مساحة ود

 مساحة ود

لماذا لا نُصغي لأطفالِنا؟!

تساؤلات كبيرة أثارها موقفٌ شهدتُه بالمصادفة في مرفقٍ تابع لمسبح، صغيرةٌ يتصاعد بكاؤها باحتجاج وثمة امرأة- من قراءة سريعة لخريطة الزمن على وجهها أقرب ان تكون جدتها - تواصل تقريعها أثناء إلباسها بعد بلل السباحة، وتعمد لضربها وإسكاتها وإخراسها بالضغط بقوة على فمها وهي تقول: «لن آتي بك ثانية الى المسبح لأنك غلبتيني! هذه آخر مرة.. توبة»!

وتتمتم كأنما تخاطب نفسها «هاي نكدة! خلاص اخرسي»! فتصرخ الصغيرة باحتجاج، فتشدّ خديها بقرصة مزدوجة، تلتجئ بالرغم من ألمها للكلام «بدي أحكيلك»! تهز رأسها بامتناع وتعنّت: «لا ما بدي اسمع.. مش رح أسمعلك»! فتعاود الصغيرة الصراخ بصوت أعلى: «طب بدي أحكيلك»..!

وددتُ لو أشاركها احتجاجها المشروع لانعدام الحوار والتعامل بمنطق الحاكم والمحكوم، صمتتْ الصغيرة بعد موجة بكائها الطويلة لكن المرأة عادت لمخاطبتها بلهجة من يؤنّب قائدَ جيش على خطأ مدمر اقترفه: «بتعيطي..ها»..؟! فعادتْ للبكاء، ربما اكتشفتْ أنه وسيلتها الوحيدة المتاحة للاحتجاج وإسماع صوتها، راقبتُ وجهها الجميل وعينيها المنتفختين، ابتسمتُ لها فردت ابتسامتي بأن خفضتْ عينيها بانكسار.

لماذا لا نصغي لأطفالنا؟ لماذا نستخفُّ بكلماتهم وهي أصدق من نشرات الأخبار كلّها، لماذا نصمُّ آذاننا ونوصد قلوبنا عمّا يقولونه بعفوية لم تلوثها الحياة، وكيف نستخف بذكائهم الفطري وصفاء أرواحهم ولؤلؤية نفوسهم ونقاء قلوبهم؟ من أباح لنا أن نتبوأ دائمًا مركز الأقوى صاحب السُلطة الأبوية العمياء لإخراسهم بتسلُّط يكسر شخصيتهم ويهمل آراءهم ويهشّم انطلاقتهم وتقديرهم لذواتهم، أية أسس تربوية تلك التي تتيح لنا أن نكممَ أفواههم بأصابعنا القاسية؟!

ألا يحمل كلٌ منا في دمه تجاربَ قمعٍ مريرةً عبرت طفولته ونقاءه الأول؟ أتذكر- إن كان لنا القدرة على النسيان- حادثةً عبرتُ بها أو عبرتْ بي وأنا في الصف الثاني الأساسي عندما كنا في زيارة مدرسية قليلًا ما نحظى بمثلها، حين جلسنا في مؤخرة الباص نضحك ونصفق ونغني ونتراشق لحظات طفولية ببهجة صافية، عندما أحستْ معلمة اللغة العربية بالصداع فطالبتنا بصراخها غير البليغ بأن نهدأ، لكني أصررتُ وقتها على استيفاء حصتي من الفرح المشروع، فما كان من مربية الأجيال إلا أن انهالتْ علي بالصفعات والصراخ حتى أسكتتني، لا أنسى بشاعة كفيها وشعرها وهي تتجه نحوي مثل غولة، يُقال إنّ الصغار لا يتذكرون، لكنّ اسمها مازال محفورًا في قاع عقلي مثل لعنة، حتى اللحظة لا أسامح قسوتها غير المبررة بحق طفولتي، تُرى.. أيُّ جريمة تربوية نقترفها حين نكمم أفواه الصغار ونحمّل نفوسهم الطرية ثقلَ غضبٍ دفين وخيبات زرعتْها الحياةُ فينا؟!

ألا يتمنى الواحد منا لو يعود الزمن للوراء ربما ليستوقف معلمًا أو أبًا أو أخًا ويهمس بأذنه: تمهّل! فكر قبل أن تعتدي بسلطتك العمياء على ضعفي وتكسرني!.

 

 

حنان بيروتي