الكويت ما زالت تصرخ:

الكويت ما زالت تصرخ: "لا تنسوا أسرانا"

ثلاث سنوات من عمر الجرح

أغنية حزينة لأحد الذين ذاقوا مرارة الأسر وهم أبرياء. يقول لحبيبته إذا كنت تنتظرين عودتي فعلقي على الشجرة إشارة صفراء حتى أعود. الكويت كلها تنتظر. والأعلام الصفراء في كل مكان.. مرت ثلاثة أعوام واندملت الجراح إلا جرحا واحدا يوخز قلوب أبناء الوطن الذي يولد ثانية من تحت ركام الحرب. عندما يهتف الكويتيون في وجه العالم "لا تنسوا أسرانا"، فإنهم يصرخون من أجل أكثر من 600 فرد من أبناء الكويت والدول الأخرى ما زالوا في سجون ومعتقلات النظام العراقي، وتمر الأيام، وما زالت الكويـت تنتظر وتحول انتظارها إلى غضب جارف ضد كل الذين انتهكوا أرضها وأسروا أبناءها.

عندما اختل التاريخ ذات "خميس" ونزف الجرح دما عربيا انطلق الغزاة يستولون على الكويـت وشهدت أيام الجريمة الأولى أسر آلاف المواطنين والمقيمين، بعضهم كان من العسكريين الذين وقفوا للمعتدي وقفة الرجال، ومنهم من كان مدنيا اعتقله الغزاة طمعا في سيارته أو ماله أو لأي سبب كان (تذكر حوادث التاريخ أن المعتدي لا يعدم سببا لممارسة الإيذاء!!)

ومضت الأيام موحشة ومسلسل الإيذاء تزداد حلقاته يوما بعد آخر، وكانت أحاديث الاعتقال هي الخبز اليومي الذي يتقاسمه المرابطون على أرض الكويت إبان احتلالها:

"محمد جابر" شاب كويتي اعتقل في الأيام الأخيرة التي سبقت التحرير بتهمة قيادة السيارة دون إجازة قيادة، وعندما سمح له بإيضاح أن إجازة قيادته كانت في منزله الذي لا يبعد عن مكان اعتقاله أكثر من مائة متر كان "محمد" قد وصل إلى معتقل "أبو صخير" بالبصرة وليشارك أكثر من أربعين معتقلا آخر زنزانة ضيقة!!

أما "راشد العلي" فكانت تهمة اعتقاله كما حدثني هي وجود صورة لأمير البلاد في منزله والمضحك المبكي أن تلك الصورة كانت موجودة ضمن صفحات أحد الكتب الدراسية، ناهيك عمن اعتقلوا لوجود العلم الكويتي في منازلهم أو لتخزينهم مواد تموينية تحسبا للحرب وكانت للتهمة الأخيرة عقوبة تصل إلى الإعدام!!

ويحدثني "خالد" وهو مهندس معماري كان يقضي فترة تجنيده عند حدوث الغزو وتم أسره في اليوم الثاني له فيقول: إن المحتل كان يعمد إلى تغيير أماكن أسرهم بكثرة داخل الكويت "ربما تحسبا لأي عمليات مقاومة تحدث لإطلاق سراحهم" كما كان يسرع بنقل من يعتقلهم إلى العراق للسيطرة عليهم، ويعلق خالد على ذلك قائلا: "لقد كان الخوف من انتقام الكويتيين مسيطرا عليهم رغم قوتهم وضعف حيلتنا لدرجة أنهم كانوا يتحاشون ذكر أسمائهم أمامنا!!"

أما عن الحياة داخل المعتقل فيقول: "في البداية تشتد معاملتهم ضد كل أسير لأخذ ما يريدون من معلومات، وتختلف شدة هذه الممارسات تبعا لسبب الاعتقال أحيانا ومزاجية المحقق أكثر الأحيان"!!

