رحلة عبر طبقات الروح المصرية

رحلة عبر طبقات  الروح المصرية

في أقاصي صعيد مصر، ومن داخل حفرة في صحن بيتها الطيني، كانت تتطلع إلى أعلى، بملامح أنضجتها الأيام. امرأة خمسينية قبطية من قرية «نقادة» الجنوبية الحارة، ظلت تحرك أصابعها بخفة، وإيقاع منتظم، بين أوتار مشدودة على قوائم خشبية تعلو من حفرتها، بينما تحدثني. لم تكن تعزف الموسيقى على آلتها الغرائبية العتيقة، ولكن تصنع نسيج «الفركة». الحرفة التي ورثتها عن سلسال أمهات متشحات بالسواد، نُذرن لتحويل خيوط القز إلى نسيج من حرير، ظل ينساب بين أيديهن زاهي الألوان، على خلاف أديم حفرهن، وجدران بيوتهن الحائلة، وأرضياتها الترابية. بدت سيدة الحرير كلقطة «سيريالية»، عندما رأيتها قبل نحو عقدين، واحتفظت بها كأيقونة لازمتني، بينما واصلت الرحلة باحثًا عما تبقى من التراث، وناسه العجيبين.

 

الآن وبعد سنين، مازالت الصورة تثير التأملات. وكلما بعدت المسافة، ظهرت أبعاد خفية لها؛ إذ صارت تلك السيدة تبدو كجزء من دائرة أوسع بكثير. وكأنها مرحلة من صيرورة كونية، تتسلم فيها خيوط الغزل من شرنقة القز، والتي صنعتها الدودة من أوراق التوت الغضة، تلك التي أنتجتها الشجرة، بينما تواصل الأخيرة صنع عطاياها الخضراء من طين الأرض. ألهذا ربما تمعن هذه السيدة في إتمام دائرتها الكونية، بالحفر في الأرض، لتؤدي دورها، وأقدامها عند جذور الشجرة؟ ألتضمن اتصال الدائرة، وديمومة سريان طاقة الحياة، والمشاركة بتفان وتواضع، ضمن الناموس الهائل، حيث تتوازى دائرتها الخضراء مع مدارات الأجرام، والوجود، والحياة؟ وهي تقضي أكثر من نصف يومها في حفرتها، ما يعني معظم عمرها، الذي تمده كخيوط السدى، بينما تمرر فيه لحظات وقتها كخيوط اللِحمة، مشكلة نسيج وجودها. وماذا لو هبطنا قليلاً من نظرتنا المحلقة، لنتساءل حول المقابل الذي تحصل عليه نظير أيام وسنين العمر؟
لا شيء بالطبع يمكن أن يعادل عمر الإنسان. وعلى المستوى المقابل المادي تبدو المشكلة أكبر؛ فهذه السيدة كانت تتقاضى جنيهات قليلة في اليوم، مقابل قطعة معتبرة من نسيج حريري يدوي فاخر. والمنتج نفسه كان يباع بأكثر من عشرين ضعفًا في بعض المتاجر الراقية بالعاصمة على بعد ستمائة كيلومتر، أو يأخذه التجار للتصدير، حيث لا تستطيع السيدة أن تصل. 
وبالعودة للنظر من زاوية أوسع، بحثًا عن رؤية أكثر اكتمالاً، فهذا النول عمره آلاف السنين. هو نفسه النول الفرعوني الذي عثر على واحد منه خلال تنقيب أثري مطلع القرن الماضي. وقرية «نقادة» هذه، تحمل ثلاث حقب من حضارات ما قبل التاريخ، حيث فيها نشأت بعض من جذور الحضارة المصرية. أما هذا النسيج، فعرف هنا طوال مئات السنين، وكان من أفخر ما تنقله القوافل إلى السودان، ومناطق من إفريقيا، كأقمشة نسائية ممتازة. وسيدة الحرير هذه هي واحدة من آلاف يستعصين على الحصر، عشن حيواتهن في الحُفر، وشددن ملايين الخيوط، من شرانق القز التي خلعتها الفراشات. ونسجنها قبل أن يبعثن بها ملونة زاهية، إلى نساء بعيدات. فهل يمكن للقطة أن تكون بكل هذا الثراء؟ أم ترانا نبالغ بنظرة رومانسية للأمور، ونبسط شأنا يتعلق بحياة آلاف النساء، عبر صياغات شاعرية؟ 
بالعودة إلى واحدة من زوايا الواقع، سنجد أن أعداد هذه الأنوال تتناقص منذ عقود، ليس فقط في «نقادة»، ولكن في قرى قريبة منها مثل «الخطارة»، و«كوم الضبع»، تعمل في الحرفة نفسها، وبعضهم استبدل خيوط الحرير بالقطن، والكتان، لصنع الأفرشة. ورغم كل الأسئلة العالقة، وتعدد الزوايا، تبقى صورة سيدة الحرير في «نقادة» واحدة من أيقونات الروح، وحكاية تستحق أن تروى، وأن توضع إلى جانب حكايات أخرى، لفهم طبيعة عالم هؤلاء الحراس الغامضين من ناس التراث.

النول الأخير
المكان هذه المرة هو قرية «أبو قرقاص البلد» قرب «المِنيا»، (ثلاثمائة كيلومتر من القاهرة). ونحن في مهمة عاجلة، للبحث عن آخر أفراد كائن ينقرض. كانت الأنباء قد تواردت عن التلاشي السريع لنول «البِردة». حوالي ستة آلاف نول يدوي في القرية، تآكلت خلال شهور إلى بضعة أنوال. وهو أمر غريب، إذ غالبًا ما يستغرق اندثار حرفة تراثية عدة عقود. لكن ما عجل بالأمر كان دخول ماكينات إلى القرية، تصنع النسيج نفسه. النول والقماش الذي ينتجه يكتسبان اسميهما من ثوب «البردة». وهو الزيّ التقليدي لنساء الصعيد، في مناطق واسعة من أسوان، وقنا، وبعض أنحاء سوهاج. يمتزج فيه خيوط الصوف والحرير، وتجري صباغته باللون الأسود، بعد تمام عملية النسج. الطلب على المنتج كان مستقرًا على عكس ما يحدث مع الحرف المعرضة للخطر. لكن هذا الطلب بالذات هو ما دفع البعض للبحث عن طريقة تحقق مزيدًا من الأرباح، بمضاعفة الإنتاج آليًا، وهو دافع عملي مفهوم. وبالنسبة لنا كانت مهمة عاجلة فرضتها الظروف منتصف العقد الأول من الألفية، لتحري الأمر، وتوثيق ما تبقى من ذلك النول قبل انقراضه التام، مع أمل في معجزة، يمكنها إنقاذه. ومنذ وطأت أقدامنا القرية، بدأت المفاجآت. وبدا أنه حتى الأنوال القليلة التي افترضنا وجودها قد تلاشت قبل وصولنا، أحدها أزيل قبل أسابيع، وآخر قبل أيام، وأحرق وقودًا في أحد الأفران، وثالث بيعت أخشابه لتاجر سلع مستعملة، ورابع أزيل، واستخدم في سقف حظيرة، وخامس ألقي كقمامة. حتى أنه بعد عثورنا على أحدها، كان قد جرى تفكيكه، ووضعت أخشابه مستندة إلى جدار، استعدادًا لتقرير مصيره. وقد اندهش أصحابه، وارتبكوا من اهتمامنا به، وحرصنا على تصويره. وبعد تبدد الأمل في العثور على نول «بردة» ما زال يعمل، دلنا أحدهم على نول أخير، يحتمل أن يكون قائمًا، فذهبنا إلى بيت صاحبه، فقد وجدنا البيت مغلقًا. وهكذا بدأنا رحلة للبحث عن صاحب النول الأخير، بين شوارع وبيوت القرية، حتى عثرنا عليه. كان رجلاً خمسينيًا بشوشًا ومضيافًا. اصطحبنا إلى بيته مع ابنه الشاب. وبمجرد أن فتح باب بيته الريفي، وجدنا النول في مواجهتنا، يحتل تقريبًا ثلث باحة الدار. وبدا كجزء من البيت، لا يتصور انتزاعه، دون زعزعة الجدران. جلس الرجل لاستكمال عمله، وساعده ابنه بإعداد الخيوط. وأثناء تصويره والحديث معه، اتضح أن الرجل يعشق نوله، ويتعامل معه كجزء من حياته. قال ببساطة إنه لم يعرف لنفسه حرفة أخرى، وقد جلس طوال عشرات السنين، ومنذ كان طفلاً، لينسج الخيوط، أحيانًا لثمانية عشر ساعة في اليوم. أما أجره وعائلته التي تساعده في ذلك الحين، فكان بضعة جنيهات في اليوم. هو أيضًا مثل لي أيقونة من أقبية الروح، صاحبها يدعى «عازر حبيب»، صعيدي مصري، احتفظ لآخر لحظة بنوله الأخير. واحتفظت أنا بصورته كواحد من ناس التراث، بينما أستكمل الرحلة.

