عِندَما يكْتَسِي الكَوْنُ بالبَياضِ الأبديّ: رِحْلَةُ الحَجِّ المُبارَكَةُ في الأُغْنيةِ المُعاصِرَة

عِندَما يكْتَسِي الكَوْنُ بالبَياضِ الأبديّ: رِحْلَةُ الحَجِّ المُبارَكَةُ في الأُغْنيةِ المُعاصِرَة

كُنّا قد توقَّفْنا في العددِ رقم (621) من «العربي» (أغسطس 2010م) مع ثلاث من القصائدِ الدينيّةِ لأميرِ الشّعراءِ أحمد شوقي التي غنّت السيّدة أمّ كُلثوم أبياتًا مُختارةً من كلٍّ منها، وأرجأنا الحديثَ عن القصيدةِ الرابعةِ التي تدورُ حولَ رحلةِ الحجّ، وهي قصيدة «إلى عرفاتِ الله» ليكونَ ذلكَ بمناسبةِ هذهِ الرحلةِ المُباركة.

غيرَ أنَّ الحديثَ عن هذهِ الرائعة من حيث هيَ أغنية لن يكونَ مُكتملاً إلاَّ بالتطرّقِ لعلامتينِ أُخريينِ من بينِ عشراتِ الأغنياتِ التي أبدعها فنانو الأغنيةِ عن الحجّ، ألا وهما «يا رايحين للنبي الغالي» التي غنّتها ليلى مراد في فيلم «بنت الأكابر» (1953م) ثمّ خرجتْ منهُ إلى الأثيرِ الطَّلقِ لتتحوّلَ إلى عطرٍ يفوحُ تلقائيًّا بمجرّدِ بَدْءِ الاستعدادِ للسفرِ إلى الأراضي المقدّسة، ثمّ رائعةُ أمّ كلثوم الأخرى التي تُضارعُ «إلى عرفاتِ الله» وتقفُ إلى جوارِها رأسًا برأس، وأعني بها «دعاني لبّيتُه» المشهورةَ بـ «القلب يعشق»، ويشاءُ القدرُ أنْ تكونَ الأغنياتُ الثلاثُ من ألحان رياض السنباطي، أعظم من لحّنَ المعاني والصورَ فصحى كانتْ أو زجليَّةً بالعاميّةِ الدَّارجة وجَعَلَها كائناتٍ حيّةً تمرحُ في تكوينِنا وذكرياتِنا كالفراشاتِ الملوّنة.

يا رايحين للنبي الغالي

قد لا يعرفُ الكثيرونَ أنَّ مؤلِّفَ هذهِ الأغرودةِ العذبةِ اللصيقةِ بالروحِ والوجدانِ هو الأديبُ النابغة المتعددُ الإبداع أبو السعود الإبياري، صاحبُ البصمةِ الواضحةِ في مسيرةِ الكوميديا العربية، سينما أو مسرح، فما قدّمَهُ مع إسماعيل ياسين فقط يكفي لكي تراهُ الأجيالُ مُبدعًا كبيرًا، وفي مجالِ الأغنيةِ يقفُ على قمّةٍ عاليةٍ أيضًا بما كتبهُ لكبارِ مطربينا، في الأفلامِ التي كتبها أو غيرِها، وربّما كانَ أصغرَ مبدعٍ تُنْشَرُ أعمالُهُ وهو طفلٌ في المرحلةِ الابتدائيّة! غيرَ أنَّ كثيرينَ ينسبونَ الأغنيةَ إلى الشاعرِ الغنائيّ حسين السيّد الذي شاركَ في كتابةِ أغنياتِ الفيلم، وجاءت مقدّمةُ الفيلمِ خاليةً من الإشارةِ إلى أبي السعود الإبياري إلاّ في كونِهِ صاحبَ الحِوار، ولهذا، ذهبَ الكثيرونَ إلى اعتبارِ الأغنيةِ من كلمات حسين السيّد، لكنّها لأبي السعودِ الإبياري، وقد تأكَّدتُ من ذلكَ بنفسي من واقعِ سجلّاتِ الإذاعةِ المِصْرِيَّة.

الأغنيةُ موكِبُ زفافٍ محفوفٌ بالبياضِ والفرحةِ والشوقِ واللهفة، يستهلُّهُ السنباطي بترديدٍ جماعيٍّ للفظِ الجلالة «الله» والتنويعِ عليهِ صعودًا وهبوطًا وسطَ حضورٍ طاغٍ للدفوفِ والناي، والآلتانِ من رموزِ الاحتفاليّاتِ الدينيّةِ بمصرَ خصوصًا في الموالدِ الكبرى، وفي قلبِ هذا الفورانِ الروحي يأتي صوتُ ليلى مُراد مُناديًا القريبَ ثمّ البعيدَ منْ ضيوفِ الرحمنِ فتبدأُ بالهمسِ ثمَّ ترتفعُ النبرةُ بصوتٍ يكادُ يضيء:

يا رايحين للنبي الغالي.. هنيّالكم وعُقبالي
الله.. الله....