وبعد الانتهاء من التحقيقات والاستقرار في المعتقل تكون الحياة القاسية ومعاملة السجانين كفيلة بضمان استمرار "العذاب اليومي" الذي يناله الأسير في "سجون نظام بغداد". وتقول مريم فهد زوجة أحد الأسرى الذي ما زال محتجزا في العراق.. إننا لم نجن ذنبا يبيح للنظام العراقي أن يعاقبنا عليه. ما حدث لزوجي وللآخرين هو انتهاك لإنسانية الإنسان. والصدمة الأشد قوة أن المبادئ والقوانين قد تزعزعت في داخلنا. إننا نريد للعالم أن يتحرك وأن يمارس دوره في مساندة قضيتنا. كيف أعلم ابني أننا نعيش في عالم إنساني ونحن نعاني من هذا الظلم المجحف.

وفي دراسة أجريت على مجموعة من الأسرى العائدين ظهر أن "68% " منهم تعرضوا لتعذيب جسدي ونفسي مما أدى إلى حدوث الاكتئاب واضطرابات النوم والسلوك العصبي والقلق وعدم التركيز.

وأوضحت دراسة أخرى نشرت بالكويت أجراها طبيب كويتي مختص بأمراض الجهاز العصبي هو الدكتور عبد الله الحمادي أن "207" أشخاص من أصل " 300" شملتهم الدراسة تعرضوا للتعذيب النفسي بينما بلغ عدد من تعرضوا للتعذيب الجسدي " 209 ".

وبينت اختبارات التحليل النفسي على " 70" منهم أن "48" يعانون من الاكتئاب في حين يشكو "27" من حالات التهيج والإثارة و " 26 " من اضطرابات في النوم و "23" من الأحلام المزعجة و "24" يتصرفون بعصبية زائدة.

وأشار الدكتور الحمادي في دراسته إلى أن السلطات العراقية أثرت على من أجري عليهم التحليل النفسي عن طريق تعريض "63% " منهم للهتك الجنسي و "12% " للصدمات و "11%" لمشاهدة مناظر تشويه أو تعذيب أو قتل.

وحول أنواع التعذيب الجسدي تشير الدراسة إلى أن "28% " منها كان تعذيبا بالكهرباء و "27% " تعليقا من الأيدي أو الأرجل وأجبر "13% " على تناول المخدرات و"8% " تم تعريضهم لحروق و"4% " لخنق بالحبال أو تغريق في حوض سباحة و"2% " لخلع أو تكسير أسنانهم وتعرضت النسبة الباقية لإصابات مختلفة.

وتذكر إحدى الأسيرات أن رجال الاستخبارات "أشبعوها ضربا وحرقا على الظهر والبطن حتى نزفت وأغمي عليها، كما طلبوا منها ومن سائر الأسرى المشي على زجاج مكسور حفاة!!

وتقول أم أسرت مع زوجها وأبنائها وبناتها: "إن طعامنا كان عبارة عن شعير مطحون على هيئة خبز، وكنا خمس عوائل في غرفة واحدة!!

نحو حل القضية

ممطرا كان ذلك الصباح الذي تخضبت فيه أكف الكويت بـ "حناء" النصر وشهد عودة الحق المغتصب إلى أهله ورجوع الابتسامة إلى وجوه "الطيبين"، وتوردت فيه ثانية وجنات الصبايا بعد وجوم دام سبعة شهور.

أفاقت الكويت الحرة يوم 26 من فبراير عام 1991 على حرائق أكثر من 700 بئر نفطية حول منتصف النهار إلى ليل دامس، أفاقت على مرافق مدمرة وأخرى منهوبة تماما، فتوثبت تلك الأرض الطيبة متخذة سندا لها من دماء مئات الشهداء الأبرار وأنات آلاف الأسرى الأبرياء، ودموع ملايين البشر ممن طالتهم يد الإيذاء بعشوائية وقبح لم ير التاريخ له مثيلا.

ولأن النظام العراقي في تلك الفترة كان لا يزال يتلقى ضربات العاصفة الدولية التي حررت الكويت من نير احتلاله فقد قام بالإفراج عن بضعة آلاف من الأسرى المحتجزين لديه من الكويتيين والجنسيات الأخرى، ولكن مع مرور الأيام بدأ ذلك النظام يماطل في تسليم من تبقى من الأسرى لديه، وأخذت دفعات المفرج عنهم تقل أعدادها وتتباعد فتراتها حتى بدأ أخيرا ينكر وجودهم أصلا ويسمي هذه القضية "حملة دعائية مضللة"!!

