الإنفاق العسكري.. يجر الاقتصاد العالمي إلى أزمة كبرى
الإنفاق العسكري.. يجر الاقتصاد العالمي إلى أزمة كبرى
ثمة سمة مميزة للتطور العالمي اليوم تتمثل في التصاعد المتعاظم للإنفاق العسكري في معظم البلدان، بحيث أصبح يشكل عبئا يرهق كاهل موازنات الدول، الكبيرة والصغيرة، على حد سواء، وعائقا للتنمية الاقتصادية في هذه الدول. ويرى العديد من المحللين الاقتصاديين في العالم أن أعباء الحرب في كل من العراق وأفغانستان هي أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الراهنة التي ضربت الاقتصاد الأمريكي بدءا من العام 2007، ومن ثم تحولت إلى أزمة مالية واقتصادية عالمية، تعيد إلى الأذهان أزمة «الكساد العظيم» في بداية الثلاثينيات من القرن المنصرم. كانت الطفرة الاقتصادية التي شهدها الاقتصاد العالمي في التسعينيات من القرن الماضي ثمرة مباشرة لانتهاء الحرب الباردة. إذ إن جزءاً أساسيا من الأموال التي كانت تنفق على سباق التسلح، أخذت تتوجه حينذاك نحو مشاريع تطوير البنى التحتية المادية والاجتماعية. غير أن تلك الحقبة الذهبية لم تدم طويلا. فنهاية الحرب الباردة لم تجلب السلام النهائي للعالم، وسرعان ما احتدمت التناقضات بين الدول، وانتشرت النزاعات وتفاقمت الصراعات ووقعت الحروب، وتسارعت عجلة سباق التسلح، سواء بين الدول الكبرى، أم بين دول نامية وفقيرة ذات دخول منخفضة ومتوسطة، في آسيا وإفريقيا بالدرجة الأولى. عوامل الإنفاق العسكري إن الإنفاق العسكري هو بمنزلة قرار سياسي، استراتيجي، اقتصادي. وبديهي أن تخضع عملية اتخاذ القرار في هذا الخصوص لتأثير عوامل مختلفة، تتفاعل في ما بينها، سياسية واستراتيجية واقتصادية. وتشمل العوامل السياسية الوضع السياسي القائم في البلد المعني، وطبيعة نظام الحكم، ودرجة الاستقرار السياسي فيه. وطبيعي أن ثمة علاقة مباشرة بين عدم الاستقرار السياسي والإنفاق العسكري. وكذلك في التحالفات الإقليمية للبلد المعني ومدى ارتباطه بتحالفات عسكرية، يمكن أن تجعل إنفاق البلد عند مستويات عالية. أما العوامل الاستراتيجية فتتمثل في خطر نشوب حرب، حيث إن الإنفاق العسكري يكون عالياً في المناطق التي تلوح في أفقها احتمالات الحرب. وكذلك الحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية، التي تطلق سباقات تسلح، بين دول المنطقة. بينما تتمثل العوامل الاقتصادية، في الآتي: - توافر الموارد الاقتصادية، فكلما كانت الدولة غنية بالموارد الاقتصادية، كانت أكثر قدرة من غيرها على الإنفاق على الأغراض العسكرية، والعكس صحيح. - مستوى التنمية الاقتصادية، والذي يعبر عنه عادة بالتغيرات في متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج الوطني. حيث إن مستوى التنمية الاقتصادية يلعب دوراً مؤثراً في تحديد مستويات الإنفاق العسكري. فمع تزايد وتائر النمو قد يميل الإنفاق العسكري إلى الارتفاع. - الصرف الأجنبي، فتوافر الصرف الأجنبي يمكن أن يساعد الدولة على تلبية حاجاتها من المعدات العسكرية المتطورة،مما يدفع النفقات العسكرية إلى الارتفاع، والعكس صحيح. - التصنيع العسكري، أي مدى وجود صناعة عسكرية محلية. ففي الدول التي تتوافر فيها صناعات عسكرية، تجد المؤسسة العسكرية