بعد الاستهلالِ يأتي التمنّي بأنْ لو كانتْ مَعَهُم، تؤدِّي الفريضةَ وتملأُ قلبَها بنورِ الحبيب (عليه الصلاةُ والسلام) وتملأُ عينيها برؤيةِ الأماكنِ المقدّسةِ وهيَ تؤدّي الشعائر، غيرَ أننا يجبُ ألا نتغاضى عن الخطأ في نُطقِ كلمةِ «مِنى» بكسرِ الميم إذ نطَقَتْها «مُنى» بضمّها!!

يا ريتني كنت ويّاكم.. واروح للهادي وأزوره
وابوس من شوقي شِبّاكُه.. وقلبي يتمِلِي بنوره
واحجّ واطوفْ سبع مرات.. والّبي واشوف مِنى وعَرَفات
واقول ربي كتبْها لي.. يا رايحين للنبي الغالي

الله.. الله.. الله. الله

يكمنُ سرُّ جمالِ الأغنيةِ في عمقِ بساطتها التي تصلُ إلى أطرافِ مُعْجَمِ العامّةِ والأبرياءِ في ريفِ مِصرَ: «هنيّا لكم (هنيئًا لكم)، وعُقبا لي (العاقبةُ لي، أي.. المرّةُ المُقْبِلَةُ تكونُ لي)، أبوس من شوقي شِبّاكُه، أمانة الفاتحة....»، بالإضافةِ إلى جعلِ الغرضِ الرئيسِ للأغنيةِ هو «زيارة النبي الغالي»، والفريضةُ في الأساسِ هي الحجُّ إلى بيتِ اللهِ الحرام (الكعبة) وأداءِ الشعائرِ بترتيبِها ومواقيتِها، لكنَّ براءةَ العامّةِ والطيّبينَ من أهلِنا أضفتْ تعبيراتِها الفطريّةَ على الرّحلةِ المقدّسَةِ، وتراكمتِ التعبيراتُ على مرِّ القرونِ، وتسرّبت إلى نسيجِ الابتهالاتِ وقصائدِ الشعراءِ والأغنياتِ الدينيّة.

وقد التزمَ أبو السعود الإبياري في رائعتِهِ بالبحر ِالشعريّ» (مجزوء الوافر) «، وهوَ منَ الأبحُرِ الصافيةِ التي تُرهِقُ المُلَحِّنَ، ولكِنَّ السُّنباطي استطاعَ أنْ يفلِتَ من قيدِ الموسيقى الشِّعريَّةِ فلمْ يستسلمْ لخطوتِها المعتادَةِ، وراحَ يلوِّنُ كلَّ بيتٍ انطلاقًا من المعاني والصورِ بعيدًا عن قوانينِ الخليل بن أحمد، ليعطيَنا كلَّ هذا الجمالِ في حوالي خمس دقائقَ وأربعين ثانية!!

وبالرّغمِ منْ أننا نشاهدُ ليلى مراد تؤدّي الأغنيةَ في الفيلمِ وهي ترتدي الملابسَ السوداءَ وتُطلُّ من الشُّرفة، فإنني كلّما استمعتُ إليها لا أرى سوى البياضِ بدءًا من صوتِها الذي يوشِكُ أنْ يضيءَ إلى ملابسِها التي تتلاشى في خيالي وتتحوّلُ إلى ملابسِ إحرام، وتختفي الشّرفةُ تمامًا وتحلُّ محلَّها غَيْمَةٌ بيضاءُ في أعالي السماء!!!

دعاني لَبَّيتُه
(القلب يعشق)

بالرّغمِ منْ أنَّ أمّ كُلثوم قد غنّت هذه الرائعةَ الفريدةَ في الهزيعِ الأخيرِ من مشوارِها الأسطوري، فإننا آثرنا أنْ نأتي بها قبلَ «إلى عرفاتِ اللهِ» التي غنّتها في ديسمبر 1951م، حتى نظلَّ مع الزجلِ المكتوبِ بالعاميّةِ المِصريّةِ الدّارجة.

«دعاني لبّيتُه» التي شاعتْ بعنوانٍ آخرَ هو «القلب يعشق كلّ جميل»، كتبها أميرُ الزجلِ، جدُّ شعراءِ العاميّةِ محمود بيرم التونسي، ولحّنها توأمُهُ الفذُّ زكريّا أحمد منتصفَ أربعينياتِ القرنِ العشرين، واختلفتْ معَهُ أمُّ كُلثوم حولَ اللحنِ، فسجّلها لتذاعَ بصوتِهِ في شكلٍ مغايرٍ تمامًا لما نسمعُهُ الآن.

بعدَ رحيلِ بيرم وزكريّا بعشرةِ أعوامٍ كاملةٍ (رحلَ بيرم التونسي في الخامسِ من يناير 1961، ولحقَ بهِ زكريّا أحمد في الرابع عشر من فبراير من العامِ نفسه)، وفي سهرةِ الخميس، الرابعِ من فبراير 1971م كانتْ مُفاجأةُ الوصلةِ الأولى من حفلِ أمّ كُلثوم الشهريِّ هي أغنيةُ «القلب يعشق» بألحان رياض السنباطي الذي نجحَ نجاحًا ساحقًا، للمرّةِ الثانيةِ مع أمّ كُلثوم، في تلحينِ عملٍ سبقَ تلحينُهُ بفعلِ زملاء له ليتفوّقَ عليهم وينسيَنا اللحنَ الأوّلَ، وكانت المرّةُ الأولى قصيدة «أراكَ عصيَّ الدمّعِ» التي غنّتها أمّ كُلثوم للمرةِ الأولى في 1926م بلحن عبده الحامولي، ثمّ غنّتها للمرّةِ الثانيةِ بلحن زكريّا أحمد في 1944م (والتسجيلُ مفقودٌ، وهو من أهمِّ مفقوداتِ أُمّ كُلثوم) ثمّ جاءَ السنباطي ليُضيفَ إلينا اللحنَ الثالثَ للقصيدةِ - نعني أبياتًا منها بالطّبع- لتشدو بها أمُّ كُلثوم للمرّةِ الأولى في ديسمبر 1964م، وهو اللحنُ الذائعُ الآن.

«القلب يعشق»، إذا وضعناها في مواجهةِ أزجالِ أمير الشعراءِ أحمد شوقي، نجدُها الرّدَّ العملي من بيرم على شوقي، إذ كانَ بيرم يكابدُ بالمنافي عندما بلغَهُ ما كتبَهُ شوقي بالزجلِ، العاميةِ المصريّة، للمطربِ الشابِ محمد عبد الوَهَّاب، فقالَ بيرم مُخاطِبًا شوقي:

«يا أمير الشّعر غيرَكْ
في الزّجلْ يصبحْ أميرَكْ»

ولهذا قلتُ إنّ القلب يعشق «تناطحُ» إلى عَرَفَات «رأسًا برأس»!!

يصطحبُ السُّنباطي عائلةَ الإيقاعِ في كاملِ لياقَتِها البدنيّةِ، ويرشقُ معها القانونَ الذي تتطايرُ منهُ النغماتِ كقطعِ الضوءِ من مِسبحةٍ بينَ أصابعِ وليٍّ صالح، وتحتشدُ الكمنجاتُ احتشادًا يليقُ بصهيلِ النايِ الذي يمرحُ في براحِ الأغنيةِ كحصانٍ أبيضَ يقطعُ المسافةَ بينَ الحرمينِ الشريفينِ ذهابًا وإيابًا دونَ أنْ تلمسَ سنابكُهُ الأرض... ثمّ.... يبرقُ صوتُ أمِّ كُلثوم وهوَ يرتدي ملابسَ الإحرامِ (أيضًا) ويسبحُ بنا في نهرٍ منْ نقاءٍ وبياض:

القلب يعشق كلّ جميلْ
وياما شُفتي جَمالْ يا عين
واللي صَدَق في الحبِّ قليلْ
وانْ دامْ يدومْ يومْ والاّ يُومينْ
واللي هَويتُه اليومْ.. دايمْ وصالُه دُومْ
لا يعاتب اللي يتوبْ، ولا في طبعُه اللومْ
واحدْ مفيشْ غيرُهْ.. مَلَا الوجودْ نورُه
دعاني لبّيتُه.. لحدّ بابْ بيتُهْ
وامّا تجلّى لي.. بالدّمْعِ ناجَيتُهْ

وبعدَ أنْ نعرِفَ الحبيبَ الذي يناجيهِ الشّاعرُ بالرّهبةِ والخشوعِ ودموعِ النّدمِ الطّاهرةِ النقيَّةِ، يبدأُ العمُّ بيرمُ في سردِ نجواهُ ناصعةً بيضاءَ بلا تعقيدٍ أو تقعِير، ويرسلُها سهلةً عفويَّةً تتوزّعُ بينَ مختلفِ العقولِ والأفهام.

ونحنُ عندما نُحبُّ ونختلفُ ونهجرُ ونفارقُ، يكونُ العتابُ مُرًّا وقاسيًا، بينما في الحبِّ الأسمى بينَ الأرضِ والسماءِ يكونُ العطاءُ نازِلاً من الأعلى كما ينزلُ المطرُ على الأرضِ المُجْدبةِ، إنّهُ العطاءُ اللامحدودُ لا بالزّمانِ ولا المكانِ ولا بالقدرِ أو القيمة، العطاءُ المحفوفُ بالرّحمةِ والصّفحِ والمغفرَةِ وانتظارِ التوبةِ في أيَّةِ لحظة. انظُرْ إلى الشّاعرِ وهو يُجَسِّدُ عظَمَةَ الخضوعِ وشرفَ العبوديَّةِ للخالقِ الأعظم:

كُنتَ ابتعِد عنُّه، وكانْ يِناديني
ويقولْ: مِسِيرَكْ يومْ تِخضَعْ لِي وتْجِيني!!
طاوِعْني يا عَبْدِي.. طاوعْني انا وحْدي
ما لَكْ حبيبْ غيري.. قَبْلِي ولا بَعْدِي
أنا اللي أعطيتَكْ مِنْ غيرْ ما تِتْكَلِّمْ
وانا اللي علِّمْتَكْ مِنْ غيرْ ما تِتْعَلِّمْ
واللي هَدَيتُه إليكْ..
لو تِحْسِبُه بإيديكْ
تِشوفْ جَمايـْلِي عليكْ..
مِنْ كُلِّ شيءْ أَعْظَمْ
سلِّمْ لِنا تِسْلَمْ

كُنْت.. وكانْ.... لاحِظِ العلاقةَ بينَ الفعلينِ تجدِ الثاني معطوفًا على الأوّلِ مُمَثِّلاً ردَّ فعلٍ مُباشِرًا لهُ مَقرونًا بِهِ، فالابتعادُ عنِ المَوْلَى عزَّ وجلَّ يكونُ بالسّهوِ أو التغافُلِ أو ارتكابِ المعاصي، أمّا النداءُ فيأتي مُباشِرًا منْ خلالِ الأوامرِ والنواهي القُرْآنيَّةِ، وغيرَ مُباشِرٍ منْ النَّفْسِ المؤمِنَةِ اللوَّامَةِ التي تختَنِقُ مِنْ ارتكابِ الذّنوبِ والآثامِ أو مُجَرّدِ السّهوِ والابتعاد. وتَتَجَلَّى روْعَةُ التعبيرِ في الشّطْرِ الثاني عندما يقولُ الشّاعرُ:

«.... مِسِيرَكْ يومْ تِخْضَعْ لِي وتْجِيْنِي»

ما أجملَ هذا الخضوعَ وأعظَمَه!! وما أربَحَ تلكَ الرَّجْعَةَ!! إنّها الأصداءُ تملأُ الأكوانَ من حولِكَ:... هذهِ أرضي.. وهذهِ سمائي فأينَ تَفِرُّ لِتَهْرُبَ مِنِّي؟ ولماذا تهرُبُ؟ إنّكَ عَبْدي وحبيبي ما دُمْتَ مُؤْمِنًا مُسْتَغْفِرًا أوّابًا مُنِيْبًا.. كُلَّما أخطأْتَ وذكَرْتَني فاستَغْفَرْتَني وجَدتَني أنا الغفور الرّحيم..

كانَ السُّنباطي بارِعًا إلى أبعدِ حدِّ وهوَ يقومُ بتلوينِ موقفِ العتابِ النّازلِ منَ السماءِ إلى الأرضِ بدءًا من: «أنا اللي أعطيتَكْ........ »، ولولا أنّها حالةٌ نورانيّةٌ خالصةٌ ينحني فيها العبدُ في أشرفِ خضوعٍ أمامَ مولاهُ الأعلى لقلتُ إنَّ السّنباطي يريدُ أنْ يباغتَنا ويلقيَنا فوقَ فوهَةِ بركان!! فبعدَ الرّقّةِ التي تقتربُ من الهمسِ في «طاوعني يا عبدي»، يكفَهِرُّ صوتُ أمِّ كُلثوم وترتفعُ وتيرتُهُ كطائرةٍ في لحظةِ إقلاعٍ مفاجئ، وتصلُ إلى الذّروةِ عندَ «سلِّمْ لِنا تِسْلَم» وسطَ غليانٍ موسيقي أشعرُ مَعَهُ أنّ أمَّ كُلثوم كانت تُقاتلُ حتى تصلَ بسلامٍ إلى ميم «تِسْلَمْ» لتفلِتَ مِنْ كمائنِ تقلُّباتِ الصوتِ وخياناتِهِ في مثلِ هذهِ الذّرى الشاهقة!

عندما يعودُ بنا العمُّ بيرم إلى الأرضِ، ليصفَ لنا مكّةَ المُكرَّمةَ التي ترتدي النورَ والبياضَ اللامثيلَ لهُ، يأتي الكمانُ في صدارةِ المشهدِ، ويخطفُ الأضواءَ قليلاً في حضورٍ لافتٍ في بطولةٍ منفردةٍ (صولو) يكسرُ رتابةَ التكرارِ الموسيقي الذي يمثّلُ الجسرَ الرئيسَ، أو العمودَ الفقريَّ للأغنيةِ من الاستهلالِ إلى الفواصلِ بينَ المقاطِعِ / الكوبليهاتِ، والتمهيدِ لها:

مَكَّة وِفِيها جبالِ النّورْ
طالَّة على البيتِ المَعْمورْ
دَخَلْنا بابِ السَّلامْ
غَمَرْ قلوبْنا السّلامْ
بعفوِ ربِّ غفورْ
فُوقْنا حَمامِ الحِمَى... عدَدْ نُجومِ السَّما
طايرْ علينا يْطوفْ... ألوفْ تتابِعْ أُلُوفْ
طايرْ يِهَنِّي الضُّيُوفْ... بالعَفْوِ والمَرْحَمَةْ
واللي نَظَمْ سَيْرُهْ
واحِدْ مفيش غَيرُهْ
دعاني لَبَّيْتُهْ.. لِحَدِّ بابْ بَيْتُهْ
وامَّا تَجَلَّى لي.. بالدَّمْعِ ناجَيْتُهْ

كلماتٌ تشعُّ نورًا من داخِلِها ومن جوانبِها، الشّاعرُ يحْمِلُنا على أجْنِحَةِ السّحْرِ ونحنُ طاهرونَ مُتَعَطِّرونَ بملابِسِ الإحرام، يصحَبُنا معه ويرينا بِقاعَ النورِ جبالاً شامِخَةً، جبالاً... ليستْ مِنْ صَخْرٍ ولا أحجارٍ أو تُراب، إنها من نورٍ سماويٍّ أبديٍّ لا ينطفئُ ولا يخفتُ ولو كرهَ الكافرون.

«دخلنا باب السلام... غَمَرْ قلوبْنا السَّلامْ»... الفعلُ وردُّ الفعلِ متعانقانِ متلازمان..، «غَمَرْ قلوبْنا السّلامْ» صورةٌ تكتنِزُ كلّ معاني الطّمأنينةِ والأمان، إنّكَ الآنَ في أحضانِ البيتِ العتيقِ في حِمَى الرّحمن، وأفواجُ الحمامِ تزغْرِدُ بالبُشرى وتطوفُ فوقَ الحجيجِ وكأنّها تطوفُ مَعَهُم تذكّرُهم بِحمامَتَيّ الغارِ وبطولَتِهما في بدايةِ رحلةِ هجرةِ النبيّ عليهِ الصلاةُ والسَّلام.

يظلُّ الشاعرُ على الأرضِ، وربّما أعادتْهُ أفواجُ الحمامِ إلى ذكرياتِ الهجرةِ المُباركة، فراحَ يقطعُ الطريقَ نفسَهُ من مكّةَ إلى المدينةِ ليُصلّي في المسجِدِ النبويِّ ويكحّلَ عينيهِ برؤيةِ «الرّوضةِ الشّريفة» وعندما يراها.. يراها قد أشرقت مِنَ الجَنّةِ، ويتخطّى بنا حواجزَ الزّمنِ ويصعَدُ في مدارجِ الأصفياءِ ليجالسَ الملائكةَ ويصافحَهم ويتلقّى منهم البُشرى الثانيةَ بالعفوِ والغفرانِ، وفي هَذهِ اللحظةِ تفصِحُ شِيَمُ الكرمِ عن نفسِها، فلا ينسى الشّاعِرُ / الحاجُّ أحبابَهُ وأهلَهُ فيرفعُ يديهِ وصوتَهُ بالدّعاءِ لهم أنْ تتحقَّقَ أمانيهم ويحجّوا إلى بيتِ اللهِ الحرامِ ليستمتعوا ويعودوا مغفورًا لهم:

جَيْنا على رُوضَةْ هالَّة من الجنّةْ
فيها الأحبّةْ تنول كلِّ اللي تِتْمَنَّى
فيها طربْ وسرورْ، وفيها نورْ على نورْ
وكاسْ محبّة يدورْ.. واللي شِرِبْ غنّى
وِمَلايْكةِ الرّحمن.. كانت لِنا نُدْمانْ
بالصَّفْحِ والغُفرانْ.. جايَّه تِبَشَّرْنا
يا رِيتْ حبايِبْنا ينولوا ما نلْنا
يا ربّ تِوْعِدهم، يا ربّ واقْبَلْنا

اللهَ اللهَ اللهَ اللهْ!

لا أمْلِكُ إلّا الارتعاشَ والارتجافَ والرّهبةَ والتشوُّقَ و.... التصفيقَ الحاد.

إلى عَرَفاتِ الله

هذهِ هيَ آخرُ روائعِ أمير الشعراءِ الدينيّةِ الأربعِ التي غنّتها أمّ كلثوم، وهي في رأيي تمثّلُ معَ «دعاني لبَّيْتُه» أو «القلب يعشق» رأسَ هرمِِ الغناءِ الدّيني لمناسبةِ الحجّ.

القصيدةُ في الأصلِ عنوانُها «إلى عَرَفات»، كتَبَها أحمد شوقي أواخرَ العامِ 1909م، ونشرتها مجلّة الهلال في عدد يناير 1910م، وكانت «تهنئة للخديوي عبّاس بمناسبة حجّه». وقد أحسنتْ أمُّ كُلثوم إلى الشّعرِ، وإلى شوقي، وإلى كلِّ ورثَةِ التراثِ الشعري بانتقاءِ هذهِ الأبياتِ المُغنّاةِ التي حوّلت القصيدةَ من وجبةِ نفاقٍ باردةٍ، إلى دُرّةٍ مِنْ دُرَرِ الشعرِ المُغَنَّى بوجهٍ عامٍ، ووضعتْها على رأسِ قائمةِ أُغْنياتِ الحَجِّ بوجهٍ خاص!

كانَ شوقي مُقرّبًا للخديوي، كصديقٍ وجليس، وحدثَ أنْ طلبَ الخديوي عبّاس حلمي من شوقي أنْ يعدَّ نفسَهُ للسفرِ معهُ لأداءِ فريضةِ الحجِّ، وبدأَ شوقي الرّحلةَ معهُ بالفعلِ، لكنّهُ غافلَهُ عند مدينةِ بنها وهربَ واختبأَ عندَ أحدِ أصدقائِهِ هناكَ، ولكي يداري خجلَهُ وفعلَتَهُ، كتبَ مطوّلةً من ثلاثةٍ وستّينَ بيتًا كوداعٍ للخديوي واعتذارٍ لهُ عمّا حدثَ، كذلكَ لم ينسَ شوقي أنْ يمدحَ السلطان محمد رشاد أو محمّد الخامس الخليفةَ وقتذاك، وبعدَ ذلكَ يعتذرُ الشاعرُ إلى اللهِ ويبتهلُ إليهِ، ثم يشكو إليهِ حالَ المسلمينَ كعادَتِهِ متوسّلاً برسولِهِ الكريم.

غنّتْ أمّ كُلثوم خمسةً وعشرينَ بيتًا منْ هذهِ القصيدةِ (حذفت منها ثلاثةَ أبياتٍ في بعضِ الحفلات)، وتصدّى السنباطي العملاقِ لتلحينِها، وغنّتها للمرةِ الأولى في السادسِ من ديسمبر 1951م، وتبعتْها في خمسِ حفلاتٍ أُخرى كانت آخرها في الرابعِ من يوليو 1957م، وقد أبدعتْ أمُّ كُلثوم أيّما إبداع في غنائِها خصوصًا في الحفلينِ الأوّلِ والأخيرِ، وكلّما استمعتُ إليها في الحفلِ السادسِ، الأخير، أشعرُ أنني أستمعُ إليها للمرّةِ الأولى، لكثرةِ ما تصرّفتْ وارتجلتْ وغيّرتْ في بعضِ الكلماتِ غيرَ التغييراتِ الثلاثةِ التي حدثتْ منذُ البداية.

كانَ الخطابُ مُباشرًا في الشطرِ الأوّلِ: «إلى عرفاتِ اللهِ يا ابنَ مُحمّدٍ»، والمقصودُ بهِ الخديوي عباس حلمي الذي هوَ ابن الخديوي محمد توفيق!، فتمَّ كشطُ «ابنَ محمّدٍ» وجَعْلُها «خيرَ زائرٍ» فخرجَ المعنى منْ سجنِ المفردِ الخاصِ العَلَم «الخديوي» إلى براحِ العامِ غيرِ المعلومِ وهو خيرَ زائرٍ كلّ حاجٍ سيتّجِهُ لأداءِ الفريضةِ من أيِّ مكانٍ في العالمِ وإلى أنْ يرثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها.

التغييرُ أو التبديلُ الثاني جاءَ في الشطرِ الأوّلِ من البيتِ الثالثِ عشر من النصِّ الأصلي، الثامنِ في الغناء: «أرى الناسَ أصنافًا ومِنْ كُلِّ بُقْعَةٍ..» فأصبحَ: «أرى الناسَ أفواجًا...» وهوَ تعبيرٌ أدَقُّ من الأوّلِ وأعمق، وينهلُ من المُعْجَمِ القرآني ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ في دِيْنِ اللهِ أَفْوَاجًا ، أمّا التغييرُ الثالثُ والأخيرُ فقد جاءَ في البيتِ الثالثِ والخمسينَ من النصِّ الأصلي، السادس عشر في الغناء، وفي الشطرِ الأوّلِ أيضًا: «إذا زُرْتَ يا مولايَ قبرَ محمّدٍ»، أصبحَ: «إذا زُرْتَ بعدَ البيتِ قبرَ محمّدٍ».

يدخلُ السنباطي إلى القصيدةِ / الأغنيةِ وسطَ حراسةٍ مُشدَّدَةٍ من كتيبَةِ الدّفوفِ التي كانَ حضورُها طاغيًا ومؤثّرًا واستثنائيًّا خصوصًا في الحفلِ الأوّلِ، هذا الحضورُ الذي سينسجُ السنباطي من أصدائِهِ بعد أقلَّ مِنْ عامينِ، أي في 1953م المقدّمةَ الموسيقيّةَ لأغنية «يا رايحين للنبي الغالي» التي بدأنا بها هذهِ الوقفة.

