على جبل الأرز

على جبل الأرز

رسم: أمين الباشا

قليلٌ مثلُ هذا الأرزِ
أوَّلهُ وآخرهُ اخضرارُ
يُخبِّرُني عن التاريخِ
طرَّزَهُ على يدهِ
كأنَّ المجدَ بعضٌ منه سَيَّارُ
أَسِرَّتُه منازلُ ثلجهِ
بيضاءُ ساحرةٌ
وجُبَّتُهُ منارُ
تعبنا حيثُ لم يتعبْ
وقَلَّم بردُهُ أظفارنا حتى وصلنا
وهو يضحكُ من تقلُّبِنَا على أقدامهِ
والغصنُ منه سلالمٌ والثلجُ زنَّارُ
يُخَبِّئُ في مساربهِ النجومَ وغيمها
والشمسُ ترمي فوقهُ أشواقها
فيسيلُ من دمها النُّضارُ
وقد جئناه نحملُ حَرَّنا
وسخونةَ الأجسامِ
والقيظَ المُبرَّحَ
كي تُعانقنا برودتُه
ونحملُ منه ما حملَ الفضا
وكأنما في جِلدِنا من بردهِ قد دُقَّ مسمارُ
مشينا سفحهُ وكأننا
نخطو على قُطنٍ
تبعثرَ من أكُفِّ الغيمِ
وامتلأتْ به هُضبٌ وأهوارُ
نُعبِّئُ من نسائمهِ اللطافِ جروحنا
فتطيبُ حيثُ نسيمهُ الجبلي مِعطارُ
يُقيم هناك نسرًا في الذرى الشَّماءِ
تسجدُ تحته جُزرٌ وأنهارُ
وجيرانُ الخليلُ - يمُّه
من قلب الضريحِ بَنَانَهُ
لتلامسَ الجسدَ الذي
من وجنتيهِ تشعُّ أنوارُ
ومن أعمارِ لبنانَ الجميلِ
الأرزُ
من عمرِ الثريا وجههُ الفتَّانُ مَوَّارُ
طعامُ الأرزِ ثلجٌ
من أعالي القرنةِ السوداءِ
يطهوها بحنكتهِ المدارُ
وإن أضنى الظلامُ
وجدتَ هذا الأرزَ دنيا
أشعلتها بالضيا سحبٌ وأقمارُ
تقاطرَ حولهُ الشعراءُ حتى يكتبوا
ما فاتهم ويزخرفوا تاريخهمْ
فعليهِ يُكتبُ من دوالي الشعرِ أسرارُ
ينام على مرافقه السحابُ فينتشي
ويسيلُ منه على الثرى
آسٌ وجلنارٌ وغارُ
كذا يمشي الزمانُ كأنهُ
لمحٌ عليه يمرُّ
والموتى إذا قاموا غدًا
وجدوه حيث رأوه لا نقصٌ وإعسارُ
يُلقَّبُ تاجَ لبنانَ الكبيرَ
واسمهُ ملكُ الرياضِ البيض والخضراءِ
سلطانٌ عَنَتْ لخلودهِ السحريِّ أشجارُ
عنيدٌ ليس يقربُ منه وحشٌ إذ دنا
لم يُجْدِهِ نابٌ وأظفارُ
منازله دفاتر فوقها خطَّ العباقرةُ
الخيالَ
وحفَّروا أسماءهمْ
حتى يقال نزيلُ هذا الأرزِ
مثلُ الأرزِ عطارُ

 

 

حسن جعفر نورالدين