نحات الحجر
في مدينة الأقصر حاضنة التراث الحجري الأشهر في العالم، كان موعدي للقاء رجل تخصص أيضًا في نحت الحجر، وارتقى بحرفته إلى مرتبة الفن. تنتشر ورش النحت بالمدينة، لكنه بلغ فيها براعة القدماء، حتى إن منحوتاته تحتاج إلى شهادة بكونها مقلدة، حتى يمكن لمقتنيها الخروج بها من المطارات. التقيت بالحاج «سيد المطعني» في قرية «الجرنة» بالبر الغربي لمدينة الأقصر. ويلقبه البعض هنا بالدكتور منذ حصل على الدكتوراه الفخرية من إحدى الجامعات الأسترالية تقديرًا لإنجازه. وقد عاش الرجل في موطن عائلته العريقة، وتباع أعماله القيمة من خلال بعض البازارات للسائحين المتوافدين على المعابد، وواديي الملوك والملكات القريبين. 
حرفة نحت الأحجار الحالية بالبر الغربي متوارثة منذ عدة أجيال، وأغلبهم يصنعون الأواني من حجر «الألبستر» بأساليب يدوية. وهو حجر متوسط الصلابة والشفافية، تمرر أوانيه الضوء بدرجات متفاوتة. كما يصنع البعض تماثيل مقلدة، تحاكي الأعمال الفرعونية. ويحكى أن الحرفة كانت مزدهرة في عشرينيات القرن الماضي، حيث عبر «هوارد كارتر» مكتشف مقبرة «توت عنخ آمون» عن انبهاره بها. وبالنسبة للحاج سيد المطعني فقد ورث فنه عن جده لوالدته، والذي كان بارعًا في تقليد أية قطعة من منحوتات الفراعنة بدقة عالية. لكن «المطعني» لم يعرف القيمة الفائقة لعمله إلا عندما سافر عام 1977 للمشاركة في معرض بمدينة «بازل» السويسرية. ومن بين أكثر من مائة وخمسين مشاركًا، وجد انبهارًا استثنائيًا بقدرته على نحت التماثيل الفرعونية بأدوات بسيطة وبراعة مدهشة. وتصدرت صوره الجرائد هناك، وتهافت الآلاف على المعرض، لكتابة أسمائهم بالهيروغليفية التي يجيدها على منحوتات أو قطع من الحجر. الآن أصبح الحاج «سيد المطعني» شيخًا للنحاتين في الأقصر، ويعتز بلقائه بعدد من زعماء ومشاهير العالم، وباقتنائهم لأعماله.
تحصل ورش النحت بالبر الغربي على أحجار «الألبستر» بطرق بدائية، من جبل يقع على بعد ثمانية كيلومترات من وادي الملوك. وتحملها الجمال والحمير إلى البر الغربي، وسط ممرات جبلية وعرة. ويتخصص أحد الحرفيين بتكسيرها إلى القطع المطلوبة، وتسليمها للنحاتين ليقوم كل منهم بصنع تمثال أو إناء. ويجري العمل في أماكن مفتوحة، تسمح بتجدد الهواء المحمل بالغبار. ويتميز الحرفي الماهر بقدرته على جعل جدار الإناء رقيقًا دون أن ينكسر. ويمر العمل بعدة مراحل: فأولاً يتم نحت الإناء من الخارج، ثم يلف بقطعة من القماش المبلل، ويدفن عدة أيام حتى يلتصق القماش تمامًا بالحجر، وبعد ذلك يتم حفره من الداخل بأداة حديدية مسننة، بعد تثبيته في حفرة بالأرض. وهو عمل يحتاج إلى قوة عضلية ودقة، حتى يكون الحفر متوازنًا. وبعد ذلك ينزع القماش، وتبدأ عملية الصقل بالمبرد. الحرفة تستوعب العشرات من أبناء «الجرنة». وهم فصيل من ناس تراث بالغ القِدَم والعراقة، أعادوا إحياء حرفة الأجداد، ويعكفون كل يوم على حفر أحجارهم بقوة ورهافة، ليقدموا أوانيهم الأنيقة من الحجر الشفاف، وتماثيل بديعة من أقسى الأحجار.

