حين تموت الشمس!

حين تموت الشمس!

هل تعلمْ أن الشمسْ، أمُّنا الفلكية، وحاضنةْ كلِّ أشكالِ الحياة على الأرض، والملِكةُ المتوّجة، الحاكِمة بجذبِها المركزيّ، كلَّ أجرامِ منظومتِنا الكوكبيّة، أمُّنا هذه، مقدّرٌ لها أن تتمدّد في السماءْ، وتَحرُقَـنا... وتموتُ بعدَ حين... وأن جثمانها سوف يتحول إلى حبة ماس، أسطورية الكثافة، بحجم كوكب الأرض، مقارنة بحجمها الحالي الذي يتسع لمليون وثلاثمئة ألف كوكب مثل الأرض...؟! 

 

الشمسُ نجمٌ ناشط، يشتعلْ قلبُه بالاندماجِ النوويّ، على بعدِ حوالَيْ ثماني دقائقْ ضوئية فقط من الأرض... وهي تدورُ بسرعةٍ كبيرة حولَ نفسِها، وتُـنهي دورةً كاملة كلَّ ستٍ وعشرينَ يومًا تقريبًا. والشمس تضجُّ بقوةِ نيرانِها الهائلة وأشعّتِها الساطعة ورياحِها النجميةِ العاصفة في كلِ اتجاه، بحيث تصل ألسنةُ اللهب إلى ملايينِ الكيلومترات في الفضاء، كما تصل جُسيماتُ البلاسما المشحونة إلى الكواكبِ المحيطة، فتُـأثِّـر في بيئاتِها ومُناخِها. 

شمسُنا هذه، مقَدّرٌ لها أن تتمدّدْ في السماء وصولا إلى الأرض، فتحرقُها وتبيدُ كلَّ حياةٍ عليها، قبلَ أن تَـنْثُـرَ موادَّها في الفضاء، وتتلاشى وتموت، ويتحولُ ما تبقّى منها إلى كرةٍ صغيرة من كربون مضغوط بشدة، بحجمِ كوكبِ الأرض!  

 

ما مصير الأرض حينها؟ 

حين تتمدد الشمسُ كعملاقٍ أحمر، وتصل إلينا أغلفتُها الحارة، سوف نكون وسْطَ نيرانِها اللاهبة، وكأننا في فرنٍ كونيٍّ جهنميّ، على حرارةٍ تتخطى ألفي درجةٍ مئوية.  

كلُّ مياهِ الأرضْ سوف تأخذُ بالتبخّر، كلُّ البحارِ والمحيطاتِ والأنهار سوف تجفّ تمامًا، كلُ جبالِ الجليد تذوبُ وتتبخّر، وتختلط عواصفُ الرياحِ الهوجاء بالنيرانِ العاتية.  

كلُّ أسلحتِـنا المخبّأة تأخذُ بالتفجّر ذاتيًا، حتى مخزوناتِ اليورانيوم المخصّب قد تختلط لتتحول إلى انفجاراتٍ نوويةٍ رهيبة لم يُحسب لها حساب.  

كلُ ما فوق الأرض يأخذُ بالانهيار... كلُ البُـنى، كلُ الجسورِ والمنشآتْ، كلُ الحضارةْ   والتكنولوجيا، كلُ آمالِـنا وآلامِنا، كلُ أجسادِنا وأرواحِنا، كلُ ماضينا ومستقبلِنا، ألسنةُ اللهبِ الهائلةْ تلتهمْ كلَ شيء، كأنما جهنمٌ قد حلّتْ على كوكبِ الأرض. 

 

المجرات حباتُ رملٍ في صحراء الكونِ الشاسعة! 

فلنعدْ إلى نقطةِ البداية. في هذا الكونِ الذي تسبحُ فيه آلافُ الملياراتِ من المجراتِ... مجرّاتٌ تتصادمْ بعضُها بـبعض، في مشهدٍ سُمّيَ «رقصُ المجرات»، ويندمجْ بعضُها مع بعضْ، لتكوّنَ مجراتٍ عظمى، كمجرتِنا دربْ التبانة التي سُّمّيتْ لعَظَمتِها «آكلة المجرات»... وكالمصيرِ الذي ينتظرْ مجرتَنا درب التبانة مع مجرة أندروميدا، بعد بضعةِ ملياراتٍ من السنين.

