السعادة في الشعر الكويتي

السعادة  في الشعر الكويتي

وردت كلمة «سعادة» في القرآن الكريم بقوله تعالى: «يومَ يأتِ لا تكلَّمُ نفسٌ إلّا بإذنهِ فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ» (سورة هود - الآية: 105). وقال تعالى: «وأمَّا الذينَ سُعِدوا ففي الجنةِ خالدين فيها» (سورة هود - الآية: 108). وهناك أحاديث تتحدث عن السعادة، منها: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سعادة ابن آدم ثلاث: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح»،... وأقوال أخرى لأهل البيت والصحابة الكرام.
كل البشر يسعون للسعادة، وهي حالة نفسية تعتري الإنسان، واختلف المفكرون في تعريفها، أو معرفة كُنه السعادة، ومن ذلك قال غابريل غارسيا ماركيز: «تعلمت أن الجميع يريد العيش في جبل غير مدركين أن سر السعادة يكمن في تسلقه». بمعنى أن الوصول إلى القمة لا بد له من المشقة، والعمل الدؤوب ليصل الإنسان إلى ما يريد، قال آخر: «حسبك من السعادة: ضمير نقي، ونفس هادئة، وقلب شريف». 

 

أما أبو حامد الغزالي فيقول عنها: «تمام السعادة مبني على ثلاثة أشياء: قوة الغضب، وقوة الشهوة، وقوة العلم، فيحتاج أن يكون أمرها متوسطًا لئلا يزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك». ويصنفها فيودور دوفسكي بقوله: «إنَّ السعادة لا يصنعها الطعام وحده، ولا الثياب الثمينة، ولا الزهو، إنما يصنعها حب لا نهاية له». وقيل أيضًا: «شيئان يحرماننا من السعادة: العيش في الماضي، ومراقبة الآخرين». وقيل: «لا يعرف طعم السعادة من يقيد حياته برأي الآخرين». وهناك أقوال أخرى كثيرة في السعادة. 
 
رأي شعراء الكويت
ساهم شعراء الكويت في إبداء رأيهم في السعادة، ومضامينها، فنظموا القصائد التي تحتوي على نظرتهم للسعادة، فمنها سعادة الدنيا، ومنها سعادة الآخرة، وبينوا كيف يحصل الإنسان على السعادة، أو الدعوة إلى الفوز والنجاح الذي يؤدي إلى السعادة. 
يرى شاعر الكويت خالد الفرج أن السعادة لا تأتي والإنسان يرى ما حوله في شقاء، فتفكيره لا ينصرف إلى السعادة. يقول في قصيدة له: 
لا أريدُ السَّعدَ أن يدخلَ بيتي بالهناء 
لستُ يا هذا سعيدًا وأرى حولي الشقاء
صحتي سقمٌ إذ المرضى يعانون البلاء 
غير أني باسمٌ للموت إن جاء الفناء
أنظرُ كُلُّ من حولي إلى الموتِ يصير 
 