نفسها تحت ضغط ضمان طلب مستمر كاف على إنتاج هذه الصناعات، الأمر الذي يجعل الإنفاق العسكري عند مستويات مرتفعة. الإنفاق العسكري يتعاظم لم تجلب نهاية الحرب الباردة، كما ذكرنا، السلام النهائي للعالم، وكانت النتيجة الحتمية لاحتدام التناقضات بين الدول، وانتشار النزاعات وتفاقم الصراعات، وتسارع عجلة سباق التسلح، أن تعاظمت النفقات العسكرية لغالبية بلدان العالم. فحسب معطيات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (Sipri)، شهدت الفترة من عام 1989 وحتى 2009، ارتفاعا كبيرا جدا في النفقات العسكرية على مستوى العالم. وكان قصب السبق فيها للولايات المتحدة بالطبع، التي شكل الإنفاق العسكري فيها قرابة نصف مجموع الإنفاق العسكري على مستوى العالم ككل. قُدِّر الإنفاق العسكري العالمي بنحو 1464 مليار دولار في سنة 2008، بزيادة مقدارها 4% بالأسعار الحقيقية، مقارنة بإنفاق عام 2007، وزيادة بنسبة 45% على فترة السنوات العشر 1999 - 2008. وقد شكل ذلك قرابة 2.4% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أو 217 دولاراً لكل فرد. وبقيت الولايات المتحدة الدولة الأكثر إنفاقا في سنة 2008، حيث استأثرت بـ 41.5% من الإنفاق العسكري الإجمالي في العالم، تلتها الصين بنسبة 5.8%، ثم فرنسا وبريطانيا وروسيا بنسبة 4 - 4.5% لكل منها. ولا تقتصر معدلات الارتفاع الكبيرة في الإنفاق العسكري على البلدان الكبيرة والمتقدمة،بل إن بلداناً كثيرة نامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تنفق قسماً كبيراً من ثرواتها الوطنية على اقتناء الأسلحة. وذلك لدواعي حماية الأمن الوطني ومواجهة التهديدات الخارجية الفعلية والمفترضة، وبسبب النزاعات الداخلية والصراعات الإقليمية.. إلخ. وتشير الوقائع والمعطيات المتوافرة إلى أن هذه البلدان أهدرت خلال العقود الأخيرة موارد ضخمة على التسلح، كان من الممكن أن توجهها لمواجهة الفقر والتخلف، ولتحقيق التنمية المستدامة لشعوبها. بين الإنفاق العسكري وفرص التنمية ثمة علاقة عكسية بين وتائر ارتفاع الإنفاق العسكري والتنمية الاقتصادية. فثمة دراسة لأحد الخبراء الأوربيين نشرت في صحيفة «هانديلسبلات» الألمانية في13 أكتوبر 2002، تشير إلى أن زيادة الإنفاق العسكري بنسبة1% فقط من إجمالي الناتج المحلي لبلد ما، يمكن أن تؤدي خلال 5 سنوات إلى تراجع قدرات الاقتصاد الوطني بنسبة 0.7%. كما أن التنافس في تطوير أسلحة جديدة يساهم بشكل مذهل في استنزاف موارد المجتمع. فعلى سبيل المثال، فإن التكلفة المرتبطة بإنتاج غواصة نووية واحدة، تساوي ميزانية التعليم السنوي لأكثر من 26 بلدا ناميا، فيها 180 مليون طفل في سن الدراسة. وفضلا عن ذلك، فإن الإنفاق العسكري العالمي يفوق ستة أضعاف خدمة الديون الخارجية للبلدان النامية، ومن شأن تخفيض هذا الإنفاق أن يوفر على نطاق واسع الموارد اللازمة لإحراز تقدم سريع نحو حل المشكلات العالمية، كالفقر والجوع والتخلف. كما أن الإنفاق العسكري المتصاعد، الذي يكون أحياناً، وفي جزء أساسي منه، من دون مبررات حقيقية، يؤدي إلى اقتطاع قسم كبير جداً من الموارد المتاحة، خصوصاً في البلدان النامية، والتي يمكن أن تخصص للإنفاق على القطاعات الاقتصادية المنتجة وعلى تطوير البنى التحتية، المادية والاجتماعية، بما يؤدي إلى دفع عملية «تنويع الاقتصاد» قدماً، أي توسيع قاعدته وتنويع بنيتة الإنتاجية، والخروج من دائرة الاقتصاد الأحادي الجانب، القائم أساساً على قطاع النفط والغاز وإنتاج المواد الأولية، في بعض البلدان، أو الصناعات الخفيفة في بلدان أخرى، وإلى حد ما على الخدمات في حالات معينة، كما أنه يحرم المجتمع من جزء من الثروة الوطنية يمكن أن ينفق في مجالات تطوير النظام التعليمي وتحسين الرعاية الصحية للمواطنين. كما أن تطوير الإنتاج العسكري في البلدان التي تصنع الأسلحة، يتم توجيه قسم كبير من أفضل القدرات والكفاءات العلمية والإنتاجية للعمل في القطاع الصناعي العسكري، حارماً قطاعات الإنتاج المدني منها، فتعمل أفضل العقول البشرية في ابتكار واختراع وتطوير أسلحة التدمير والإبادة. ويترافق تطور الإنتاج الصناعي العسكري مع هدر موارد ومواد أولية طائلة تتحول إلى أسلحة، لا يستفيد منها المجتمع، لا بل تساهم في تدميره عند نشوب الحروب والنزاعات المسلحة. والأخطر من ذلك كله، هو تدمير رأس المال البشري نتيجة الحروب والنزاعات، والقضاء أحياناً على هذا الرأسمال الكامن في أجيال من البشر، مما يشكل عائقا هائلاً أمام تقدم البشرية. خلاصة القول، إن عمليات التسلح تشكل أداة استنزاف كبرى لموارد المجتمعات، لأنها تتسبب في تحويل موارد هائلة إلى أغراض غير منتجة، وإلى تفاقم أزمة المديونية الخارجية للبلدان النامية، التي تبقى عبئاً ثقيلاً يرهق كاهل الأجيال الحالية والقادمة. وهنا تتجسد العواقب المدمرة لتزايد الإنفاق العسكري وسباق التسلح، في حين تعاني غالبية البلدان (النامية بصورة خاصة) الأزمات الاقتصادية والتطور غير المتوازن، والنقص الهائل في الإمكانات المادية الضرورية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، والتنموية عموما. عند الحديث عن أثر الإنفاق العسكري على النمو الاقتصادي، لابد من الإشارة أيضا إلى تأثيره على معدلات التضخم. فمن المعروف أن لهذا النوع من الإنفاق طبيعة تضخيمة، وأنه يؤدي إلى تغير في المستوى العام للأسعار وإلى ارتفاع معدلات التضخم، وإعادة توزيع الدخل الوطني، وما يستتبعه ذلك من سوء تخصيص للموارد وتشوهات في الاقتصاد الوطني. على الرغم من هذه الصورة الواضحة، والكالحة، لعواقب تزايد الإنفاق العسكري، فثمة من يحاول التركيز على ما يعتبره جوانب إيجابية في عملية التسلح وزيادة الإنتاج العسكري وتطور المجمع الصناعي العسكري، خصوصاً في البلدان الكبيرة والمتقدمة. ومن الحجج التي تطرح في هذا السياق، الإشارة إلى مراحل شهدت فيها البلدان الكبرى خلال القرن العشرين، حالات من النمو الاقتصادي في ظل مستويات عالية من الإنفاق العسكري. من الأمثلة على ذلك النمو الذي شهده الاقتصاد الأمريكي في فترة الحرب الباردة، والنمو الذي شهدته كل من اليابان وألمانيا خلال الثلاثينيات، عندما بلغت عسكرة الاقتصاد والمجتمع في هذين البلدين الذروة. وكذلك وتائر النمو العالية التي شهدها الاتحاد السوفييتي السابق في الفترة ما بين عام 1930، وحتى نشوب الحرب العالمية الثانية، وفي حقبة الحرب الباردة، وصولا إلى عام 1970. هل هناك إيجابيات؟ يؤدي تطور المجمع الصناعي العسكري إلى خفض البطالة في المجتمع نتيجة لاستيعابه عشرات الآلاف من العاملين في قطاعاته المختلفة، مما يفضي بالتالي إلى زيادة الطلب الكلي في المجتمع، الأمر الذي يساهم في تطور القطاعات المدنية من الاقتصاد. ولكن يمكننا القول هنا إن برامج الإنفاق المدنية على الحاجات الاجتماعية، يمكنها أيضاً أن تساهم في انخفاض مستوى البطالة، وأن تحفز ارتفاع مستوى النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة. كما تساهم النفقات العسكرية في تطوير التكنولوجيا، التي يمكن أن تؤدي بدورها في حال استخدامها في القطاعات المدنية، إلى تطور الاقتصاد ونموه. ويشيرون في هذا السياق إلى الإنترنت وتكنولوجيا المعلوماتية والمحرك الصاروخي واللايزر، وغيرها. وكلها اختراعات وتطويرات ظهرت بداية في القطاع العسكري، ومن ثم انتقلت إلى القطاعات المدنية في مراحل لاحقة. ولكن ينسى هؤلاء المحللون أن سنوات طويلة تفصل بين بدء استخدام نتائج التطور العلمي والتكنولوجي في القطاع العسكري، والسماح بإدخالها جزئيا إلى القطاعات المدنية، مما يضيع على البشرية سنوات ثمينة من فرص التطور. كما أن الكثير من الاختراعات تبقى سرية، ولا يسمح بالاستفادة منها مدنياً على الإطلاق، وبالتالي لا يستفيد المجتمع منها أبداً. ويلاحظ المؤرخ توماس إي وودز، في هذا الخصوص أنه في الفترة ما بين الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، كان ما بين ثلث إلى ثلثي مجمل المواهب البحثية في الولايات المتحدة الأمريكية، تتركز حصراً في القطاع العسكري. ومن المستحيل، بالطبع، معرفة ماهية الابتكارات التي لم يقدر لها أن تظهر أو أن تستخدم في القطاعات المدنية، نتيجة هذ التحويل للموارد والقوى المعرفية لتصب في خدمة الإنتاج العسكري وحده. ويؤكد أنصار الإنفاق العسكري بأنه يمكن أن يساهم في تطوير البنى التحتية، من وسائل اتصالات ومواصلات وما شابه. ونقول في المقابل أنه لا شيء يمنع من إقامة هذه البنى التحتية بجهود القطاع المدني والإنفاق على الحاجات الاجتماعية. أما بخصوص رأس المال البشري فيؤكد دعاة تطوير القطاع العسكري بأنه يساهم في تطويره والحفاظ عليه، وفي خلق أجيال ممن يحملون المعرفة الضمنية التي تتحول إلى رأس مال فكري، يمكن أن يساهم في تعزيز الثروة المعرفية الوطنية، وفي خلق ميزات تنافسية جديدة تقوم على تحويل المعرفة إلى عنصر رئيسي من عناصر الإنتاج. ونحن نرى في المقابل أن البرامج المدنية قادرة أكثر على تطوير الموارد البشرية للمجتمع، وإعداد الكوادر التي يحتاج إليها هذا المجتمع من أجل تحقيق التنمية المستدامة. أنصار زيادة الإنفاق العسكري يقولون إن ذلك يؤمن قيام جيش وطني قوي يدافع عن أمن البلاد ويحمي مصالحها، ويواجه التهديدات الخارجية والداخلية. فضمان أمن البلاد يحفز بحد ذاته النمو الاقتصادي ويحمي المجتمع. لا ضير في هذا الكلام إطلاقا، المهم أن يكون الإنفاق العسكري للبلد المعني في الحجم والحدود التي تؤمن الأهدف المذكورة، بحيث لا تدخل البلد في سباق تسلح لا طائل منه، يمكن أن يدمر أسس وحدتها الوطنية ومقومات استمرارها.وانهيار دولة عظمى كالاتحاد السوفييتي أبرز مثال على ذلك، حيث أدى انخراط هذه الدولة، التي كانت بمنزلة إمبراطورية مترامية الأطراف، في سباق تسلح مكلف, استنزف قدراتها ومواردها الاقتصادية والمالية والمادية والبشرية، إلى تفككها وسقوطها المريع كبناء كارتوني هش. الكينزية العسكرية إن الحجج الآنفة الذكر بشأن التأثير «الإيجابي» للإنفاق العسكري، تجد لها أنصاراً بين أصحاب القرار في الولايات المتحدة، وهي تكوّن بمجملها ما يشبه نظرية جديدة، ثمة من يطلق عليها اسم «الكينزية العسكرية». ونحن نعلم بأن جوهر النظرية الاقتصادية الكينزية يتلخص في ضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد، باستخدام الأدوات والضوابط والقوانين الضرورية لضبط آلية عمل السوق والحد من عفويته، ومن الفوضى التي يمكن أن تعم فيه نتيجة العمل العشوائي وانفلات المضاربات، وتخطي القوانين في ظل الليبرالية المفرطة. يستعير دعاة «الكينزية العسكرية» من النظرية الكينزية مسألة تدخل الدولة، ولكن هذه المرة في استخدام الإنفاق العسكري كوسيلة من وسائل حفز النمو الاقتصادي، على حد رأيهم. ويعتبر دعاة «الكينزية العسكرية» أن الإنفاق العسكري يمكن أن يلعب دور المخفف للصدمات، والأداة التي تمتص تداعيات الأزمات، وبذلك فإنه يشكل «الملاذ الآمن» للمستثمرين خلال الأزمات المالية والاقتصادية. ويقدمون مثالاً على ذلك، ما حصل خلال الأزمة المالية العالمية الراهنة، التي أحدثت انكماشاً اقتصاديا على المستوى العالمي، وقادت إلى خسائر كبيرة في العديد من القطاعات الصناعية (كصناعة السيارات، على سبيل المثال)، متحولة إلى أزمة اقتصادية عالمية، بعد انتقالها من الاقتصاد الوهمي إلى الاقتصاد الحقيقي. فقد بقي قطاع صناعة الأسلحة في منأى من تداعيات هذه الأزمة، وظل محافظاً على إنتاجيته وعلى القوى العاملة فيه وعلى قدراتها الشرائية، الأمر الذي خفف إلى حد كبير من تداعيات الأزمة. وهكذا، يعلن أنصارنظرية «الكينزية العسكرية» بأن النفقات العسكرية تشكل عاملاً مهماً من عوامل «الاستقرار» في الاقتصاد الأمريكي. ويؤكدون بأن النفقات العسكرية العالية كانت خلال عقود من الزمن تشكل عامل استقرار في اقتصاد الولايات المتحدة، على الرغم من أن وظيفتها المخففة للصدمات لم تكن تبرز بوضوح إلا في حالات الأزمات الحادة، عندما يجري بواسطتها كبح الانهيار الكارثي في الاقتصاد. لقد غدت الموازنة العسكرية جزءا مركزيا من النظام الاقتصادي الأمريكي. ما من إنسان عاقل ينفي ضرورة تخصيص جزء من الثروة الوطنية في أي بلد من بلدان العالم، لأغراض حماية البلاد وصيانة أمنها الوطني واستقرارها، ودفع الأخطار والاعتداءات المحتملة التي يمكن أن تتعرض لها. لا بل إن هذه المسألة تعتبر قضية وطنية مصيرية كبرى لا يجوز المساس بها، أو التقليل من أهميتها. ولكن المسألة تكمن في الحدود التي تتوقف عندها عملية الإنفاق العسكري، بحيث لا تصبح عبئا يثقل كاهل الاقتصاد الذي لايزال يعتبر الأكبر والأقوى في العالم، فإن المبالغ الفلكية التي تنفق على الأغراض العسكرية، خصوصا مع خوض الحروب على أكثر من جبهة، تشكل حسب رأي الكثير من المحللين والمتابعين لحالة الاقتصاد الأمريكي اليوم، سبباً أساسياً من أسباب الأزمة الكبرى التي يدخل أتونها اليوم، ويجر معه الاقتصاد العالمي إليها.
|