 

عنواننا في درب التبانة 

هنا خُلِـقنا نحنُ الأرضيون، كائناتٌ فلكية صُنعنا من عناصرَ طُبخت في أفرانٍ نوويةٍ رهيبة، وَصَلَـتْ إلى سديمِنا كغُـبارٍ للنجومِ المنقرضة، حيث وُلِدَ نجمُنا المركزيّ في هذه المجرةِ الكبيرةْ، مجرة درب التبانة، التي تدورُ بنا حولَ نفسِها بسرعةٍ كبيرةْ على المستوى المجريّ، فتكملُ دورةً واحدةْ كلَّ مئتي مليون سنة تقريبًا، بكلِّ ما تحويهِ من مئات ملياراتِ النجومْ والسدم. وآلاف مليارات الكواكب، ومليارات مليارات الأجسام الصغيرة الأخرى.  

مجرةْ درب التبانة يزيدُ قطرُها عن مئةِ ألف سنةٍ ضوئية، أي أن الضوءَ كي بعبر المجرةِ من طرفٍ إلى الطرفِ المقابل، يحتاجُ لمدةٍ زمنيةٍ قدرُها مئةَ ألفِ سنة. 

والسنةُ الضوئية هي وحدةُ قياس، إنها المسافةُ التي يقطعها الضوءُ خلالَ سنةٍ واحدة بسرعتِه المعهودة: ثلاثمئةِ ألفِ كلمٍ في الثانيةِ الواحدة.

 

ولادة الشمس في السديم  

قبلَ أربعَة فاصلَ ستة ملياراتٍ من السنين، كان هناك، على بعد حوالي سِتٍّ وعشرينَ ألفِ سنةٍ ضوئيةٍ من مركزِ المجرة، سديمٌ فلكيّ، بين ملايين السدم في المجرة... اسمُه «سديمُ الجبّار» (أورايون)، يزيد قطرُه عن أربعٍ وعشرينَ سنةٍ ضوئية.

والسدمْ الفلكية هي غيوم من هيدروجين وغبارٍ كونيٍّ أوّلي، تُشكّلُ أرحامًا تُولَـدُ فيها النجوم.  

كان سديمُ الجبار يدورُ حولَ نفسِه مثلَ كلِ الأجرام الكونية في السماء، ويتكثّف بفعلِ الجاذبيةِ الضاغطةْ نحو المركز، وازدادت بالتالي حرارتُه، إلى أن تخطّت في القلب عشرَةَ ملايين درجةٍ، وهي حرارةُ بدءِ الاندماجِ النوويّ للهيدروجين، مما أشعلَ قلبَ السديم باندماجٍ نوويّ، وشعَّ نجمٌ وليدٌ في المركز: لقد وُلدتْ الشمسْ كنجمٍ ساطعٍ في قلبِ السديم، بينما استمرَّ باقي الغبار بالدوران والتكتّل خارجَ القلب لِـيُـشَـكِّلَ أجسامًا أقلَّ كتلةٍ وحرارة. وانكمشَ السديمُ المتحوّل على نفسِه إلى قرصٍ دوّار من الأجرامِ الفلكيةِ المختلفة، وتشكلت المنظومةُ الشمسيةْ:  

- ثمانيةْ كواكب: عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، المشتري، زحل، أورانوس، نبتون. 

- وأكثرُ من مئتينِ وعشرينَ قمرًا حولَها.  

- وأكثرُ من أربعمئةٍ وخمسينَ كويكبٍ كبير.  

- ومئات آلاف الكويكبات في مدارات بين كوكبَيْ المريخ والمشتري. 

- وملياراتُ المذنباتْ في مدارات بيضاوية خلفَ مدارِ كوكبْ نبتون. 

- وملايينِ الأجسامِ الثلجيةْ والصخورِ الشاردةِ الأخرى، تدورُ كلُها في مداراتٍ مختلفة حولَ الشمس، بسرعةٍ مناسبة لموقِعها من الشمس، بحيث تتصدى القوةُ الطاردة لقوةِ جذبِ الشمس فتبقى على مدارِها. 

 

الشمس اليوم: قزم أصفر... يحكم المنظومة الكوكبية بما فيها!! 

