مواجهة مع.. عقل الإدارة العربية عبدالرحمن توفيق

مواجهة مع.. عقل الإدارة العربية

نبحث عن نموذج للإدارة العربية نقدمه للعالم ونفتخر به أسوة بما فعل الغرب الذى قدم لنا نموذج الإدارة الامريكية والشرق الذي قدم لنا نموذجه للإدارة اليابانية. وما زالت الأسئلة تطرح والإجابات تتفاوت عن كيفية الوصول إلى هذا النموذج أو عن ماهية أو ملامح الفكر الإداري العربي؟ إن كان هناك ماهية أو كانت له ملامح.

أحسب أن خصائص الفكر العربي ومحدداته قد تكون وراء الابطاء بظهور نظرية للإدارة العربية إلى الحد الذي يدعو المرء إلى إعادة النظر في السؤال وماهيته كبديل للبحث عن إجابة له، وعندئذ تصبح القضية محل التساؤل هي: هل نحن أصلا بحاجة إلى نظرية للإدارة العربية؟ أو بمعنى آخر إذا كانت الإدارة العربية بحاجة إلى نظرية، ألا يمكنها الاستناد إلى النظريات والأفكار التي قدمت إليها من الفكر الغربي أو الأمريكي والياباني؟

الإدارة على العكس من غيرها من العلوم، تقوم على مجموعة من القيم الإنسانية والمهارات العقلية التجريدية قبل قيامها على مجموعة من الأدوات العلمية أو التكنولوجيا المتطورة فممارسة الإدارة قديمة قدم الحضارة الإنسانية نفسها وإن كان علم الإدارة حديثا بحداثة الثورة الصناعية التي تعود في بداية القرن التاسع عشر. إن الإدارة ببساطة هي طريقة تفكير وطريقة إتخاذ قرار لذا فهي تستند بالدرجة الأولى إلى مجموعة القرارات الإنسانية والفكرية التي يتبناها المدير العربي لتحقيق الأهداف من خلال الآخرين، أو لاتخاذ القرارات اللازمة للاستجابة لموقف معين يعني هذا أن نقطة البداية في نمو وتطوير الإدارة العربية لا تكمن في إدخال تكنولوجيا جديدة أو تطبيق واستخدام أداة علمية بقدر ما تستند إلى مدى توافر قيم إدارية إيجابية سواء سلوكية أو فكرية.

العقل العربي بحكم أساليب وأسس التنشئة الاجتماعية ومناهج التربية والتعليم وبحكم الأطر المرجعية والمعرفية التي يستند إليها في تقرير مصيره بات يتسم بمجموعة من الخصائص التي تمنعه من خلق أو تكوين نظرية خاصة للإدارة العربية وتقعده عند حد الدراسة والتحليل والتشخيص والجدل. يرجع هذا في الغالب الأعم إلى مجموعة القيم الإدارية التي ينمو عليها عقل المدير العربي ويترعرع. من هذه القيم: التلقين كأساس للتعليم، تنفيذ التعليمات الصادرة من المستويات الأعلى، البراعة اللغوية وفنون الجدل والتلاعب بالألفاظ، وتداخل وامتزاج المشاعر والأحاسيس وصعوبة التمييز بين الذات والموضوع، الحساسية المفرطة لتوجيه أو لتقليل النقد، البحث عن جوانب النقص والقصور في أي إنجاز مهم والبراعة في اكتشاف مجالات القصور، تصيد الأخطاء ونسيان إنجازات الماضي عند أول تقصير أو عجز عن الأداء. الافتقار إلى دبلوماسية الرفض أو التفاوض واستخدام العبارات المجهضة للحوار.

هذه النماذج السلوكية السلبية تبدأ في الظهور عندما يبدأ الممارس في تولي مناصب إدارية أعلى.. بها يصبح مسئولا عن آخرين يستفيد من جهودهم لتحقيق أهداف الإدارة أو المؤسسة. وحيث إنه ليس أمامنا فرصة لاختبار هذه السلوكيات أو محاولة تعديلها قبل شغل القيادات الإدارية لمواقعها، لذا نفاجأ أحيانا بأن بعض القيادات الإدارية قد وصلت فجأة إلى (مستوى عدم الكفاءة القيادية) فلم يعد قائدا أو مديرا ناجحا رغم كفاءته وبراعته كمنفذ أو كمرءوس. في الوقت الذي لا توجد فيه أداة إدارية ناجحة تقنع المدير الأوتوقراطي بالتخلي عن نمطه التسلطي ليصبح أكثر مرونة وفهما لاهتمامات وميول مرءوسيه، فضلا عن أننا لم نعرف حتى الآن أداة إدارية معاصرة لزيادة رغبة المدير العربي في تحمل مخاطر الأفكار الجديدة إذ كان بطبيعته وبقيمه يميل إلى التحفظ والحرص والإفراط في الدقة.

