إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي

البهارات والبترول والشمس!

مَن منا لم يتذوق وجبة الفول من دون الفلفل الأسود والكمون، وكيف هو مذاقها من دونهما؟ أو تناول وجبته الشهية من اللحم من دون البهارات. فتخيل أنك قد تذوقت هذه الوجبات من دون إضافة بعض البهارات إليها، بالقطع سوف تعف نفسك عنها. بالضبط هذا ما حدث لجنود الحملات الصليبية الأولى فلم يكن منهم من يعرف مذاق الأكل الشرقي والمحضر بإضافة التوابل المختلفة، وحين تذوقوا هذه النكهة الشرقية المتبلة أصبح مذاق غذائهم الخالي منها لا يمكن استساغته بعد ذلك، فصار هدفهم الأول هو استمرار الحصول على هذه التوابل الشرقية مهما تطلب الأمر، بالتجارة أو الحرب ولاحقًا بالتوجه للاستكشافات الجغرافية التي غيرت تاريخ الإنسانية. فبعد هزيمة الصليبيين المنكرة على يد صلاح الدين وهزيمة لويس التاسع بمدينة المنصورة وانسحاب القوات الصليبية تدريجيا من منطقة فلسطين، لم يتبق للدول الغربية سوى طريق التجارة مع الدول الإسلامية العربية وخاصة الدولة المملوكية الناشئة عن طريق عبور بضاعتهم وخاصة تجارة البهارات والحرير عن طريق السويس- الإسكندرية ثم إلى البندقية، فباقي مناطق أوربا. والحقيقة الثابتة أن المماليك قد استغلوا هذه الحاجة للتجارة بفرض مكوس وضرائب مغالى فيها مما دفع حكام الدول الأوربية إلى تمويل بعثات استكشافية للبحث عن طريق آخر لا يمر بدولة المماليك ومصر. وباقي القصة معروفة من حيث استكشاف طريق رأس الرجاء الصالح بواسطة بارثو لوميو دياز وتبعه فاسكو دي جاما بالوصول إلى الهند واكتشاف أمريكا فور سقوط دولة الأندلس.

بعد حملة نابليون وبداية الصحوة وتولي محمد علي باشا الولاية على البلاد ومحاولته إنشاء الإمبراطورية المصرية الجديدة التي امتدت من أوغندا جنوبًا وحتى كاد أن يصل إلى عاصمة الدولة العثمانية نفسها وإلى اليمن والخليج العربي شرقًا، واستمرت حتى دخول مصر تحت نير الاستعمار الإنجليزي ومساندة العرب للإنجليز في طرد الدولة العثمانية من الشرق العربي واتفاقية سايكس- بيكو وتوزيع الدول العربية على الأطراف المنتصرة وإصدار وعد بلفور، كل هذا معروف لنا. وهنا يحدث الخطب الأكبر الجديد المساوي من الناحية التاريخية لاكتشاف التوابل في الفكر الغربي ألا وهو اكتشاف البترول في الدول العربية عامة والخليجية خاصة، فبعد تذوق نعيم الحياة الذي يوفره البترول من حياة رغدة وتجارة واسعة، عاد الغرب إلى عادته القديمة من الكيد والتآمر على دول العرب وذلك لنهب ثروتهم الجديدة من البترول.

اليوم، العرب وبلادهم مازالوا يملكون مصدرًا لا ينضب من الطاقة قد لا يتوافر طوال العام في أي مكان آخر بالعالم ألا وهو سطوع الشمس لمدة لا تقل عن 300 يوم أو أكثر في السنة، فعلى الغرب الاستعداد من الآن للجولة الثالثة مع العرب (البهارات فالبترول فالشمس) فالخطط والبحوث العلمية عندهم (فنحن الآن في عصر الاكتشافات العلمية) تجري على قدم وساق لاستغلال الطاقة الشمسية بصورها المتعددة من الحرارية والكهروضوئية والكيمياء الضوئية ... إلخ، لإنتاج طاقة نظيفة متجددة لا تنضب. وتوضع الخطط منذ الآن في الغرب لكيفية استغلال هذه الطاقة المتوافرة لدى الدول العربية، فمن عقد اتفاقيات لمد خطوط كهرباء عبر الدول تحت مسمى تبادل الطاقة الكهربية بين دول الجنوب والشمال، بل ومساعدة بعض المراكز البحثية العربية على إجراء بحوث ضعيفة سطحية لا تنتج شيئًا فقط لإلهائنا بأننا نساهم في هذا المجال؟! فعند الوقت المناسب تكون خطوط نقل الكهرباء جاهزة لنقل الطاقة المنتجة من الشمس إليهم ويكون كل ما أنجزناه في هذا المجال هو كيفية المساهمة في نقلها إليهم والمحافظة على تلك الخطوط. ونصبح في الوضع الحالي نفسه خاضعين إلى التلاعب فى أسعار المعدات والكهرباء كما هو الوضع الحالي بالنسبة لأسعار البترول المنتج من أرضنا. قال فاسكو دي جاما بعدما وصل إلى أطراف شرق إفريقيا وتحديدًا «موزمبيق» «الآن طوّقنا المسلمين ولم يبق إلا أن نشد الخيط». مَن منا يقرأ التاريخ، عجبي!.

 

 

علاء الدين عبدالحميد بهجت