الشمسُ في المنظومةِ الشمسية، هي الجُرمُ الرئيسُ الحاكم: فكُتْـلَـتُها تُمثلُ تسعًا وتسعين فاصلَ ثمانية بالمئة من كتلةِ منظومتِها الكوكبيةِ برمّتِها، وقطرُها يساوي مئةً وتسعَ مرات قطرَ الأرض، ما يعني أن الشمسَ تتسع حاليًا لمليون وثلاثمئةِ ألفِ كوكبٍ مثلَ الأرض! وتزن أكثر من ثلاثمئة وثلاثين ألف أرض، وحرارةُ قلبِ الشمس حاليًا هي حوالي عشرين مليون درجة تقريبًا، بينما حرارةُ سطحِها تقارب ستةَ آلاف درجةْ مئوية.  

ومع ذلك، تُعتبرُ الشمسُ نجمًا معتدلَ الكُتلة، والجدير بالذكر أن حوالي ثمانينَ بالمئة من نجومِ المجرة هي نجومٌ أصغرُ من الشمس. لكن الشمسُ ليست الأكبرْ بين النجوم: فهي تبدو كنجم قزم نسبة لنجم «سيريوس» أو «بوليكس» أو «أركتوروس». حتى أن «أركتوروس»، العملاق نسبةً للشمس، يبدو قزمًا أمامَ «ألدِبَران» أو «ألودرا» أو «بِستول ستار» أو «أنتارس» أو «سكوتي» أو «ستيفنسون».

وتُصنّف النجوم بحسب طيفِها وحرارةِ سطحِها، وتتدرّج من النجومِ الحمراء الأقلّْ حرارة، من فئة «M»، (حرارةُ سطحِها حوالَي ثلاثة آلاف درجة فقط)، مرورًا بفئات «K» و«G» و«F» وA وB وصولاً إلى النجوم الزرقاء من فئة «O» بحرارةِ سطحٍ تزيدُ عن خمسٍ وعشرينَ ألف درجة. وحرارةُ سطحِ الشمس الحالية، ستةِ آلافِ درجة، التي تعطيها اللونَ الأصفرْ، تجعلُها قزمًا أصفرَ من فئة G.   

وقد وُلدت الشمسُ، مثلَ كلِ النجومْ، لتبدأَ حياتَها في مرحلةِ «السلسلة الرئيسية»، مرحلةُ اندماجِ الهيدروجين إلى هيليوم، وهي أطولُ مرحلة في حياةِ أيّ نجم، وتمثّـَل شبابَهُ واستقرارَه. والهيكليةُ العامة لأيّ نجم في هذه المرحلة تتلخّص بثلاث مناطق: منطقةُ القلبِ المركزية حيث التفاعلُ النووي، ومنطقة إشعاع غاما، ومنطقة غليانِ الهيدروجين الذريّ. 

وهناك قوَّتانِ أساسيتان تتحكمانِ بمصيرِ الشمس: التمددُّ الحراريّ النوويّ نحو الخارج والضغطُ الجاذبيّ نحو الداخل. 

 

نظرية إدنغتون   

في نظرية إدنغتون، السائدة بين الفلكيين، أنّ كتلةَ أيِّ نجمْ هي التي تحددُ عمرَ النجم ومراحلَ حياتِه ومصيرَه بعدَ موتِه! وفي نظريتِه أيضًا، أنه في مرحلةِ السلسلة الرئيسية، حيث شبابُ النجم، تتوازنُ القوى المتحكّمة فيه: قوةُ ضغطِ أشعةِ غاما والتمدّدِ الحراريّ تتصدّى لقوةِ الجاذبيةِ وتُـوازِنُها تمامًا. 

وانطلاقًا من نظرية إدنغتون، فكتلةُ الشمس تتيحُ لها عمرًا يقاربُ عشرةَ ملياراتِ سنة، انقضى حوالي نصفِها حتى اليوم، وبقي لها حوالي خمسةُ ملياراتِ سنة، إلى أن ينضبَ وقودُها الاندماجيّ في القلب.  

وبحسبِ تقديراتِ الفلكيين، أنه خلالَ مرحلةِ السلسلة الرئيسية، لا يشهدُ حجمُ النجم تغييرًا يُذكر. وشمسُنا لا تزال في منتصفِ هذه المرحلة، أي في عزِّ شبابِها. وهي سوف تخسرُ، طوالَ عمرِها، من الولادة حتى الاحتضارْ، حوالَي نصفِ كتلتِها تقريبًا، بالإشعاعْ والريحِ الشمسية التي تطلقُها في الفضاء.  

