قصائد تحلق في السحاب في ديوانَيْ «ستة عشر موعدًا» و«الغناء على مقام الهاء» للشاعر عبدالسلام بوحجر
الشاعر عبدالسلام بوحجر أحد رموز الشعر المغربي الحديث، وأسمائه القوية إبداعًا منذ ثمانينيات القرن الماضي، والمتوج مغاربيًا بجائزة الجاحظية، وعربيًا بجائزة القدس عن قصيدته مقام القدس العالي سنة 2009م. هو صاحب «أجراس الأمل»، و«إيقاع عربي خارج الموت»، و«أزهار الحصار»، و«قمر الأطلس»، ومنمنمتيه الرائعتين «ستة عشر موعدًا» (2006م)، و«الغناء على مقام الهاء» (2013م)، وهما آخر ما أصدر قبل رحيله الفاجع سنة 2019.
وأنا أكتب مقالي عن قصائد الشاعر في هذين الديوانين الباذخين لم أجد ما أطلق على صاحبهما أفضل من الصفة التي أطلقها عليه الناقد المغربي إسماعيل علالي: «شاعر الجماليات العليا».
القصائد في الديوانين منمنمات شعرية، حشد فيها الشاعر جُماع الصنعة الشعرية التي توارثها الشعر العربي الأصيل منذ عصوره الأولى إلى قصيدته التفعيلية المعاصرة. ومن هذه الزاوية فالتاريخ الشعري العربي الجمالي لم يكن تاريخ قطائع، وإنما كان تاريخ استكمال وتجويد. إن القصيدة العباسية التي بلغت ذروتها التجديدية مع أبي تمام لم تكن قطيعة مع قصيدة امرئ القيس، وإنما كانت تجويدًا لها. كما أن القصيدة التفعيلية الحديثة لم تكن ابنة عاقة للقصيدة العمودية، وإنما كانت من جيناتها الإيقاعية والفنية. لقد ظلت الجماليات البلاغية، والأنساق الإيقاعية ممتدة بين القديم والجديد بإضافات وتحويرات تؤكد التطوير لا القطيعة. مع الإشارة إلى أن القصيدة التفعيلية على مستوى القيم قد تموقعت ضمن قيم الحداثة الفكرية والفلسفية.
في ديوان «ستة عشر موعدًا» نقرأ ستة عشر قصيدة منمنمة بديعة الصنعة، باذخة البهاء، إلى درجة الإعجاز الشعري الذي يضعك أمام جماليات عليا أو قصائد فوق السحاب لا يأتي بمثلها إلا مارد شعري جُبل من نور ونار.
حين نقرأ هذا المقطع من قصيدة «من أوراق حب قديمة»:
تلك صورتُها بالمُلَوَّنِ تَجرحُني
في نَدى شفتيها اللتين تَلوَّنتا
بدمي وتَزَيَّنتا
في نُهى نظرتيْها اللتين تألقتا... رَمَتا
سِحْرَ سِحْريهما في الظلوع فأضْرَمَتا
جمرةَ الحبِّ من زمنٍ... هَمَتا
بعناقيدَ ضوئيةٍ في الخيال فأَلْهَمَتا
كائني بالذي لستُ أقوى على قوله الآنَ
والآنَ أشْرَقَتا
من وراء الغيابِ وأبْرَقَتا:
أنتَ توأمُها في الهوى
فلماذا انحسرتَ إلى الظلِّ فيكَ؟
متى تفهمُ النظرتينِ... متى؟
- وأريد اغتيالكَ
لو أنَّ عينيكَ قد زاغَتا وتَحوَّلَتا!
- مستعدٌّ لأخسرَ عينيكِ حتى الضياعِ
وأربحَ حريتي وحدها... وحدها...!