شعور الإنسان الذي يرى أن السعادة لا تأتي مع وجود من يعاني من الآلام والشقاء، فكيف يعيش في سعادة وحوله من يعيش في عَنَت وشقاء سعيدًا. وعندما يعشق هذا الشاعر تتبدل الصورة عنده إلى سعادة الأحلام، فيقول: 
وليلـــــةٍ بتُّــــها ســـعيدًا
لم يخـــطر النـــوم لي ببالِ 
أحييتــــها في الدجـــى فريدا 
ولا ســـــمير ســـــوى الخيـــــــالِ 
هل تُغمضُ الجفنَ عينُ صب  
أو تسهر الليلَ عينُ سالي 
هكذا يرى الشاعر؛ أن السعادة عنده تختلف بحسب ما يمر به الإنسان من ظروف تجعله سعيدًا، أو تعيسًا، فالحالة النفسية للإنسان هي التي تقرر ذلك، ويختلف شعراء الكويت في معرفة كنه السعادة ومضامينها، فهي مطلب إنساني، ولكن لكل شاعر رأي فيها. 
يتميز شعراء الكويت بأنهم نظموا في جميع أحوال المجتمع، فيرى الشاعر محمود شوقي الأيوبي أن السعادة تأتي للإنسان العامل، الذي يسعى للرفعة والتقدم، فيقول في قصيدة له بعنوان «جمال السعادة»: 
صاحِ نقِّب عنِ السعادةِ بين الرُّ
وح، والعقلِ، باحثًا والجنانِ
فإن لم تفــــز بهـــــا بيـــن هــــذي 
فابحثن عن كونٍ، إن اسطعتَ ثانِ 
أنتَ مهما صنعتَ خيرًا أتاكَ ال
أنسُ كالوردِ عابقًا في المغاني 
وإذا ما صنعتَ شـــرًا ولو كا
نَ ضئيلًا أتاكَ بؤس الزمانِ 
يرى الشاعر أن السعادة تكمن في عمل الخير، فلا ترجو السعادة في عمل الشر، فهو لا يؤدي إلى السعادة التي ترجوها، وهذا من اهتمام الشاعر بالقيم والأخلاق، فربط الشاعر بين السلوك والسعادة، التي لا تأتي إلا بالخير، والعمل بالسلوك الحسن الذي يفضي إلى السعادة. 
ينظر بعض شعراء الكويت إلى أنَّ السعادة حالة نفسية تعتري كل فرد بحسب الظروف التي تمر به، وهذا شاعر الكويت الكبير صقر الشبيب، وهو الشاعر الكفيف، وحياته في فقر كبير، ومسؤولية عن البيت، يبحث عن السعادة فهل يجدها؟ فهو يرى أنَّ السعادة غير موجودة في الأرض، فيقول: 
ليسَ في الأرضِ من طريقٍ يؤدي
سالكيهِ أو بعضهم للسعادة
فلهـــا اســـمٌ بين الأنـــامِ شــــهيد
ومُســـمَّاهُ مستحيلُ الشَّـــهادة 
وقد نظم قصيدة بعنوان: «أمع الحياة سعادة؟»، ويجيب عن هذا التساؤل، حيث يقول: 
أمع الحياةِ سعادة؟ لا والذي
جعل الحياةَ لأهلها أم النكد 
ولدتُ حياتي مع شقائي كلَّ ما
أبلى عليها الصَّبرَ مني والجلد 
فإذا جزعتُ فكلُّ نفسٍ لم تكن
إلّا لتجزعُ حين تقرنُ بالجسد
ما إن ترثُّ مصائبي في محبسي
إلّا أتت أخرى لتخلفها جَدَد
يا قُدرة سجنت بجسمي روحَه
ضاقَ الخناقُ على السجين المضطهد
إن لم تفكّي الروحَ من جثمانه
فتداركي منزورَ صبري بالمدد 
أرجوكِ لا أرجو سواكِ فانعَمي 
عجلى عليَّ بما ترينَ من الرَّشَد 
ضاقت الدنيا بهذا الشاعر المكنى: رهين المحبسين، كما كان الشاعر أبوالعلاء المعري، ولكن شاعرنا هذا يختلف بعض الشيء عن أبي العلاء، فقد جاءه المدد من شيخ الكويت، وقدم له المعونة، وأعاد بناء بيته. ويرى شاعرنا أن الطريق إلى العلو والرفعة تكمن في العلم، ويحث الناس على طلب العلم مهما بلغت المشقة في ذلك، إذ يقول:  
 يا أيها النشءُ ما كانت جدودكُمُ 
يرضون إلا بسبقِ الناس والغلب 
ولا سبيلَ إلى سبقٍ ولا غلبٍ 
لعادلٍ عن سبيل العلمِ مجتنبِ 
فأتعبوا في التماسِ العلمِ أنفسكم 
تُثنوا إذا انجلت العقبى على التعبِ
لولا متاعب غُرّاس النخيلِ لما
جنت أكفهم شيئًا من الرُّطبِ 
هكذا يرى صقر الشبيب السعادة في العلم الذي يأتي بالسعادة في نهاية التعب، ويقرر أن المعاناة ليست تعاسة بل نهايتها سعادة وفرح.
 
