كتاب «الإِيمي-دِوُات»
كتاب «الإِيمي-دِوُات»، أو كتاب «ما هو موجود في العالم السفلي»، أو كتاب «ما هو موجود في العالم الآخر»، الشهير هو من كتب العالم السفلي في عصر الدولة الحديثة. وحمل أيضًا اسم «كتاب الحجرة الخفية»، أو «كتاب الغرفة الخفية». ويعد الكتاب الأكثر وضوحًا في وصفه لرحلة إله الشمس خلال الاثني عشر ساعة الليلية من بين جميع كتب المصريين القدماء عن العالم الآخر.
يعد المحور الأساسي لـذلك الكتاب هو فكرة تجدد إله الشمس، والذي كان يتم في اثني عشر قسمًا. وكان يمثل كل قسم ساعة من الساعات التي كانت تمتد من غروب الشمس إلى شروقها، وذلك في رحلة إله الشمس عبر العالم السفلي. وكان إله الشمس يختبر عملية معقدة من التحول الجسدي والإدراكي؛ كي يواجه العديد من العقبات والمخلوقات الشيطانية التي كانت تحاول إيقاف مركب إله الشمس أثناء رحلته. وشاع من ظهور ذلك الكتاب في زخرفة المقابر الملكية في عصر الدولة الحديثة، خصوصًا تلك التي تعود إلى عصر الرعامسة (أي عصري الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين).
على عكس النصوص الجنائزية الأخرى، فقد كان مخصصًا فقط للملوك (حتى عصر الأسرة الحادية والعشرين على وجه الحصر تقريبًا)، أو للنبلاء المفضلين للغاية. ويسرد قصة الرب رع، إله الشمس الذي كان يسافر عبر العالم السفلي، من الوقت الذي تغرب فيه الشمس في الغرب، وتشرق مرة أخرى في الشرق. ويقال إن الملك المتوفى كان يقوم بتلك الرحلة نفسها؛ لكي يصبح في النهاية متحدًا مع الإله رع ويعيش إلى الأبد.
في بحور العالم السفلي
ينقسم العالم السفلي إلى اثنتي عشرة ساعة من الليل. ويمثل كل منها حلفاء وأعداء مختلفين للملك وإله الشمس. ويسمي الكتاب كل تلك الآلهة والوحوش. وكان الغرض الأساسي من ذلك الكتاب هو تعريف روح الملك المتوفى بأسماء تلك الآلهة والوحوش؛ حتى يتمكن من الاستعانة بها، أو لإلحاق الهزيمة بها. وبالإضافة إلى تعداد وتسمية سكان الدِوات، سواء الجيدين أو السيئين، تُظهر بوضوح الرسوم التوضيحية بالكتاب تضاريس العالم السفلي. وتم العثور على أقدم نسخة كاملة من ذلك الكتاب في مقبرة الملك تحتمس الثالث في وادي الملوك في الأقصر. وتعد حجرة دفن المقبرة رقم 35 في وادي الملوك، والتي تخص ابنه الملك أمنحتب الثاني، مزينة بمناظر من ذلك الكتاب. وفي الساعة الأولى يدخل إله الشمس في الأفق الغربي (الآخت). وكان انتقالًا بين النهار والليل. وفي الساعتين الثانية والثالثة، كان يتم المرور عبر عالم مائي و«مياه أوزيريس». وفي الساعة الرابعة، كان يتم الوصول إلى عالم الرمال الصعبة للرب سوكر، الإله الصقر في العالم السفلي، حيث كانت تتم مواجهة مسارات متعرجة داكنة. وفي الساعة الخامسة، كان يتم اكتشاف مقبرة أوزيريس. وهي عبارة عن سور تحته بحيرة من النار. وكانت المقبرة مغطاة بتل شبيه بالهرم (وتم تحديدها بالإلهة إيزيس). ونزلت إيزيس ونفتيس فوقها على شكل طائرين جارحين. وكان يحدث في الساعة السادسة أهم حدث في العالم السفلي وهو اتحاد ألبا (أو الروح) الخاصة بالرب رع مع جسده، أو بدلًا من ذلك مع الرب أوزيريس داخل الدائرة التي كانت على شكل ثعبان. وكان ذلك الحدث هو النقطة التي تبدأ عندها الشمس في التجدد. وكانت لحظة ذات أهمية كبيرة، لكنها أيضًا كانت ذات خطر. وفي الساعة السابعة، كان الخصم الثعبان الشرير أبوفيس في الانتظار. وكان يجب إخضاعه للسلاسل من خلال سحر إيزيس. وفي الساعة الثامنة، كان إله الشمس يفتح أبواب المقبرة، وكان حورس يدعو ثعبانًا وحشيًا بنار لا تُطفأ لتدمير أعداء والده أوزيريس، عن طريق حرق جثثهم وطهي أرواحهم.