وحدَها عانقتْ ظلَّها في الطريقِ إلى غَرْبِها
فانعطفتُ إلى شرقِ حُلمي المؤجَّلِ من حُبِّها
بالجنونِ المُغَنّى
ونونِ المُثنّى
أُطَرِّزُ شِعري وشوقي
إلى نجمتينِ رأيتُهما سَمَتا
في سماء الجمال الجديد تَبَسَّمَتا
نُقِرُّ أنه غزلية آسرة تركيبًا وإيقاعًا وتصويرًا. البناء الجمالي الحاسم في المقطع تركيبي إيقاعي ويكمن في التضمين والتقفية. فإذا كان النقد القديم في عمومه ينتقص من التضمين (أقصد التضمين العروضي لا البلاغي) ويراه من عيوب القافية الستة لأن البيت يجب أن يتم معناه وتركيبه في قافيته، فإن الشاعر عبدالسلام بوحجر يبني من هذا التضمين جمالية تركيبية وإيقاعية إذ يقرنه بالتقفية التي يستمر تركيبها في السطر الموالي. فمن اثني عشر سطرًا مقفى بروي السين في المقطع فإن تسعة أسطر منها تشتغل على التضمين أغلبها في أسطر متتالية، منها مثلاً:
في نَدى شفتيها اللتين تَلوَّنتا
بدمي وتَزَيَّنتا
في نُهى نظرتيْها اللتين تألقتا... رَمَتا...
جمالية التضمين تجعلنا نتأرجح في القراءة بين التوقف عند القافية، وبين الاستمرار مع التركيب والمعنى إلى نهايتهما. فلا القافية تستأثر بسلطة الوقفة، ولا المعنى ينساب إلى نهايته خاليًا من حلاوة وقع القافية، لا سيما أن قوافي الشاعر موطّنة في سياقها المناسب الذي يخلو من الإقحام الفج المصطنع. والحقيقة أن صنعة تجميل التضمين قديمة في الشعر العربي لعل أشهرها إحدى غزليات أبي العتاهية التي يقول منها:
يا ذا الذي في الحب يَلحى أما
والله لو كُلَّفتَ منه لِما
كُلِّفتُ من حب رخيم لَما
لُمْتَ على الحب فذرني وما
ألقى فإني لست أدري بما
بُليتُ إلا أنني بينما
أنا بباب القصر في بعض ما
أطوف في قصرهم إذ رمى
قلبي غزال بسهام فما
أخطى بها قلبي ولكنما
سهماه عينان له كلما
أراد قتلي بهما سَلَّما
وإذا كان أبو العتاهية، ممعنًا في صنعته، قد جعل التضمين جاريًا على القصيدة كلها فإن عبدالسلام بوحجر كي لا يسقط في التصنع اكتفى فقط بتسعة تضمينات من هذا المقطع المكون من أربعة وعشرين سطرًا. أما في التقفية فقد اعتمد الشاعر في ثلثي المقطع على القافية إذ وردت بروي السين في اثني عشر سطرًا كما ذكرت. ووردت برويين آخرين في أربعة أسطر هي:
وحدَها عانقتْ ظلَّها في الطريقِ إلى غَرْبِها
فانعطفتُ إلى شرقِ حُلمي المؤجَّلِ من حُبِّها
بالجنونِ المُغَنّى
ونونِ المُثنّى
وذلك رغبة في التنويع الذي يجنب الشاعر الرتابة والخضوع في بناء معناه لسلطة وحدة القافية الرهيب. والقوافي عند الشاعر إمعانًا في الصنعة الإيقاعية وردت أربع مرات بالتجنيس الناقص الذي دل على كفاءة الشاعر اللغوية، وعلى ذوقه في الصنعة الخفية التي يطرز بها القصيدة دون تكلف، فالقوافي المُجَنَّسة لم تَخنق المعنى ولم تُعَقِّده ولم تلوِ عنقه وإنما جاء في صياغتها ملتحمًا بسياقه الشعري وذلك في قوله:
هَمَتا بعناقيدَ ضوئيةٍ في الخيال فأَلْهَمَتا كائني
والآنَ أشْرَقَتا من وراء الغيابِ وأبْرَقَتا
بالجنونِ المُغَنّى ونونِ المُثنّى
إلى نجمتينِ رأيتُهما سَمَتا في سماء الجمال الجديد تَبَسَّمَتا
إن التضمين الذي اشتغل عليه الشاعر جماليةً تركيبيةً وإيقاعيةً، مع حسن استدعاء القافية، وتجنيسها بلزوم ما تُلزمه الصنعة الحاذقة، تَعَزَّزَ بصنعات كثيرة يلمسها قارئ المقطع. ومن أبرزها ألف التثنية الذي التحم بتاء الروي، وياء التثنية التي التحمت بالهاء في مواضع جمة جميلة، منها: «تلونتا، تزينتا، تألقتا... شفتيها، نظرتيها، سحريهما» وكلاهما التحم بالمعنى التحامًا رائقًا.
والاشتغال على جمالية الإيقاع لم يمنع الصورة من التسلل عبر الاستعارة والكناية إلى الصياغة، فبدت مع عذوبة المفردة، وسلاسة التركيب، ورنَّة الإيقاع مبهرة محفزة لمخيلة المتلقي، ومن أمثلتها الجميلة في الاستعارة: «صورتها بالملون تجرحني/ ندى شفتيها/ نهى نظرتيها/ رمتا سحريهما في الضلوع/ همتا بعناقيد ضوئية...». وفي الكناية: «أنت توأمها في الهوى/ لماذا انحسرتَ إلى الظل فيك/ لو أن عينيك قد زاغتا وتحولتا...». ومن جميل ما التحمت فيه الاستعارة بالكناية قوله: «وحدها عانقت ظلها في الطريق إلى غربها، فانعطفتُ إلى شرق حلمي المؤجل من حبها...». ذلك أن الذي يقطن شرق المغرب كالشاعر يدرك أنه يقول عن المغاربة الذين يقطنون غرب الوطن ابتداء من فاس إنه من سكان الغرب. وبالتالي فعبارة غربها وشرق حلمي تدل على أنه من الشرق (وجدة) وقد وقع في حب أنثى من غرب الوطن، وأن الحب قد تأجل ليؤجج نار القصيدة.
المقطع آية شعرية في توليفات إيقاعية وبيانية وبديعية وتركيبية تداخلت جمالياتها بصنعة محترفة لا يأتيها إلا راسخ في الشعر. وإن جمال الشعر وبهاءه في القصيدة لا يقفان عند الاستعراض الفني بل يندغم ذلك مع الموقف الشعري الإنساني الذي يجاهد النفس الأمارة بالخطيئة، ويثنيها عن أي سقوط يدنس المحبة الصافية، في صراع فكري ونفسي يجسده هذا المقطع الراقي جمالاً وموقفًا إذ يقول فيه الشاعر:
كن وفيا لعينين أنتَ عشقتَهما
بالحنين إليك تَكَحَّلَتا...!
كم تميلُ إلى نظرة الذئب عيناكَ
حين أراكَ تحدق في جسد امرأةٍ
يزدهي بالبهاءِ
وساقين فضيتين تلألأتا
وعلى عرش أجدادها الأولين تمردتا...!
غُضَّ طَرفك عن مقلتَيْ كلِّ أنثى
فقد تحملانِكَ يا سيدي
من ثلاثينَ مترًا إلى صدرها
عاشقا ميِّتا...!
في المقطع يستمر تكتيك التقفية وتكثيف الصورة الشعرية التي يتداخل فيها التشبيه مع الاستعارة والكناية (بالحنين إليك تكحلتا/ كم تميل إلى نظرة الذئب عيناك/ ساقين فضيتين تلألأتا...)، والأجمل في هذا التصوير ذلك الرمز الخفي الذي يرفع جمال المرأة في القصيدة إلى جمال الملكة بلقيس في قصتها مع النبي سليمان والصرح والعرش والساقين في قوله بالرمز الخفي الجميل المدجج إيقاعًا وتصويرًا (وساقين فضيتين تلألأتا وعلى عرش أجدادها الأولين تمردتا). وحين يتحول الشاعر في العبارة اللاحقة إلى الوعظ بصيغة «غض طرفك»، فإنه يتدارك التعبير من السقوط في النثرية التوجيهية بكناية رائقة يشتغل فيها على جمالية العدد والمعدود، وثنائية الحب والجسد والموت في قوله «قد تحملانك يا سيدي من ثلاثين مترًا إلى صدرها عاشقًا ميتًا».