مضامين السعادة 
 يرى الشاعر خالد سعود الزيد أن السعادة تكمن في جلسات الأنس في الطبيعة الخلابة، والجو اللطيف، فتثور في مخيلته أنغام الشعر، فيترك لقلمه الحر نظم أبيات يعبر فيها عما يشعر به من سعادة في هذا الجو، فيقول: 
هاتِ الشَّمولَ وقرِّب الأقداحا 
فالشعرُ هبَّ من الرُّبَى فوَّاحا 
واملأ كؤوسي من عصارةِ خاطري
فلقد سكبتُ من الحُشاشةِ راحا 
واعزف على وتر الفؤادِ مناغيًا
سحر الطبيعةِ باسمًا صدَّاحا 
واجمع خيوط الأُنسِ وغزل جلسةً
طابت جمالًا غدوةً ورواحا 
يا جلسةً صدحَ الكَمَانُ بِسَاحِها
فودِدْتُ لو مَلكَت يَدايَ جَناحا 
حلَّقتُ من طربٍ وهمتُ بخاطري 
وطفِقتُ أضربُ في الرؤى سبَّاحا 
هذه رؤية الشاعر عن السعادة فهي جلسة طرب مع لطافة الجو وسماع صوت الكمان بعزف جميل كجمال الجو، فالسعادة قد تم خلقها في جلسة. 
أما الشاعر علي السبتي فهو يرى أن السعادة في انزياح الكدر والآلام التي تجلب السعادة والهناء، فيقول في قصيدة له: 
وضحَ الطَّريقُ وباركت أقدارُ 
فاليومَ لا همٌّ ولا أكدارُ 
اليومَ ترجعُ للعروقِ أصولُها 
وتعودُ للبدءِ الذي تختارُ 
أولستَ تدري أنَّ أيَّ سفينةٍ 
إن لم يقدها حاذقٌ بحّارُ 
ذابت بأمواجِ البحارِ ضلوعُها 
أينَ السفينُ وأينعُ البحَّارُ 
سلمت يدٌ قادتكِ نحو سلامةِ 
فالدربُ أخضر والجبينُ نهارُ 
هنا ترى سعادة الشاعر في الخلاص مما يعيق الإنسان عن الانطلاق والحرية، بعد معاناة مع المرض والألم، ولكن الشاعر ينظر إلى الحياة وكأنها سفينة تمخر عباب البحر، ووجود بحار حاذق متمرس يقودها إلى الأمن والسلامة. 
وأما الشاعر يعقوب الرشيد فيرى أن السعادة تكمن في العودة للوطن، وهو السفير الذي غاب عن وطنه سنوات، فيجد أنه يعيش بلا سعادة وفرح حتى يعود إلى أرض الوطن، فيتغنى بقصيدة «الحنين إلى الكويت» يقول فيها: 
برَّح الشوقُ بي فَسِرْ يا حَادي 
صوبَ دنيا الجمالِ صَوْبَ بلادي 
اقذِفِ الآهَ في البعادِ لأني 
أحملُ الهمَّ والأسى في بعادِ 
الكويت. الكويت. أيُّ نداءٍ 
في فمي عابقٍ بطيبِ ودادي 
إنَّها موئلي الحبيبُ وإنّي
في اغترابٍ يشقى عليهِ مُرادي 
عشتُ فيها كما أراد وفائي 
واعتزازي بما لها من أيادِ 
أينَ فيضُ الهناء أين النُّدامى 
أين شملُ الأحبابِ أين النادي 
كم ليالٍ جنيتُ ما شئتُ غيها 
وهواها أشهى أغاني فؤادي 
آه يا شوقُ لا يواسيك مني 
غيرُ وصلٍ يجودُ فيه رقادي  
لوعة الفراق تعتصر قلب الشاعر، وهو يتمنى السعادة في لثم ثرى ترابها، فالهم والألم في فراق الوطن، ولذلك يعاني أحرار العالم من النفي عن الأوطان، لذا يرى الشاعر أن الشقاء في البعد عن الوطن، ويتذكر مرابع الأرض التي حمل كل الحب لها، ويتذكر الأصدقاء والأحباب حيث الهناء والسعادة. 
يثير السجن في نفوس كثير من الناس الأسى والحزن، فقد يكون السجن لجريمة ارتكبها الجاني، وقد يكون السجن نفسي، ويضيق المسجون بالواقع الأليم، نتيجة لقوانين مقيدة للانطلاق والتحرر، فيعبر عن نفسه طلبًا للحرية، وبعدًا عن الواقع، المملوء بقوانين تحد من الانطلاق، فهذا الشاعر خليفة الوقيان يرى السجن النفسي أقوى من السجن الحسي المعروف، ففي قصيدة نظمها بعنوان: «الفجر» يقول فيها:  
يا زارع الشوك في دربي ليوهنني
إنّي أرى الشوكَ بعضًا من رياحيني 
لو كلُّ دربٍ بزهوِ الورد قد فرشت 
لما رأيتَ عليها غير مأفونِ 
قد هدَهَدت كلَّ بابٍ كنتَ توصِدهُ 
ومزَّقتُ في طريقي كلَّ مكنونِ 
فلا حصونُكَ بعدَ اليومِ تحبسني 
ولا سياطُك عمَّا رمتُ تثنيني 
إنّي صحوتُ وبانَ الصبحُ في أفقي
لما هجرتُ كهوف الذُّلِ والهونِ 
وقد ملكتُ جناحًا باتَ يحملني 
إلى سماءٍ رضابَ النورِ تسبقني
هكذا الإنسان المرهف الحس، يرى أن معيشته مع من يهوى العيش الذليل، هي عيشة خانعة، فلا يرى فيها معيشة الإنسان الحر، ذي التطلع إلى غد أفضل، وعيشة تزهو بالحيوية والحرية والنشاط الحر، تضيق الحياة بأفكار العالم المتحرر من قيود الظلم والجبروت، ويضيق ذرعًا بقوانين لا تتسع لأفكاره وفلسفته، وكم من مفكر احتواه السجن، أو الطرد من البلاد، أو القتل، فهؤلاء العظماء لا يستطيعون العيش في تلك الأجواء المقيدة، والحرية هي الخلاص من تلك القيود. 
 