عازف اللهب
هذه المرة أنا في ضيافة نوع آخر من ناس التراث: قاهري «ابن بلد»، صنائعي، يتحدث بزهو، ويتحرك بروح فنان مزاجي. ويحتفظ بأسرار حرفة ورثها عن أبيه وأجداده طوال قرون. يفتخر بأن شخصيته كانت موضوعًا لفيلم سينمائي شهير، حيث جسد الفنان أحمد زكي شخصيته في الواقع: «حسن أحمد علي» الشهير بـ«حسن هدهد»، ابن صانع الزجاج التقليدي، الذي تمرد على العمل في ورشة أبيه، واتجه لرياضة الملاكمة، حالمًا بأمجاد «محمد علي كلاي» و«تايسون». الفيلم هو «كابوريا» من إخراج خيري بشارة، وصورت بعض مشاهده في ورشة العائلة. كما ظهر والده ووالدته الحقيقيان ضمن الأحداث، لكنه على خلاف السيناريو، عاد في الواقع إلى حرفة أجداده، ليستكمل بإخلاص وإتقان صنع قواريره الملونة. ويتحسر على كونه واحدًا من القلة الباقية من «القزازين» التقليديين.
في ورشته المجاورة لجامع «قايتباي» المملوكي، تتألق قنيناته الملونة على الأرفف، وسط الأجواء التراثية. وتبدو حاملة لجينات تلاقح فيها التراث المصري القديم مع الإسلامى والشعبي. يطلعني «هدهد» شيخ القزازين على صورته في كتاب بالإنجليزية إلى جانب صورة لأحد أجداده، رسمها مستشرق قبل مئات السنين. وهو ليس واثقًا مما إذا كانت حرفته ستستمر، رغم أنه علمها لابنه «جمال» الحاصل على بكالوريوس التجارة، والذي يعاونه، وابنه الأصغر «حمادة». ورغم مشقة الصنعة، لكن الجيل الجديد أدرك أهميتها من انبهار السائحين والأجانب بعملهم. يعتز أيضًا باهتمام «اليونسكو» بتسجيل الحرفة، وباستعانتهم به لبناء فرن تقليدي لصنع الزجاج في أوربا، وبالتكريم الذي لاقاه هناك. ويتمنى أن يعود المصريون إلى استخدام الزجاج اليدوي على المائدة بدلاً من المُصَنّع، ويؤكد أنه ليس للزينة فقط. 
طوال سنوات اكتسب «هدهد» أصول وأسرار الحرفة التراثية عن والده، ثم سعى لإيجاد تصاميم ومنتجات جديدة تضمن استمرار عمله. شارك في عمليات ترميم بعض المباني الأثرية، بقطع من الزجاج، تطابق مواصفاتها التراثية. وابتكر وحدات إضاءة يدخل فيها النحاس المشغول مع الزجاج، بطابع تراثي. يجيد تشكيل بلوره المنصهر، بدرجات لونية خاصة، أصعبها وأغلاها هو الأحمر. يتحدث ببساطة عن الأزرق الذي ينتج من خلط عجينة الزجاج بأكسيد النحاس، والغامق منه بأكسيد الكوبلت، و«الباذنجاني» بأكسيد المنجنيز، لكنه يحتفظ بسر الأحمر. أخبره عن شائعة تقول بأنه يستخدم لأجله أكسيد الذهب، فيضحك دون أن يجيب. ويعقب بأن أهم شيء هو التحكم الدقيق في درجات الحرارة. 
يشرح مراحل صنعته التي تبدأ بتكسير الزجاج المستعمل الذي يشتريه بالطن. وبعد فرزه إلى ألوان، وغسله، يوضع في الفرن المبني من الطوب الحراري، ويعمل بالغاز. يقوم بهذا العمل «المُواقِف»، وهو الصبي أو المساعد في لغة أهل الحرفة. ويبدأ الأخير عمله في السابعة صباحًا بوضع كسر الزجاج، وإشعال الفرن. وعند العاشرة تكون درجة حرارته قد وصلت إلى 1400 مئوية، حيث ينصهر الزجاج. ويصل الصنائعي ليجد الخام جاهزًا للتشكيل. يستخدم أنبوبًا معدنيًا طويلاً، يدخل طرفه في الزجاج الملتهب، وينفخ في الطرف الآخر، وكأنه يعزف على ناي أسطوري، فينتفخ ككرة من النار. يستخدم أداة حديدية لترويض سطحها الخارجى، ثم يخلع أنبوبه، ويلصقه بمؤخرة الإناء، ويبدأ في التشكيل النهائي للقطعة. ويحرص على إتمام العملية بسرعة قبل أن يبرد الزجاج، ويتصلب. وأخيرًا يضع قطعه المنجزة في فرن أقل حرارة حتى اليوم التالي، لمنحها الصلابة. 
قليلون هم «القزازون» الباقون في أنحاء البلاد، ليس فقط لأن الحرفة تحتاج إلى موهبة ومهارة، ولكن لأنها تتطلب المكوث أكثر من عشر ساعات يوميًا أمام فرن مفتوح يغلي فيه الزجاج في حرارة تقارب 1500 مئوية، وهذا ما جعل أباه يصف عملهم ذات يوم بأنه حرفة الجن.

باعث التلّي التشكيلي
ليس حرفيًا هذه المرة، ولكن فنان تشكيلي، قادته الصدفة إلى مسار بدل حياته، ليحمل مسؤولية إحياء تراث، اندثر في موطنه. بدأت حكايته عندما جاءت سيدة إنجليزية، إلى مدينته «أسيوط» بصعيد مصر. كانت تبحث عن «التلي»، وتحمل صورًا له، وكتابًا يشير إلى أنه صناعة مهمة اشتهرت بها المدينة، لكنها لم تجد «التلي»، ولا حتى من يعرفه. علم الفنان بالأمر، فالتقى بها، واطلع على ما لديها. وهاله أن يتعّرف على ذلك التراث، من سيدة أجنبية. أبهرته صور الأثواب المصنوعة من أقمشة ذات ثقوب واسعة، والمغطاة بتطريز دقيق من خيوط معدنية ذهبية وفضية رقيقة ومسطحة. وعرف أن تلك الأثواب الفاخرة كانت حكرًا على الطبقات العليا لتكلفتها العالية، والوقت الطويل الذي تستغرقه، والفن والدقة التي تتطلبها. 
كتب «الجبرتي» في تاريخه أن محمد علي احتكر «التلي»، لدعم ميزانية الدولة. وهو ما يوضح أهمية تلك الصناعة التقليدية وحجمها. وكانت النساء ترتدينه في البيوت، وضمن ما تعده الأمهات لبناتهن المقدمات على الزواج. ومع اتجاه الطبقات العليا نحو الحداثة، كاد ينقرض، لولا أن فئة الراقصات الشعبيات من «الغوازي» الغجريات قد بدأن باستخدامه، فعاش عقودًا إضافية. لكن ارتباطه بهن، حمله بأحكام اجتماعية، ومع الوقت تلاشى. حظي فقط بمحاولة لإحيائه قامت بها السيدة «عزيزة الشعراني»، زوجة الدكتور سليمان حزين وزير الثقافة الأسبق. وكان أواخر الخمسينيات يعمل رئيسًا لجامعة أسيوط. لكن بعودتها إلى القاهرة، انتهى أمر «التلّي» مجددًا. حتى كانت تلك المصادفة، والتقى الفنان التشكيلي سعد زغلول بالسيدة الإنجليزية مطلع التسعينيات. بدأ الرجل رحلة بحث عن تراث مدينته المنسي. وعثر لدى بعض عائلات الأحياء القديمة على قطع منه مشغولة بالذهب الخالص. ثم وجد نساء تجاوزن السبعين، يعرفن الصنعة. لكن لم تكن عملية جمع الخامات والأدوات سهلة. بالتدريج وجد القماش في منطقة الأزهر بالقاهرة، وعثر على ست بكرات من الخيط المعدني في شارع الصناديقية، ترجع إلى خمسين عامًا مضت، وبالكاد على إبرة مناسبة، وبدأ العمل. تابع مع ابنته تنفيذ نقوش تراثية، كانت تستخدم في ذلك الفن. بدأ بستة منها، تضاعفت مع الوقت إلى العشرات. وخلال عامين، أسس بيت التلي، والذي تدربت فيه عشرون فتاة. ومع الوقت توسع الأمر إلى محافظات مجاورة. الآن أصبح من المألوف العثور على قطع من التلي بأسعار متباينة، في معارض التراث. وهو تباين يرجع إلى الإتقان، وكثافة التطريز بالخيوط الذهبية والفضية. ويبقى الفضل لمبادرة فنان، نذر حياته لحرفة قديمة مندثرة. وبإحيائها صار واحدًا من ناس التراث.