ونشطت الكويت في المطالبة بإطلاق سراح أبنائها الأسرى، وقام أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح حفظه الله بجولات متعددة إلى القوى العالمية المؤثرة وحرص في جولاته تلك على اصطحاب مجموعة من أبناء الأسرى، وشهدت هيئة. الأمم المتحدة والجامعة العربية نشاطا كويتيا ملحوظا لمخاطبة ضمير العالم، ولا تخلو أي مشاركة كويتية رسمية كانت أم شعبية في أي تظاهرة كانت من تذكير بهذه القضية.

أما على المستوى المحلي فقد تم إنشاء عدة جهات رسمية وشعبية لهذا الغرض. فأسست الدولة "اللجنة الوطنية لشئون الأسرى والمفقودين" التي تقوم بالسعي لإطلاق سراح الأسرى بالإضافة إلى إعداد ملفات كافية عنهم وتسليمها إلى الصليب الأحمر الدولي لمطالبة العراق رسميا بهم، بالإضافة إلى النشاط الإعلامي والاجتماعي للجنة ودورها في رعاية ذوي الأسرى ماديا ومعنويا.

كما أنشأ البرلمان الكويتي- مجلس الأمة- لجنة من أعضائه تهتم بمتابعة شئون الأسرى والمرتهنين، ومن الجهات الشعبية المختصة بالموضوع "الجمعية الكويتية للدفاع عن ضحايا الحرب" و"صندوق التكافل لرعاية أسر الشهداء والأسرى" كما أسس بعض أهالي الأسرى رابطة حملت اسم "رابطة أهالي الأسرى".

وقد التقينا برئيس لجنة المرتهنين والأسرى بمجلس الأمة الكويتي النائب مبارك فهد الدويلة الذي قال: إننا قطعنا على أنفسنا ومنذ أول يوم تولينا القضية أن ننطلق في عملنا بروح التفاؤل، وأملنا بالله كبير.

وفي الحقيقة فإن الواقع الذي نعيشه سيئ فنحن نتعامل مع ديكتاتور لا يتأثر بوضع معين ولا يحترم القوانين، ولا يعترف بالأعراف الدولية، ولا يلتزم بشيء ولا يوجد لديه مبدأ لذلك فالمشكلة الأساسية لقضية الأسرى أنها بيد رجل يختلف عن كل الناس في كل شيء ليس لديه مشاعر إنسان ولا حكمة، فهو متهور متعجرف متغطرس.

وأوضح الدويلة أنه يوجد لدينا العديد من المعلومات والأخبار التي تصلنا دائما بوجود الأسرى، ويقيننا هذا هو الدافع الذي يحركنا ويحرك بقية الإخوة العاملين في مجال الأسرى، وقد شكلنا مكتبا للتنسيق في مجلس الأمة مهمته الرئيسية تنسيق جهود العاملين في مجال الأسرى.

وناشد الدويلة حكومات الدول العربية من أجل بذل المزيد من المساعي من أجل إنهاء هذه القضية وحلها وقال: إن الحكومات العربية يجب أن تستغل وجود علاقاتها الإيجابية مع النظام العراقي، والتي تستطيع أن تقوم بالاتصال معه على الأقل من أجل تحريك القضية، وإننا يجب أن نتشبث بكل شيء ممكن أن نتشبث به من أجل تحريك قضيتنا.

وأضاف أنه يجب أن يكون للدول العربية دور، كذلك الحكومة الكويتية يجب أن تسعى لتحريك واستغلال علاقاتها الجيدة مع الدول العربية من أجل حل هذه القضية.

كما شكلت هيئة شعبيـة مكونة من (27) جمعية نفع عام تحت اسم الهيئة الشعبية للتضامن مع الأسرى والمفقودين.

أما مدير عام اللجنة الوطنية لشئون الأسرى والمفقودين دعيج العنزي فقد قال:

لقد أودعنا (627) ملف أسير لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مدعمة بوثائق عراقية، وبكل ما يتطلبه الملف من مسببات، تدين النظام العراقي وتدل على وجود أسرى ومفقودين كويتين. وأضاف أن هناك ثلاث مبادرات مهمة تعمل لإطلاق سراح الأسرى فهناك مهمة مبعوث الأمين العام للجامعة العربية السفير التونسي رشيد إدريس، والذي ما زالت مهمته قائمة وفي انتظار رد عراقي على الأسئلة التي قدمها عندما قام بزيارة العراق في شهر ديسمبر الماضي، وحتى الآن لم يرد العراق على هذه الأسئلة وقد تم قرار التكليف هذا بناء على قرار اتخذ في اجتماع مجلس الجامعة العربية.

