المفكر والناقد البحريني د. فهد حسين: الكتابة حياة لا مثيل لها

المفكر والناقد البحريني  د. فهد حسين:  الكتابة حياة لا مثيل لها

 الكاتب والمفكّر والناقد البحريني د. فهد حسين وسؤالُ الكتابة - الحياة... الكتابة النقدية المسؤولية المرعبة، وهي خالدة في حالة اشتباك بلا حدود مع الآخر... متعة وحالة تكوين وإدراك وتمكن وقوة في آنٍ!! وبرؤاه النقدية والفلسفية لا تكتفي الكتابةُ بدورها كملاذٍ للروح والفكر والعاطفة وحسب، بل هيَ لديه تفكيك أنساق العالم.  النقدُ إبداع! والإبداع في كلّ أشكالهِ حقلٌ معرفيّ، ماؤهُ وشمسهُ التجربة الفنية، والتجريب ذروة الفنّ المفضي إلى إبداع جادٍ وهادفٍ ومُستفزٍّ أيضًا!  الكاتب والناقد الكبير د. فهد حسين، والكتابة لحظة إنصاتٍ إلى الذات، هوَ وليسَ الآخر، وهو يصغي إليها بكل نبض روحٍ ورعشة جسدٍ، نجمة قلبهِ وبوصلتهُ إلى الإبداع الجميل والمثير في إيحائهٍ التعبيري... كلّ حرفٍ وكلمةٍ وجملةٍ هي ملامحهُ، ولا رائحة لغيرهِ فيها، وعهدٌ أبدي أزليّ مع التجريب إلى أبعد الحدود.
 ولديه من حديثهِ الشائق الدافئ لقرّاء «العربي» ما هو أكثر متعة وعمقًا ودهشة.

● الناقد د. فهد حسين والكتابة الموازية للحياة... نقد... وفكر... وحوارات ثقافية لماذا؟ وما الجدوى من الكتابة؟
- قبل كل شيء، الكتابة حالة من حالات الاشتباك مع الآخر، أيًا كان هذا، حياة بشرية أو حيوانية أو جماد، أو أي مكونات المجتمع المختلفة، هذا الاشتباك يفضي إلى مجموعة من الأشكال إن كان في صورة حوار أو وصف أو حدث، كما يتمظهر ملمح الكتابة في ذلك الاختراق الذي تمارسه اللغة بوصفها سطوة على القارئ. 
من هنا أعتبر الكتابة حالة موازية لكل شيء في العالم، الحياة والتاريخ والحاضر والمستقبل، لهذا لا ينبغي أن تكون الكتابة منفردة بذاتها، بل على الكاتب عامة والمبدع أو الناقد بصورة خاصة أن يجعلها تتماهى وتتغلغل في طبيعة النقد والإبداع، وفي سياقات الفكر والثقافة، وفي التطلع نحو الأجمل في هذا الوجود باللغة التي يتطلبها الموقف. فالكتابة هي نسيج متداخل وصنوف متعددة قد تتماسك فيما بينها وقد تتشابك وقد تتنافر، فهناك من اللغة التي تشير إلى التصالح أو التنافر والتباعد، أو إلى الجد والصرامة، أو إلى الهزل والسخرية، أي الكتابة حقل جمالي وحديقة عناء بمفردات زاهرة وأشواك نافرة، لكنها أي الكتابة قوة وتكوين، وإدراك وتمكن، فمع مكر وخداع اللغة ومخاتلتها الدائمة يتمكن صاحبها من تمرير ما يريده، سواء أراد أن يؤكد أنساقًا أم يفند أنساقًا أخرى.
من هنا الكتابة عندي ملاذ الروح والفكر والعاطفة، الكتابة ملجأ الحيارى ومقصد التغني، والكتابة يعني الكتاب في صورة أعم، وقد أكد شيخنا الجاحظ في كتابه المحاسن والأضداد أن الكتابة مسألة أو موضوع أو عالم واقعي أو افتراضي أو متخيل.

الكتابةُ محاولةُ تفكيك أنساق العالم
● الكتابة أو الموت! ذلك هو مفهوم «ديكتاتورية الكتابة» لدى السيميائي رولان بارت... وبمفهوم نجيب محفوظ «أموت إذا ما مُنعتُ من الكتابة»، وبرؤى ماريو برجاس يوسا «الطريقة الوحيدة كي أحيا»... والكتابة تبقى! ماذا تقول أيضًا؟
 - كما قلت في إجابة السؤال الأول، الكتابة حياة لا مثيل لها، بدليل، أن كل البشر تريد أن تصبح كتابًا، أو تصبح شعراء، أو سرادًا، أي ما ذكرته من آراء في السؤال صحيحة؛ لأن الكتابة محاولات لتفكيك أنساق العالم، الكتابة لا يستطيع المبدع التفوق عليها، بل هي التي تغلبه بما لديها من قدرة وجمال وقاموس ومفردات تتوافق مع الواقع المعيش ومع المجتمع أيًا كان زمنه، ومع المتخيّل الذي تفرضه اللغة نفسها، فاللغة لا تتوجهُ إلى شخصٍ معينٍ أو فئةٍ معينةِ، بل هي ترمي بنفسها في الفضاء ليستقبلها المرءُ أيًا كان مجاله أو تخصصه أو مكانته، بمعنى كلّ الأبواب والنوافذ مفتوحة ومشرعة للغة، ألم يقل الشاعر العربي: «الخط يبقى زمانًا بعد صاحبه... وكاتب الخط تحت الأرض مدفون»، وألم يقل المثل الصيني «نقطة حبرٍ خير من ألف ذاكرة»؟