حقل الألوان 
في قرية «الحرانية» 30 كم من القاهرة، جنوب هضبة أهرامات الجيزة، يعيش ناس تراث من نوع شديد الاختلاف، مؤسس المكان معماري مهم، و«بيك» أرستقراطي، ابن «باشاوات». والده «ويصا واصف» باشا كان رئيساً لمجلس النواب، خلال النصف الأول من القرن العشرين. أما صاحب التجربة فهو الابن «رمسيس»، والذي رحل منذ عقود، لكنه بقي حيًا في مدرسته ومتحفه لفن النسيج، وقصته الملهمة التي لحسن الحظ استكملتها أسرته بإخلاص من بعده.
تصادفت زيارتي الأولى لهم مع يوم صباغة الخيوط. وكنت محظوظًا أن التقيت بأسرته، وشاهدتهم وهم يشاركون في العمل بدأب. المكان الذي يضم منزلهم أيضًا، مصمم على نمط مصري تراثي يتميز بالقباب والأقبية الطينية. وهو الطراز الذي استوحى منه أيضًا المعماري حسن فتحي تجربته الشهيرة. وإلى جانب مجموعة العاملين بالمكان، كانت زوجته السيدة «صوفي» وابنته «سوزان»، تشاركان في تحضير الصبغات من مواد طبيعية وعضوية. ويضعون الخيوط بها، وينشرونها على الحبال لتجف. الكثير من تلك الصبغات تزرع نباتاتها في حديقتهم الخاصة، التي تعتبر حقولاً للألوان. شاهدت منها نبات «فوة» الذى يترك فى الأرض ثلاث سنوات، ليتحول جذره إلى اللون الأحمر، قبل أن يجفف ويطحن. أما اللون البنفسجي فيؤخذ من دودة تعيش على الصبار. وتستورد «النيلة» من المكسيك، رغم أن اسمها مأخوذ عن نيل مصر، وهي صبغة نباتية أيضًا. ويحصلون على الصبغة الصفراء من نبات يزرع مع البرسيم اسمه «ريزيدا» أصله أوربي، وكان يستخدم في مصر خلال الحقبة القبطية كصبغة للنسيج. تبوح الابنة بتفاصيل عملهم، وتقول إنه يسعدها لو انتشر الأمر في كل ربوع مصر.
كانت «الحرّانية» قرية عادية، رغم أصولها التاريخية التي يشير لها اسمها، والمحرف على الأرجح عن كلمة «الحورانية»، أي أتباع حورس. لكن عندما اختارها المعماري الشاب وزوجته مطلع الخمسينيات، لم يكن هناك ما يميزها، سوى أنها ترى أهرامات الجيزة من بعيد خلف الحقول التي كانت تمتد حتى تخوم الهضبة. وفيها بدأ الزوجان اختبار فكرتهما حول الموهبة الإبداعية الفطرية لدى الأطفال، والتي تحمل جينات البيئة والتراث. وهي فكرة تبناها أيضًا الفنان «حبيب جورجي» رائد التربية الفنية في مصر. وليس مصادفة أن يكون هو نفسه والد زوجة «رمسيس».

أطفال في السبعين
بدأت المرحلة الأولى لتجربة «الحرانية» بتعليم الأطفال حرفة «التريكو»، باستخدام إبر مصنوعة من أسلاك إطارات الدراجات. وبعدها جربوا مشغولات الخرز والقش، ثم كان النسيج، وتحديدًا إبداع رسوم من الطبيعة والخيال. وقتها بدا الأمر ضربًا من الجنون، حتى في نظر أسرتيهما، كزوجين شابين من عائلتين مرموقتين، تركا كل شيء، ليلعبا مع الأطفال في الريف. استعانا وقتها بأحد محترفي النسيج، واسمه «فايق نيقولا»، وأسكناه غرفة في منزلهما، ليعلم الأطفال أصول الحرفة، دون التدخل في خيالهم. وقد حكت لي السيدة «صوفي» قبل رحيلها أن الأعمال الأولى للأطفال، لم تكن على مستوى مقبول، فكانوا يمنحون الطفل عشرة أو عشرين قرشًا عن كل قطعة، ثم يقومون بفكها، لصنع قطع أخرى من خيوطها، حتى تدرب الأطفال. وبالتوازي مع ذلك اصطحبوا الأطفال إلى حديقة الحيوان، وإلى البحر في الإسكندرية، في نزهات لتوسيع عالمهم وخيالهم. وبعد عشر سنوات من العمل كان لدى المشروع مخزون من القطع التي وجدت طريقها إلى معارض حول العالم، برفقة مبدعيها من الأطفال، وحققت نجاحات باهرة.
زرت المكان عدة مرات، وأصبحت الحرانية مكانًا لمزيد من الاكتشافات. وكان من الجميل أن ألتقي دائمًا بهؤلاء الأطفال الذين بدأ بهم المشروع، وقد تجاوزوا الستين ثم السبعين من أعمارهم. الحاجة كريمة علي شحاتة، واحدة من أول ثلاث فتيات بدأن مع المشروع، وكانت لا تزال تجلس إلى النول، وترسم بالخيوط لوحات عملاقة. حكت بفخر عن أسفارها إلى لندن، وباريس، لتشارك في معارض لعملها، وتمارس فنها أمام الجمهور. وتعتز بلوحات شهيرة نفذتها مثل «أبو زيد الهلالي»، و«آدم وحواء»، و«سفينة نوح»، وبعمل مستوحى من رحلة العمرة التي قامت بها. التقيت بسيدة أخرى هي الحاجة «محبوبة بيومي» من الجيل الأول أيضًا، وتحدثت معي عن المعنى الذي اكتسبته حياتها من خلال فن النسيج، وتتذكر الأعمال التي تعتز بها نظرًا لصعوبتها، ومنها «جمع البلح» و«قاع البحر». وتقول إن عملها انعكس على حياتها، وتربيتها لأبنائها وأحفادها. 
تجربة «الحرانية» بقيت نموذجًا ألهم آخرين في مجالات مختلفة. وقد خلقت بيئة حاضنة، اعتمدت على التراث بوصفه حمولة جينية، وبيئية، وتركت العنان للأطفال، ليبدعوا من خيالهم الحر الموصول دون عنت بجذورهم. ولهذا فقد تحول ناس التراث هنا من حرفيين إلى فنانين فطريين تلقائيين. وكان لمؤسس المشروع فكرة حول بناء الإنسان من خلال الفن والعمل اليدوي، وفق ما أخبرتني ابنته. وبعد توالي نجاحات المشروع وشهرته العالمية، اجتذب الزوار، وأغرى العديد من الفنانين التشكيليين لاتخاذ محترفاتهم في الجوار. الآن يوجد في الحرانية خمسة متاحف فنية للخزف والزجاج والنحت والنسيج، وأجيال من النساجين المبدعين.