الساعات الأخيرة
من أهم ما كان يتناوله الكتاب أحداث آخر ساعات رحلة إله الشمس، الساعات التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة على وجه التحديد، استكمالًا لباقي رحلته نحو النهار. وكانت تسرد شفاء عين إله الشمس رع المصابة ليتمكن من معاينة النور، ثم اتحاده مع الرب أوزيريس؛ ليحدث ذلك التجدد الكوني الذي يمثل اللانهائية التي كان يجسدها أوزيريس، إلى جانب أعداء إله الشمس الذين كانوا يساقون إلى مصيرهم الذي لا مفر منه؛ ليتم إلقاؤهم في ست حفر من اللهب. وتمثل آخر ساعة من الظلام نهاية الرحلة الليلية وعنوانها: «كهف نهاية الظلام الأزلي». وكانت تمتزج فيها صور مختلفة للخلق.
في الساعة التاسعة، نرى الطاقم المرافق يصور إله الشمس ومساعديه وهم يستريحون في سلام الساعة التاسعة. وتم تصوير طاقم قارب الشمس وهم ممسكون بمجاديفهم. وتظهر الآلهة المرافقة لإله الشمس لمساعدته على التقدم بأمان نحو لحظة الولادة التي طال انتظارها في الصباح. وتظهر اثنتا عشرة إلهة على هيئة ثعبان في الجزء السفلي، يعشن على دماء أعداء إله الشمس الذين تقطع رؤوسهم يومًا بعد يوم. وفي الأقسام العلوية والسفلية، كانت تجلس الآلهة على الملابس الجديدة التي تلقتها من الإله «رع».
في الساعة العاشرة، كان يتم توفير الحماية لإله الشمس، ثم كانت تبدأ أحداث الساعة العاشرة بظهور الجعران «الخنفساء الحية» في الجزء العلوي. وحملت شكلًا بيضاويًّا منقوطًا يُعبر عن التجدد، وصورة الدِوات (العالم الآخر)، وعملية تجدد طاقة الشمس ككل. وكانت تقوم ثماني آلهة وقرد يجلس في مواجهتها بشفاء عين حورس. وهي تمثل صورًا من الإلهة سخمت، التي ظهرت برأس أنثى الأسد. ويمثل الجزء السابق فكرة شفاء عين إله الشمس؛ إذ تظهر عين إله الشمس اليسرى فوق ثعبان مزدوج، في إشارة لأسطورة قيام الإله حورس ببعث أبيه الإله أوزيريس. ويظهر في الجزء الأوسط قارب الشمس ومساعدو الإله رع في مشهدين. ويصور المشهد الأول صقرًا يقف على ثعبان برأسين وأربعة أرجل، ويصور المشهد الآخر ثعبانًا برأس صقر فوق قارب. ويبدو أن الصقر والثعبان برأس الصقر يمثلان روح الإله أوزيريس-سوكر. وينتهي الجزء الأوسط باثنتي عشرة شخصية تمثل حراس الإله رع. وانقسم الحراس إلى ثلاث مجموعات مكونة من أربع آلهة مزودة - على التوالي - بالسهام والرماح والأقواس. وسيطرت المياه الأزلية نون على الجزء الأدنى من الساعة العاشرة، ويظهر فيها الغرقى في العالم السفلي. وتنتهي الساعة العاشرة بملاحظة تبعث على الأمل؛ إذ تظهر أربعة آلهة بثعابين على جباهها وتقوم بنشر النور والإلهام لإله الشمس رع والمرافقين له.