في المرّةِ الأخيرةِ لغنائِها على المسرحِ في حفلٍ عام، أشعرُ أنّ أمّ كُلثومَ كانت تغني قصيدتَها هيَ، تجربتَها هيَ، إنها مُستمتعةٌ لأبعدِ حدّ، كلّ حرفٍ يخرجُ من بينِ شفَتَيْها كأنّهُ قطعةٌ من الألماس ملفوفةٌ في غلالةٍ من رحيقِ الضوءِ، الحروفُ تلمعُ وتنطلقُ في الفضاءِ لتأخُذَ مواقِعَها في مداراتِ الكواكب! كانت أمُّ كُلثوم قد ألغتْ حفلَها الشهريَّ السابق (يونيو 1957م، ختام الموسمِ الغنائيِّ المعتادِ لها) إذْ أصابَتْها نوبةُ بردٍ قاسيةٍ أثّرتْ على أُذنيْها وسبَّبَتْ لها آلامًا ودُوارًا، فاعتذرَتْ، وتأجّلَ الحفلُ إلى يوليو الذي صادفَ الاستعدادَ للسفرِ لأداءِ الفريضةِ، وبناءً على طلبِ الجمهورِ غنّتِ القصيدة، لكنّني أراها تُغنّي بناءً على طلبِ روحِها، وأراها تُغنّي وكأنَّها تغنِّي لروحِها بغيرِ جمهورٍ أو موسيقى، وربّما خَشِيَتْ على نفسِها ألاّ تصلَ بالأداءِ مرّةً أخرى إلى هذهِ الحالةِ الاستثنائيّةِ فآثرتْ ألا تغنّيها بعدَ تلكَ الليلة:

إلى عَرَفَاتِ اللهِ يا خَيْرَ زائِرٍ
عَلَيكَ سَلامُ اللهِ في عَرَفاتِ
ويومَ تُوَلِّي وُجْهَةَ البَيْتِ ناضِرًا
وَسِيمَ مجالي البِشْرِ والقَسَمَاتِ
على كُلِّ أُفْق ٍ بالحِجاز ِملائِكٌ
تَزُفُّ تحايا اللهِ والبـَرَكاتِ
لدى البابِ جِبريلُ الأمينُ بِراحِهِ..
رَسَائِلُ رَحْمانِيـَّة ُالنَّفَحَاتِ
وفي الكَعْبَةِ الغَرَّاءِ رُكْنٌ مُرَحِّبٌ
بكَعْبَةِ قُصَّادٍ ورُكْنِ عُفـاةِ..
وزَمْزَمُ تجري بَينَ عَيْنَيْكَ أْعْيُنـًا..
مِنَ الكَوْثرِ المعْسُولِ مُنفَجِراتِ

جاءَ التغييرُ في البيتِ الأوّلِ موفَّقًا إلى أبعدِ مدى، وبما أنَّ «الحجّ عرفة» فقد أصابَ شوقي بتكرارِهِ كلمةَ «عرفات» في البيتِ الأوّلِ، فرنينُ الكلمةِ في أوّلِ البيتِ وآخرِهِ يأخذُنا مباشرةً إلى «عَرَفات»، وتظلُّ الصورةُ ثابتَةً في الذّهنِ طوالَ القصيدةِ / الأغنية، وتتحوّلُ القصيدةُ إلى نهرٍ من البياضِ بملابسِ الإحرامِ، تُمارِسُ فيهِ المُفرداتُ والمعاني طقوسَ الطّوافِ والدّعاءِ والتلبية.

بعدَ هذا الاستهلالِ البديعِ ينصرِفُ شوقي إلى وصفِ المنظرِ العامِ لحُجّاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ،

لكَ الدِّينُ ياربَّ الحَجِيجِ جَمَعْتَهُمْ...
لبيتٍ طَهُورِ السَّاحِ والشُّرُفاتِ
أرى النَّاسَ أفْوَاجًا ومِنْ كُلِّ بُقْعَةٍ
إليكَ انْتَهَوْا مِنْ غُرْبَةٍ وشَتَاتِ
تساوَوْا فلا الأنْسابُ فيها تَفاوُتٌ..
لديكَ ولا الأقْدارُ مُخْتَلَفاتِ

ونأتي إلى الموقفِ الذاتي للشاعرِ، موقف الاعتذارِ الذي ينحني فيهِ شوقي أمامَ اللهِ عزَّ وجلَّ مُلْتمسًا العفوَ من الغفورِ الرّحيمِ إذْ هربَ وتقاعسَ عن أداءِ الفريضةِ مع الخديوي، فيدعو اللهَ أنْ يتجاوزَ عن هذهِ الهفوةِ، وأنْ يمحوَ كلَّ الصفحاتِ السوداءِ في كتابِه، وهذا المقطعُ من أصدقِ ما جاءَ في شعرِ شوقي (وليسَ في قصيدتِنا هذه)، ولذلكَ تعاملَ معَهُ السنباطي بحذرٍ ورقّةٍ وملأهُ بالموسيقى المُبللةِ بالدموعِ، وأعطى صوتَ أمِّ كُلثوم البطولةَ المُطلقةَ فيهِ إلى الدرجةِ التي تُشْعرُنا أنَّ أمّ كُلثوم كما أسلفتُ تغنّي، تتحدّثُ عن، تجربتِها هيَ، وهو المقطعُ الذي تصرّفتْ فيهِ من تلقاءِ مشاعرِها، وغيّرتْ في بعضِ الكلماتِ، فقالتْ: «الغفَوَات» بدلاً من «الهفوات» (مع العودةِ إلى «الهفواتِ» في التكرار)، كذلكَ جاءتْ بـ «وتعْلَمُ «بدلاً من «وتشهدُ» (وعادت أيضًا إلى «وتشهدُ»، غيرَ أنّ صوتَها قد وصلَ إلى درجةِ الذّوبانِ التّامِ ليتحوّلَ إلى قطراتٍ من الدّموعِ السّاخنةِ تتسابِقُ فوقَ فضاءٍ من الحريرِ الأبيض:

ويا ربِّ هلْ تُغْني عنِ العَبْدِ حَجَّةٌ...
وفي العُمْرِ ما فيهِ مِنَ الهَفَوَاتِ
وتَشْهَدُ ما آذَيْتُ نَفْسًا وَلَمْ أَضِرْ...
ولمْ أَبْغِ في جَهْرِي ولا خَطَرَاتي
ولا حمَلَتْ نَفْسٌ هَوَىً لبِلادِها...
كَنَفْسِيَ في فِعْلي وفي نَفَثاتي
وقدَّمْتُ أعذاري، وَذُلِّي، وخَشْيَتِي..
وجِئْتُ بِضَعْفِي شافِعًا وَشـَكاتي
وأنْتَ وَليُّ العَفْوِ فامْحُ بِناصِع ٍ
مِنَ الصَّفْحِ ما سَوَّدْتُ مِنْ صَفَحَاتِ
وَمَنْ تَضْحَكِ الدُّنْيا إلَيْهِ فَيَغْتَرِرْ..
يَمُتْ كَقَتِيْلِ الغِيْدِ بالبَسَمَاتِ

تنْبَعِثُ الحرارةُ في الموسيقى، وتلتهبُ الدفوفُ والكمنجاتُ تمهيدًا للإقلاعِ إلى ذروةٍ أخرى في القصيدةِ / الأغنيةِ، وندرُكُ على الفورِ أنّ انتقالاً ما قادمٌ لا محالةَ، وبالفعلِ هو انتقالٌ على الأرضِ، وفي صُلْبِ النَّصِّ (كانتْ أمُّ كُلثومَ قد أسقطت الأبياتَ الثلاثةَ التي تسبقُ البيتَ الأخيرَ في المقطعِ التالي في عدّةِ حفلاتٍ، منها الحفل الأخير):

إذا زُرْتَ بَعْدَ البَيْتِ قَبْرَ محمـدٍ..
وقَبَّلْتَ مَثْوَى الأَعْظُمِ العَطِرَاتِ
وفَاضَتْ مِنَ الدَّمْعِ العُيُونُ مَهابَةً..
لأَحمَدَ بينَ السِّتْرِ والحُجُرَاتِ
وأشْرَقَ نُورٌ تحتَ كُلِّ ثَنِيَّةٍ...
وضَاعَ أَرِيْجٌ تحتْ كُلِّ حَصَاةِ
فَقُلْ لِرَسُولِ اللهِ يا خَيْرَ مُرْسَل ٍ..
أَبُثُّكَ ما تَدْرِي مِنَ الحَسَرَاتِ
شُعُوبُكَ في شَرْقِ البِلادِ وَغَرْبِهَا..
كأصْحابِ كَهْفٍ في عَمِيقِ سُباتِ
بأَيْمانِهِم نُورانِ ذِكْرٌ وَسُنَّةٌ..
فما بالُهُم في حَالِكِ الظُّلُماتِ؟؟
وذَلِكَ ماضي مَجْدِهم وفَخارِهمْ
فما ضَرَّهُمْ لو يَعْمَلُونَ لآتي؟
وهذا زَمانٌ أرْضُهُ وسَماؤُهُ
مجالٌ لِمِقْدامٍ كبيرِ حَيَاةِ
مَشَى فيهِ قومٌ في السّماءِ وأَنْشَأُوا
بَوَارِجَ في الأبْراجِ مُمْتَنِعاتِ
وقُلْ رَبِّي وَفِّقْ للعَظائِمِ أُمَّتي
وزَيِّنْ لَها الأفْعَالَ والعَزَمَاتِ

كعادَتِهِ، يصبغُ شوقي نهاياتِ قصائدِهِ الدّينيةِ بألوانِ الأسى والحسرةِ، ويتوسَّلُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ برسولِهِ الكريمِ أنْ يوفّقَ الأمّةَ لتفيقَ من نومِها العميقِ، وأنْ تخرجَ من الظُّلماتِ التي تتخبّطُ فيها بالرّغمِ من كونِها تحملُ في إيمانِها أطهرَ نورينِ، القُرْآنِ والسنّةِ النبويّةِ الشريفة، وقد كانَ اللهُ رحيمًا بشوقي وبكلِّ هؤلاءِ العظماءِ الذينَ لو رأوا ما آلتْ إليهِ أحوالُ أمّتنا اليومَ لماتوا حسرةً وكمدًا.

ندعو اللهَ أنْ يوفّقنا للعظائمِ، وأنْ يحقّقَ أمنيةَ كلَّ مُشتاقٍ لأداءِ فريضةِ الحجِّ وأنْ يُيسِرَ لهُ سبيلَها، ويتقبَّلَها منه.

 

 

بشير عيَّاد

 




 





الفنانة ليلى مراد





أم كلثوم





بيرم التونسي في شبابه





أبو السعود الابياري





رياض السنباطي





زكريا أحمد