إن نقطة البداية تكمن في قيم المدير العربي لا في مهاراته.. فنحن نستقي من الإدارة الغربية كل ما يطرح بها وفيها من نظريات وأفكار وتطبيقات ونسارع بأخذ العديد منها أو بتدريس معظمها في كليات ومعاهد الإدارة بجميع أرجاء الوطن العربي ولدينا من المفكرين والباحثين والأبحاث والدراسات ما قد يكفي لتطوير نظم الإدارة العربية بل ولدينا من مؤسسات التنمية الإدارية ما قد تأسست في أوائل الستينيات ومارست أدوارها العديدة لخدمة الإدارة العربية.. ورغم كل هذا الجهد فإن تجارب الفشل الإداري تفوق التجارب الناجحة كما ونوعا، كما أن التجارب الإدارية الناجحة جاءت بتكاليف أكبر كثيرا مما كان مخططا. بل إن النماذج الفاشلة من المؤسسات المعنية بتنمية الإدارة العربية سواء كانت نماذج حكومية أو خاصة تزيد على النماذج الناجحة. والسبب وراء ذلك يرجع إلى عدد من القيم والسلوكيات التي تنعكس وتترجم في شكل ممارسات إدارية سلبية تنتهي باقتلاع محاولات الوصول إلى فكر إدارى عربي موحد. هذه الممارسات العربية التلقائية المتأصلة والتي جاءت كمحصلة منطقية لأساليب التنشئة والتربية الاجتماعية العربية هي التي تحدد في النهاية إطار السلوك الإداري والقيادي للعقل والفكر العربي. ومن هذه السلوكيات:

أولا: الاهتمام بالجزئيات أكثر من الكليات

عدم الحرص على وضع مناهج فكرية متكاملة تحكم بها الجهـود الإدارية أو التنموية العربية، وتفضيل البدائل الجزئية للتطوير. إن الاهتمام بالجزئيات يشعر المرء في الأجل القصير بالانجاز إلا أن الإنجاز قد ينتهي إلى هدف أو نهاية تختلف عما كان مقصودا عند بداية النشاط. وهنا يقع العقل العربي في مأزق تقليدي معروف وهو مأزق "التجربة والخطأ" فيعود مرة أخرى لإعادة دراسة الموقف الذي انتهى إليه ويسارع بتنفيذ المسار الجديد فقط ليشبع رغبته في الإنجاز.

ثانيا: تفضيل الإنجاز على التأمل والتخطيط

العقل العربي بطبيعته يشعر بثقل التأمل والتفكير والتخطيط والتعامل مع الأدوات العلمية الخاصة بالتنبؤ، وتحديد المسارات المستقبلية. ويميل إلى (الإنجازات السريعة) أو (وجبة اليوم) أو (حصاد الأسبوع) كبديل يشعر معه بالتقدم أو تحقيقه لأهداف، ليس لدى العقل العربي ميل إلى التخطيط استنادا إلى أدوات علمية بقدر ما لديه قبول للإنجاز السريع حتى ولو كان هـذا الإنجاز على حساب الجودة، الدقة، والتكلفة، وهنا يسقط العقل العربي في المأزق الإداري الثاني وهو الخلط ما بين النشاط والنتيجة فكثير من الجهود الإدارية هي أشبه بمحطات لاحتراق الوقود من كونها محطات لتوليد الطاقة فالاختيار أمام العقل العربي هو اختيار ما بين نشاط يود القيام به ودور يجب عليه أن يؤديه.