في الساعة الحادية عشرة، كان يحدث تجدد الوقت. ويظهر في الجزء العلوي إله يُدعى سَيد «جِت» (الوقت)، والذي كان يترأس تلك الساعة من الليل. ويظهر برأسين بينهما قرص الشمس. ويحمل في يديه علامات هيروغليفية تدل على الحياة والسيطرة. وطبقًا لما جاء في الكتاب، كان للزمن الأبدي في مصر القديمة صفتان، هما: نِحح وجِت. ويصف نِحح التحول الأبدي والمستمر للعمل الكوني، فضلًا عن عملية الموت المستمرة والإحياء الطبيعي. وجِت (الوقت) هو موضوع الساعة الحادية عشرة من رحلة الشمس، وأشار إلى المدة أو السلسلة الزمنية المستمرة التي تبقى وتستمر. وموضوع المنظر الأوسط لتلك الساعة التجديد الحتمي والمتواصل للوقت. ونرى ثعبانًا ضخمًا ملتفًا فوق رؤوس ما لا يقل عن اثني عشر إلهًا يجسدون الصفة الإلهية للوقت. وكان أوزيريس ينتظر الإله رع المُـتعَب بعد رحلته النهارية. وفي المساء، كان يعود رع من جديد إلى أوزيريس كرجل كهل يحتاج إلى تجديد شبابه. ويمكن وصف اتحاد رع مع أوزيريس والتجدد الكوني الناتج عنه، على أنه تجدد واستمرارية لا نهائية يجسدها أوزيريس. وجسد الانقطاع رع. وصور الجزء السفلي أعداء إله الشمس يساقون إلى مصيرهم، الذي لا مفر منه؛ إذ يُلقون في ست حفر من اللهب.
الرحلة الليلية
في الساعة الثانية عشرة، وهي آخر ساعة من ساعات الظلام، بشر اسم تلك الساعة بنهاية الرحلة الليلية. وهو كهف نهاية الظلام الأزلي. وامتزجت في تلك الساعة ثلاث صور مختلفة للخلق. وكانت الصورة الأولى هي الجعران، خِبري، الذي انبثق تلقائيًّا من ظلام العالم السفلي، وعبر عن شمس الصباح ليبدأ حقبة جديدة. وظهر خبري في نهاية الساعة الثانية عشرة. ورحب به الإله شو بأذرع مفتوحة، من أجل رَفعُه فوق الأفق متمثلًا في شمس صباح يوم جديد. وصورت الصورة الثانية اثنين من الأزواج الأربعة من آلهة بداية الخلق، وهم: نون ونونت، ويمثلان المياه الأزلية، وحِح وحِحت، ويمثلان الفضاء الخالد واللانهائية. والصورة الثالثة فهي لإلهة السماء نوت، وتضع قرص الشمس بين ساقيها. وتصوَّر الآلهة في الأقسام العلوية والسفلية مبتهجة، ترفع أذرعها تعبدًا؛ إما لإله الشمس وولادته الجديدة في الصباح، أو لأوزيريس، الذي يحمي أجساد (مومياوات) جميع المتوفين في أثناء رحلة رع اليومية عبر السماء. وبمجرد أن ينتهي المتوفون من رحلتهم عبر العالم السفلي، يصلون إلى قاعة الماعت. ويخضعون لمراسم وزن القلب حيث سوف يكون نقاؤهم هو العامل المحدد الذي سوف يسمح لهم بدخول مملكة أوزيريس الخالدة ■