الكليم العدوي
ناس التراث هنا هم قرية بأكملها. اسمها «بني عدي»، وتقع قرب أسيوط. تخصصت منذ زمن بعيد في صنع نوع من الزرابي يعرف باسمها، وهو «الكليم العدوي». للقرية ذكر ضمن صفحات التاريخ، حيث هاجم أجدادهم أسطول الحملة الفرنسية، وهو يمر في النيل. فرد الفرنسيون بالهجوم على القرية. دافع أهلها ببسالة، فاعتلى المحتلون الجبل، وقصفوهم بالمدافع. قتلوا ثلاثة آلاف من أبنائها، وأعدموا أربعين من قادة كفاحهم. ومازال «مسجد الأربعين» بالقرية، يحيي ذكراهم. وهو التاريخ الذي اتخذته محافظة أسيوط عيدًا قوميًا لها. 
قد لا يكون للأمر علاقة مباشرة بالتراث الذي تنتجه القرية، لكن وخلال عشرات الجولات في القرى والأحياء التي تميزت بصنع أحد تلك المنتجات التراثية، كان تاريخ ما حاضرًا في الخلفية. من «الفسطاط» إلى «الأقصر»، ومن «سيناء» إلى «مطروح»، ومن «رشيد»، إلى قرى النوبة، وأخرى في الدلتا، تبين أنها كانت حواضر قديمة، ومكانًا توقّف فيه التاريخ برهة، ووضع بصمته. هل هناك علاقة ما بين تلك الروح الخصبة بالإبداع والخيال وإجادة الحرف، وتوشية المنتجات المعيشية بالزخارف والرموز، وبين تلك اللحظات الفارقة التي تمنح المكان التفاتة من التاريخ؟ إن التراث نفسه هو جزء من التاريخ، لكنه يتشكل بهدوء، ويترك بصمته ببطء. وقرية «بني عدي» مثال على ذلك. فقد ذكرت على صفحات التاريخ مرتين لأسباب نضالية، ومرة عبر بث طويل لطاقتها في منتجات، تحول خلالها صوف الأغنام إلى هذا النوع من الزرابي. 
ومنتجهم ذو زخارف مميزة، تنفذ دون استخدام أي صباغة. ويعتمدون في ذلك على فرز الألوان الطبيعية للصوف الخام، من الأسود إلى البني وصولا إلى الأبيض في بضع درجات. وتتميز نقوشهم بطابع هندسي متكرر، يقوم على التباين بين الألوان الطبيعية، داخل إطار. أما مراحل العمل فتبدأ بجمع الصوف وفرزه وتسريحه، ثم غزله يدويًا، قبل نسجه على أنوال قائمة. ومنذ القدم، اعتادت الأسرة «العدوية» على تقاسم العمل، من الغزل، إلى الشغل على النول، والذي يسمح بعمل أكثر من شخص في الوقت نفسه. وكان العائد مقبولاً، بوصفه أفضل المتاح، خصوصًا للنساء والفتيات الصعيديات داخل البيوت. لكن الأوضاع تتغير منذ عقود، مع اختلاف نمط الحياة، واتساع التطلعات. أعداد الأنوال التي ما زالت تعمل تقدر بالمئات، بعد أن كانت بالآلاف. والحرفة التي بلغت أوج شهرتها في الستينيات، وكان إنتاجها يصدر إلى الاتحاد السوفييتي، تتراجع بشكل ملحوظ. يعاني أهلها من أزمة في التسويق خارج منطقتهم، مع تناقص الإقبال المحلي بعد اتجاه الأهالي للبدائل الصناعية، وارتفاع أسعار الصوف. وانصرف الكثيرون عن العمل بسبب قلة االمردود. 
وهي إشكالية تعاني منها العديد من الحرف التقليدية والتراثية في المناطق البعيدة عن المركز. النمط الحالي من التسويق يقوم على تجار تقليديين غير قادرين على فتح أسواق جديدة. والمنظومة التي يعملون من خلالها تبقي الصانع التقليدي حامل التراث الحلقة الأضعف في العملية. والنتيجة انقراض متسارع. وإذا كان الحل يكمن في التسويق، فهو يحتاج إلى وعي بطبيعة المنتج التراثي الثقافية والمعنوية.
وحتى في مدينة أسيوط عاصمة المحافظة، التي كانت تشتهر بتراث عريق في صناعة السجاد، فقد بدأت الحرفة التراثية تتراجع منذ السبعينيات. وتسارع الأمر في الثمانينيات بعد توقف الجيل الأخير من المعلمين الكبار للحرفة عن العمل والتدريب من أمثال «حميد طبانة»، و«كرم» و«الحاج قطب»، وغيرهم. الآن تبدو السياحة كطوق نجاة لناس التراث. وهم يحاولون تطويع عملهم ليلائم متطلباتها، فيضعون رسومًا فرعونية على السجاد، وتقوم بعض الجمعيات بمد يد العون، وتقيم الدولة المعارض لفتح آفاق للتسويق.

الحرفة المقدسة على ضفاف النيل
على ضفاف النيل، ومنذ آلاف السنين، أدار صانعو الفخار دواليب حرفتهم دون توقف، محاكين «خنوم» وهو يدير عجلته على جدران معبد «فيلة» في أقصى الجنوب، محاطًا بمياه «حابي». ومن طمي النهر، أديم الأرض والجسد، شكلوا آنية للروح. بعضها احتضن الماء، ومنحه مذاق روائه، وبرودته، وإيقاع بقبقة، ضبطت سريان الحياة طوال آلاف السنين. إنهم ناس التراث الأكثر عراقة، سدنة السر الأعظم للماء والطين. صحيح، لم تشهد الأجيال الأخيرة القلل الفخارية المغطاة بالأقماع المخروطية النحاسية في نوافذ بيوت المدن، ولا الفتيات حاملات الجرار من النهر في الريف، ولا أزيار الصدقة الجارية لعابري السبيل، التي بقيت حتى السبعينيات تنتظر العطشى تحت الأشجار الوارفة في القرى والنجوع، لكن بعض المناطق الريفية، ظلت وفية لجرار تعتيق الجبن «المش»، وربما بلاص العسل الأسود. ورغم انقراض «بوشة» تدميس الفول التي كانت توضع على حافة بيت النار في الأفران الطينية يوم الخبيز، قاوم «البرام» وارتقى طبقيًا، إلى موائد مطاعم الخمسة نجوم التي تفاخر بمذاق الزمن، وتبيع روائح الأصالة والحنين. وبالطبع تراجعت الأواني الفخارية عن أداء دورها في تخزين خيرات البيوت من ألبان وسمن وعسل مع موجات التمدن. لكن ورغم كل شيء، فمن المدهش أن نجد دائمًا عجلات فخار ما زالت تدور، كما لو أنها ضمن ناموس أرضي يحاكي أفلاك السماء.
بدا الفخار طوال قرون كمادة سحرية تصلح لكل شيء؛ حتى أنه استخدم في صنع جرار مخصوصة، بنيت منها أبراج الحمام. وكما حمل الماء، احتضن النار، في هيئة «الشالية» و«المنقد» للتدفئة وعمل الشاي في ليالي سمر العائلة الريفية ذات الأربعة أجيال. وحتى الخبز كان يطهى فوق مسطحات من الفخار السميك، داخل الفرن البلدي. وفي الحقول وجد لنفسه مكانًا في أنابيب مصنوعة منه استخدمت لتمرير مياه الري، وفي قواديس الشواديف البدائية. كانت حقبة من الفخار، امتدت آلاف السنين. ولحق بعضنا بتحوله من حياة إلى فلكلور، ما زال يقاوم، مرة عبر ارتباطه ببعض العادات والطقوس مثل إبريق وقلة السبوع للمولود، ومرة عبر ابتكارات للحدائق والمناطق المفتوحة، فضلاً عن التطور الذي شهدته فنون الخزف ذي القيمة الفنية.

