أرقام محمود المراغي

أرقام

في مؤتمر السكان: المرأة أولا
برغم أن المؤتمر كان يخص السكان ككل إلا أن المرأة فجأة أصبحت هي محور الحديث وموضوع اهتمام الصحف... وأصبح الإجهاض، كما أصبح الجنس وسلوك الشباب والشذوذ حديثا في السياسة وعلاقة الشمال بالجنوب... بل وعلاقة الإنسان بربه ودنياه!

قبل المؤتمر وبعده نشر صندوق الأمم المتحدة للسكان، ومنظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة أرقاما كثيرة أثارت الدهشة وبعض الاهتمام.

قالت هذه الأرقام إنه في عام 1992- 1993 كان هناك (14-18) مليون شخص في العالم يعانون من مرض نقص المناعة، وأن هناك (2,7) مليون حالة إيدز في 164 بلدا... و... مات (95) في المائة منهم!

وقالت الأرقام إن احتمالات الوفاة عند فتيات تتراوح أعمارهن بين عشرة وأربعة عشر عاما بسبب الحمل أو الوضع تزيد خمسة أضعاف على نساء تتراوح أعمارهن بين (20 - 24) عاما، وأضافت تلك الإحصاءات، التي تأتي عبر دراسات بالعينة أن هناك 15 مليون سيدة في العالم يتعرضن للحمل وهن في أعمار تتراوح بين (15 ـ 19) عاما... وأن خمسة ملايين منهن في إفريقيا وحدها تضطرهن الظروف لإجراء عمليات إجهاض!

وتمتد الدراسات لتتحدث عن أهمية الثقافة الجنسية للتلاميذ والشباب وعن مسح ميداني تم إجراؤه في الولايات المتحدة عام 1992 على (1800) مراهق تلقوا ثقافة جنسية فلم تنعكس على شكل نشاط جنسي أكثر، بل أدت لتحفظ عند الشباب.

الأرقام كثيرة، وأهمها ـ لدى المنظمات المعنية بشؤون السكان، رقمان: واحد يقول إن نسبة 55% من جميع النساء في سن الإنجاب ـ أو شركائهن- في العالم النامي تستخدم شكلا من أشكال وسائل تنظيم الأسرة..

أما الرقم الثاني فيتعلق بخصوبة المرأة ومتوسط ما تنجبه في حياتها والذي بلغ (3,6) طفل في الدول الأقل نموا... ونصف ذلك تقريبا في أوربا.

والرقمان معا يقودان لحقيقة أن هناك تفاوتا كبيرا بين سلوك المرأة في الشمال وسلوكها في الجنوب. لكن إدراك أهمية تنظيم الأسرة يتزايد، وأن كانت المشكلة الكلية ما زالت قائمة... أعني: العلاقة بين تعداد السكان في العالم وموارد هذا العالم.

وطبقا لتقرير "برامج العمل" الذي تم تقديمه إلى المؤتمر العالمي للسكان والتنمية والذي انعقد في القاهرة خلال سبتمبر 1994 فإن تعداد العالم قد بلغ (5,6) مليار نسمة... وأمام العالم في العشرين عاما القادمة ثلاثة احتمالات:
الأول ـ انخفاض معدل التزايد والخصوبة بدرجه ملحوظة فيصبح العالم حينذاك (7,1) مليار نسمة عام (2015).
الثاني ـ أن يكون النمو بنسبة متوسطة فيصل العدد إلى (7,5) مليار نسمة في نفس العام (2015)
الثالث ـ أن يحدث نمو مرتفع فيصل التعداد إلى (7,8) مليار نسمة.

لذا، وعندما ينتصف القرن المقل فإن تعداد سكان العالم سيتراوح بين 7,9 مليار نسمة (للتقدير المنخفض) و 8، 9 مليار (للتقدير المتوسط، و(9و11) مليار نسمة للتقدير المرتفع. وهدف برنامج العمل الذي تم تقديمه لمؤتمر القاهرة الوقوف دون المعدل المتوسط.. أي نحو عشرة مليارات ـ و دون ذلك ـ في منتصف القرن.

قبلها، كانت هناك توقعات ـ أو أماني- للوصول إلى تثبيت عدد سكان العالم في الربع الأول من القرن.. أي أن يصبح عدد المواليد الأحياء مساويا لعدد الوفيات... فتلد النساء ولا يزيد العالم!

ويبدو أن هذه الأمنية قد تراجعت بعد أن سجلت الزيادة السكانية 94 مليون نسمة في العام، وهي أعلى زيادة في تاريخ البشرية، كما يقول تقريرا حالة سكان العالم 1994".

العالم مستمر في الزيادة، ولكن بنسب متفاوتة.. فالأكثر فقرا (إفريقيا) يبلغ معدل التزايد فيهـا (2,9%) سنويا والأكثر تقدما وثراء يصل معدل التزايد عندهم (0,3%)، وهي أوربا الغربية... وبين الاثنين تأتي معدلات آسيا أمريكا الشمالية، الاتحاد السوفييتي السابق.

نتيجة لهذا لمحسباق غير المتكافئ سوف تتغير صورة العالم... ففي عام (2050) تصبح الهند - مع استمرار وحدتها السياسية ـ هي الأولى سكانيا فيصل تعدادها إلى (64،1) مليار نسمة... وتأتي بعدها الصين (61،1) مليار نسمة... وبما يجعل ظاهرة التركز مستمرة... ثلث العالم في دولتين.

في نفس الوقت فإن الدول العملاقة والتي يزيد حجم كل منها على مائة مليون نسمة سوف يرتفع عددها من عشر دول إلى ثماني عشرة دولة في منتصف القرن... وسوف يكون بينها أربع دول في منطقتنا أو بين دول الجوار... أ عني: مصر، إيران، تركيا، إثيوبيا.

باختصار، فإننا أمام ظاهرتين... ظاهرة التزايد الذي ستقل نسبته لكنه يظل كبيرا وبما يطرح سؤالا حول مدى كفاية موارد العالم... وهل يستطيع هذا العالم أن يضاعف ما يقدمه من مأكل ومسكن وملبس وصحة وغذاء وتعليم خلال ستين عاما تقريبا تشهد فيها الكرة الأرضية زيادة جديدة تقترب من عدد سكانها الحالي؟

أما السؤال الثاني فيتعلق بالتوازن بين الشمال والجنوب... بين أغنياء يحجمون عن الإنجاب والتكاثر... وفقراء يسرفون في عدد أفراد الأسرة والذي يبلغ ثمانية أفراد في بعض البلدان.

ما هو أثر تجمع يضم 80% من سكان البشر ومعظمهم من الفقراء و 20% من السكان في بلاد تملك إمكانات التقدم وزيادة الموارد... ما هو الأثر الاستراتيجي لزيادة عدد الدول العملاقة (فوق المائة مليون) وماذا يعني تقدم دولتين تحوزان ثلث سكان العالم وهما الصين والهند... وأي أثر سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني يسببه ذلك كله... أي أثر تتركه حقيقة أن آسيا وحدها تضم حسب إحصاء (1993) 60% من سكان العالم؟

الأسئلة مطروحة، والتفاصيل كثيرة. من هذه التفاصيل أن عدد الفقراء في العالم (1,1) مليار نسمة... وأن 30% من سكان العالم النامي لا يزيد متوسط دخل الفرد منهم على دولار واحد كل يوم... وتضم آسيا وحدها نحو ثلثي فقراء العالم... وأن كانت إفريقيا أكثر فقرا.

وأحوال الفقراء- والذين يزيدون عددا- ليست على ما يرام... فبينما زاد إنتاج العالم بنسبة 24% خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو ما يناسب أو يزيد على الزيادة السكانية فإن إفريقيا قد نقص فيها إنتاج الغذاء بمقدار 5% وزاد عدد سكانها 34%.

وفي عام 1994 كانت توقعات منظمة الأغذية والزراعة أن هناك (780) مليون شخص يعانون من سوء التغذية، وأن هناك نقصا محتملا في غذاء عشرين بلدا... وأنه- وفي نفس الوقت- لا توجد أزمة غذاء عالمية، ولكن هناك عجزا عن شراء الغذاء... أي أنها أزمة فقر أيضا.

وإذا كانت إفريقيا إحدى القارات التي تعتمد في ثرواتها على الغابات فإن الأرقام تسجل أن الغابات في العالم قد نقصت مساحاتها خلال هذا القرن من 16 مليون كيلو متر مربع إلى النصف تماما عام 1990... وهو نقص يتعلق بالثروة كما يتعلق بالبيئة التي تشهد تدهورا. خلال ذلك تدهورت مستويات السكن والصحة والتعليم... وشهدت (71) بلدا معدل وفيات للأطفال يفوق 5% سنويا.. والبعض منها (29 بلدا) يصل فيه المعدل إلى 10% سنويا. أيضا تسجل أرقام الأمية: (960) مليون أمي في العالم... وثلثاهم من النساء.

ومع الأزمة في ريف العالم، يتجه الناس إلى الحضر كما يتجهون للهجرة الخارجية... وفي عام (2000) سوف يصبح نصف البشر من سكان الحضر بما يعنيه ذلك من تغير في أنماط الحياة والاستهلاك.

وتقول الأرقام إن الضغوط قد تزايدت ودفعت للهجرة الخارجية التي وصل عدد أفرادها إلى (125) مليونا عام 1994.

كل ذلك يعاني منه الفقراء، لكن الأغنياء وكما يقول تقرير "حالة سكان العالم" الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، شيء آخر.. و... طبقا لهذا التقرير فإن استهلاك الفرد في الدول المتقدمة يتراوح بين (20 و. 3) ضعفا لاستهلاك الفرد - وبالتالي مستوى معيشة الفرد - في الدول النامية!

أيضا فإنه بينما يصل متوسط العمر المتوقع (في النصف الأول من التسعينيات) 76 عاما في أوربا... و 66 عاما في غرب آسيا... فإنه يهبط إلى 53 عاما في إفريقيا، و 42 عاما في أحد بلدانها وهو أوغندا..!

الكارثة أن البون يتسع ولا يضيق... وتزايد السكان سبب رئيسي.

الانقلاب مطلوب، لكنه انقلاب تاريخي بطيء يتناول العادات الاجتماعية والقيم السائدة والمفاهيم.

البداية في البيت وإن كانت الآثار في العالم ومستقبله. والبداية عند المرأة وإن كان الرجل شريكا في ذلك كله.

ويتصور برنامج العمل الذي أقره مؤتمر السكان، وقد يتعرض لبعض من جوانبه مؤتمران لاحقان دوليان للمرأة وللمجتمع... يتصور:
ا - أنه لا بد من الربط بين السكان والتنمية... فأكثر فقرا أكثر إنجابا، والخوف من موت الأطفال يدفع النساء للمزيد من إنجاب الأطفال... وتحول الصبي إلى قوة عمل مبكرة، أي وسيلة رزق يشجع المجتمعات الفقيرة على أن تكثر من عدد أفراد الأسرة.
2 - وعلى العكس فمان التقدم يوفر خيارا لتقليل حجم الأسرة، وبالتالي حجم الزيادة السكانية.

في المجتمع أكثر تقدما، تتعلم المرأة كثر، وتلقى فرصة للعمل بدرجة أكبر، وتتبوأ المناصب وتشتغل بالسياسة وتحتل مواقع قيادية... و... حينذاك يكون خيارها وتكون كلمتها المسموعة: "أطفالا أقل وحجما أمثل للأسرة".

أيضا، وعندما يتقدم المجتمع تقل الأمية، فيزداد الوعي بقضايا الصحة والإنجاب والطفولة والأمومة.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات