رمضان.. يسر لا عسر محمد سليم العوا

رمضان.. يسر لا عسر

يقبل رمضان كـل عـام على الـدنيا فيستقبله المسلمون بمشاعر فياضة لا يشاركـه فيهـا غيره من الشهور، وتستعد له البيوت بمخزون وفير من أصناف الطعام، ومن لوازم إعداده إعدادا فاخرا، يليق بالبطون التي تمسي خاوية كل يوم بعد صيام نهار طويل، فتجد بها حاجة إلى الزاد، وإن أسرفت فيـه، ورغبة عن الاعتـدال في الطعـام والشراب والاقتصاد فيهما، وإن كان مأمورا به. ومن قضية الإسراف في الطعـام ينتقل بنا هذا المقال ليناقش قضية الإسراف في التشدد.

يقبل رمضـان كل عام على الدنيا فيستشعر قراء القرآن، ومحبو الاستماع إليـه تعظيم الله تبارك وتعالى لهذا الشهر باستعادة قوله سبحانه:
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون. وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون
(البقرة: 183 - 186)

وتتزين المسـاجد فعمارها من أهل قيام الليل، ومن العاكفين والركع السجود، وتطوف بهم ملائكة الرحمن ترفع طاعاتهم، وتكتب حسناتهم، وتحضر ذكرهم، وتؤمـن على دعائهم، إذ: أبواب الجنة مفتحـة لا يغلق منها باب، وأبواب النار مغلقة لا يفتح منها باب، ولله في كل ليلة عتقاء من النار.

ومع أنواع البهجة التي تشيع في النفوس فتغمرها بنور الإيمان، وبحلاوة الصلة بالله عز وجل، وبكتابه في شهر تنزيلـه، تحيط بكثير من المسلمين هواجس من مظاهر التشديد على الناس التي تتضمنها فتاوي بعض المفتين فيضيقون بها مـا وسعه الله برحمتـه على عباده الطائعين.

المضيقون على أنفسهم والناس

كثير من فتاوى "التحريم" هي من آراء المضيقين على أنفسهم وعلى الناس، وليست من صحيح الدين ولا من أحكام الصيام.

وفي السنة النبوية الصحيحـة مأثور لزاد لا ينفذ من أصـول التيسير على الناس في أحكـام هذا الشهـر المبارك لو تأمله هؤلاء المضيقون بعين الإنصاف، وبعقل الفقيه، لتبينوا أنهم في تشديدهم على غير هدي النبوة التي من الله بصاحبها على خلقه فقال: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (التوبة: 128).

ولعل أول مظاهر التيسير في السنـة النبـوية هي تحديد الصيام المفروض بأنه صيام شهر رمضان وحده، لا يسبقه صيام يوم أو يومين خشية الخطأ في رؤية الهلال أو الشك فيه. فقد ثبت عن عمار بن ياسر رضي الله عنهـما أنـه قدم طعاما إلى ضيـوف كـانـوا عنده، فتجنب بعضهم الطعام وقال: إني صائم، وكـان ذلك في اليوم الأخير من أيام شعبان، فقال عمار: من صام اليوم الـذي يشك فيه (يعني هل هو من رمضان أم هو اليوم المتمم لعـدة شعبان ثلاثين يوما) فقـد عصى أبا القاسـم صلى الله عليه وسلم (رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة، وأخرجه البخاري معلقا) وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقدموا شهر رمضان بصيام يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه (صحيح البخاري ج 4/190 وصحيح مسلم رقم 1082).

فالفريضة الربانية هي صيام رمضان، ورمضان شهر له بداية وله نهاية، فلا يسوغ لأحد أن يشدد على نفسه أو على الناس بزيادة أيام الصوم ولا يوما واحدا أو يومين، لأن التشديد شرع لم يأذن الله به.

أما الذي كان من عادته صيام يوم معين في كل أسبوع أو في كل شهر فصادف هذا اليوم آخر أيام شعبان (المسمى بيوم الشك) فصامه فإنه لا إثم في هذا الصيام، وهو مستثنى من عموم النهي. لأن الإسلام كما راعى التيسير على الناس في أحكامه راعى التيسير في عدم تحويلهم عن مألوفهم وعاداتهم الحسنة وليس في الصوم المعتاد اصطناع شعيرة قبل وقتها، ولا سبق إلى عبادة لم يأت أوانها، ولذلك خرج عن النهي.

ومن مظاهر التيسير في السنة النبويـة الأمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور، خلافـا لما يفعله ويفتي به بعض الناس تحوطا منهـم - زعمـوا ألا يكون الغروب قد اكتمل، أو أن يكون الفجـر قد طلع، وللغروب والفجر توقيتان محددان لا يحتملان هذا الاحتياط العجيب.

وقد ثبت في السنة الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليـه وسلم: قـال لا يزال الناس بخير مـا عجلوا الفطر (صحيح البخاري ج 4/173 وصحيح مسلم، الحديث رقم 1098، والموطأ للإمام مـالك ج1/288).

وصح عن بعض التابعين قوله: "كـان أصحـاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا" (المصنـف للإمام عبـد الرزاق الصنعـاني، رقم 7591) وقد نص على صحته الحافظ ابن حجر في فتح الباري (ج4/173).

وليس التشديد أمرا طـارئا على حياتنا الفقهية والدينية، بل هو قديم قدم الدين ذاته، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس أمر رجلا أن يأتيه بما يفطر عليه، فقال الرجل: "يا رسول الله لو أمسيت". (يعني انتظر حتى يتحقق الغروب!) ثم أمره النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثانية بأن يأتيه بما يفطر عليه، فقال الرجل: "يا رسول الله إن عليك نهارا!! (أي لم تغرب الشمس بعد!!) ثم أمره ثالثة أن يأتيه بإفطاره، ففعل.

فلما شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتى به، أشار بيده إلى المشرق، وقال: إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا، فقد أفطر الصائم (صحيح البخاري ج 4/ 156 وصحيح مسلم رقم 1011).

وفي نص مروي في الصحيحين تفصيل، فقد رويا عن عمـر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم. (صحيح البخاري ج 4/ 171 وصحيح مسلم رقم 1100).

وقد حاول بعض شراح السنة التماس تأويل يعذر بـه هـذا الصحـابي في مراجعته للنبي صلى الله عليه وسلـم، ولكن النـص الصحيح صريـح في أن طلب النبي صلى الله عليه وسلم لإفطاره كـان "لما غربت الشمس"، فلا وجه لمحاولات التأويل المذكورة، وإنما هو تشدد بشرى من الصحابي في مقـابلـة الحكـم الشرعـي يسمعـه الصحـابي نفسـه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

متشددون في كل عصر

لا غرابة إذن في أن يكون بيننا متشددون ما دام العصر النبوي لم يخل منهـم، وما دام بعضهم قد مارس هذا التشدد في مواجهة الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه!!.

ونـص هـذا الحديـث الشريف يقدم تيسيرا آخر على الذين يريدون مزيدا من رضا الله تبارك وتعالى بالمبالغة في الصوم ومواصلته يومين متتالين أو أكثر، دون تناول أي طعام بعد غروب الشمس. فقد نفى النص كون هذا الامتناع عن الطعام صياما، بقوله صلى الله عليه وسلم: فقد أفطر الصائم، يعني أمسى مفطرا ولو لم يذق طعاما أو شرابا لأن وقت الصيام هو النهار، ولا صيام بالليل.

ولو تنبه أهل التشديد إلى هذا المعنى لخففوا على أنفسهم وعلى الناس واكتفوا بالوقوف عند الحدود التي شرعها الله تبارك وتعالى لطاعته.

وبعض الناس يتركون تناول طعام السحور، ظنا منهم أن هذا الترك أفضل ديانة أو أنهم به يكونون أكثر زهدا وتقربا إلى الله.

وهذا كله توهم.
فإن السنـة الصحيحة تعلمنا أن السحور مشروع مـرغـب فيه. ففي الحديث الصحيح تسحروا فإن في السحور بـركـة (صحيح البخاري ج 4/ 120 وصحيح مسلم رقم 1095).

وقد قال العلماء إن بركة السحور تتبين في أمور منها: اتباع السنة، والتقوى على العبادة والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والذكر والدعاء في وقت ترجى فيه الإجابة...

ودلت السنة الصحيحة على استحباب تأخير السحور فقد قال زيد بن ثابت رضي الله عنـه: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليـه وسلم ثم قمنا إلى الصـلاة (يعني صـلاة الفجر).

وقد سئلت عائشة عن رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحـدهما يعجل الفطر ويؤخر السحور والآخر يؤخر الفطر ويعجل السحور، فقالت عائشة عن الأول: "هكـذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم".

واهتمام النبي صلى الله عليـه وسلم ببيـان فضل تعجيل الفطر وتأخير السحور،. قولا وعملا، اهتمام ببيان يسر هذا الدين، ومراعاة تشريعه لحاجات الناس وطاقاتهم فلا تكليف فيه بما يشق على الناس، ولا تشريع لما لا يطيقون.

والتشدد كلـه غير مشروع، وإنما الواجـب التزام الشرع بلا زيادة ولا نقصان.

والصوم امتنـاع عن الطعـام والشراب وبعض الملـذات التي يشتهيها الإنسان بفطرته لمدة زمنية محدودة من الفجر إلى الغروب.

وبعض الناس يوسع في دائرة الممنوعات حتى يدخـل فيها كثيرا من المباحات. والإسلام دين الفطرة ولا يغفل تشريعـه عن غـرائز الناس وشهـواتهم بل يحترمها ويقدرها ويجعل في أحكامه حتى التعبدية منها مساحة كافية لإشباعها.

ففي السنـة الصحيحـة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبـل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه. (صحيح البخاري ج 4/ 129 و 131 وصحيح مسلم رقم 1106).

والمباشرة ملامسة حميمـة بين الرجل وزوجته، والقبلة صلة شديدة الخصوصية بين الزوجين تجدد الحنين إلى اللقاء، وتشعر بالمودة الكامنة، وتدل على صدق المحبة الظاهرة، وذلك كله مما يشتهي الإنسان الشعور به، ويلتذ له، ويجد فيه تحقيق جانب من جوانب بشريته الفطريـة، والصوم لا يمنع ذلك كله، وإنما يمنع المتعة الكـاملة بما يكـون بين الزوجين من صلة، أما ما دون ذلك فهـو مبـاح بنـص هـذا الحديث الصحيح، وبنصوص أخرى مقاربة.

وفي بعض هـذه النصـوص أن رسـول الله صلى الله عليـه وسلم كان يقبل بعض نسائه وهو صائم، ثم يضحك البخاري ج 4/ 131 ومسلم رقم 1106). وقد روى هذا الحكم عن حفصة وعن أم سلمة رضي الله عنهما، وشدد عمر بن أبي سلمـة على نفسه حـين سأل رسول الله عن القبلة للصائم فأحاله النبي إلى أم سلمة رضي الله عنها، فأخبرته أن النبي عليه الصلاة والسلام "يصنع ذلك"، فقال يا رسول الله: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له.

فالنبي صلى الله عليه وسلم ينفي بهذا القول أن تكـون القبلة من الرجل لزوجته وهو صائم ذنبا أو إثما، والنفي يأتي بأقـوى العبارات: إني لأتقاكم لله وأخشاكم له، فلا يسوغ لأحد أن يجعل لنفسه فوق ما شرعه الله تبارك وتعالى على لسان رسوله

مراعاة الفطر

ويباح للصائم حين يفطر في الليل كل ما كان محرما عليه في أثناء صومه من طعام وشراب ومتعة حلال، وبعض الناس يرون أنه يجب عليه بعد ذلك إذا أصاب المتعة الكاملة من زوجته الاستعداد لنهار الصيام بإتمام الغسل قبل طلوع الفجر. وهذا تشدد ينفيه الحديث الصحيح المروي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع في رمضان ثم يصوم ذلك اليوم. (البخاري ج 4/ 123 ومسلم رقم 1109).

وأصح الأقوال في النص المخالف لهذه الرواية أنه منسـوخ، وقد ثبت رجوع راويه عنه لما علم بحـديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما. فالطهارة الجسدية التي تتحقق بالغسل لا تعد شرطا لصحة الصوم، والذين يشترطونها يشددون على أنفسهم وعلى الناس. ولا حجـة في العادة المشهورة في بعـض البلـدان الإسلامية من اغتسال الناس ليلة دخول شهر رمضان، إذ العادات لا تثبت حكما شرعيا ولا تنفيه.

وليس كل الناس يستطيع التحكم بإرادتـه في الأفعال التي يقوده إليها شعوره الفطري بلذة الصلة بين الزوجين، فإذا وقع الفعل المفسد للصـوم فقد شرعت له الكفارة. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهـرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال: اجلس، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر- والعرق: المكتل الضخم- قال: فتصدق به. قال: ما بين لابتيها أحد أفقر منا. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، قال خذه فأطعمه أهلك"

فأوجـب الإسلام كفـارة لهذا الفعل الممنـوع على الصائم، وخفف بها على المسلمين رعاية لجانب الفطرة الإنسانية التي تحتاج في قمعها إلى إرادة غالبة لا تتوافر للكثير من الناس.