ماضٍ وحاضر
من المدهش أنه منذ حضارات ما قبل التاريخ في «البداري»، و«نقادة» جنوب مصر، ظل الفخار يصنع بالطريقة نفسها تقريبًا. وكان من المثير في رحلتنا للبحث عما تبقى منه أن نجده في القرن الحادي والعشرين، مازال يستوطن العديد من القرى والنجوع نفسها التي نشأ فيها قبل آلاف السنين. ورغم ذلك وجدنا شعورًا سائدًا بين ناس هذا التراث، بالقلق على الحرفة، ومن احتمال أن يكونوا الجيل الأخير الذي يمارسها.
يخبرني شاب مهموم بالتراث في قرية «النزلة» بالفيوم أن المصريين أجادوا صنع القلل، وأجادوا كسرها. ففي عصور الاضمحلال كانوا يكتبون أسماء أعدائهم على الأواني الفخارية ويحطمونها، ليلحقوا بهم الأذى. ويبدو أنها تحولت إلى عادة قومية، إذ عثر على قطع من الفخار المكسور عليها أسماء أعداء مصر. كما كان القدماء في بعض الفترات يكسرون قلة من الفخار بعد دفن الميت، حتى لا يعود شبحه، ويؤرق ذويه. وبقي الأمر حتى الحقبة الرومانية، كما تتضح من آثارها في منطقة «كوم الشقافة» بالإسكندرية. وبقي المعنى محمولا في المثل الشعبي، «كسر وراه قلة». أي طرده، غير آسف عليه. 
في «سوهاج» وملاصقًا لمجرى النيل الذي يبلغ أقصى اتساعه هنا، عثرت على صانع فخار مسن محني الظهر، كأنه يجلس منسيًا منذ آلاف السنين. أسأله، ويجيبني بينما يدير عجلته، ولا يحيد بنظره عنها. وبين يديه يتشكل الطين أبدان طبول صغيرة. قال إنها تجد طريقها بعد الطلاء وشد الجلد عليها إلى الأسواق الشعبية، وموالد الأولياء والقديسين التي لا تخلو منها قرية في الصعيد. وفي قرية «المحروسة» بـ«قنا» قابلت من يتحسرون على الماضي، عندما كانت قريتهم تسمى «كفر البلاص»، تيمنًا بالإناء الصعيدي الشهير الذي كان يستخدم لحمل المياه وتخزين السمن والعسل. كان آباؤهم قد طالبوا بتغيير الاسم، تجنبًا للسخرية، وتحقق لهم ما أرادوا. لكن «البلاص» الفخاري الذي اشتهروا به، تعرض بعدها لمنافسة شرسة من بدائل معدنية وزجاجية، وحتى بلاستيكية. وخسر أمامها جميعًا. وفي الأقصر، قابلت حرفيًا شابًا، تمسك بالطين كصنعة متوارثة من الأجداد، لكنه اضطر لتطويعها بإنتاج متطلبات السياحة ومنشآتها، لتحل أواني الزرع والزينة ووحدات إضاءة الحدائق على النمط «الفسطاطي» الحديث محل الأواني التراثية. أما القلل القناوي الشهيرة، فلم يعد من السهل العثور عليها إلا في أغنية «سيد درويش»: «مليحة قوي القلل القناوي... رخيصة قوي القلل القناوي... قرب حدانا وخد قلتين».
تشكل قرى الفخار في مصر ما يشبه شبكة خفية على امتداد الوادي والدلتا. وبعضها يقاوم، مثل قرية «النزلة» بالفيوم، والتي استحدثت منتجات كالمدفأة، إلى جانب منتجاتها القديمة من الزير و«البوكلة». وتصنع قرية «جريس» بالمنوفية المزهريات والمباخر وأواني الزرع. وتتخصص قرية «فانوس» بالفيوم في صنع آنية بأحجام كبيرة للزينة والنباتات. أما قرية الفخارين بالفسطاط، وهي أحد معاقل فنون الفخار والخزف على مدى التاريخ، فقد خضعت للتطوير منذ عقود، لتوافق الاشتراطات البيئية. وقد اجتذبت عددا من الفنانين في مجالات الخزف والنحت وغيرهما. كما يوجد في الجوار مركز للخزف، وآخر للحرف التقليدية، وسوق لبيعها، حيث تجري جهود لاستعادة أمجاد الصنعة الأصيلة، وخصوصًا الخزف الإسلامي الذي اشتهرت به الفسطاط طوال مئات السنين. وفي قرية «جراجوس» بـ«قنا» ينتجون الخزف بطريقة خاصة، وينقش بزخارف تراثية قبطية وشعبية، ذاع صيتها خلال العقود الأخيرة. وفي قرية «تونس» على شاطئ بحيرة قارون بالفيوم، ينتج الأطفال خزفا يعتمد على الإبداع الفطري والتراث المحمول جينيًا، ما يذكرنا بتجربة «الحرانية» في مجال النسيج. وهو المشروع الذي بدأته الفنانة السويسرية الراحلة «إيفيلين بوريه»، واستمر من خلال تلاميذها الذين كبروا، وصار لكل منهم محترفه. وبفضل الخزف، اجتذبت القرية عددًا من التشكيليين، وتحولت إلى مزار سياحي، كما يقام بها مهرجان سنوي للخزف والفنون.

أرابيسك
في الشوارع الضيقة، لأحياء القاهرة القديمة، يعثر المرء خلال جولاته على بعض ما تبقى من عمارة بيوت قديمة، احتفظت بنوافذها من الخشب المعشق، والمشربيات. والفاخر منها صنع من خشب الصندل، وما زال يطلق عطره، كلما سقطت عليه الشمس. في مناطق «القلعة» و«الخليفة» و«الدرب الأحمر» وحتى «الحسين» و«الجمالية»، تتناثر ورش ما زالت تتخصص في فنون خرط الأخشاب، وتعشيقها، وترصيعها بالحليات، وتطعيمها بزخارف من قشرة خشبية فاخرة، أو «تصديفها» بأشكال هندسية ونباتية. بعض الحرفيين اختاروا أن يعملوا فقط في قطع منمنمة من خشب الأبانوس مع العاج. وبعضهم يعمل بأخشاب أقل قيمة، مع العظم، وحتى الصدف الصناعي. 
الكثير من هؤلاء الحرفيين ورث فنونها عن أسرته. وبعض المنتجات تثير الدهشة بدقة تفاصيلها، وقد استغرقت أسابيع، وأحيانًا شهورًا لإتمامها. وكلها ضمن نمط إسلامي عربي يعرف بالأرابيسك.
في تسعينيات القرن الماضي حمل مسلسل شهير اسم «أرابيسك». وكان يناقش فكرة الهوية بوصفها بنية من الطبقات الحضارية المتعددة. وفيه دار الصراع بين بطله الصنائعي الماهر في فنون الأرابيسك والراغب في تسييد نمطه التراثي، باعتباره العنوان الوحيد للهوية المصرية، في مواجهة المثقف العائد من المهجر، حالمًا بإقامة بيت يجمع الطرز المختلفة من الفرعوني إلى اليوناني الروماني، فالإسلامي، فالحديث في تجاور وتناغم. ينهار البيت في النهاية على يد الصنائعي حامل التراث الجميل، بسبب تعصبه للنمط الواحد. ولا تخلو لفظة «أرابيسك» من دلالة أكثر عمقًا، تعبر عن فكرة تشابك العاشق والمعشوق، لتكوين صورة كلية تجمع في داخلها مئات التفاصيل، وهو المعنى الذي كان غائبًا عن صانع الأرابيسك.
كلمة «أرابيسك» غربية، أطلقها المستشرقون على فنون الزخرفة الإسلامية، بأشكالها الهندسية والنباتية المنحنية، وأطلقت لاحقًا على فروع من النجارة العربية. وعمليًا تنطوي على عشرات الأنماط والأساليب والتقنيات والتخصصات الدقيقة. الخرط، والتعشيق، والتوريق، الميموني، والتصديف، وحتى كتابات الخط العربي، تدخل ضمنها. وأغلبها تحيلنا إلى تلك الزخارف المجردة المكررة التي تحمل فلسفة التوحيد، وفناء الكل في الواحد، وتتميز بانسجام إيقاعي، وتناغم موسيقي في خطوطها وتكويناتها. وقد ضمت مصر في الماضي مع سورية أرقى وأمهر ناس هذا التراث، حتى أُخذ معلموا الحرفة الكبار إلى «الأستانة»، زمن العثمانيين، ولم يعودوا. وربما لهذا لم يصمد ما تبقى من تراثها أمام تيارات الحداثة فيما بعد. صحيح أن الصنعة استعادت عافيتها على يد أجيال لاحقة، لكن كان الزمن قد تبدل.

