أهازيج الأطفال الشعبية في رمضان محمد رجب النجار

أهازيج الأطفال الشعبية في رمضان

إن المتأمل للفلكور الرمضاني يدرك تماما كيف تستعد المجتمعات الشعبية لهذا الشهر كاشفة عن مدى ما للشهر الفضيل من سلطان جليل على النفوس دينيا واجتماعيا. فهو على المستوى الشعبي ليس شهرا للطقوس الدينية فحسب بل هو أيضا شهر الاحتفالية الكبرى التي تنتظرها المجتمعات العربية.

كانت المجتمعات الشعبية - ومنها المجتمع الشعبي الكويتي - تتهيأ لاستقبال هذا الشهر (المبارك) قبل حلوله بعشرة أيام على الأقل - وربما أكثر - وعلى نحو يؤكد الأهمية الخاصة لهذه المناسبة الخاصة - فتنشط الحركة الاقتصادية في الأسواق الشعبية، ويهرع الناس إلى تخزين المواد الغذائية اللازمة لإعداد "الأكلات الشعبية الرمضانية" التى ينبغي لها أن تحتل موقع الصدارة على موائد الإفطار معظم أيام هذا الشهر (الكريم) ومن الجدير بالذكر أن تجهيز بعض هذه المواد، كان يحتاج إلى إعداد خاص (مثل إعداد الهريس في المجتمع الكويتي القديم، بكل طقوسه الاجتماعية وأهازيجه الشعبية التى كانت تترنم بها النساء أثناء العمل في إعداد الهريس) ويصل الإستعداد الشعبي لهذا الشهر ذروته في اليوم الأخير من شعبان، التى تتجلى عندئذ في أمرين، أحدهما: يعرف في المجتمع الشعبي الكويتي الذى نتحدث عن أهازيج أطفاله في هذه المقالة الوصفية، باسم "يوم القريش" (تنطق القاف هنا جيما مصرية) الذى كان يودع فيه الكويتيون آخر يوم من أيام الفطر، ويستعدون لأداء فريضة الصيام، وقد اختفت هذه العادة الشعبية الآن، التى كانت تسعد أكثر ما تسعد الأطفال من بنات وصبيان الأحياء (الفرجان) الذين كانوا يصحبون أمهاتهم الذاهبات إلى شواطئ البحر للغسيل والاغتسال، حيث كان الأطفال يحسبون لهذا اليوم حسابه ويحتفون بمقدمه، ليس لما يتيحه لهم هذا "التجمع" من فرص اللعب والإستحمام في البحر فحسب، بل لما ينطوي عليه أساسا من دلالة خاصة، تعني حلول شهر الصيام في اليوم التالي.

والأمر الآخر يبتدئ في "رؤية هلال رمضان" حيث يتهيأ الناس - آخر اليوم - لرؤية الهلال، التى كانت تأخذ في الماضي شكلا كرنفاليا أثيرا في المجتمعات الشعبية، وخاصة الحواضر الكبرى، على المستويين الرسمي والشعبي، وتعرف باسم "مواكب الرؤية" التى حفلت كتب الرحالة قديما بوصفها، باعتبارها ذروة الطقوس الدينية والاجتماعية أو الطقوس الفولكلورية التي تسبق الصوم مباشرة، مؤذنة - في حالة ثبوت الرؤيا بالطبع- بالشروع في الصوم. وعلامتها عندئذ إطلاق "المدافع" عدة طلقات، يعقبها مباشرة بدء الإحتفال الكرنفالى، إيذانا ببدء شهر الصيام، فيتبادل الناس التهاني التقليدية في مثل هذه المناسبة، وتدب الحياة في ليل المدينة، وتنشط الحركة في المكان وتزهو الحوانيت بأضوائها، وتعمر المقاهي بالرواد حتى موعد السحور (وعادة إطلاق المدافع في رمضان، عادة قديمة تعود إلى مصر المملوكية سنة 859 هجرية = 1454 م). وقد عرفها المجتمع الكويتي فيما بعد. وكان يطلق على المدفع "طوب أو وارده" وفي هذه الليلة ينشط المسحراتي أو (أبوطبيلة) كما يسمى في الكويت، في ممارسة دوره التقليدي الأثير في المجتمعات الشعبية العربية باعتباره مظهرا اخر من مظاهر الطقوس أو الاحتفالات الفولكلورية الرمضانية، وما أكثرها، نقف على ما يتعلق منها بما يعرف علميا باسم "فولكلور الأطفال" الرمضاني خاصة، كما تصوره الأهازيج الشعبية أو أغاني الأطفال في المجتمع الكويتي التى كانوا يترنمون بها قديما، ولا تزال قائمة على نحو من الأنحاء حتى اليوم. ربما كان أكثر ما يسعد الأطفال ويبهجهم أن رمضان - قديما - هو شهر الانطلاق الليلي.. الأمر الذى لم يكن يتاح لهم ممارسته في سائر الشهور. ربما بسبب الظلام الذى يلف هذه الشوارع ليلا، خلال هذه الشهور وربما بسبب نوم أهليهم بعد صلاة العشاء مباشرة، وربما بسبب الخوف من الكائنات الخرافية الليلية.. وغير ذلك.

أما في شهر رمضان فالأمر جد مختلف، فالأهل ساهرون، والشوارع مضاءة، والمساجد عامرة بالمصلين، والمقاهي غاصة بروادها حتى مطلع الفجر، والأمهات ساهرات في اعداد طعام السحور، أو أداء بعض الزيارات والحركة دائبة في الأسواق والفرجان (الأحياء) ومن ثم كان الأهل متسامحين مع أطفالهم في السهر- ما شاء لهم السهر خارج المنزل خلال ليالي رمضان.. والأطفال أنفسهم لا يخشون الخروج في أية ساعة من ساعات الليل، لاعتقادهم الموروث عن الأهل بأن الجن والعفاريت والشياطين مكبلة في أغلالها، مصفدة في قيودها، خلال هذا الشهر الفضيل.. على نحو ما هو معروف في المعتقدات الدينية الشعبية وأن الملائكة وحدها تطوف بنورانيتها على الساهرين وتساعد في اشاعة السكينة والأمان، وتبشر الصائمين بالثواب والرضوان. ويؤكد الرواة من كبار السن - والمعمرين الكويتيين أن الأطفال قديما- بنين وبنات- ما كانوا يتركون مناسبة تمر عليهم إلا وكانت لهم فيها بعض الأهازيج أو الأغنيات الشعبية الموروثة (لذلك فهم لا يعرفون مؤلفها أو ملحنها وتقوم على التكرار اللفظي واللحني، وتتسم ببساطة الكلمة وحيوية اللحن، وجماعية الأداء). يرددونها في هذه المناسبة أو تلك تعبيرا عن فرحهم أو غضبهم، أو ما شابه ذلك. وتحفل الذاكرة الشعبية في الكويت بالكثير من مظاهر الفولكلور الرمضاني التى تتعلق بالأطفال.

للبنات لحن وللصبيان آخر

إذا ما مضت بضع عشرة ليلة من ليالي رمضان، وانتصف الشهر أو يكاد، يشرع أطفال الكويت على مدى ثلاث ليال متتاليات (هي ليلة اليوم الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من رمضان) في التجمع عقب الإفطار مباشرة، على شكل جماعات وأفواج، لكل منها "قائد" أو "كبير" للطواف على البيوت، طالبين القرقيعان (بالجيم المصرية) أو المخلط (المكسرات) وفي يد كل منهم بعض الأدوات البسيطة من طبول وطويسات للقرع أو القرقعة عليها، وفي رقبة كل منهم أيضا كيس خاص يعرف باسم كيس القرقيعان، سبق أن أعدته الأمهات لهذه المناسبة خاصة. ويبدو أن كلمة قرقيعان اسم صوت مستمد من قرقعة الصوت الذى كان يحدثه الأطفال عند النداء على أصحاب البيوت أو القرع على أبواب المنازل طلبا لهذا القرقيعان أو المخلط الذى يتكون عادة من النقل والسبال المحموس والنخى والبذور أو الحب، والتين والقناطي والجوز والبيذان (اللوز) والبندق والملبس وبعض الحلوى الأخرى المتاحة (والنقود أحيانا).. وتعد هذه الصورة الفولكلورية- أشهر صورة فولكلورية مأثورة عند أطفال الكويت في رمضان، وأحبها جميعا الى نفوسهم وقلوبهم، شأنهم في ذلك شأن سائر الأطفال العرب في سائر الشعوب العربية. وتتجلى شهرتها، بل روعتها، كما يقول كبار السن من الكويتيين، أنهم يوم كانوا صغارا، كانوا ينتظرون هذه المناسبة بفارغ الصبر، وأنهم كانوا يتجمعون في السكيك عقب الافطار للمرور على البيوت يطلبون القرقيعان.. وأنهم لم يكونوا يتصورون مطلقا أن ثمة (رمضان بغير قرقيعان).

ولهذا لا غرو أن تظل هذه الصورة الفولكلورية حية حتى اليوم، دون غيرها من كثير من الصور الفولكلورية الرمضانية التى توشك أن تتلاشى بفعل الواقع الجديد الذي فرض نفسه، بعد النفط. وكان طبيعيا أن ترتبط بأشهر صورة فولكلورية رمضانية، أشهر أغنية رمضانية أيضا هى أغنية القرقيعان.. وهي أهزوجة يختلف أداؤها عند البنات عنه عند البنين. وربما كان- لهذا السبب- أن جاءت أهزوجة البنات، الأفضل لحنا والأحسن ايقاعا، والأطول نصا، قياسا الى أداء الصبية المتعلجين دائما، اذ تغنيها البنات أمام كل بيت من بيوت الحي أو الفريج، على النحو التالى:

قرقيعان وقرقيعان
بيت قصير برميضان
عادت عليكم صيام
كل سنة وكل عام.........
يا الله، سلم ولدهم
يا الله، خله لأمه
عسى البقعة ما تخمه
ولا توازى على أمه.......
عطونا الله يعطيكم
بيت مكة يوديكم
يا المكة يا المعمورة
يا أم السلاسل والذهب والنورة........

أما الصبية أو الأولاد فتقتصر أهزوجتهم على مقطع أو بالاحرى نصف مقطع، يرددونه ايذانا بطلب نصيبهم من " المخلط " أو القرقيعان، هو:

سلم ولدهم.. يا الله
خله لأمه .. يا الله

وهم حين يدعون الله قائلين (سلم ولدهم) فإنهم يذكرون اسم الولد أو البنت إذا كانوا يعرفونه أو يسميه لهم أصحاب البيت. فإذا ما تباطأ أهل الدار قليلا، صاح الأطفال مرددين بعض العبارات الشعبية (المحفوظة) الدالة على تعجلهم وحث أهل الدار على سرعة الخروج إليهم، على نحو ما كان يفعل أشقاؤهم من أطفال مصر، في أغنيتهم الشهيرة "وحوي يا وحوي" أي الوحا الوحا.. التى تعني في اللغة العربية الفصيحة، الحث على السرعة والعجلة (فهى اسم فعل أمر بمعنى أسرعوا وعجلوا) وأشهر عبارة شعبية كان يرددها أطفال الكويت، حين كان يتباطأ أصحاب البيت عليهم هى "يسوق الحمار (أو الحمير) لو ما يسوق" وكان يصيح بها كبير المجموعة أو قائدها.

والطريف أنها عبارة مأثور، كان يصيح بها في الأصل- (أبو طبيلة) أي المسحراتي الكويتي، حين كان يقوم أيضا بجمع نصيبه هو الآخر من القرقيعان، وإن كان يختلف عما يعطى للأطفال، فإذا ما تباطأ عليه أصحاب البيت، ردد عبارته السابقة.. وكان قرقيعانهم الذى يقدمونه له في هذه المناسبة صحونا مليئة بالهريس أو المحلية والتشريب وغير ذلك من أطعمة شعبية كويتية (وبالمناسبة فهو شخصية فولكلورية رائعة وأثيرة خاصة عند الكويتيين القدماء، بحماره الضعيف، وخرجه الشهير، وطبله الصغير أو الكبير، وصوته الشجي، حيث لا يمكن للأيام أن تمحوها من الذاكرة الشعبية) فإذا كان جواب أهل البيت ايجابيا، يقولون "ما يسوق" وعندئذ يضطر الأطفال إلى إعادة أغنية القرقيعان مرة أخرى، وربما ثالثة حتى تطل عليهم الأم -مثلا- وهي تحمل طفلا أو طفلة صغيرة، وتقول لهم "قولوا الله يسلم فلان أو فلانة " وتسميه لهم، فيفعلون ويغنون من جديد:

سلم (حمود) يا الله
خله لأمه يا الله

غير أن العرف أو العادات والتقاليد قد فرضت على صاحب كل بيت أن يكون مستعدا لمثل هذه المناسبة، أيا ما كانت ظروفه المادية.. بوقت كاف وبكميات كافية. وحتى لا يغادر الأطفال باب بيته مكسوري الخاطر" على حد تعبير أحد الرواة. فإذا ما انتهى أطفال القرقيعان بعد ساعات - تقصر أو تطول- من التطواف، على جميع بيوت الحي أو الفريج، عادوا فرحين بما غنموا، متباهين بما جمعوا، بعد أن يقوم قائد المجموعة أو كبيرها بتوزيعها عليهم بالتساوي، وربما عمد بعضهم، بعد أن يعود إلى بيته إلى تصنيف حصيلته القرقيعانية إلى مكوناتها بحسب النوع أو الصنف أو الكمية في لذة بالغة، وربما حرص بعض الأطفال على (التقرقع) نهارا طلبا للمزيد، حتى يتسنى له التباهي، بين أقرانه، بما جمع.

عادت عليكم

بانتهاء أيام القرقيعان، يعود الأطفال إلى ممارسة ألعابهم الليلية، في الحارات والسكيك أو البراحات أو الساحات القريبة من منازلهم، على نحو ما كانوا يفعلون قبل ليالي القرقيعان. وتؤكد كثيرات من كبيرات السن الكويتيات، أن الأغنية الأثيرة لديهن، ولدى أترابهن في رمضان انذاك كانت أغنية "يا من باس العريس" على الرغم من كونها كانت شائعة على مدار العام، الا أنها كانت تذيع أكثر ما تذيع في رمضان، وكان يحلو- أكثر ما يحلو- للبنات أداؤها في الأيام الأخيرة من رمضان، أثناء اللعب، في إيقاع شعبي جميل، يجمع بين بساطة اللحن وعفوية التعبير. ويزيدها الأداء الجماعي جمالا أثناء اللعب، إذ تقف البنات على شكل مجموعة وتمسك كل واحدة منهن بخصر زميلتها، ويأخذن في الغناء، حيث تقم واحدة منهن بإنشاد بيت أو بالأحرى شطر، وترد عليها المجموعة باخر كلمتين أو آخر جملة. وذلك على النحو التالي:

يا من باس العريس يا من باسها.. يا من باسها
يا من سطر اللولو على رأسها.. على رأسها
جابوا لها القبقب وقالوا إلبسيه.. وقالوا إلبسيه
قالت والله ما ألبسه ولا يهمني.. ولا يهمني
ولا يهمني إلا أخوى زين الشباب.. زين الشباب
عنده قلم فضه ويكتب كتاب.. ويكتب كتاب
عنده عروسه على ركيته.. على ركيته
يمسح بسايلها حباب حباب.. حباب حباب

(ينطق حرف القاف جيما مصرية، والعريس هنا العروس) على حين يذكر بعض كبار السن من الرجال أنهم في العشر الأواخر من رمضان- وهم صغار- كانوا يهرعون فورا للسير وراء (أبوطبلية) أو المسحراتي، بمجرد سماع صوته، ويصبحونه خلال هذه الفترة في تطوافه ليلا أو تجواله نهارا، على المنازل التي كان يقوم بتسجير أهلها، لجمع ما تجود به نفوسهم من أجر يقدم له نظير عمله كالقمح أو الدقيق أو التمر أو الأرز، وأحيانا النقود، وما شابه ذلك، وكان هذا الأجر يطلق عليه آنذاك "فطر" في موكب احتفاليا طريف، حيث الأطفال من خلفه يسيرون ويصفقون، قد يشاكسونه أحيانا، وقد يحملون عنه "الفطرة" إذا فاض عنها خرج حماره.. وهم يرددون معه أو خلفه بعض نداءاته التي كان يخاطب بها- عادة- أصحاب البيوت، بعبارته الشهيرة "عادت عليكم" (أي عادت السنة ثانية عليكم بالخير) فيردد الأولاد خلفه بقية عبارته التقليدية "والشر ما يجيكم" بإيقاعها اللحني البسيط، وتصبح الأهزوجة على هذا النحو:

أبو طبيلة: عادت عليكم
الأطفال: والشر ما يجبكم

كذلك كان الأطفال قديما يحرصون أيضا على مصاحبة (أبو طبيلة) في الأيام الثلاثة الأخيرة من رمضان، وهو يطوف في الأحياء (الفرجان)، ليلا أو نهارا، ليودع شهر رمضان، مترنما ببعض الأهازيج الدينية الحزينة التي كان يحرص الأطفال على ترديدها معه، من مثل:

الوداع الوداع.. يا شهر رمضان
وعليك السلام.. يا شهر الصيام
والغفران من الله.. يا الله تعوده

ويذكر بعض كبار السن من الكويتيين، أن اليوم الأخير من رمضان كان يسمى قديما في الكويت يوم النشر (والصحيح أنه يطلق على يوم الوقفة على عرفات قبيل عيد الأضحى) وأيا ما كانت التسمية.. فإن اليوم الأخير من رمضان كان يحمل كثيرا من البشرى للأطفال، خاصة الصائمين منهم، فهو اليوم الذي يسبق عيد الفطر (أو عيد رمضان، كما يسمى في الكويت) حيث تتحقق فرحة الأطفال القصوى آنذاك، واللهفة الكبرى والمرتقية- بفارغ الصبر- للحصول على العيدية" وارتداء ملابس العيد الجديدة (التي كان يحرص الأطفال على أن تكون معهم في غرفة نومهم، ليلة العيد).. وكانت طقوس هذا اليوم الأخير، أو بالأحرى أهازيجه تحمل معاني البهجة والفرحة والسعادة بمقدم العيد:

باكر العيد، وندبح ابقره
جيبوا مسعود، كبير الخنفره

أو في رواية أخرى:

وننادي مسعود، كبير الخنفره

فإذا ما تناول الأطفال طعام الأفطار، أخذوا يترقبون رؤية هلال العيد، وفي أيديهم أعلام الكويت، فإذا ما ثبتت الرؤية أخذوا في الغناء، وتبادل التهاني، والمرور على المنازل، طالبين "العيدية":

كاسيروه دله
أربع بيزات دله
نهنيكم بالعيد (السعيد) يا الله

وعلى الرغم من أن هذه الأغنية في الأصل من أغاني عيد الأضحى إلا أن الأولاد- أحيانا- كانوا يترنموا بها في عيد رمضان طلبا للنقود. فإذا ما جمعوا أكبر قدر منها هرعوا يوم العيد إلى الأمكنة التي تتجمع فيها المراجيح والدوارف التي يتفنن أصحابها في تزيينها لإغراء الأطفال بركوبها، ولجذبهم إليها عن طريق الأهازيج التي تدفعهم إلى الركوب، مثل:

عيد يا سعيد.. عيد
... ... ...

أو مثل الأهزوجة التي تنطق فيها الكاف شينا في اللهجة الكويتية:

ما عيدوه، إمسيكين
عطاه الله إسكيكين

وغير ذلك، مما يدفع الأطفال دفعا إلى ركوب هذه المراجيح أو الدواليب (وأم الحصن دارت). ويذكر كبار السن أنه كان ثمة أهازيج يترنمون بها عند الركوب، غير أنهم لم يعودوا يذكرونها اليوم.. فضاعت نصوصها من ذاكره الزمن وذاكرة الرواة. وكان بعض الأطفال والفتيان يذهبون إلى السوق مع أهليهم لركوب الحمير التي كان أصحابها يقومون بتزيينها بالحناء في هذه المناسبة لجذب الفتيان إليها. أو يقومون بركوب السيارات اللوري التي نأخذهم إلى مناطق مثل حولي، وهم يغنون "حولي خله يولي" أو يركبون العربات التي تجرها الأحصنة، وهم يرددون:

عربانه أم حصان
تمشي وتلقط رمان

إلى غير ذلك من الأهازيج الشعبية التي يرفه بها الأطفال عن أنفسهم في هذه المناسبة السعيدة، فتملأ عالمهم البسيط والعفوي آنذاك، بجو من السعادة والبهجة والمرح البريء.

***

ومن اللافت حقا للنظر، أن مثل هذه الأغاني والأهازيج الشعبية التي يترنم بها الطفل الكويتي، في رمضان والعيدين، هي ذاتها التي يترنم بها الطفل العربي في سائر المجتمعات الشعبية في الوطن العربي، وإن اختلفت بعض مفرداتها اللغوية أو اللفظية بسبب اختلاف اللهجات المحلية والإقليمية، وذلك على النحو الذي تتأكد معه- قوميا- وحدة الوجدان الشعبي العربي، وقد ترسخت في الضمير الجمعي العربي، منذ اللحظات الأولى التي يتشكل فيها- فولكوريا- وجدان الطفل العربي. فإذا ما وضعنا في الاعتبار أن الإبداع الشعبي ليست إلا دالا إشاريا على بنية أكبر، هي بنية المجتمع المنتج للثقافة الشعبية- والفولكلور أبرز منجزاتها- استطعنا أن نعي معنى أن يكون الفولكلور العربي مكونا حيويا من مكونات الذات العربية العامة، لا على مستوى الكبار فحسب، بل على مستوى الصغار أيضا، فيما يعرف علميا باسم "فولكلور الأطفال" وليست الأهازيج والأغاني الرمضانية هنا إلا عينه، أو بالأحريي "ميكرو- عينه" تدل- فيما تدل- على وحدة "فولكلور الطفل العربي" ومدى تماثله أو تشابهه- على امتداد الزمان، واتساع المكان، وانتشار الثقافة الشعبية العربية- وهي وحدة تمتد جذورها العميقة- منذ اللحظات الأولى لميلاد الطفل العربي- في بنية المأثور الشعبي الإسلامي العام.

 

محمد رجب النجار

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




أهازيج الأطفال الشعبية في رمضان