الروايةُ في الأصل مجتمعُ الناس
● أكثـر من سبعـة كتبٍ نقديـة في السـرد، وعلى وجـه الخصوص الروايـة... لماذا؟ أهي «ديوان العرب» كما قال حنا مينا أم هي «شعر الدنيا الحديث» كما قال نجيب محفوظ أم هو «زمن الرواية» كما نظّر د. جابر عصفور؟ لماذا وجهت سهامَ رؤاك للرواية إلى السرد وليسَ للشعر - البوابة التي مرّت من خلالها جميع الفنون بما فيها الرواية؟
- منذ تكويني المعرفي كنت أميل إلى قراءة القصة والرواية أكثر من الشعر الذي أحبّ أسمعهُ أكثر من قراءته، وكبر هذا الشغف بالرواية في المرحلة الجامعية التي شكلت منحى مهمًا في التوجه القرائي، إذ عكف على قراءة أعمال كل من «حنا مينا»، و«جبرا»، «منيف» و«محفوظ،»... وكلما أنهيت عملًا زادت رغبتي في قراءة عمل آخر، من دون أن أعي دور الرواية ومقارنتها بالشعر، حتى بدأت في دراساتي العليا والتعمق في قراءة الكتب النقدية، لكن مع أنني أناصر السرد عامة والرواية بخاصة، وهي المتسيدة آنيًا، فلا أرى أنّها ديوان العرب، إذًا هناك مفارقة كبيرة بين أن نقول ديوان العرب، وبين زمن الرواية، فيما قيل «الشعر ديوان العرب»، معتبرين الشعر نفسه قناة إعلامية تتناول المجتمع والحياة والإنسان، ولا توجد وسيلة أخرى غيره، على الرغم من وجود الحكايات والمغامرات والقصص المعنية بالشطار البخلاء والعيارين وغيرهم، أما في عصرنا هذا فالقنوات الإعلامية متعددة ومتنوعة ومتشعبة.
وفي الجانب الآخر، لو وضعنا مقياسًا نقديًا وتحليليًا بمكانة الشعر الفنية والجمالية والذوقية والدلالية، وبين الرواية؟ أعتقد الغلبة ستكون للشعر، لأن الشعر فردي وخلجات يخرجها الفرد معبرًا عن ذاته تجاه العالم والناس والمجتمع، أما الرواية فهي في الأصل مجتمع وناس، ومن يكتب الرواية فهو يكتب المجتمع ولا يكتب ذاته وإن كان موجودًا، لكن ماذا في الكثير من النصوص الروائية الحالية، هل تتميز بالجمال؟ بالفنية؟ باللغة، بالموضوع؟ بالثقافة، وغيرها؟ أم مجرد حكايات متناثرة هنا وهناك سعى كاتبها إلى جمعها وتبويبها وعنونتها باسم رواية، وللأسف حتى مفهوم الرواية لم يكلف هذا الكاتب البحث والمعرف فيه. وهنا لا أعني تلك الأعمال المتميزة القادرة على التفوق والخلود.
أما مجال كتابتي في عالم السرديات فهو المجال الذي أحسنه وتخصصت فيه، وهو المعول الذي أضع يدي على مقبضه لأحرث نصًا هنا ونصًا هناك من أجل أن أقدم شيئًا للسرد في منطقة الخليج سواء تحت دراسات تطبيقية أم دراسات تعالج النصّ الروائي بصور مختلفة، والحمد لله أعتبر نفسي قدمت بعضًا مما كنت أطمح تقديمه. 