ثالثا: الإبداع والابتكار

العقل العربي يتميز بالتخيل والخيال الذي قد يدفعه أحيانا إلى أن يأتي بأفكار ابتكارية رائدة، إلا أن نسبة ما يطبق من هذه الأفكار الابتكارية مقيد بمدى توافر القدرة والرغبة على تحمل المخاطرة وتكاليف التعامل مع غير المألوف، لذلك فإن ابتكار العقل العربي في الإدارة يتوقف كثيرا عند حدود الفكرة ويفتقر كثيرا إلى الجسور التي تنقل هذه الفكرة إلى التطبيق أو الواقع العربي المؤسسي.

إن المؤسسات العربية المبدعة (التي تمكنت من نقل الأفكار الابتكارية إلى حيز التنفيذ) محدودة بالقياس إلى الأفكار الابتكارية التي قدمها العقل العربي.

فهل نستطيع القول بأن العقلية العربية خيالية أكثر من كونها ابتكارية، أو على أحسن تقدير عقلية ابتكارية أكثر من كونها إبداعية؟

رابعا: الفرد لا الجماعة

روح الفريق والقيم الاجتماعية المشتركة وقيم المشاركة في العمل وفي النتائج هي التي أرست قواعد الإنتاج والإيجاز في الفكر الإداري الياباني، في حين أن تدعيم الابداعات والابتكارات الفردية والتطورات الاقتصادية الرئيسية كانت وراء بناء الاقتصاد الأمريكي ونشأة نظريات الإدارة. البطل في الفكر الإداري الياباني هو النظام الاجتماعي، في حين أن البطل في الفكر الإداري الأمريكي هو النظام الاقتصادي.. ترى من هو البطل في الفكر الإداري العربي؟ أعتقد أن البطل هو (النظام الذاتي)، إن كان ذلك كذلك! فعندئذ سيكمن السبب في عدم ظهور نظرية أو فكر عربي موحد في ذاتية النظام والفكر حيث يصعب تحقيق هذا الهدف وكل منا يرى المشكلة والأسلوب والهدف رؤية ذاتية فردية خاصة. الفرق بين فردية النظام الأمريكي وذاتية النظام العربي أن الجهود الفردية الأمريكية تنطلق وتتجه وتنساب ضمن إطار ونسق من القيم الاجتماعية والاقتصادية التي تدعم مفهوم (النظام) لا مفهوم (الذات) في حين أن ذاتية النظام العربي تدعم إلجهود الفردية وتوجه لتدعيم الصورة الذهنية الفردية.

التأكيد والتمسك بالروح الفردية يدمر قيم العمل الجماعي وينشر مفاهيم الصراع وينزع سلوكيات التعاون وروح الفريق.

نلمس مفهوم الفردية ليس فقط في الممارسات الشخصية لبعض القيادات الإدارية العربية ولكن كذلك في السلوك التنظيمي لبعض المؤسسات التي ترفض مثلا نشر تجربتها خشية أن ينقل عنها المنافسون بعض مجالات تميزها، أو تحاصر كامل مواردها وتنعزل عن البيئة التي نعيش بها من منطلق السرية حفاظا علي مواردها البشرية..

خامسا: التوثيق لا التذكر

تميل العقلية العربية إلى الاعتماد على ذاكرتها لا مستنداتها، وتثق في قدرتها على التذكر بالرغم من أنها تعتبر النسيان نعمة في الوقت نفسه (ولله علينا نعمتان الأمل والنسيان). كما أن الاعتماد على التسجيل والتحري والتدقيق والمتابعة عادات يفتقر إليها العقل العربي. نحن بالتنشئة لا نعتمد على التوثيق لخبراتنا أو لتجاربنا بقدر ما نعتمد على استجماع ذاكرتنا واسترجاع ذكرياتنا لنتعامل مع الموقف الجديد. نحن نميل إلى نقل الأخبار لا توثيق الخبرات، فالعقل العربي يدير حاضره من ذاكرته أكثر مما يدير مستقبله من تقاريره. نفتقر إلى أداتين ميزتا الفكر الإداري الأمريكي أولاهما: تقارير متابعة تقدم العمل، وثانيتهما: نظم العمل

