لماذا اخترت هذه القصص؟

لماذا اخترت هذه القصص؟

مع ازدياد عدد المبدعين الذين يكتبون الرواية، في السنوات الأخيرة، عن دراية وغير دراية، واتجاه حتى الشعراء والنقاد وكتاب السينما إلى فن الرواية، بدت القصة القصيرة، ذلك الفن العظيم، الغني بالدلالات، والدال في رأيي على الموهبة، في تجميع عوالم متعددة في أسطر عدة، شبه مهجورة، ولم يحافظ على وجودها ككيان فني محترم، إلا عدد قليل من الكتاب في الوطن العربي، مثلاً سعيد الكفراوي الذي كان دائمًا كاتب قصة قصيرة مبدعة، وهناك أيضًا عدد من كتاب الجيل الجديد. أيضًا وفي وسط كتاب القصة القصيرة، ظهرت كتابات غير مشبعة في رأيي، ولا تعطي القصة رونقها المعتاد، تلك التي تسمى القصة القصيرة جدًا، أو القصة الومضة المكونة من سطر واحد أو سطرين، وبذلك لا يجد القارئ المتابع لهذا الفن ما يشبعه فعلاً، ويحفزه على المتابعة.
هذه المسابقة التي تقيمها مجلة العربي الكويتية العريقة مع إذاعة مونتي كارلو، وقبلاً مع بي بي سي، تبدو منصفة للموهوبين المحافظين على كيان القصة، ومنصفة للقصة القصيرة نفسها، وتساهم بشكل جاد مع مسابقات مثل جائزة الملتقى الكويتية أيضًا، في جعل القصة القصيرة مادة جذابة، وتعود إلى الواجهة في كل مرة.

المرتبة الأولى: قصة «معطف عثمان» لصقر الحمايدة/ الأردن 
قصة مبتكرة فيها فن أصيل، حيث يتحدث المعطف الخاص بالطالب عن حياته الراكدة في الخزانة، رفقة بنطلون أزرق غير لطيف، في فصل الصيف، وكيف أنه يطير فرحًا حين يعرف بأن عثمان سيرتديه، لأن الشتاء أقبل، وبالتالي يستطيع الخروج من مكانه، والتجول رفقة صاحبه.
القصة مكثفة وموحية، وقد ألبس المؤلف، هذا المعطف القماشي، روحًا تتحدث عن المعاناة، وحياة يحبها رقم ذلك، وكيف أنه أحسّ بالأسى حين عرف بأنه سينتقل إلى شخص آخر في بيت آخر، وكان يمكن أن تكون أغنى لو وصف المؤلف بعض مشاهدات البلطو في الشارع والمدرسة، رفقة صاحبه.


المرتبة الثانية: قصة «رسائل ملونة» لمحمد سرور/ مصر 
هذه قصة إنسانية بحتة، عن الأرمل الذي أوصته زوجته على تذكرها الدائم وهي ترحل، وظل محافظًا على العهد، حيث بقي وحيدًا بلا امرأة أخرى، وفقط محاطًا بذكرياته مع الراحلة، ثم لتبدأ الذاكرة في التشتت والنسيان، ويبتكر مسألة الرسائل التي يكتب فيها حياته، ويضعها أمام بيوت الجيران حتى يحتفظوا هم بالذكريات.
الفكرة موجودة من قبل، وعالجها ماركيز في مئة عام من العزلة، لكن هنا تظل العمود الأساسي للقصة، وأظن كنا بحاجة لمزيد من التفصيل عن المرأة الراحلة، حتى نتعاطف نحن أيضًا كقراء.

المرتبة الثالثة: قصة «وحيدة» لرنا زين/ مصر
هذه لقطة إنسانية مؤثرة لامرأة عجوز تعيش وحيدة بعد أن تخلى عنها الناس، وتقصد حديقة صغيرة بالقرب من منزلها، تتسلى فيها بمشاهدة العائلات والأطفال، وتبتهج بالضجيج الذي يخرجها من عزلتها ووحدتها القاسية. إنها لقطة موجودة دائمًا في مجتمعاتنا، وتتكرر باستمرار، الأبناء يكبرون ويذهبون إلى مستقبلهم البعيد، والآباء يظلون هكذا بلا أي رعاية، وإن كانت الكاتبة لم تذكر شيئًا عن أبناء للعجوز، وربما هي أصلا وحيدة منذ صباها.