ويتأكـد هذا التخفيف من مـراجعـة نصوص الروايـات المتعددة لهذا الحديث، ولأحاديث الوقائع الأخرى المشـابهة، ففي هـذه الـروايـة قول الـرجل "هلكت" وفي روايات أخرى صحيحة قول السائل أو المستفتي أو النادم: ما أراني إلا هلكت، وقوله، أو قول آخر: "هلك الأبعد" ووصفـه راوي الحديث أنه جاء "وهو ينتف شعره ويدق صدره" مما يدل على شدة خوفه من عظم الذنب الذي وقع فيه بتفريطه، وفي بعض الروايات أن رجلا قال لرسـول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد احترق، فسأله: ماله؟ فقال إنه أصاب أهله في نهار رمضان..... فلما أتى النبي بمكتل (زنبيل فيـه تمر) نادى: أين المحترق؟ فقام الرجل فقال له: تصدق بهذا. وفي رواية أنه جاء يقول احترقت، احترقت.

فهذه الرواية كلها تدل على مدى تصور الصحابة الذين تذكر قصتهـم لخطورة الفعل الذي أتوه ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلم واحدا منهم، ولم يؤنبه، ولم يعاقبه، وإنما التمس لهم كفارة من مال الصدقة، فلما تصادف أن أحدهم كان فقيرا جعله يطعم الكفارة أهل بيته، وضحك من قوله ما بين لابتيها (صخرتان تحدان المدينة) أحد أفقر منا، حتى بدت نواجذه صلى الله عليه وسلم.

وقد يأكل الصائم أو يشرب وهو ناس، والنسيان أمر لا ينفك عن أحد من الناس ولا ينجو من وقوعه بشر، والأصل أن الصوم هو الامتناع عن الطعام والشراب، ومع ذلك فإن يسر التشريع يتبدى في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الصائم إذا نسى فأكل وشرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه (البخاري ج 4/ 134 و 135 ومسلم رقم 1155).

فالطعام والشراب اللذان يصيبهما الناس لا يفسدان صوما ولا يـوجبان عليه قضاءه، بل إن رحمة الله تبارك وتعالى جعلت رسـول الله صلى الله عليه وسلـم ينسب هـذا الطعام والسقي إلى الله سبحانه بقوله: فإنما أطعمه الله وسقاه حتى لا يشعر المسلم إذا غلبته ضرورة النسيان بذنب أو إثم أو تأنيب ضمير، بسبب لا يملك له منعا، بل يشعر بأن هذا الذي وقع كان من فضل الله عليه ورحمته به.

والنظافة من الإيمان. والصوم بما هو امتناع عن الطعام والشراب يؤدي إلى تغيير رائحـة الفم، ولأن الفطرة السليمة تنفر من هذا التغيير فقد مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك حتى لا يتأذى الصائم به ولا يكرهه، بل ينتظر ثوابه من الله تبارك وتعالى.

ومع ذلك فإن مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم للفطرة الإنسانية جعلته يضرب المثل والقدوة بنفسه صلى الله عليه وسلم، فقد حكي من حالة عامر بن ربيعة قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مالا أحصي ليستاك وهو صائم، وبالرغم مما في سند هذه الرواية من مقال فقد حسن الترمذي رحمه الله هذا الحديث وقال: " حديث حسن ".

والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون بالسواك للصائم بأسا، إلا أن بعض أهل العلم كرهوا السواك للصائم بالعود الرطب، وكرهوا له السواك آخر النهار، ولم ير الشافعي بالسواك بأسا أول النهار ولا آخره....؟ (سنن الترمذي ج 3/ 95).

وهذا الفعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبول أهل العلم للعمل به، كما قال الترمذي، دليل على تيسير الإسلام ومراعاة الفطرة الإنسانية، ليس في الضرورات فحسب، بل فيما هو من الكمالات كذلك.

فالناظر في السنة المشرفة كما يقف على وجوب الصيام، ويقف على فضل الشهر الذي فرض الله صومه، وأنه تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، ويغفر الله ما تقدم من ذنب من صامه إيمانا واحتسابا، ويغفر ما تقدم من ذنب من قام ليلة القدر، ومن قام لياليه كلها إيمانا واحتسابا، وكما يطلع على تحريم الطعام والشراب وتحريم سوء الخلق وتحريم بعض المشتهيات الغريزية، فإنه يطلع على صور التيسير، في أحكام الصيام التي ذكرناها، وفي كثير غيرها مما لم نذكر ليعلم أن هذا الدين يسر كله، وأن أحكامه حتى ما كان منها تعبديا محضا، تراعي الفطرة الإنسانية وتيسر على الناس معاشهم لتصلح لهم بالطاعة والامتثال معادهم.

 

محمد سليم العوا

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




هل هلالك شهر مبارك .. رمضان صيام وقيام





للصائم فرحتان إحداهما مع التمر





الملبس والمكسرات للقرقيعان عند اقتراب نصف رمضان