ويُقدَّر أن الشمسَ تحرقُ، في الثانيةِ الواحدة، أربعةَ ملايينِ طنْ من كتلتِها تقريبًا، لِـتُحَوّلَها إلى طاقة، بحيثُ تطلقُ في ثانيةٍ واحدة ما يحتاجُه كوكبُ الأرض من الطاقة لعشرةِ آلافِ سنة!!  

 

الشمسْ في مرحلةْ الاحتضار: ماردٌ أحمرْ يلتهم كوكبَ الأرض! 

بعد حوالي أربعةِ ملياراتِ سنةٍ من اليوم: يبدأ الوقودُ الهيدروجينيّ بالنضوب تدريجيًا، في حين تتراكمُ الحرارةُ في قلبِ الشمسْ بفعلِ الاندماجِ النوويّ المتواصلْ، وتتمددّ طبقاتُها الباقية، فيبردُ سطحُها بفعلِ هذا التمدّد، لينتقلَ لونُها من الأصفر نحو الأحمر، وتبدأ بمرحلةٍ تسمّى «العملاقُ الأحمر».  

وحين ينضَبُ الهيدروجين في القلب بحيثُ يتحول إلى هيليوم، تتوقف - لبرهةٍ من الزمن - عمليةُ الاندماجِ النوويّ، فتأخذ قوى الجاذبية بناصيةِ الشمسْ وتقلّصُ حجمَها مؤقتًا فيزيدُ ضغطُ القلب وبالتالي حرارتُه، التي سرعان ما تصلْ إلى حواليْ مِئتَي مليون درجة، وهي حرارةُ اندماجِ الهيليوم إلى كربون، فيشتعلُ القلبُ من جديدْ بتفاعلٍ اندماجيٍّ أكثرَ سطوةٍ وطاقةٍ من ذي قبل. 

وخارجَ هذا القلبِ المشتعلْ، في الحزامِ المحيطِ الملاصقْ للقلب، تتوفّرُ الشروطُ الملائمة للهيدروجين ليستعيدَ اندماجَه النوويّ إلى هيليوم... هذا الاندماجُ النوويّ المستجدّ للهيدروجين الذي يُطَوّقُ قلبَ الشمس، يزيدُ من ضغطِ قلبِها نحو الداخل، ودفعِ طبقاتِها الخارجية وتمديدِها نحو الخارج... هنا تزيدُ الشمسُ من تمددِها وانتفاخِها كعملاقٍ أحمرَ أكبرَ من ذي قبل. 

عملاقٌ أحمرَ ذو اشتعالٍ نوويٍ مزدوجْ في القلب، ويصلُ قطرُها إلى مئةِ مرةْ قطرَها الحالي، ويبردُ سطحُها من ستة آلافِ درجة حاليًا (وهي الحرارةُ التي تعطي الشمسَ لونَها الأصفر) إلى حواليْ ألفَيْ درجة فقط (الحرارة التي تناسبُ اللونَ الأحمر). 

وتستمرُّ الشمسُ في التمدّدِ في فضاءِ منظومتِها الكوكبيّة، إلى أن تبتلعَ الكواكبَ الداخلية الأقرب إليها، كوكب عطارد أوّلًا، ثم الزهرة، وصولًا إلى الأرض بحيث تُبخّرُ ماءَها وتَحرِقُ كلَّ إمكانيةٍ للحياةْ عليها... وقد تتخطّى نيرانُها الأرضَ وصولًا إلى كوكبِ المريخ، وربما أبعدَ منه... بعد ذلك تستمرُّ أغلفتُها الخارجية بالتمدّدِ على مهلٍ في الفضاء، وتضعفُ كثافتُها إلى حدِّ الشفافية، ويصبحُ بإمكانِ الراصد البعيد في المجرة أن يراها كجسمٍ مضيء صغيرٍ في وسط غيمٍ دائريٍ شفاف.  

 

قزمٌ أبيض! 

وتتلاشى الأغلفةُ الخارجيةُ وتتحولُ إلى غيمٍ  عريض من رمادِ الشمسِ وغبارِها، غيم يسمّى «سديمٌ كوكبي»، حِزام قليل الكثافة إلى حدِّ الشفافية... أما الجسمُ الصغير المركزي فيسمّى «قزمٌ أبيض»، وهو كتلةٌ متراصةْ من الكربونْ، ضُغِطَ بقوةِ الجاذبيةِ المهيمنة بعد توقفِ عمليةِ الاندماجِ النوويّ في القلب.  

وما يجعلُ السديمَ مرئيًا، هو أن القزمَ الأبيضَ في الوسط قادرٌ بفضلِ حرارته الهائلة، على إنارةِ الجدرانِ الداخلية للسديم بالأشعة فوقِ البنفسجية التي تجعلُ السديمَ مضيئًا مثل قنديلِ البحر. 

 القزمُ الأبيضُ هذا هو إذن جرمٌ صغيْر من الكربونِ المضغوطِ المتبلوِرْ، أي حبّة إلماسٍ، بحجمِ الأرض. جرمٌ شديدُ الصلابةْ وكثافتُه أسطورية: أكثرُ من مليون غرام بالسنتيميتر المكعّب الواحد، أي أن مقدارَ لؤلؤةٍ صغيرة من هذا الماسِ الفلكي، يزيدُ وزنُه عن شاحنة! في حين لا تزيدُ كثافةُ الماس المعروفِ على الأرض، عن ثلاثة فاصل أربعة غرام بالسنتيميتر المكعّب الواحد!

والشمسُ التي كانت تتسع لمليونْ وثلاثمئةِ ألفِ كوكبٍ مثل الأرض، تُصبحُ جسمًا قزمًا من ماسْ، بحجمِ كوكبِ الأرض فقط، ولكن بكتلةٍ تساوي نصفَ كتلةِ الشمس تقريبًا، بعد أن اندثرت الكتلةُ الباقيةْ في الفضاء، وشكّلتْ  سديمًا كوكبيًا يتلاشى تدريجيًا ويوزّع موادّه في محيط المجرّة.  

باتت الشمسُ قزمًا أبيضَ، جثةَ نجمْ... جثةً فلكيةٌ صغيرة إنما ثقيلةٌ وشديدةُ الصلابةِ والحرارة، متروكةٌ في المجرة، كي تبردَ  تدريجيًا على مهل. 

والشمس لم تعد نجمًا بعد توقفِ الاندماجِ النوويّ، فقد غادرَت مرتبةَ النجوم بسببِ ذلك... وهي ليست في مرتبةِ الكواكب، إذ ليس هناكَ من كوكبٍ بهذا التكوينِ الكربونيّ المفرد، وهذه الكثافةِ الأسطوريّة، وتلك الحرارةِ الفائقة. 

 

ملخّص الحكاية 

وقصةُ الشمس هذه، مثلَ قصةِ كلِّ النجوم-معتدلةِ الكُتلة، أي التي لا تصل كُتلتُها إلى ثمانيةِ أضعاف كتلةِ الشمس: تبدأُ من مشروع نجم (بروتوستار) ثم تولدُ كنجم في مرحلةِ السلسلة الرئيسية، ثم تتمددُ كعملاقٍ أحمر، ينكمش مؤقتًا إثرَ بدءِ اندماجِ الهيليوم إلى كربون، لتـتمدّدَ مجددًا كعملاقٍ أحمرَ أكبرَ من ذي قبلْ، لِـتخلعَ أخيرًا طبقاتِها كسديمٍ كوكبيّ يتلاشى في الفضاء، وتنتهي أخيرًا كقزمٍ أبيض... حبّةُ إلماسٍ صغيرة بحجمِ كوكبِ الأرض.   

 

نماذج مرصودة في الجوار 

وهناك في جوارِ المنظومةِ الشمسيةْ قزمانِ أبيضان:  

• القزمُ الأبيض «سيريوس-B» وكتلتُه تساوي كتلةَ الشمس، ولم يعدْ مرئيًا بسبب بعده وصغر حجمه، وهو يرافقُ النجم «سيريوس-A» أو الشعري اليماني، على بعد حوالي ثمانيَ فاصلَ ستّة سنةٍ ضوئيةٍ عنا، وينتمي إلى برج الكلب الأكبر.   

• القزم الأبيض «بروكيون-B»، في مجموعة الكلب الأصغر. وهو مرافقٌ للنجم «بروكيون-A» على بعدِ إحدى عشرَ فاصلَ أربعة سنةٍ ضوئية، وكتلتُه تساوي ستينَ بالمئة من كتلةِ الشمس الحالية.

وهناك عشراتُ الأقزامِ البيضاء استطاعَ  الفلكيونَ رصدَها وتحديدَ مواقِعِها وبُعدَها وكُـتَـلَها في محيطٍ يمتدُّ إلى حوالَي مئةِ سنةٍ ضوئية من الأرض ■