هناك روايات... الرواية بريئة منها 
● ككاتبٍ وناقدٍ مثابرٍ تعيش هجرة الكتّاب والشعراء والصحفيين والفنانين إلى الرواية... أهي هجرة شرعية؟ ألا ترى أن أغلب المراكب ضعيفة والبحر هائج ومراوغ؟ ما سبب هذا الجري حتى اللهاث إلى الرواية؟ أهو لقب الروائي أم هي الجوائز المتعددة أم هو الناشر المُمّول الأمثل لهذه الهجرة؟ حدثني!
 - هي إشكالية كبيرة في المجتمع العربي عامة، والخليجي بصورة خاصة، إذ اتجه الباحث التاريخي، والباحث الاستراتيجي، والشاعر والمسرحي، لهذا العالم المخيف في وجهة نظري، الجميل في وجهة نظرهم، هؤلاء خرجوا من عباءات مختلفة الألوان والأشكال والقياسات ليرتدوا عباءة واحدة مؤمنين بقدراتهم الفنية ومهاراتهم التي تسندهم في الكتابة والتخييل، فمنهم من نجح واستمر، ومنهم من يحاول، ومنهم من توقف، ولكن كل هذا لا يبعدنا عن الأسباب وراء ذلك، كما ذكرت أنت، وهي الجوائز، فمعظم الجوائز التي تقدم الآن هي للرواية والقصة، والجميع يتسارع لنيل هذه الجوائز، وفي الوقت الذي لا يمكننا منع أو وقف هذا التيار الجارف نحو الكتابة الروائية، فإن هناك الكثير من الأعمال التي وصفت بالرواية، أقولها بصراحة الرواية بريئة من هذه الكتابات وكتابها أيضًا، حيث لا نجد فكرة ولا موضوعًا ولا لغة ولا بناء ولا فهمًا لتقنيات الكتابة الروائية، فقط الكتابة من أجل الكتابة، وبالأخص حينما تنبري بعض دور النشر لاحتضان هذه الأعمال وتكرس حملاتها الإعلانية، فمن المؤكد أننا نعيش حالة غير طبيعية، وإلى متى؟ هل يفكر - وبالتحديد - الجيل الجديد من كتاب الرواية ماذا يريد، ماذا ينبغي أن يكتب، هل يعود إلى التاريخ، ويقدم قراءة إبداعية جديدة؟ هل يناقش السرديات الكبرى والصغرى، هل يطرح مسألة الأقليات والهويات وبخاصة بعد تلك المآسي التي عصفت بالعالم العربي وإلى اليوم، هل يكتب عن الوجود، والتكوين؟ هل يكتب عن الحبّ عبر سياقات مختلفة غير التقليدية التي لا تخرج عن الحبّ لعلاقات العاطفية السطحية، للأسف طالما الفكر معطلًا، ورغبة القراءة مضمرةً، والجنوح نحو الشهرة طاغية فلا مجال إلا أن يتصدى النقاد تنظيرًا وتطبيقًا ومعالجة.

نصوص قيّمة
● إنَّ «النقد إبداع... وهذا الإبداع يقومُ على الذائقة، بوّابته وحاضنته الدافئة، وأيّ محاولة لجعل النقد علمًا بالمعنى المقنّن، سوف تمسحهُ وتشوّهه»... كيف تقيّم هذه العبارة؟ ماذا تضيف لها؟ وماذا تفعل الذائقة في رؤاك النقدية؟
- فعلًا هناك من يؤكد أن لا فرق بين نصّ إبداعي ونصّ نقدي، فكلاهما نصّ إبداعي، على اعتبار أن النقد هو نصّ على نصّ، وهنا ندخل في عمليات التناص، ولكن أرى ألا نتوقف عند هذا ونتبارى فيما بيننا، بل على كل من كاتب النص الروائي وكاتب النقد أن يقدما نصوصًا قيمة تخدم القارئ والكاتب معًا وتضيف لسجل المشهد السردي معرفة ومكانة في عالم السرد. 

الإبداعُ حقلٌ معرفيّ 
● تعجبني إلى حدّ القلق عبارة الناقد «تين»: «إنَّ الإبداع كيمياء ومكيانيك»... قل لي: على أي شيء تقوم كيمياء النقد ما بعد الحداثي؟ النقد الرؤيوي الذي هو «نصّ مقابل نصّ»؟ و«اللاتحديد» و«اللاقواعد» في الكتابة... والنص شعرًا كان أم سردًا يخلقُ قواعده الخاصة بنفسه! ماذا تقول؟
- أتفق مع الرأي على أن الإبداع حقل معرفي يتسم بالتجربة أو التجريب المتواصل في معمل الكتابة والقراءة الاطلاع، ولا تقف التجربة عند حد معين أو مرحلة معينة، وإنما يكون التجريب متواصلًا ومستمرًا ومتنقلًا من حالة لأخرى، سواء أكان عبر التناصات والتعالقات، أم من خلال اختبار التجربة نفسها بنفسها، أو بواسطة التمثيل بالتجارب الأخرى، إذًا لا يوجد لديها الشيء الثابت والقاري، وإنما كل شيء خاضع للتجربة والقياس، بل حتى القياس ليس حكمًا نهائيًا، بمعنى لا يوجد لديها حقيقة ثابتة، ومع هذا فإن ما بعد الحداثة لاتزال في حالة إشكالية عند البعض بسبب بعض التناقضات، أما بخصوص التناص أو نصّ مقابل نصّ فهذا معمول به قبلا، وفيما يتعلق بأن النصّ هو من يجود أو يجدد قواعده، فهذا يأخذنا إلى نسبية المفاهيم في العلوم الإنسانية حيث تتباين وتختلف من مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر، ومن حالة ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية لأخرى، وهو أمر طبيعي، بمعنى مفاهيم مصطلح الأخلاق أو العدل أو الحرية لا شك تتبين وتختلف، لكن حين نمارس حالة التجريب والاختبار المستمرين فلا محال أن نقف عند محصلة تؤكد أهمية هذا أو ذاك، وهو ما ينطبق على النص الإبداعي أيضًا. 
● وصف الكاتب العبقـري «صموئيـل بيكيـت» النقـد الأكاديمي في إحدى المرات بأنه: «استئصال للرحم بمجرفة»، وأفردَ له رونان ماكدونالد كتابه «موت الناقد»، ترى هل انتهى النقد الأكاديمي المدرسي، واقتصر سكنه الخانق على المعاهد والجامعات؟ قل لي ما العيوب؟ وما الأسباب؟
- مفردة الموت لم تكن جديدة، ولم يأتِ بها رونان ماكدونالد، بل سبقه نيتشه وبارت، وفي كتاب ماكدونالد «موت النقد» الذي يعني موت النقد الأكاديمي، فأنا قرأت الكتاب، ولا أرى أنه يؤكد على هذا الموت بقدر ما يتساءل حول النقد وانحساره، هذا الانحسار الذي تشكل بناء على سطوة الميديا وتفاعلها المستمر الطاغي، وانحسار اهتمام الصحافة بالثقافة ونشر المقالات النقدية التي كان يكتبها النقاد سواء الأكاديميين أو غيرهم، وهنا أبعد كتّاب الصحافة التي تطبل إلى هذا الكاتب وتسرد أخبار كتبه بلغة صحفية لا تليق بمنبر الأدب والثقافة، فالصحافة في السنوات الأخيرة لم تعد مهتمة بالثقافة والأدب كما كان في السابق، مما نتج عن ذلك وجود نصوص ضعيفة سادت المشهد من جهة، وقلصت مساحة الكتابات النقدية الرصينة من قبل النقاد من جهة أخرى، هذا التساؤل يفرض علينا وعلى المجتمع إعادة النظر في طبيعة الكتابة الإبداعية شعرًا وسردًا وفنًا (مسرح - سينما - دراما)، وأن تقوم الصحافة بدورها الفاعل واستقطاب الأقلام النقدية التي تشكل منعطفًا إيجابيًا تجاه المشهد الأدبي والثقافي، ومن يقول إن النقد مات والنقاد انتهى دورهم فهو يريد يعزز مكانة ما يسمّى بالنقد الثقافي، وأنا أسمّيه الدراسات الثقافية، هذا الاتجاه الذي برز في العشرين سنة الأخيرة اتجه نحو تسهيل اللغة مؤمنًا بمخاطبة الجماهير وليس النخب، كما ذهب إلى تناول موضوعات المجتمع ذات العلاقة بالجوانب الحياتية في سياقات اجتماعية أو إنثروبولوجية أو مكانية. وهنا نتساءل: هل هذه الدراسات تنمّي لدى القارئ حاسة التذوق الفني؟ هل تربطه بعالم الفن والجمال؟ هل تسير به نحو آفاق من البناء الفني للنصوص؟ وغيرها من التساؤلات التي كان ولايزال يقدمها النصّ الإبداعي والنقدي في المجتمع، سواء في الحرم الجامعي أم في المؤسسات الثقافية والأدبية أم في المجتمع عامة. من هنا أنا شخصيًا لا أؤمن بموت النقد ولا موت الناقد. 

«المدح والثناء والتطبيل»
● هناك اتهام يومي من بعض المبدعين للنقد والنقاد، يشكون من غياب، بل عدم وجود حركة نقدية جادة مواكبة لهذا التفجّر الإبداعي، بل وينفون وجود ناقد أصلًا بالقـول: «ليس لدينا نقـاد»، وبعضهـم يقـول: «لا يُمكن إقامة نصبٍ في يومٍ ما لناقد»، على امتداد الساحة الثقافية العربية... أهو تقصير من النقد والنقاد فعلا؟ أم هو تراجع الإبداع في زمن ليبرالية الكتابة، وبدا للبعض جلّ ما يكتب ليس سوى ثرثرة!؟أمْ ماذا؟
- قبل هذا علينا أن نقرّ عدم تكافؤ النسب بين النتاج الإبداعي وبين الكتابة النقدية في أية دولة أو مكان في العالم، فلا عدد النقاد يتوافق وعدد المبدعين، ولا عدد الإصدارات أيضًا، كما أن الناقد ليسَ من مهامهِ الجري وراء المبدعين ليأخذ منهم ما أصدروا فيكتب عنهم، كذلك هل كل الكتابات التي تندرج تحت الإبداع تتصف بالمستوى والقيمة الفنية، لا أعتقد، بخاصة في السنوات العشرين الأخيرة حيث بات كل شخص يعرف الإملاء وكتابة موضوع تعبير رغب في إصدار كتاب، ويعد حفل توقيع له، ويطلب من النقاد الكتابة عنه، وهذا أمرٌ مقزز جدًا، وبخاصة ونحن في هذا العصر لا ينبغي النظر إلى النصّ الإبداعي على أنه كتابة خاطرة أو خواطر، أو بعض حكايات أو كلمات هنا وهناك، بل النص الإبداعي لابد أن يكون مشحونًا بالثقافة والمعرفة، لماذا قيل قديمًا الشعر ديوان العرب، أليس هذا الشعر كان يحوي حياة وبشرًا وثقافة وعادات وتقلبات ومشاحنات وحروبًا، وتاريخًا وجغرافيا ورحلات وعاطفة وغيرها، لماذا نحن لانزال نقرأ الشعر هذا؟ هل لأنه شعر فقط؟ أم لأنه يحوي عالمًا وحضارة وتاريخًا ومجتمعًا؟ هل نصوص اليوم التي تصدر كل يوم من المطابع ودور النشر لها هذه الصفة؟ كما هناك إشكالية أخرى، هل كاتب اليوم يسمع للناقد، ويقبل بطروحاته وآرائه حول ما يكتب؟ أم ينتظر فقط المدح والثناء والتطبيل؟! 