كما توجد أيضا مبادرة الملك الحسن الثاني ملك المغرب، الذي أرسل المستشار عبد الهادي أبو طالب إلى العراق، وهي مهمة ما زالت أيضا قائمة بالنسبة لنا أما المبادرة الثالثة فهي التي قامت بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر بناء على قرار مجلس الأمن الذي وضع شروطا لوقف إطلاق النار من ضمنها إطلاق سراح الأسرى والمفقودين الكويتيين.

ومع الأسف الشديد فإن جميع هذه المبادرات والجهود وصلت إلى طريق مسدود لأن العراق يرفض التعاون، ويرفض فتح السجون ويرفض أي محاولة للتفتيش.

واستطرد العنزي قائلا: إن العالم كله متعاطف مع قضية الأسرى والمفقودين فالدافع الذي كان موجودا لتحرير الكويت لدى دول العالم هو نفسه الموجود حاليا لدى هذه الدول ذاتها.

وعن دور اللجنة بعد عودة الأسرى إلى أهاليهم قال العنزي: إن نصوص المرسوم الأميري بتشكيل اللجنة توضح أنه يجب رعاية الأسرى والمفرج عنهم، ومتابعة أحوالهم، ونحن الآن بصدد خطة لمتابعة أحوال أكثر من ستة آلاف أسير ومفرج عنه، وتلبية مطالبهم واحتياجاتهم، فدور اللجنة لا يقتصر على فك قيد الأسرى فقط بل ومتابعة أحوالهم الاجتماعية والمعيشية.

وأشار إلى أن هناك بعدا آخر لقضية الأسرى وهو أنه يوجد إنسان خطف من بلده، ومن وسط أولاده، وأجبر على أن يغادر البلاد، هذا هو البعد الإنساني في القضية، ونحن لا ننظر إلى هذه القضية نظرات سياسية بل إنسانية.

القضية في الشارع الكويتي

الأسرى قضية توحد قلوب أهل الكويت جميعهم، ويكفي منظر أطفال المدارس الابتدائية والرياض وقد علقوا شرائط صفراء على صدورهم أو ما تظهره رسوماتهم من تأثر بهذه المأساة التي صارت هاجسا كويتيا شاملا، وتقول والدة أحد الأسرى: "إننا شعب صغير مسالم تعرضنا لكل هذا الأذى، والآن نريد طي صفحة الماضي. فلماذا تبقى مأساة أبنائنا الجرس الذي يدق كلما حاولنا النسيان؟ "، ويحدثني أحد المسنين: "لماذا يحتفظ هذا الذي أرجع لنا مرغماً الذهب الذي سرقه من بنوكنا بأبنائنا.. ترى هل تراهم عيون هؤلاء اللصوص أثمن من الذهب؟!!"

وإلى جانب هذه المشاعر العفوية يسيطر اللون الأصفر الذي يرمز للأسرى على باقي الألوان حتى أن محلات الزهور تشهد إقبالا على الباقات الصفراء، يذكر لي أحد أصحاب هذه المحلات أن عددا كبيرا من الكويتيين باتوا يتهادونها في مناسباتهم المختلفة، كما لا تخلو بطاقات التهنئة من تلك العلامات الصفراء.. وهذا بعض مما يحاول فعله وطن صغير يستنهض ضمير العالم لفك قيد أسراه الذين يوشك عامهم الثالث على المجيء.

وفي إطار الجهود الشعبية المبذولة لدعم قضية الأسرى يقول رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الشعبية للتضامن مع الأسرى والمفقودين بندر الخيران: إن تفكيرنا بقضية الأسرى والمرتهنين لدى نظام بغداد لا ينبع من فردية أو ذاتية، ولكنه ينطلق من الهم العام، لأن أي أسير هو أخ لكل مواطن كويتي، هذا الشعور هو الشعور ذاته الذي لمسناه خلال محنة الغزو حيث كانت الحميمية هي الجامع الأول للكويتيين، ونحن هنا في الهيئة يدفعنا الشعور الإنساني للتحرك من أجل وضع حد لهذه المشكلة التي تؤرق المجتمع الكويتي والعربي معا ذلك أن حلها يعني توافر الاستقرار في المنطقة العربية إلى حد ما ليلتفت العرب بعد ذلك إلى التحديات الكبرى التي تواجههم.

من أجل هذا فإن جهودنا لا تقتصر على السعي داخل الكويت بل إننا ربما نسعى خارجها أكثر.

أضاف الخيران إن حل هـذه القضيـة يعتبر من مستلزمات البناء الجديد، ذلك أن المشكلة التي تواجهنا اليوم تقف عائقا أمام الكثير من الطموحات، من هنا فإن التحرك العربي يساهم فعليا في إعادة الثقة للإنسان العربي بعروبته،. ذلك أن الاختطاف الذي حصل أثناء الأزمة ترك أثره على الأمة العربية ككل، فحل قضية الأسرى الآن في مصلحة الجميع.

وأشار إلى أننا نأمل أن يثبت العرب أن هناك حلولا عربية صادقة قادرة على حل المعضلات، ونحن نحاول من خلال عرض قضيتنا خارج الكويت أن نحاكي الضمائر ونستنهض الوعي كي يعود الأسير الكويتي إلى الساحة العربية ليشارك هذه الأمة في عمليات البناء ليؤكد بذلك أن العرب (خير أمة أخرجت للناس). وعـن الاتصالات والزيارات التي تقوم بها الهيئة مع بعض الدول العربية قال الخيران: في كل الدول العربية التي زرناها كانت هناك قناعة أكيدة بعدالة القضية الكويتية، مع وجود عزم ومبادرة من المنظمات والهيئات التي التقيناها على العمل المباشر للمساهمة في هذا الحل، بدليل أن عددا لا بأس به من هذه المنظمات قام بزيارة للعراق من أجل البحث في قضية الأسرى، وكنا دائما نحرص على إبقاء القضية في إطارها الإنساني فلا نضخمها في مجالات السياسة رغم أنها وليدة هذه المجالات أصلا، ولكن إضفاء الطابع الإنساني هو الواقع الحالي لهذه القضية. وأوضح أن قضية الأسرى اليوم لا يمكن أن تحل بجهود فردية، فلا بد من تضافر جميع الجهود الرسمية منها والشعبية.

وعن الأدلة والبراهين التي تثبت فعلا وجود أسرى ومرتهنين لدى العراق الذي ينكر دائما وجود أسرى لديه قال بندر الخيران: يوجد لدى الجهات الشعبية والرسمية أدلة دامغة، سواء تلك التي يتعلق منها بأوامر الاعتقال والمشاهدات التي تمت للأسرى في السجون، والعراق ما زال يلعب على ورقة أنه أفرج عن أكثر من (6000) أسير، والذي نود أن نوضحه أن هؤلاء المفرج عنهم كانوا على مجموعتين الأولى هم العسكريون، والثانية هم من اعتقلوا في الشوارع. قبل التحرير مباشرة.

واختتم الخيران حديثه قائلا: إننا نناشد ضمير كل إنسان عربي أن يرفع صوته معنا للمناداة بفك قيود أبنائنا ليعود للأمة وئامها، خاصة أننا لم نقف مكتوفي الأيدي تجاه قضايا العالم، ولا أحد ينسى موقفنا الأخير كهيئة مع قضية المبعدين الفلسطينيين حيث كنا أول من استنكر إبعادهم، وأول من أرسل معونات لهم.

والآن نستعرض معك عزيزي القارئ أربع حالات إنسانية من هؤلاء الأسرى كما استقتها "العربي" من ذويهم، ونرمز لأسماء الأسرى بالحروف حرصا على سلامتهم.

1 - "ب " شاب كويتي كان قد أنهى للتو الثانوية العامة وشارك في يوم الغزو الأول في مقاومته بمعسكر قوات الجيش والشرطة في منطقة "الجيوان" كما اشترك في عدد من عمليات المقاومة فيما بعد، وذات يوم علم مع رفاقه بوجود أسلحة في أحد المخافر وقلة قوات الاحتلال هناك، فتوجه إلى ذلك المخفر وحدثت مواجهة عسكرية اتضح أن تقدير القوات كان خاطئا وتم اعتقاله مع بعض أعضاء المجموعة.