سادسا: التفكير في الأزمة لا الفرصة

إن التفكير بهذه الطريقة يعتمد أساسا على مجموعة من الافتراضات السلبية التي تهدر بها طاقة الإدارة العربية فهذه الافتراضات تقوم على العديد من القوى النفسية المعوقة للإبداع والابتكار ومن هذه القوى الخوف من الفشل الإداري، الإحساس بعدم الأمن، توجس الشر من الاقران بالعمل، البحث عن المناورات الوظيفية لضمان الاستقرار. سرقة أفكار المرءوسين وقهرهم نفسيا بما يمكننا من السيطرة الدائمة على دعمهم الاجتماعي والإداري. هذه القوى السلبية المعوقة تقيد القدرات العقلية والذهنية وتشحن ذاكرة المدير العربي بكم هائل من الخبرات الوظيفية السلبية في تمثل في المستقبل مجموعة من الجنادل التي تعوق تقدم سفينة الفكر الإداري العربي.

التفكير السلبي يقوم على ثلاثة معوقات قاتلة للنمو والتفكير الإبداعي:
المعوق الأول: القدرة الهائلة للفكر السلبي بتحويل المشكلة إلى أزمة فأصحاب هذه المدرسة لديهم قدرات خاصة لتصعيد المشكلة البسيطة وتحويلها بسرعة البرق إلى أزمة هذه الأزمة تؤكد رؤيتهم السلبية للاجدوى وتشعرهم بمصداقية اقتراحاتهم. لذلك يسعدهم دائما وجود الأزمات الإدارية التي يبرعون في تحليلها لا في حلها.

المعوق الثاني: إن التفكير السلبي يقوم على التفكير في مشكلات التطوير لا في فرص التطوير، في تكلفة النمو لا في عوائد التنمية حيث التركيز دائما على المشكلات التي ستترتب على النمو والتطوير دون توجيه الاهتمام إلى الفرص التي يولدها هذا التطوير.

المعوق الثالث: الميل الطبيعي لاستعراض الاستثناءات الكابحة للفكر أكثر من رغبتهم في استعراض عموميات التطبيق إن أي فكرة رائدة بديعة يمكن إجهـاضها بسهولة من خلال تصور عدم ملاءمتها لبعض الحالات الاستثنائية المحددة. فتطور النقل الجوي يهدده تفكير السلبيين بأن الطائرات معرضة للسقوط أو الاختطاف فبرغم أن هذه الأحداث استثنائية للغاية إلا انهم يميلون لوضعها في موضع النقاش بما قد يربك أصحاب الأفكار الجديدة.

يحتاج المدير العربي إلى تعديل في آلية التفكير الإداري من التركيز على الماضي إلى التفكير في المستقبل. من الحنين إلى الفشل إلى التطلع إلى تحدي النجاح واجتيازه، من تجنب المخاطر إلى تحمل المخاطر المحسوبة، من خوف من مرؤوسيه ورؤسائه إلى دعم لمرءوسيه واحترام وتعلم من رؤسائه وأيضا مرءوسيه.

التفكير الإيجابي يقوم على تحويل الأزمة إلى فرصة، والتفكير في مزايا التطوير لا معوقاته، والتركيز على العموميات لا الاستثناءات.

ولن تكون فرصة الإدارة العربية في جلب تكنولوجيا جديدة أو عمالة وافدة أو خبرة مميزة قدر ما تكون في البحث عن طريقة تفكير أكثر إيجابية وقرار أكثر إبداعا تستطيع به أن تضع العربة أمام الحصان دون أن يكون ذلك تفكيرا عجيبا. فكل الأفكار الابتكارية الأولى كانت للوهلة الأولى تبدو غاية في الغرابة بل والسخافة أحيانا.

نريد للعقل العربي أن:
- ينتقل من الاهتمام بالجزئيات إلى الاهتمام بالكليات
- يدعم الاهتمام بالتأمل وعدم الاندفاع وراء الإنجازات الوقتية.
- يركز على الاهتمام بالنتائج لا بالأنشطة.
- ينتقل من الخيال المجرد إلى الإبداع العملي.
- يتحول من القيم الفردية إلى القيم الجماعية.
- يعتمد على التوثيق لا التذكر.

والسؤال هو كيف؟

التربية الإدارية هي نقطة البداية الرئيسية وتدريب علم ومناهج الإدارة وتجارب المؤسسات العالمية الرائدة والنماذج العربية والعالمية المشرقة في مجال إدارة الأعمال قد تكون الركيزة الأساسية لبناء كوادر إدارية قيادية واعية تفكر بإيجابية وتأخذ قرارات مستقبلية تستند إلى المعرفة والأدوات العلمية من ناحية وتتمتع بقيم وسلوكيات التعامل الحضاري المؤسسي من جهة أخرى.