نظرات في السعادة 
ينظر الشعراء إلى السعادة على أنها حالة نفسية تعتري الإنسان فيصبح في حالة نشوة وفرح مما يؤدي إلى حالة من الرضا، وقد عبر كل شاعر بطريقته في الإحساس بالسعادة، فتم نظم أفكارهم بحسب ما يرون من ذلك: 
أولًا: تأتي السعادة إلى الإنسان بما يمر به من أوقات ومناسبات فيها الفرح والسرور، كما يحدث في: الزواج، وإنجاب الأطفال.
ثانيًا: لحظات السعادة بعد التغلب على الشر والأشرار، كوفاة أحد المجرمين، أو أن يقعوا في مشكلة ما تبعدهم عن الناس فتحدث السعادة. 
ثالثًا: ينظم الشاعر قصيدة تظهر بها سعادته عندما يأتي حدث سعيد في البلاد، كتغير في العلاقة بين الحاكم والمحكوم إلى الأفضل. 
رابعًا: يشعر الشاعر بالفرح والسرور عندما يفوز بجائزة، أو يحصل على ترقية، أو يتلقى هدية من صديق، أو حبيب.
خامسًا: قد يتصور الإنسان المفكر أن القوانين المطبقة لا تحتمل فكره وآراءه، فينظم قصيدة يعبر عن ضيقه بالقوانين وسعادته في التخلص منها. 
سادسًا: قد تكمن السعادة عند المفكرين في اعتزال الناس، والبعد عن مشكلاتهم، أو حل بعض مشكلات الناس. 
 
الخلاصة 
مَن مِنَ البشر يرفض السعادة؟ ومَن مِنهُم من يريدها دون تعب وكدر؟ أظن أن النوعين موجودان، ويحتاجان لتوضيح، فالناس ليسوا سواسية في النظرة إلى السعادة، فإذا كان الطالب يريد سعادة الحصول على السعادة، فهناك من يريدها دون تعب ودراسة، ومن يريد المال يستخدم طرقًا مختلفة، فمنهم الجاد المضحي من أجل الفوز بسعادة الحصول على المال، ومنهم من يريد المال دون السعي للحصول عليه. 
وكذلك شعور الناس من محبة الرفعة والعزة، فقد يسعى بعض القادة للحصول على القيادة بطرق غير قانونية، أو بالقوة، ويفرض نفسه على البلاد، دون أن يكون مؤهلًا للقيادة، أو الزعامة، فالسعادة لا بد لها من عوامل يتم تغييرها ليحصل الإنسان على سعادة حقيقية، ويعترف به العالم بأنه وصل إلى ما يريد بالكفاح، والعمل الشاق فحصل على السعادة ■