وتذكر شقيقته لـ "العربي" أن أسرته حاولت الالتقاء به دون فائدة ولكن أخباره كانت تصل عن طريق من يطلق سراحهم من المعتقلين، وآخر خبر وصل عنه أنه تم نقله إلى "سجن الرشيد" ببغداد قبل ثلاثة أيام من بدء الحرب الجوية.

2 - "س " فتاة كويتية تم اعتقالها عند نقطة سيطرة حيث كان اسمها موجودا ضمن المطلوب اعتقالهم وتم التعرف عليها رغم حملها لهوية باسم آخر، وكانت "س " متطوعة في الهلال الأحمر لمساعدة أبناء وطنها في تلك الفترة وتذكر أمها أنها حاولت منعها من الخروج خاصة بعد ما علمت باشتراكها في العمل الوطني، الأمر الذي كان يعرض فتاة شابة مثلها للخطر، إلا أنها ردت على أمها بالقول إنها لا تستطيع تجاهل نداء أمها الكبرى "الكويت".

3 - "ص" شاب لبناني استقرت أسرته في الكويت منذ أكثر من ثلاثين عاما، وولد في الكويت، ولما حدث الغزو شعر "ص" بأن وقت التعبير عن الولاء للكويت قد حان فانخرط بين جموع من نذروا أنفسهم لخدمة الكويت، وذات ليلة شهد منزله طرقات غاضبة وما أن فتح الباب حتى امتلأ المنزل بالجنود، واقتادوه معهم ومنذ ذلك اليوم لا يعلم أحد مصير هذا الشاب الوحيد لوالديه وسط ست شقيقات.

4 ـ "د" فتاة لبنانية أيضا تم اعتقالها ضمن مجموعة من الشباب والفتيات الذين امتهنوا العمل الوطني إبان الاحتلال، تفيد آخر الأخبار التي وردت عنها أنها كانت معتقلة في "مشاتل العمرية" وهو معتقل استحدثه الغزاة في المزارع النموذجية التابعة لهيئة الزراعة والثروة السمكية الكويتية، واشتهر هذا المعتقل بشدة التعذيب فيه وخاصة تعذيب النساء، ويذكر لي أحد سكان منطقة العمرية أنه كان يسمع في منزله صرخات الفتيات أثناء تعذيبهن رغم بعد المسافة.

وتحكي أم "د" أنها في يوم اعتقالها طلبت منها نوعا من الطعام كانت تحبه كثيرا، وأحضرته لها ولكن لم تأت لأخذه ومنذ يوم الاعتقال لا تزال تلك الأم تمنع تحضير تلك الوجبة في منزلها انتظارا لعودة "د" لتطلب تحضيرها ثانية!!

وما زال الجرح مفتوحا

ملف قضية الأسرى لم يغلق بعد. ولن يغلق حتى يعود آخر أسير كويتي. إن آلام الأطفال والأمهات والعجائز تعني أن آثار محنة الاحتلال لم تنته بعد.

وسوف يبقى الجرح مفتوحا ما دام هناك افتقاد لكل هذا العدد الكبير من الغائبين. إن هناك كثيرا من الأصوات العربية ترتفع الآن لتقول لشعب الكويت أن ينسى وأن يتسامح.. ونحن بدورنا نتساءل بعد كل الحالات الإنسانية التي عرضناها ومن خلال تصريحات المسئولين.. كيف نبرر لعشرات الأطفال هذا الغياب الطويل لآبائهم وأمهاتهم. الكويت تنتظر من كل الضمائر العربية والعالمية أن تنضم إليها وأن تصرخ معها في وجه النظام العراقي "أعيدوا أسرانا".

تسلسل زمني موجز لقضية الأسرى

* 2/8/1990: العراق يغزو دولة الكويت، ويأسر آلافا من أفراد الجيش والشرطة الكويتيين، كما يعتقل عددا كبيرا من المدنيين.