تحديات وآفاق
يشعر الباقون من أهل تراث «الأرابيسك» بالقلق على مصيره، بسبب تناقص أعداد الحرفيين، لكن الصنعة الأصيلة مكلفة للغاية، والسوق المحلية لا تستوعب الكثير منها. وتوفيرًا للوقت والتكلفة، يجري استخدام الماكينات أحيانًا، على الأقل في خرط الأخشاب، مع استخدام خامات أقل قيمة. لكن حتى هذه تزاحمها منتجات صينية رخيصة بأنماط محرفة. هناك مبادرات لتطويع الحرفة لخدمة العمارة الحديثة، لكن يخشى البعض من خلخلة أسس التراث. فهل التراث كيان ثابت، يجب الحفاظ على كل عناصره وتفاصيله دون تطوير؟
لقد تشكل ما نعتبره تراثًا اليوم عبر حقب طويلة، وتجارب عديدة حتى استقر على صورته الكلاسيكية. وكان تراث الزخرفة الإسلامية، ضمن ما تلقفه المستشرقون، وخضع بدرجات متفاوتة لمخيلتهم. وهم من صكوا اسمه المتداول الآن. وكان لتصوراتهم أثرها على الحرفة. وللتراث الإسلامي من منظور استشراقي شواهد عديدة، يمكن رصدها في أعمال المعماريين الغربيين في مصر من أواخر القرن التاسع عشر، وحتى منتصف القرن العشرين. العديد من القصور والبنايات وحتى مقار بعض المؤسسات، بنيت على الطراز الإسلامي، بأيدي معماريين أوربيين، أشهرهم الإيطالي «أنطونيو لاشياك». ولسنا نشكك في أهمية تلك التجارب، وفتحها لآفاق جديدة أمام التراث، لكن ربما افتقد المشهد تجارب موازية للتطوير بأيدي حملة التراث والمتشبعين به من أبنائه. والسؤال الآن: هل نرغب حقًا في استمرار ذلك التراث؟
منذ ستينيات القرن التاسع عشر، نزلت مؤسسة الحكم من قصر القلعة ذي الطابع الإسلامي، والذي يرجع إلى حقبة الأيوبيين، إلى قصر عابدين الذي صممه الفرنسي «دي كوريل روسو» وفق طرز أوربية كلاسيكية بتأثيرات يونانية ورمانية قديمة، مع ملمح عربي ذي طابع استشراقي في بعض أجزائه. القصر الذي كان يشرف على قاهرة إسماعيل الحديثة، والمخططة لتكون قطعة من أوربا، جاء عنوانًا لحقبة جديدة، توجهت فيها النخبة صوب الثقافة الغربية. ورغم بقاء المثقفين منهم على وعي بقيمة التراث، لكن آخرين تعالوا عليه. وصار على الطامحين إلى الارتقاء الطبقي من أبناء الشعب، تبنى الذوق الغربي، إثباتا للكفاءة والتحضر. ووُصم ناس التراث منذ ذلك الحين طبقيا بكلمة «بلدي».

عجلة الزمن
رغم كل شيء، لا يمكننا إنكار أن بعض الحرف التراثية فقدت جدواها، ولم تعد قادرة على تلبية احتياج عملي، أو إشباع جمالي. ووفقًا للباحث في شؤون التراث جلال عابدين، فقد انقرضت حرف تراثية شعبية عديدة خلال العقود الأخيرة، وأصبح بعضها الآخر نادرًا. صناعة الحصيرة من السمار، تقلصت للغاية بعد الاستغناء بـ«البلاستيك» منها. وكذلك الوضع بالنسبة لصناعة السلال من الغاب، و«المرجون» و«البرب»، وهي أوان من العشب. كما تآكلت صناعة الأقفاص، والأدوات الزراعية كالنورج، والسواقي. واختفى «الحرام البرمشاوي» الذي كانت تنتجه قرية «برمشة»، وكان يصنع من صوف الغنم ووبر الجمل، ويتحول إلى «بطانية» بلدي، لم تصمد أمام المنتجات الحديثة. كذلك انقرضت نجارة «القادومة»، وهي حرفة بدائية، لتحويل جذوع الشجر إلى أدوات. كذلك الحدادة الشعبية التي كان يعتمد عليها لصنع أدوات الزراعة من فؤوس ومناجل وغيرها، وزاحمتها بدائل صينية رخيصة.
 واختفت «الحلزونة»، وهي موقد فخاري صغير، كان يستخدم لعمل الشاي. كما اختفى صانع الربابة من بقايا الأخشاب، واختفى «الطول»، وهو سجادة مستطيلة كانت تصنع من أشرطة بقايا الأقمشة. وانتهت حرفة اللباد، والتي كان صانعها يأتي إلى البيوت في موعد ثابت كل عام، ويقيم ثلاثة أو أربعة أيام، ويعطَى الصوف والصابون البلدي ليقوم بعمله. كذلك اختفى غربال السبوع التقليدي، وحل محله منتج صيني من البلاستيك. وانقرض أيضًا الوشام الشعبي الذي كان يتنقل بين موالد الأولياء والقديسين، مازجا رسوم ونقوش تنتمي لثقافات ودلالات روحية متباينة. 
ورغم ذلك تفاجئنا بعض القرى وشوارع الأحياء الشعبية بمن يعملون بحرفة شاع انقراضها. مثل حرفة صنع الحصير من نبات «الحلفا»، التي عثرنا عليها في إحدى قرى قنا، وصناعة الغربال التي عثرنا عليها في ضواحي المنيا. كما تعثر على حرف جرى استحداثها منذ عشرات السنين، وأصبحت تشكل تراثًا خاصًا، مثل القوارير المنقوشة بالرمال الملونة.