السرعة واللهاث إلى الانتشار
● يقول الروائي باولو كويلهو: «هناك لغة بعد الكلمات»... أيّ لغةٍ ساحرةٍ هذه؟ كناقد متميز كيف تنظر إلى الأعمال الإبداعية الضاجّة بالأخطاء اللغوية والإملائية والنحوية، ولا يعبأ بها مبدعوها، وهناك من الكتّاب يروّج إلى أنّ المعنى هو الأهمّ! كيف تقرأ كناقد جرح كبرياء اللغة؟ هل تقف عندها أثناء تحليل النصّ أم تُحرج لأن صاحبَ النصّ «فلان»، وهناك - مجاملة - يرجعها البعض إلى أنها أخطاء مطبعية!؟
- لا شك في أن كل كاتب لا يرضى أن يكون عمله المطبوع يتضمن الأخطاء الإملائية أو النحوية أو الصرفية، ولكن أعتقد هذا من الأمور الصعبة، إذ تسقط بين الحين والآخر بعض الكلمات التي تشكل منعطفًا في قراءة الكتاب، فهناك أخطاء تغتفر ولا تؤثر على النصّ والمتن، ويعرف القارئ بأنها أخطاء غير مقصودة، لكن هناك أخطاء لا تغتفر، وتدل على جهل الكاتب بالقواعد النحوية أو الصرفية أو الإملائية، لذلك لا ضير أن يقدم الكاتب عمله قبل الطبع لمراجعته وتعديله وإبداء الرأي فيه من قبل متخصصٍ نصوحٍ، غير أن المشكلة تكمن في السرعة وحبّ الانتشار والوصول إلى القمة من دون عناء، ليس في اللغة فحسب، بل في قضايا أخرى تكتشف فقدها وأنت تقرأ هذا النص أو ذاك، وفي الوقت الذي نحرص على أهمية المعنى، لكن لا يكون في جودته وقيمته إذا بني بلغة مهلهلة، وضعيفة وبعيدة عن الفنية والجمالية، أو شكلت الأخطاء المختلفة أكثر من (٪10)، وأن يكون وقوعها غير مقصود. 
وهنا لا أبرّر لنفسي وقوع بعض كتبي في أخطاء مطبعية على الرغم من أنني أقرأ النص قبل طباعته أكثر من ثلاث أو أربع مرات، وقبل النسخة النهائية من المطبعة أيضًا، ومع هذا تظهر الأخطاء التي يعي القارئ بأنها غير مقصودة. وفيما يتعلق بالتقييم، فأنا كنت أكشف الأخطاء في أثناء دراستي لأي نص وأنشره، لكن في الآونة الأخيرة صرت أجمع كل هذه الأخطاء وتصحيحها مع تسجيل أرقام صفحاتها وأسلمها لكاتب النص ليتحاشى ذلك في طبعة أخرى. 
 
مسؤولية تقدير الكاتب
● ككاتب وناقد لك حضورك الإبداعي والنقدي في عديد الملتقيات والمؤتمرات الثقافية والأدبية... قل لي ماذا تضيف هذه الملتقيات إلى ثقافتنا وإبداعنا غير هذا التواصل واختصار المسافات وتحدي الجغرافيا بين المبدعين؟ وهل لديك ما تقترحه للقاءات أكثر فائدة وجدية؟
- عادة هناك الكثير من الكتاب والمثقفين والتربويين يؤكدون على القراءة والاطلاع، وعلى الرغم من أهميتها القصوى، فإن هناك جوانبَ معرفية أخرى لا يمكن إغفالها، أو نكرانها، مثل: اللقاءات الثقافية المختلفة كالمؤتمرات والملتقيات والندوات، أو حضور معارض الكتاب، فهذه جوانب مهمة في حياة الكاتب عامة، لما لها من دور بالغ هذا الحضور لما له من فوائد، مثل: التعارف والتواصل في أثناء المؤتمر وبعد، نقل التجارب وتبادل الخبرات، الانفتاح على الآخر المتفق والمختلف، عرض الأفكار ومقارنتها بما يطرح، زرع الثقة بالنفس كلما زاد من الحضور وتقديم الأوراق، وهذا ما جنيته من تلك اللقاءات المتعددة على مستوى الوطن العربي، إذ تعرفت إلى العديد من المبدعين والنقاد والكتاب والصحفيين وغيرهم في كل بلد عربي حضرت فيه للمشاركة بأوراق وبحوث، أو من خلال الحضور فقط. أما الاقتراح، فيكمن في عدة أبعاد، أولها، اهتمام جامعة الدول العربية بدور الكتاب والمثقفين والأكاديميين عن طريق إعداد خطة استراتيجية ثقافية تسهم في تطوير المشهد الثقافي العربي، بحيث تقيم المؤتمرات والملتقيات السنوية سواء في مقر الجامعة، أو في دول الأعضاء، كما على الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أن يأخذ دوره الحقيقي ويفكر مليًا في كيفية تطوير الكاتب العربي وتقديره وبناء جسور معرفية بينه وبين الكاتب في الشرق وفي الغرب، وأن تفكر بصورة عملية المؤسسات الأدبية والثقافية في الدول العربية بتقدير الكاتب ليس بالجائزة أو الإصدار بين الحين والآخر، وإنما بوضع خطط تسهم في احتضانه وغيره من الكتاب على أن يسهموا هم في إيجاد حراك ثقافي متميز، وغيرها من الأمور التي ربما تغيب عنا الآن. 

لا أجدُ كتابًا معينًا يشغلني كثيرًا
● كتبَ لوكليزيو في رائعته «الباحث عن الذهب»: «الحياة لا نهاية لها، الكتب الحقيقية لا نهاية لها أيضًا»... ما الكتاب الذي شغلك، وأثّر فيك، وربما كان وراء الكتابة المغامرة الشاقة - الماتعة، والمسؤولية المرعبة في آن؟
- منذ بدأت القراءة كانت العلاقة معها بحسب العمر الزمني والعقلي، إذ بدأت القراءة والاطلاع منذ المستوى الثاني من المرحلة الابتدائية واستمر الحال كعادة وشغف وهدف، وكان الكتاب الذي يتم اختياره وإن كان بشكل غير دقيق ما يناسب سني آنذاك، وتحديدًا في مرحلة المراهقة، إذ كانت أعمال «يوسف السباعي» و«إحسان عبدالقدوس» و«محمد علي عبدالله» هي التي ترضيني، كذلك نصوص الشاعر «أحمد شوقي»، ثم تغيرت إلى قراءة أعمال «نجيب محفوظ» و«حنا مينا» و«جبرا إبراهيم جبرا»، و«عبدالرحمن منيف»، و«التكركي» و«عبدالخالق الركابي» و«محمد خضير»، ثم «بتول الخضيري»، و«أنعام كجه جي»، وغيرها من الأسماء التي ظهرت مع نهاية القرن العشرين، تلك القراءة التي تنوعت بين قراءة للمتعةِ والإطلاع، وقراءة للدراسة والنقد، بالإضافة إلى تلك الكتب المعرفية والثقافية التي يصدرها مترجمة المركز القومي للترجمة في مصر، وما تصدره الوحدة العربية للدراسات، وما تترجمه، لكن لا أجد كتابًا معينًا شغلني كثيرًا، وإنما الكتاب يشغلني بصورة مؤقتة، وبعد الكتابة عنه أو الاستفادة من مادته في سير حياتي أو ما شابه ذلك يصبح ضمن تلك الكتب التي تستقر في الذاكرة. 