في هذه المجموعة قصائدُ دُرَرٌ لا يتسع التحليل للوقوف على نمنماتها وسأكتفي بعناوينها ليعود إليها القارئ مستكشفًا أسرارها الجميلة مثل: مقام الهوى ومقام الجنون ورقصة الوصل وبريد الأبجدية ونجمة وأصداء وفي باب البحر وأصوات من الداخل... إلخ.
وكما نمنم الشاعر عبدالسلام بوحجر ديوانه ستة عشر موعدًا، فإنه في ديوانه الأخير «الغناء على مقام الهاء» تابع وفاءه للشعر الجميل بكتابة احترافية ناضجة واعية بأدواتها ومقاصدها، وحده يعرف كيمياءها ويحسن خلطتها. فجاءت القصائد كذلك منمنمات رائعة فصصها بصبر الحاذق وعنايته، وشحذ لها كل أسلحة الجمال. ومن تخوم بعيدة لا يصلها إلا الراسخون في الشعر جاءنا بتوابل الكلام الشهي فجعلنا نتساءل، ونحن نقف معجبين بقوة القصائد وتلاحقها زخمًا رائعًا، ماذا يدس لنا عبدالسلام فيها؟
من أشهر قصائد الديوان بل قصائد الشاعر عبدالسلام بوحجر قصيدة «عزف منفرد على وتر الهاء» والمعروفة عند محبيه بقصيدة «مها»، ومنها نقرأ هذا المقطع:
شربوا سحرَ عينينِ حالمتينِ
مُحلِّقتين الى المُنتهى
آه ما هَمَّها
أن ترى العاشقين
وقد أقبلوا نحوها
قدَّموا باقةً من وُرودٍ لَها
وَلَها...
أن تفكر في قهوة
قدموها لها
منذ أزيد من ساعتين وها
هي قد بَرَدَتْ قُرْبَها
نقرأ المقطع فنتأكد أنه تحفة شعرية. صوتيًا يصدمك الشاعر بتوالي ثلاثة أسماء مثناة تتواتر فيها أصوات النون والياء والتاء، ثم يقف الشاعر على رويِّ الهاء عُمْدَةِ العنوان والقصيدة، وهو روي يتكرر سبع مرات في مقطع قصير من أحد عشر سطرًا دون أن تحس له نبوًا أو ضجيجًا في سمعك، بل يستحث الشاعر عنفوان هذا الزخم الصوتي بثلاثة تجنيسات متتالية تأتي في سياق قوي لا تحس أن الشاعر يلهث وراءها. ويتعزز النغم باعتماد الوقفة العروضية التي تتكئ على الهاء الممدودة تُطلِق من خلالها الصوتَ وتَحبسه. هذا التناغم الصوتي يغلف مقطعًا سرديًا وصفيًا يرفعه باحترافية إلى بذخ الشعر وتيهه الجميل. وكأن سحر المرأة الموصوفة ودلالها وتيهها بين عشاقها لا ينفصمان عن دلال وغنج القصيدة وهي تَخرج صوتًا صوتًا بتناغم قل نظيره عند الشعراء.
إن تقنية توالي القوافي والتجنيسات في حيز شعري قصير في المقطع السابق دون سقوط في التصنع وافتعال الموقف الشعري لا يتقنها إلا خبير يعرف حدود ملابسة الطبع للصنعة بتعبير القدماء. وهذه التقنية توازيها تقنية أخرى تقوم على تباعد القوافي ثم استدراج المتلقي إليها في نهاية كل مقطع حيث يتوقع المتلقي نونا محلاة نغميًا بألِفِ إطلاقٍ في قصيدة «في أسطورة هيلين»:
في أثينا
بعد أن تمتصَّ أعماقَك عيناها قليلاً
تتداعى كلُّ أسواركَ في الداخلِ
تبقى خارج السجن سجينًا
ثم تهذي مثل مجنون...
