأثير السينما العالمية، وهي قد تتطابق أو لا تتطابق بالتالي مع الواقع المغربي. وهي بالتالي قد لا تعكس الوجه الحقيقي للمرأة المغربية. 

2 - المرأة المغربية وأحوالها المختلفة

أعمال سينمائية عديدة للمخرج المغربي محمد عبدالرحمن التازي، الذي سبق أن تناول في هذه الأفلام السينمائية مجموعة من الحالات الاجتماعية للمرأة المغربية في أفلامه السابقة مثل «ابن السبيل» عام 1981، «باديس» عام 1989، «البحث عن زوج امرأتي» عام 1993، «لالة حبي» عام 1997، «جارات أبي موسى» عام 2003، و«البايرة» عام 2013، نرى أنه في فيلمه الأخير «فاطمة، السلطانة التي لا تنسى» عام 2022، حاول تتبع «حياة فاطمة المرنيسي»، «شخصية نسائية كبيرة في المغرب، عالمة اجتماع وكاتبة، يسطع فكرها في كل أنحاء العالم. هذه المرأة الجميلة، ذات الأناقة الفطرية، عاشت ببساطة بين كتبها وأصدقائها، وكثير منهم مبدعون في كل المجالات. عملت حتى وفاتها مما فاجأ عائلتها وأصدقائها». الصورة المعروضة هنا عن المرأة المغربية هي صورة كاتبة وباحثة أكاديمية وفكرية عالمية وناشطة في المجال الاجتماعي، تدافع عن قضية المرأة برؤية منفتحة للمستقبل.

ومن هنا نجدها في هذا الفيلم السينمائي تساعد النساء المعوزات، وتتحدث عن أوضاعهن الصعبة، وتضع إصبعها على ظاهرة الزواج المبكر للفتيات الصغيرات وعدم تعليمهن. وهكذا فإن هذا الفيلم السينمائي يظهر لنا صورة قوية ومهمة للغاية للمرأة المغربية المثقفة والمناضلة. صحيح أن هذه المرأة عانت من مشاكل كثيرة حتى في مجال البحث العلمي داخل نفس الجامعة التي كانت تُدرس فيها، لكن هذا الشيء بالذات هو الذي جعلها عظيمة، لأنها استطاعت أن تتغلب على كافة العقبات الاجتماعية والثقافية من خلال رسم مسار متألق في المجال الثقافي بشكل عام وفي مجال البحث السوسيولوجي بشكل خاص. 

إن هذا الفيلم السينمائي، المقتبس من أعمال فاطمة المرنيسي، وخاصة من كتاب سيرتها الذاتية الشهير «أحلام النساء»، استطاع أن يعطينا صورة سينمائية رائعة عن فاطمة المرنيسي، كامرأة مغربية مثقفة ومناضلة على وجه الخصوص. امرأة مغربية عصرية، باحثة جامعية، كاتبة فاعلة اجتماعية بشكل عام.

يريد المخرج المغربي محمد عبدالرحمن التازي، في تفكيره وإخراجه لهذا الفيلم السينمائي، أن تكون صورة فاطمة المرنيسي، باعتبارها أيقونة في علم الاجتماع النسائي المغربي، نموذجًا يُحتذى به من قبل الطلاب المغاربة من جهة، والجيل النسائي المغربي الجديد من جهة أخرى.

وفي فيلم سينمائي آخر يهتم أيضًا بالشخصيات المغربية هو فيلم «الشعيبية» للمخرج المغربي يوسف بريطل، نجد عرضًا سينمائيًا قويا للمرأة المغربية. ونتيجة لذلك، فإن هذا الفيلم «يتتبع رحلة وتاريخ الفنانة التشكيلية الكبيرة الشعيبية طلال، التي توفيت سنة 2004». ونجد هذا الفيلم السينمائي كامل رحلة هذه المرأة المغربية القوية التي استطاعت تغيير مصيرها من خلال الإرادة والرغبة في الوجود حسب اختياراتها في الحياة، خاصة بعد وفاة زوجها. هذه المرأة المغربية القوية، التي وُصِفت بالمجنونة في طفولتها، «استطاعت أن تحقق أحلامها في أن تكون امرأة مستقلة وواحدة من سيدات الفنون العظيمات»، وذلك بقوة شجاعتها وإصرارها.

هكذا يمكننا القول في هاتين الحالتين السينمائيتين إن أهمية السينما تأتي من قوة عملية إيصال صورة إيجابية عن المرأة المغربية والوقوف عند الإنجازات الفكرية أو الفنية التي قامت بها.

وهنا، في هذين الفيلمين المغربيين، ننطلق من تمثل صورة المرأة المغربية بطريقة خيالية تمامًا إلى طريقة أخرى مرتبطة بالواقع، وهي طبعًا ليست حقيقية، لأنه حتى محاولة نقل الواقع في السينما يُصبح، من خلال هذا التمثيل الفني نفسه، وسيلة لرمز الواقع، وإعطائه صلابة مع مرور الوقت وليس الواقع في حد ذاته. وفي هذه الحالة يُصبح الخيال السينمائي حقيقيًا لأنه يعكس حياة الأشخاص الذين عاشوا هذه الأحداث بالفعل. نحن هنا نكون قريبين جدًا من نوع السينما الوثائقية. ونتيجة لذلك، نلاحظ أن السينما المغربية قدمت عدة أنواع من صور المرأة المغربية، وحاولت التركيز عليها بشكل تعددي لإظهارها في جميع المواقف الاجتماعية.

 هكذا تمكنا من رؤية الصورة القوية للمرأة المغربية كما تمكنا أيضًا من رؤية صورتها الضعيفة. وبالإضافة إلى ذلك، ظلت السينما المغربية قادرة على تقديم تمثل لصورة المرأة المغربية في المدينة، كما استطاعت أن تقدم لها صورة وهي في البادية أو في القرية، مما يدل على قوة هذه السينما ومُشاركتها في كشف التغيرات الاجتماعية. ومن بين الأفلام السينمائية التي تناولت موضوع المرأة المغربية ووضعها كشريكة نجد فيلم «تاج الموسم» للمخرج المغربي محمد حسيني. 

يعرض هذا الفيلم الوضع الصعب الذي تعيشه امرأة مغربية تعيش في إحدى القرى بينما يعمل زوجها في المدينة. هذه المرأة التي ستكون ضحية للاغتصاب، ويتهمها أهل القرية بالزنا. وهكذا يجد زوجها نفسه مُجبرًا على تطليقها تحت ضغط القبيلة. صحيح أنه سيتم اكتشاف الواقع في نهاية الفيلم، لكن معاناة هذه المرأة البريئة ستظل خالدة في ذهنها. هذا الفيلم السينمائي يُبين لنا الوضعية الصعبة التي تعيشها المرأة المغربية في البوادي. عاشت في البداية تحت سلطة أهلها الذكور عندما كان زوجها بعيدًا عنها، يعمل في المدينة، وكانت أيضًا في حالة مراقبة دائمة ولا يتوقع الآخرون إلا معاقبتها، إذا اشتبهوا في أنها أخطأت أو بأنها تجاوزت حدود التقاليد المرسومة لها.

صحيح أن السينما المغربية رغم انغماسها في الواقع من خلال إظهار الأوضاع الاجتماعية للمرأة المغربية واختلاف هذه الأوضاع الاجتماعية، إلا أنها تظل دائمًا فنًا رمزيًا يجب ألا نخلطه مع الحياة الحقيقية. ومن ثم، فإن القصة الفيلمية مهما كانت قريبة من الواقع أو معبرة عنه، فهي تظل قصة فيلمية تخييلية تخضع لطريقة الاختيار السينمائي.

وبالنسبة للمخرج المغربي نبيل عيوش، فهو أراد أن يعطي الكلمة لهذا الجيل المغربي الجديد ليعبر من خلال موسيقى الراب عن آرائه حول أوضاعه داخل المجتمع المغربي. وهكذا نجد في الفيلم فتيات مغربيات يحاولن «تحرير أنفسهن من ثقل تقاليد معينة ليعيشن شغفهن ويعبرن عن أنفسهن من خلال ثقافة الهيب هوب». تمثل صورة المرأة المغربية قوي جدًا في هذا الفيلم السينمائي، فهو إيجابي جدًا. فالمرأة هنا تعلن حريتها كإنسانة، وتعرف ما تريد في الحياة، وتفتخر بنفسها.

ونلاحظ ذلك حتى من ملصق هذا الفيلم السينمائي حيث نرى بعض الفتيات الصغيرات في حالة من الفرح، مبتسمات، وفي وضع يسمح لهن بالدفاع عن وجودهن الأنثوي بقدر كبير من الأمان والسعادة.

صحيح أن هناك أفلامًا مغربية أخرى حاولت تقديم صورة مغايرة للمرأة المغربية ضمن قصصها الفيلمية، ويمكن لنا هنا أن نتحدث عن فيلم سينمائي آخر منها هو فيلم «أسماك حمراء» للمخرج المغربي عبدالسلام كلاعي، لأن هذا الفيلم السينمائي يقترب من صورة المرأة المغربية بطريقة مختلفة تمامًا، خاصة من حيث محتواه.

يحكي هذا الفيلم السينمائي قصة امرأة تدعى «حياة». خرجت من السجن بعد قضائها لعقوبة طويلة فيه. تعود إلى مسقط رأسها في شمال المغرب لتجد نفسها في مواجهة أخ يرفض استقبالها خوفًا من العار. دافعها الوحيد هو مقابلة ابنها وشرح الحقيقة له. تلتقي «حياة» بامرأة أخرى هي «آمال» التي تعمل في مصنع فواكه، والتي تعتني بشقيقتها «هدى» التي تصغرها بعامين والتي تعاني من إعاقة شديدة. إن شجاعة هؤلاء النساء الثلاث وقوتهن هي التي تدفعهن إلى الأمام في مواجهة الإقصاء والاستغلال والتهميش. وهو ما يجعل من هذا الفيلم السينمائي يحمل رسالة اجتماعية قوية تساند المرأة وتدعمها كل الدعم.

خاتمة 

وفي الختام، يمكننا القول إن السينما باعتبارها فضاء رمزيًا وثقافيًا تنتمي إلى المجال الاجتماعي، وهذا يمنحها القدرة على توجيه الناس ضمنيًا لاتخاذ المواقف المرغوبة. ونتيجة لذلك، ووفقًا لعالم الاجتماع بيير بورديو، فإن العالم الرمزي للصورة يترك أثره بشكل واضح في المتلقي ■