أنا... وليسَ الآخر
● مَن كاتبك الأمثل نقديًا؟
- قرأت كثيرًا في مجال السرد (رواية وقصة ونقدًا) عربيًا وعالميًا، كما قرأت الشعر إبداعًا ونقدًا، ولازلت مستمرًا في هذا الطريق الذي هو نهجي في الحياة، إذ لا أستطيع أن يمر يوم واحد دون قراءة وتصفح، وعلى الرغم من أنني معجب جدًا بما أنتجه المنظر والمبدع الإيطالي البروفيسور «أمبرتو إيكو»، وكذلك كتابات الفيلسوف «بول ريكور»، بالإضافة إلى كتابات النقاد: «صلاح فضل»، «سعيد يقطين»، «عبدالله إبراهيم»، «زهور كرام»، لكن لم يخطر في تفكيري أو متخيلي أي ممّن قرأتهم ليكون الأمثل، لإيماني الراسخ بأنه لابد أن أكون أنا وليس الآخر، في التفكير والقراءة والكتابة والنتائج.
● هل لدينا صحافة ثقافية فاعلة ضاجة بالجديد والمثير؟ ما تقييمك للصحافة الثقافية في فضائنا ابتداءً من البحرين وعربيًا؟ البعض يراها مرآةً مهشمة! وآخرون يجدونها صحافة مجاملات وعلاقات وشللية... ماذا تقترح كناقدٍ كبير لصحافة جادة ومنافسة؟
- في كل مجتمع إنساني متحضر تبرز فيه الصحافة عامة، والثقافية بصورة خاصة، والمتمثلة في المجلات الثقافية والأدبية والتراثية، التي عادة تصدر سنوية أو نصف سنوية أو فصلية أو شهرية، وهناك الملاحق الثقافية الأسبوعية التي تصدرها الجرائد اليومية، وهناك في الوقت نفسه الصفحات الثقافية، لكن لو وضعنا مقارنة بين هذا النوع من الصحافة في العالم العربي، فلا شك تختلف من دولة إلى دولة، ومن زمن إلى زمن، إذ كانت بعض المجلات الثقافية والأدبية ذات تأثير في الاتجاهات الأدبية والتحولات، مثل: مجلة شعر التي أسسها «يوسف الخال»، والأقلام العراقية، وفصول، إبداع المصريتين، وعالم الفكر و«العربي» وعالم المعرفة في الكويت، ونزوى في عمان، والبحرين الثقافية وغيرها من الدوريات التي تصدر في دول المغرب الغربي ولم تصل لنا، لكن الفرق بين ما كان وما هو الآن، كبير، حيث كان في السابق تقوم هذه المجلات بدور فاعل في الحركة الثقافية والتنوير والنهضة وتنمية الوعي المجتمعي، وتحويل النشاط الثقافي والأدبي في المؤسسات الثقافية إلى حركة ثقافية تستمر وقتًا من الزمن بين أخذ ورد في طرح المواقف وبيان الآراء، والتحفيز على القراءة والبحث والتواصل، أما في وقتنا الحاضر وبالأخص في الصحافة التي قللت من ملاحقها الثقافية أو الأدبية، كما قلصت الصفحات التي تصدر تقريبًا كل أسبوع مرة واحدة، مما يجعل الكاتب بعيدًا عن التواصل والتعاطي مع الصحافة، إذ يلجأ إلى شبكة الإنترنت سواء لنشر ما يكتب أو لقراءة ما ينشر. 
ولو وقفنا على الصحافة الثقافية في البحرين، فهذا ليس بالأفضل، بل هناك تراجع كبير في تعاطي الصحافة مع الثقافة والأدب، إذ ابتعد الكثير من الأقلام بسبب عدم الاستكتاب، أو عدم الدفع حين يكتبون، كما تحولت الملاحق إلى صفحتين أو صفحة واحدة في الأسبوع، وهذا ما لا يستطيع المحرر الثقافي تلبية طموح الكتاب والمبدعين، لذلك بدأ عدد من الكتاب النشر الإلكتروني، وأعتقد هناك أسباب اقتصادية ومالية وإدارية وراء هذه المعضلة التي ليست في البحرين فحسب، بل معظم الدول العربية. 
 
من الأعمال الخالدة
● حين قـرأ ماريو برجاس يوسا روايـة «مئـة عـام من العزلـة» لماركيز قـال: «هذا العمل ما يكفي من الثراء ليكونَ في مأمنٍ، وهذا هو سرّ روائع الأدب العظيمة»... أي عملٍ سردي أو روائي قرأته، يُمكن أن تتركَ على غلافهِ هذه العبارة؟ ولماذا؟
- شهادة مبدع وكاتب متعدد المواهب والكتابات، مثل ماريو برجاس يوسا البيروني، هي بمنزلة كل شهادات الكتاب العظماء مثل بورخيس وتولستوي ودبستويفسكي، وبلزاك، وشكسبير... وغيرهم، حين يعطون آراءهم وتقييماتهم تجاه نصّ أو كتاب، فهذا محرك رئيس نحو البحث والتقصي من قبلنا نحن القراء، ورواية «مئة عام من العزلة» تعتبر من الأعمال الخالدة في العصر الحديث، مثلها مثل الأعمال الكلاسيكية الخالدة، وهذا لا شك من ثروات الإنسانية جمعاء التي ينبغي التمسك بها والمحافظة عليها والقيام بدراستها تحليليًا ونقديًا وتأويليًا باستمرار. 
أما عن الرواية التي لها تأثير عليّ، فهي أكثر من واحدة، منها على سبيل المثال: من الأعمال العربية، «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، و«عرس الزين» للطيب صالح، «ليون الأفريقي» لأمين معلوف، «مزون وردة الصحراء» لفوزية شويش السالم، «حكاية صفية» لليلى العثمان، «المحيط الإنجليزي» لفريد رمضان، ومن الأعمال الروائية الأجنبية، «الأم» لمكسيم جوركي، «المسخ» لكافكا، و«الخيميائي» وكذلك «إحدى عشرة دقيقة» لباولو كهيلو، «كافكا على الشاطئ» لهاروكي موراكامي، بالإضاقة إلى أعمال أمبرتو إيكو الروائية، وغيرها، ويمكن أن أضع على أية رواية هذه العبارة.
 
الرواية عالمٌ موازٍ 
● تسـودُ فـي السرد الروائي العربي روايـة السيـرة الذاتيـة، أهي استجـابـة لـرؤى «هنري ميللر» الذي رأى المستقبل للرواية - السيرة الأوتوبوغرافية، أم هي هروب من الواقع ومن مدافع التاريخ؟ كناقدٍ أمثل للرواية ماذا تعلق؟
- هذه ملاحظة مهمة في سردنا العربي، ولكن لو وقفنا عندها، سنلاحظ أن خلطًا عند بعض الكتاب، وتحديدًا الكتاب الجدد الذين يريدون الوصول والانتشار عربيًا، وليس محليًا، حيث يلجأون إلى السيرة لتكون ليس متكئًا للرواية، بل مادة رئيسة، وأساس، مما يحول الرواية من نصّ سردي تخييلي إلى نصّ سردي سيري، سواء أكان سيرة ذاتية أم سيرة غيرية، وهناك من يلجأ لسيرة الآخر ظنًا أن تضمين السيرة تسهم في قبول العمل الروائي.
 كما أننا نلاحظ الكثير من الهفوات والمزالق التي تبرز في الرواية بسبب عدم فنية التوظيف والتناول، وبخاصة أن توظيف السيرة لا تخرج من البوح والحديث عن الذات أو الآخر في حدود السياقات الاجتماعية القريبة من الجوانب الخاصة، في الوقت الذي ينبغي أن نتساءل ما المحصلة الثقافية والجمالية والذوقية التي يتحصلها القارئ العادي والنموذجي من هذا البوح، وبخاصة إذا فقدت الرواية البعد الثقافي أو المعرفي أو تشكل ضعف البناء الفني علامة بارزة للنص؟ 
وربما يلجأ بعض كتاب الرواية إلى السيرة عامة هروبًا من تلك المهمات المضنية التي تفرضها الكتابة الإبداعية، وهي: القراءة والبحث والاطلاع، وجمع المادة وبناء الهيكل الرئيس الأولي للعمل، ثم كيفية صنع عالم متخيل يتسق والواقع المعيش، أو الماضي، أو الاستشراف المستقبلي، حيث الرواية ليست كتابة خاطرة هنا أو هناك، وليست جمع معلومات ورصّها لتكون نصًا، الرواية عالم مواز لحالة فكرية واجتماعية وسياسية وحياتية وغيرها سواء في المجتمع المعيش أم المتخيل، أم مجتمع العودة للماضي، أم الرؤية المستقبلية التي يفتقدها الكثير من الأعمال الروائية العربية. 

 التجريبُ نبراسُ الكتابة 
● التجريب ذروة كلّ ثورة فنيّة!! هل الكاتب مجرّب عام؟ ألا ترى أن الإبداع من دون تجريب هشيم تذروه الرياح؟ هل أنت كاتب وناقد تجريبي؟ كان «بورخيس» يقولُ في كل لقاء ومناسبة: «أنا تجريبي... طوال عمري وأنا أجرّب»... ما رأيك؟
- أولا ينبغي أن نفرق بين التجريب والتجربة، فالأول مصطلح يأخذنا إلى الحالة الخاصة التي ترمي إلى الخوض في مجال ما أو علم ما أو فن ما، وكذلك بهدف قراءة حالة ما، أو لتحقيق هدف ما، أو بغية الوصول إلى نتيجة ما، وهذا أمر مهم في حياة كل البشر، فكيف بالكاتب عامة؟ أما التجربة، فهي مصطلح عام، يأخذنا إلى كسب الخبرات المتعددة والمختلفة في مجلات لا حصر لها بين الثقافة والفكر والعلم والمعارف العامة والخاصة، وبين قراءة الواقع المعيش من أجل الوصول إلى محطة تخدم الإنسان والمجتمع. وهذا حدث ويحدث على مستويات المعرفة بصورة عامة، وهناك أمثلة كثيرة تؤكد هذا، مثل: طبيعة الكتابة الفنية أو الفن التشكيلي، أو التصوير الفوتوغرافي، أو التجريب في عالم السينما، وهكذا، فالتجريب ثورة لا شك في ذلك، لهذا نجد هناك من يرفض هذا التجريب ويحاربه بمعرفة ومن دون معرفة. 
ويذكرني هنا بقصيدة التفعيلة في نهاية أربعينيات القرن الماضي، ثم قصيدة النثر وتحولاتها وتطورها، وكيف كانت ولاتزال الأقلام التي تمارس هجومها بين الحين والآخر تجاه هذا التجريب في الكتابة. ومهما حدث من معارضةٍ للتجريبِ، فيبقى هذا فن في المعرفة، وقدرة على التواصل مع الآخر، ونبراس الكتابة الراقية والفنية ذات الجمال، ولا تتحقق هذه العناصر إلا بالقراءة والتواصل مع الآخر، ونسج الحوارات وقراءة التجارب المختلفة.
 وفيما يتعلق بي شخصيًا، فأنا أؤمن بالتجريب إلى أبعد الحدود. فأنا جربت بعد قراءات ومطالعات ودراسة أكاديمية الكتابة النقدية في عالم السرديات التي بدأت بالكتابة عن القصة ثم الرواية ثم مجالات أخرى ترتبط بالسرد كالتراث والسيرة والمرجعيات الثقافية، وهكذا! ■