* 7/12/1990: العراق يخضع لضغوطات عالمية، ويطلق سراح الرهائن الأجانب المحتجزين لديه، دون الإشارة إلى آلاف من الأسرى الكويتيين لا يزالون محتجزين في معتقلاته.

* 18/2/1991: القوات العراقية تبدأ حملة منظمة داخل الكويت تعتقل خلالها آلاف الكويتيين العزل وتنقلهم إلى العراق.

* الأشهر الأولى للتحرير: دفعات كبيرة ومتسارعة من أسرى الكويت يعودون إليها بعد إطلاق سراحهم، ولا تزال مجموعة كبيرة منهم تحت قيد الأسر.

* 26/9/1991: أمير البلاد في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يقول: "باسم الكويت وشعبها أخاطب ضمير العالم لتخليص أسرانا".

* 18/10/1991: مبعوث الجامعة العربية إلى بغداد عبد الله آدم يعرب عن ثقته بإطلاق الأسرى الكويتيين في الفترة القليلة المقبلة.

* 17/12/1991: الجمعية العامة للأمم المتحدة تتبنى بأغلبية "155 " صوتا مقابل صوت واحد هو العراق قرارا يدعو بغداد لإطلاق جميع الأسرى ويدين انتهاكات الحكومة العراقية لحقوق الإنسان.

* 1/4/1992: الكويت تقدم لأمين الجامعة العربية قائمة منقحة تحمل أسماء "850" أسيرا محتجزا لدى النظام العراقي، ورجعت نقصان عددهم إلى عدم توافر المعلومات الكافية في القائمة السابقة.

* 8/4/ 1992: رئيس وفد ما يسمى بالمجلس الوطني العراقي يعترف بوجود أسرى كويتيين في سجون نظامه خلال اجتماع برلماني في "ياوندي" ويعتبر هذا أول اعتراف رسمي عراقي بوجود الأسرى.

* 25/11/1992: مبعوث الجامعة العربية إلى بغداد رشيد إدريس يقول إن قضية الأسرى ليست "سهلة".

* 8/1/1993: إدريس يؤكد أن السلطات العراقية لم تمكنه من زيارة أي مكان يوجد فيه أسرى الكويت.

* 10/5/ 1993: ملك المغرب الحسن الثاني يتابع وساطته للإفراج عن الأسرى الكويتيين.

 

إبراهيم الخالدي 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية   
اعلانات




صورة الغلاف





لا تنسوا أسرانا لافتة يحملها أهل  الكويت في قلوبهم





صورة نادرة لأفراد من المقاومة  الكويتية وهو يجهزون أسلحتهم في أحد الأماكن البعيدة عن عيون قوات الاحتلال





دبابات عراقية وهي تجتاز شارع الخليج أول أيام الغزو الغاشم





إنه واحد من الأبناء الذين يتساءلون أين ذهب آباؤهم وأمهاتهم؟





قوات التحالف الدولية عند وصولها إلى مدينة الكويت





قوات الاحتلال العراقي تجوب شوارع الكويت





مبارك الدويلة





تجمعات قوات الاحتلال في شوارع الكويت





حملات مداهمة البيوت التي كانت تقوم بها القوات العراقية للبحث عن السلاح في ظاهر الأمر وللسرقة في الحقيقة





دعيج العنزي





لقطة أخرى من عمليات سرقات جنود الاحتلال العراقي للشركات والمحال التجارية





صور أمير الكويت والملك فهد وبوش تحملها عائلات الأسرى ولافتة تقول أين ابني؟





العربات المصفحة وحاملات الجنود العراقية في الأحياء الكويتية وقد كان يرصدها ويصورها شباب المقاومة الكويتية





الكويت كلها تهتف.. فكوا قيد أسرانا





هكذا أراد صدام أن تكون الكويت.. نار تحرق كل شيء.. ولكن لم تحقق أطماعه





بندر الخيران رئيس المكتب التنفيذي للهيئة الشعبية للتضامن مع الأسرى والمحتجزين





المعوقون من الأسرى الكويتيين العائدين وجرحى الحرب يتقدمون إحدى المسيرات المطالبة بالإفراج عن الأسرى





حرائق آبار البترول.. التي حاولت القوات العراقية المعتدية أن تهدم بها اقتصاد الكويت