إحياء
عند مقارنة الحالة التي كانت عليها الحرف التقليدية واليدوية قبل ربع قرن والآن، سنجد أن أمورًا عديدة تحسنت. يكفي تضاعف الوعي الرسمي بأهميتها، وإقامة الفعاليات الموجهة للمستهلك المصري، بشكل دوري مثل معارض «تراثنا»، و«ديارنا» وغيرها. كما أن العديد من الجمعيات أخذت على عاتقها تدريب المهتمين، ورفع كفاءة الحرفيين، ومنها جمعية أصالة التي أسسها الفنان التشكيلي الراحل عز الدين نجيب. وصحيح أن التراث المصري أكثر تنوعًا، وثراء مما يقدم حتى الآن، لكن فنونا مثل الخيامية، ومشغولات النحاس، والحلي، وتشكيل المعادن، وتعشيق الزجاج، وغيرها، وجدت طوقا للنجاة في السنوات الأخيرة من خلال فرص جديدة للتسويق. 
في وقت تتسلم فيه الآلة زمام التفكير والتصميم والإبداع قد تبدو الكتابة عن ناس التراث، والحرف التقليدية نوعًا من العيش خارج الزمن. فلماذا في الحقيقة نهتم بالتراث؟ وما هي جدواه إذا كانت الحياة تمنحنا بدائل أكثر عملية؟ لماذا يستمر ناس التراث في عملهم، ولماذا يهتم البعض لأمر بقائهم؟ 
السؤال نفسه طرح مع صعود حقبة الصناعة، وخضع لكثير من البحث الفكري. المفكر الإنجليزي من العصر الفيكتوري «جون راسكن» على سبيل المثال، رأى في الحرف اليدوية أساسًا للحضارة. وكانت كتاباته وراء نشوء «حركة الفنون والحرف» على يد «وليام موريس»، والتي اجتاحت العالم خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وحتى ثلاثينيات القرن العشرين. وكانت تهدف في الأساس إلى استعادة دور الحرف التقليدية في العمارة، والتخلص من الابتذال الذي أدت له المنتجات الصناعية، بأنماط مفرطة في الزخرفة، ومقحمة، ولا تراعي طبيعة المواد ولا استخداماتها. ورفض «راسكن» تقسيم العمل في المجتمع الصناعي الذي وصفه بالخاضع. ورأى أن المجتمع الصحيح أخلاقيًا يعتمد على صناع مستقلين. 
لكن الصناعة، والعمارة النمطية سادتا العالم، ورضخ الناس للسكن في مكعبات متشابهة بلا هوية خاصة، مع اجتياح الحداثة، وتحت وطأة الظروف الاقتصادية، وهيمنة أنماط الإنتاج الكمي. ومن الناحية الفنية، توارى التراث أمام نزعة الحداثة، لكن سرعان ما عاد ليطل برأسه عبر منفذ ما بعد حداثي، وإن كحليات منتزعة من روابطها المألوفة. كانت محاولات لخلط القديم بالحديث، والتوفيق بين جماليات متباعدة، وإعادة استنطاق التراث في سياق راهن. وبدا الأمر تمثيلًا مطابقًا للمساحة المتاحة للتراث في الحياة الحديثة: مجرد «موتيفات» من الماضي، يمكن أن تؤدي أغراضًا جمالية أو إحالية. 
الآن تبدو السياحة رغم سطحية متطلباتها منقذًا للكثير من منتجات الحرف التراثية. الكثيرون من أنصار الطبيعة أيضًا، ومن الباحثين عن اللمسة الإنسانية، يقبلون على تبني المنتجات اليدوية. لكن العمل التراثي المتقن غالي الثمن، ويبقى كسلعة يقضي الفقراء أعمارهم في صنعها، ليقتنيها الأغنياء. وهو ما دفع بعض التنظيمات، كاتفاقيات التجارة العادلة وغيرها، لوضع سياقات للتبادل تضمن حصول الحرفي التقليدي على أجره العادل. وهو ما يؤدي بالطبع إلى ارتفاع ثمن المنتج. لكنه يجد جمهورًا من المعنيين بالفكرة وبقيمة العدالة.

هوية
يعمل ناس التراث ليعيشوا، والحرفة التقليدية هي عملهم الذي يجيدونه، ومصدر دخلهم. ومع ذلك يجد بعض منهم نفسه في قلب صراع ثقافي، لا علاقة له به؛ فالبعض يعتبرون منتجاتهم رموزًا ثقافية لإحدى الهويات المتنازع عليها: فرعوني، قبطي، إسلامي، شعبي، بدوي، أفريقي، أمازيغي، إلى آخر تلك القائمة من المسميات على امتداد المنطقة. والحقيقة أن التراث يحمل بالفعل رموزه ذات الجذور التاريخية والهوياتية. ولكنها بتنوعها تعتبر من صميم فكرة التعايش، والاحتفاء بالتعددية لمن يقبلون بها. وهذا ربما ما يزعج أنصار تسييد هوية بعينها. وتبدو الحفاوة بالتنوع، كإحدى القيم العميقة التي لأجلها، نحب أن نقتني المنتجات التراثية؛ فهي تعني أننا جميعًا بشر، وأن أسلافنا قد لبّوا احتياجاتهم بطرق مختلفة، انعكست فيها أفكارهم ورؤاهم. ونحن نرغب ونستمتع بأن نرى أنفسنا في احتمالات لا نهائية لتلك الحلول. وكأننا نرغب في أن نعيش ضمن كل الثقافات، لأننا بالفعل كان يمكن أن نولد هنا أو هناك. 
قبل أكثر من ربع قرن بدأت رحلة للبحث عن هؤلاء العازفين على أوتار الأنوال، وعجلات الفخار، والنافخين في النار. كانت رحلة من البهجة في عالم من الألوان والخامات، وأعمال متقنة منمنمة، في كل قطعة لمسة من أرواح أناس بسطاء، واصلوا عملاً مقدرًا لهم، مرروا به الوقت، وجنوا منه لقيماتهم. وكان دائمًا ينطوي على فن، يظهر في شغف يترك أثره على كل قطعة. فهل سيبقى لتراثنا الجميل أرض يقف عليها في المستقبل؟ 
لسنا نعرف. لكن المؤكد أننا ما زلنا نجد هؤلاء الذين يستمتعون باللعبة، من يمارسون عملهم ببهجة، وهم مستعدون لقضاء أعمارهم عاكفين على منتجاتهم يوما بعد يوم. حتى لو كان عملاً مكررًا، فلكل قطعة فرادتها، كنجوم السماء، وحصى الشاطئ، وأوراق الأشجار، ودوائر الدراويش، وتعاقب الأيام. كلها فريدة، وإن تشابهت، جميلة وأصيلة، وإن تبدلت المفاهيم وتغيرت الأذواق ■

آخر نول يدوي لنسيج البردة في قرية أبو قرقاص بمحافظة المنيا

تماثيل حجرية تصنع يدويا في البر الغربي بالأقصر

نحت الأواني من حجر الألابستر في البر الغربي بالأقصر

ورشة حسن هدهد شيخ القزازين بمنطقة جامع قايتباي التاريخية

التلي تراث أسيوط العريق اكتشفه فنان تشكيلي وأعاد إحياءه

مقر مركز رمسيس ويصا واصف للنسيج بناه صاحبه المعماري

تواصل الأجيال داخل مركز رمسيس ويصا واصف للنسيج

مركز الحرف التقليدية بالفسطاط يضم أقساما للعديد من الحرف التراثية المصرية

جيل من صانعي الخزف المدريين بمركز الفسطاط

أحد معلمي الأرابيسك وفنون النجارة العربية في حي القلعة

لوحة من فن الخيامية بالأقصر وتراث ينفتح على آفاق الفن

فنون النجارة العربية والأرابيسك ضمن عمارة بيت قديم في القاهرة

منتجات يدوية متنوعة داخل أحد مراكز التجارة بالقاهرة