لدينا العديد من المناهج التربوية التعليمية الخاصة بالتربية الدينية، التربية القومية والوطنية، التربية الفنية ولا يوجد لدينا تربية إدارية. فالإدارة علم الحياة وفنها والقيم الإدارية كما أشرت هي نقطة الانطلاق لإنجاز ضخم.. إن قيم احترام وقت العمل، تقبل النقد، إرجاع الأثر؟ فن الحوار، القدرة على الإقناع، الانصات، احترام مشاعر الآخرين، قيم الدعم والمساندة، قيمة التعليم والتوجيه، قيمة حرية التعبير عن المشاعر، يجب أن تزرع في فترة الطفولة لا من خلال المنزل فقط ولكن من خلال المؤسسات التعليمية ومن خلال مناهج تربوية محددة ندعم بها بعض الأطر السلوكية للطفل والفتى العربي. نؤهله بها لشغل مناصب إدارية أعلى سيصل إليها يوما بالإضافة إلى تأهيله الفني أو التخصصي. نحن نحتاج إلى أن تنزل الإدارة من برجهـا العاجي المتعالي الذي نعرفه ونتعرف عليه في السنوات الأخيرة من دراساتنا أو في قاعات التدريب بعد ما نلتحق بالعمل، إلى واقع وبيئة المعايشة اليومية للأسرة العربية.

لن تتمكن المؤسسات العربية من اختراق حاجز التميز ومواكبة معدلات الأداء العالمية أو تحديات النمو إلا من خلال قاعدة عريضة من القيادات الإدارية الشابة التي تتبنى قيما إدارية سليمة وفكرا إداريا متطورا.. حيث لا تكفي المهارات ولا ينفع التحصيل العلمي لنظريات الإدارة لخلق مدير عربي خلاق.. فالابتكار.. والتفكير الإيجابى والدعم والتعلم جميعها قيم يجب اكتسابها والتشبع بها منذ الصغر حيث زرع القيم في الكبر كالحرث في الماء.

قد يكون تدريس الإدارة كعلم وتحت مسمى (التربية الإدارية) هو المنقذ والمخرج من دائرة التجربة والخطأ، والأداة المنطقية التي يمكن من خلالها تكوين عقل عربي علمي قائم على الملاحظة والتسجيل والتفكير أكثر من اعتماده على الذاكرة والتذكر.. يعتمد على الحواس أكثر من اعتماده على الحدس.. قائم على التأصيل لا التبرير والتبصير لا التنظير، هي مناهج تعليمية متدرجة تدخل ضمن المناهج الابتدائية والإعدادية والثانوية وفي جميع المراحل التعليمية تشرح الإدارة وتبسطها وتقدم السلوك الإنساني والقيادي وتفسره بما يساعد في بناء جيل إداري أو جيل قيادي تحكمه الأصول العلمية المتطورة بدلا من الأعراف المتوارثة ويدفعه التفكير إلى التغيير كبديل لانتظار ما يصل إلينا من الشرق والغرب. فكما نحن بحاجة إلى المواطن العربي المنتمي المتدين الملتزم بقضايا قومه وشعبه نحتاج كذلك إلى المواطن العربي المدير لموارده والمتحكم في حاضره ومستقبله لا قولا إنما فعلا وإدارة.

إن الإدارة لغة حياة.. لغة تخاطب وتفكير وإنجاز يجب أن تدرس بالمؤسسات التعليمية باعتبارها (لغة) كاللغة العربية، والإنجليرية ولغة الحاسب الآلي، يجب أن نتعامل معهـا باعتبارها المنفذ والمنقذ والمخرج العملي الرئيسي لدعم كيان الأمة العربية حضاريا واقتصاديا وسياسيا، إنها نقطة البداية.

فهل آن للعقل العربي أن يدرك من أين يبدأ؟ عندئذ يجدر به أن يدخل مع الشرق والغرب في رحلة الألف ميل لصياغة نظريته عن الإدارة العربية.

 

عبدالرحمن توفيق

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات