«كيف يعمل العالم حقًا؟» دليل العلماء إلى ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا

«كيف يعمل العالم حقًا؟» دليل العلماء إلى ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا

لم يكن لدينا قطُّ مثل هذا القدر من المعلومات في متناول أيدينا، ومع ذلك فإن أغلبنا لا يعرف كيف يعمل العالم حقًا؟. يشرح هذا الكتاب سبعة من الحقائق الأساسية التي تحكم بقاءنا وازدهارنا، بدءًا من إنتاج الطاقة والغذاء، مرورًا بعالمنا المادي وعولمته، إلى المخاطر  التي تُحيط بنا، وبيئتنا ومستقبلها؛ يقدم كتاب «كيف يعمل العالم حقًا؟» استكشافًا رائعًا للواقع، وهذا الاستكشاف جوهرياً ومطلوباً بشدة؛ لأنه قبل أن نتمكن من معالجة المشاكل بشكل فعال، يجب أن نفهم الحقائق المحيطة بها.

 

ندرك من خلال قراءة صفحات هذا الكتاب الطموح والمثير للتأمل على سبيل المثال، أن العولمة ليست حتمية وأن مجتمعاتنا كانت تزيد بشكل مطردٍ بسبب اعتمادها على الوقود الأحفوري، ما يجعل القضاء على هذا الوقود بشكل كامل أمرًا بغيضًا. يُجيب سميل في نهاية المطاف وبالاستعانة بأحدث العلوم ومعالجة مصادر المعلومات المُضلِّلة بشكل مباشر
- من يوفال نوح هراري إلى نعوم تشومسكي - على السؤال الأكثر عمقًا وإلحاحًا في عصرنا الحالي: هل نحن محكوم علينا بالهلاك بشكل لا رجعة فيه أم أن هناك عالمًا مثاليًا أكثر إشراقًا في المستقبل؟ 
يرى المؤلف في كتابه أن بقاء الإنسان في هذا الكون وازدهاره يستند على سبعة مجالات أساسية، ويغطي موضوعات مثل إنتاج الغذاء، والطاقة والعولمة؛ وبينما يعتقد سميل أن الجهود التثقيفية التي يبذلها لكشف بعض أوتار اقتصادنا الحديث ناجحة وفعَّالة، إلا أنه يشكك في سلامة رؤية بعض الكتّاب لمستقبل الطاقة وثورة الاستدامة.
 
مشكلة المناخ وتحولات الطاقة
يتمتع سميل وهو باحثٌ واسعُ الاطلاع بسجل مثير للإعجاب من الإصدارات الأكاديمية والشعبية، وقد يكون معروفًا على نطاق أوسع باعتباره خليفة بيل غيتس في حرب النجوم، ولا سيما بسبب الآراء التي قدمها في العديد من الكتب بأن تحولات الطاقة هي معضلة طويلة الأمد؛ ويتكرر علاج تحولات الطاقة أيضًا في كتاب «كيف يعمل العالم حقًا؟»، والذي يبدأ بمركزية الطاقة (القائمة على الوقود الأحفوري) في الحضارة الحديثة، ويتحول إلى إنتاج الغذاء، والبلاستيك، والصلب، والأمونيا، والأسمنت باعتبارها محركات للعولمة؛ ثم إلى طيف واسع من المخاطر (الفيروسات، والأنظمة الغذائية، والاحتباس الحراري، و«تفرد» الذكاء الاصطناعي»).
يقول لنا فاتسلاف سميل في مقدمة أحدث كتاب له وهو أفضل الكتب مبيعًا في قائمة صحيفة نيويورك تايمز: «أنا لست متشائمًا ولا متفائلًا؛ أنا عالم يحاول أن يفسر كيف يعمل العالَم حقًا؟» - وهو مزيج من التواضع المعترف به والطموح الكبير الذي يرمز إلى صفحات هذا الكتاب.
يستخدم الكتاب ما أسماه جاريت هاردين «مرشح الأرقام»، وهذا يعني استخدام مقاييس موضوعية للأشياء، مثل المخاطر، والموثوقية، والتكاليف الإجمالية الحقيقية للمجتمع لتوضيح مدى اتساع متطلباتنا المادية، وذلك في مقابل نزع الطابع المادي المفترض الذي بدأ مع عصر المعلومات. استهلكت الصين في غضون عامين فقط من الأسمنت ما يقرب من الكمية التي استهلكتها الولايات المتحدة بأكملها طيلة القرن العشرين؛ وازدادت كمية الشحن الجوي وحجم أكبر عدد سفن الحاويات في البحار اثني عشر ضِعفًا منذ سبعينيات القرن العشرين؛ وأنَّ سيخين من أسياخ الجمبري البري الذي تلتقطه في حفل شواء ربما تكون «مُتبلة» في أربعة أكواب من زيت الديزل المحروق لصيدهما لصيده وتتناثر مثل هذه الإحصاءات في صفحات الكتاب، وكثيرًا ما تكون نتيجة لحسابات المؤلف العملية. 
يخصص سميل جزءًا كبيرًا من الكتاب لكشف بعض مصادر القوة في اقتصادنا الحديث كما هي الحال مع مدرسة «الحب الصارم» في تربية الأبناء والذي يستهدف تعليمهم كيف يأتي الخبز في الحقيقة والفولاذ في جدران منازلنا، وأدوات المطبخ، والأسمدة لمزروعات طعامنا، والخرسانة تحت أقدامنا، والبلاستيك في كل شيء تقريبًا، وشريان الحياة وهي الطاقة. يعود سميل مرارًا وتكرارًا للحديث لكل «أنصار العالم الأخضر الجديد الذين يدعون بسذاجة إلى التحول شبه الفوري عن الوقود الأحفوري البغيض والملوث والذي يقارب النفاد»، إلى توافر هذا الوقود في كل مكان، واعتباره «محركًا أساسيًا لعجلة الحضارة في العالم».
تُعد الجهود التنويرية التي يبذلها سميل ناجحة إلى حدٍّ كبير مع سيل البيانات التي يستعرضها في كتابه نظرًا لأحاديث تشويه السُّمعة المتزايد وشيطنة شركات التعدين التي تُشير إلى أن «عددًا قليلًا» فقط من شركات التعدين مسؤولة عن تغيُّر المناخ (أو ارتفاع أسعار الغاز). 
ما هو مهم في نهاية المطاف بالنسبة للمصادر المتجددة هي الطاقة النهائية المفيدة أو على وجه التحديد الكهرباء (حالة الاستخدام الأساسية الحالية والمتنامية في المستقبل). ففي عام 2021، جاءت 38 بالمئة من الطاقة العالمية من مصادر نظيفة. 
تُشكل تعقيدات الحضارة الحديثة سلاحًا ذا حدَّين إلى حد كبير؛ فقد خطت الحضارة خطوات واسعة في مجال صحة البشر ورفاهيتهم، ولكن الفهم الكامل لكافة جوانب عمل العالم أصبح الآن من الصعوبة بمكان بحيث يتعذر على أي فرد أو جماعة بمفردها أن تتمكَّن من ذلك. أصبح إقناع المواطنين بالاتفاق على كيفية معالجة المشاكل المعقدة أكثر صعوبة عن ذي قبل. يُقدِّم خبير الطاقة ومحلل السياسات فاتسلاف سميل في كتابه «كيف يعمل العالم حقًا؟» والذي يتميز بالثراء في تقديم الحقائق صورة كاملة للأسس المادية التي تدعم الحضارة الإنسانية، وما يعنيه ذلك بالنسبة للمحاولات المستميتة التي يبذلها علماء العالم لمعالجة تغيُّر المناخ؛ وهذا الكتاب الذي يُعد فحصًا دقيقًا للواقع مطلوب بشدة.
يقتحم سميل بقوة مشكلة تغير المناخ، وبحيث أصبح هذا الموضوع مهمًا للغاية، ولأن فهم التعامل مع تغير المناخ، نقطة مهمة للغاية، ويتطلب فهم مجموعة من العوامل الجوهرية الأخرى والمؤثرة. تُعد حضارة عالم اليوم حضارة تعتمد على الوقود الأحفوري بشكل كبير، كما تعتمد التطورات التقنية والعلمية ونوعية الحياة وتحقيق الرفاهية على ظهر هذا الكوكب على احتراق كميات هائلة من الكربون الأحفوري، ولا يمكننا ببساطة الابتعاد عن هذا العامل الحاسم الذي يُحدد طبيعة حياتنا في غضون عقود، ناهيك عن سنوات.

التغييرات المناخية
تُركز الفصول الثلاثة الأولى من الكتاب على مساعدة القارئ على فهم موضوع التغييرات المناخية واستخدام الوقود الأحفوري بشكل أفضل؛ أولاً عن الطاقة: يوضح المؤلف كيف أنه وعلى الرغم من أننا أحرزنا تقدمًا ملموسًا بفضل استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن موضوع الطاقة أكثر بكثير من مجرد توليد الكهرباء. يتحدث المؤلف عن موضوع الطاقة في مجال النقل على سبيل المثال، ويستعرض الجوانب السلبية للسيارات الكهربائية، ولكنه يشير إلى أن مفهوم كثافة الطاقة لا يَلقَى ما يستحقه من اهتمام، بما يعني أن المحركات الأساسية (أي الشاحنات، والسفن، والطائرات) أصعب بكثير في التشغيل عن أيِّ وسيلة أخرى. ثانيًا، عن الغذاء: يقول إن الآلات الثقيلة، والمواد الكيميائية الزراعية، وخاصة الأسمدة، كلها متاحة وميسورة بفضل الوقود الأحفوري. ويوضح سميل التحديات العديدة التي قد تترتب على العودة إلى الزراعة العضوية بالكامل دون أن يُنكر أن العديد من التحسينات يمكن وينبغي إدخالها على كلّ من إنتاج الغذاء ونظامنا الغذائي. ثالثًا: يتحدث المؤلف عمَّا يُسميه الركائز الأربعة للحضارة الحديثة: وهي الأمونيا (التي تستخدم كسماد صناعي)، والبلاستيك، والصلب، والأسمنت. يتطلب الأولان الوقود الأحفوري كمادة خام، في حين أن جميعها تتطلب طاقة مكثفة لإنتاجها؛ وكلها مواد معتادة للغاية، ولكن يتم إنتاجها بكميات مذهلة (مئات الملايين إلى مليارات الأطنان سنويًا) للاستخدام اليومي والبناء على كوكب الأرض. ليس لدينا بدائل عملية وواقعية جاهزة لإنتاج هذه المواد بهذه الكميات، وعلى الرغم من أن الساسة يعشقون كسب وُدِّ الجماهير من خلال تعهدات طموحة بإزالة الكربون، فإن «الفجوة بين الأمنيات والواقع العملي هائلة للغاية».
يُظهر المؤلف المزيد من التأكيد وتوضيح آرائه بتفصيل أكثر دقة في الفصلين الأخيرين من كتابه؛ وعلى الرغم من وضوح هدفه منذ البداية عندما يقول: «لست متشائمًا ولا متفائلًا؛ أنا عالِمٌ يحاول أن يشرح كيف يعمل العالَم حقًا»؛ فهو لا يحاول التقليل من شأن ما نواجهه لتحقيق التقدم أو يلجأ إلى تضخيم الأمور، بل يُحدِّد ببساطة الموضع الذي نقف فيه وما المطلوب لتحويل دفة حضارتنا نحو اتجاه معين؛ ويقول إن الجماهير بطبيعة الحال، نادرًا ما تحب سماع الحقائق الواضحة عندما تكون مؤلمة. 

وهم الطاقة المتجددة
يضيف قائلًا: سوف تثور ثائرة الذين يعتمدون على نظام غذائي نباتي عندما أكتب قائلًا: «السعي نحو الاعتماد على نظام غذائي نباتي على نطاق واسع محكوم عليه بالفشل»، حتى لو كان هناك في بلادنا أو في أماكن أخرى من العالم المتقدم منْ يدعو إلى الحد من تناول اللحوم. يتوقع المؤلف جازمًا أن «وجهة نظره لن تجد استحسانًا لدى أي من الجانبين». 
يتجاهل «عشاق الإحصائيات» الذين يعتقدون أن عالمنا الإلكتروني سوف يؤدي إلى إلغاء استهلاك المواد بالكامل وأساسها المادي؛ بينما يفشل «أنصار التقنيات الجديدة» الذين يركزون على التطورات الأخيرة في الإلكترونيات في إدراك أن «الضرورات الوجودية (مثل الغذاء والماء) لا تنتمي إلى فئة المعالجات الدقيقة والهواتف المحمولة (التي) ليست سوى أجهزة صغيرة على قمة هرمٍ هائل من الصناعة». 
يستخدم المؤلف كلمات مختارة لوصف أنصار الطاقة المتجددة الذين يعتقدون أنه إذا اتبعنا «وصفات الطاقة المتجددة بالكامل، فسوف نصل إلى حالة سعادة قصوى عالمية جديدة في غضون عِقد واحد فقط»، ولكن لماذا يجد المؤلف هذا الأمر مثيرًا للغضب؟ لأنه يرى أن «أولئك الذين يرسمون مساراتهم المفضلة لمستقبل خالٍ من الكربون مطالبون بتقديم بتفسيرات واقعية نقدمها لهم، وليس مجرد مجموعات من الافتراضات التعسفية وغير المحتملة إلى حد كبير، تلك الافتراضات غير الواقعية والبعيدة كل البعد عن الحقائق التقنية والاقتصادية»، ولكن المؤلف يرفض أيضًا إحياء التوقعات المروعة بشأن تغّير المناخ ويرى: «أن أنصار التوقعات الكارثية يخطئون أيضًا مرة تلو أخرى».

آراء نقدية عن الكتاب
يقول رجل الأعمال وقطب مجال التقنيات الأشهر بيل غيتس عن الكتاب: «تحفة فنية أخرى من أحد المؤلفين المُفضلين عندي... إذا كنت تريد ثقافة دقيقة وموجزة، ولكن شاملة في نفس الوقت عن التفكير المنطقي حول العديد من القوى الأساسية التي تُشكل الحياة البشرية، فهذا هو الكتاب الذي يجب عليك قراءته؛ إنه باختصار عمل رائع». 
كما يعلق ها جون تشانج مؤلف كتاب 23 أمرًا لا يخبرونك بها عن الرأسمالية على الكتاب قائلًا: «كتاب غني بالمعلومات المُفيدة، ويُنير الأذهان على العديد من الجوانب». 
أما بول كولير، مؤلف كتاب مستقبل الرأسمالية فيقول عنه: «إذا كنت قلقًا بشأن المستقبل، وغاضبًا لأننا لا نبذل جهدًا كافيًا حيال ذلك، فيرجى قراءة هذا الكتاب». 
أما إيانكو داراموس فيقول: يستكشف فاتسلاف سميل في كتابه «كيف يعمل العالم حقًا: دليل العلماء إلى ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا». 

 نبذة عن المؤلف
فاتسلاف سميل أستاذ متميز في كلية البيئة بجامعة مانيتوبا في وينيبيج، كندا في الوقت الحالي؛ أكمل سميل دراساته العليا في كلية العلوم الطبيعية بجامعة كارولينوم في براغ وفي كلية علوم الأرض والمعادن بجامعة ولاية بنسلفانيا. وضع العالِم الكندي التشيكي الأصل والأستاذ الفخري في جامعة مانيتوبا والعالِم الموسوعي غزير الإنتاج، نحو أربعين كتابًا. تضم اهتماماته البحثية متعددة التخصصات طيفًا واسعًا من دراسات الطاقة والبيئة والغذاء والسكان والاقتصاد والتاريخ والسياسات العامة، وقد قام بتطبيق هذه الأساليب على شؤون الطاقة، والغذاء، والبيئة في الصين. 
سميل زميل في الجمعية الملكية الكندية (أكاديمية العلوم)، وأول شخص غير أمريكي يحصل على جائزة الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم للفهم العام للعلوم والتكنولوجيا؛ وكان مُحاضرًا مدعوًا في أكثر من 250 مؤتمرًا وورشة عمل في الولايات المتحدة، وكندا، وأوربا، وآسيا، وإفريقيا، وألقى محاضرات في العديد من الجامعات في أمريكا الشمالية وأوربا وشرق آسيا وعمل كمستشار للعديد من المؤسسات الأمريكية ومؤسسات الاتحاد الأوربي ومؤسسات أخرى دولية الدولية؛ زوجته إيفا طبيبة، وابنه ديفيد كيميائي متخصص في الكيمياء العضوية الاصطناعية ■