التنمّر

التنمّر

التنمّر... كم هو موضوع ضخم ومتشعب لا يمكن اختزاله في صفحة، فهو عميق وله أبعاد نفسية واجتماعية وغيرها من التأثيرات السلبية على الطرفين، وهو كمصطلح لغوي ثقيل وهمجي، وقد بدأ استخدامه في العام 1862م، عندما ذكره الكاتب الإنجليزي توماس هيوز في كتابه (توم براون في مدرسته). فتداوله الغرب وجعلوا له اسمًا وهو Bully بمعنى المضايقة والترهيب، وهو سلوك شائن يتطور إلى عادة بحكم الفوقية والسيطرة، تُسعد صاحبها وتجعله يشعر بنشوة الربح والانتصار.
وللتوضيح فإن التنمّر يختلف عن الشتم والقذف بالكلام الجارح على الآخرين وإطلاق التشبيهات المحرجة لهم، فالشتم يكون مرة واحدة أو مرتين من نفس الشخص، وأحيانًا لأكثر من سبب، فتارة يعاب بالسمنة أو الهزال، وتارة أخرى بالخوف والغباء، وغيرها من النعوت غير المحببة للجميع، أما التنمر... فهو تحديد الشخص بعينه لإطلاق كل هذه الصفات غير المحببة عليه وإهانته لفظيًا وجسديًا بصورة متكررة.
ولكن ماذا عن الضحية؟! قد يبدأ التنمر غالبًا بالأطفال الصغار، حيث لا قدرة لهم على الدفاع والرد ولا فهم الموقف، والذي ينتهي مع ابتعاد المتنمر سلميًا بعدما اكتفى استعلاءً وتهجمًا على ذات الشخص، وينتقل إلى ضحية أخرى، أو يزداد التنمر ليفضي بالضحية إلى الإنزواء فيكون على هامش المجتمع بشخصية انطوائية انعزالية متوجسة، يملؤها الخجل والقلق والاكتئاب وقد تصل في بعض الأحيان إلى الانتحار.
الجميع يقدم حلولًا، لكن ليست كل الحلول تنجح، لذلك وجب الاهتمام بصغار السن ومتابعتهم في بيئة اجتماعية إيجابية منذ الطفولة، بأن يكون الوالدان هما خط الدفاع الأول والمصد ضد هذه الهجمات الشرسة من الأقران وغيرهم، ما يساهم بشكل جذري في قدرة الطفل على الرد والتصرف بمثل هذه الأمور، وذلك بتنمية العلاقة فيما بينهم، وتثقيفه حول مشكلة التنمر وطرق التعامل معها، وتفعيل الصراحة بين الأبناء وذويهم لتعزيز الثقة بالنفس، وبناء شخصية قوية ثابتة وواعية لذاتها ومدركة لقدراتها، فتصبح بإمكانها حماية نفسها.
برز موضوع التنمر في السنوات العشر الماضية بشكل مكثف، بسبب زيادة الحالات المتنمَّر عليها، وبسبب وعي المجتمع لوقف مثل تلك التصرفات، وكذلك انتشار الحالات النفسية المريضة جراء التجاهل أو التهاون مع هذه المسألة، لذلك وجب سن القوانين الرادعة لها، لكن في الوقت نفسه تتطلب الكثير من الوقت لدراسة كيفية التعامل معها، وحتى ذلك الوقت وجبت المواجهة، ومَن لا يواجه سوف يخسر كل قضاياه. فالتنمر لا يقابل بالصمت والسكوت أو الابتعاد، حتى لا يشجع الآخرين على هذا الفعل البشع، وإنما يجب كسره من البداية حتى لا يكبر هذا الغول المريض ■