وتبكي:
- لم يا ربي تزوجتُ
وأنجبتُ البنينا؟
وبين القوافي الثلاث يتأثث الكلام بروائع الصور وأجمل الصياغات، إذ يدس الشاعر استعاراته وكناياته وتشبيهاته المذهلة: «تمتص أعماقَك عيناها/ تتداعى كل أسوارك في الداخل/ تبقى خارج السجن سجينا/ تهذي مثل مجنون وتبكي». بل إن العبارة العارية من التصوير «لمَ يا ربي تزوجتُ وأنجبت البنينا؟» بصيغتها الاستفهامية واستلزامها التحسري تُعَدُّ قُفلاً رائعًا للمقطع.
إن الحضور الصوتي في الديوان لا يلغي حضور اللغة الصافية المنتقاة بعناية بالغة والمعززة بانزياحات جميلة تدهش متلقي القصيدة وتخرق مُتَوَقَّعَه. هي انزاحات لا تتأتى إلا لشاعر خبير بمعادن الشعر وكيميائه يحسن إلى حد معجز مزج التوليفات النغمية والانزياحات التصويرية والدلالية بما يدهش القارئ ويحمله على أجنحة الشعر المحلقة فوق برزخ يلتقي فيه المعنى واللامعنى، الواقع والمتخيل، الحَرْفي والجمالي، نقرأ مثلا هذا المقطع من قصيدة «مقام الحضور»:
الآن ها هي في الغيابِ
تَدُسُّ عِطْرَ حضورها
في كل جزءٍ منكَ أنتَ
كأنها بِلِسانِ رَعْشَتِها تقولُ:
أنا التي أحميكَ من عَبث الفراغِ
أنا التي أُهديك داليةَ المجاز
أنا التي أَسقيك كأس الحبِّ
مُترعةً برائحة الخلودِ!
ألم أقلْ لكَ تحتَ قوس النصرِ:
لو ولدتْك أُمُّكَ مرةً أخرى... وأخرى...
لن تكون لغير هاتين اليدينِ
وهَبّةِ الريحان في صدري
وعينيَّ اللتين تُرفرفان
على حضورك بالأمانْ؟
***
كن سيد الرؤيا... وصَدِّقْ وَعدَها...
فلمن رعى عهدا
وخاف مقام ربه جنتانْ...!
نقرأه فنحس بقوة النغم المتأتية من التكرارات والتوازيات والنسق العروضي لانسيابية وزن الكامل وصفائه، ومن التنافر الضدي بين الحضور والغياب، ومن درامية الحوار المنبثق من صوت أنثى يسكن باطن الشاعر كأنه مونولوج ينطلق من الداخل نحو الخارج، ومن مفاجآتنا بالجملة الاستفهامية القوية بعد أسطر سردية حوارية تنقلنا من هدوء السرد إلى انفعالية وخطابية السؤال وتلك الانزياحات القوية في «تدس عطر حضورها في كل جزء منك»، وفي «هبة الريحان في صدري» و«العينين اللتين ترفرفان بالأمان»، وذلك التوظيف الرائع للتعبير القرآني ولمن خاف مقام ربه جنتان في سياق دلالي وإيقاعي ينهي القصيدة ويعلن موقفها. وتلك الجملة البؤرة الرائعة التي تقرر مصير الشاعر «ألم أقل لك تحت قوس النصر لَوْ ولدتْك أُمُّكَ مرةً أخرى... وأخرى... لن تكون لغير هاتين اليدين».
توليفات متناغمة
مقطع قصير تجتمع فيه ست تقنيات في شكل توليفات متناغمة مدسوسة بعناية في تفاصيل القصيدة تنبئ أنك بحضور كتابة محترفة راقية لا تستسهل الشعر بقدر ما تحترمه وتدخل محرابه المقدس بوضوء الجلال والكمال.
الديوان كسابقه منمنمات شعرية اكتفيت منها بمقاطع للتمثيل، وأذكر للقارئ قصائد دررا في المجموعة يعود إليها متى حنَّ إلى الجمال العالي منها: من مشاكسات امرأة وطقوس الملكة ومقام الحضور ومن أسرار عزف الناي... إلخ.
عبدالسلام بوحجر صوت قوي يفتخر به الشعر المغربي والعربي، شاعر حلق بالجمال عاليًا، وتسلطن في كتابته، فحق له لقب «شاعر الجماليات العليا» ■