تكنولوجيا النانو لإنتاج الخلايا الشمسية مستقبل الطاقة المتجددة

تكنولوجيا النانو لإنتاج الخلايا الشمسية مستقبل الطاقة المتجددة

على الرغم من الحداثة النسبية لتاريخ استخدام الإنسان فوتونات الموجات الكهرومغناطيسية القادمة من الشمس وتحويلها إلى طاقة كهربية، فإن استغلال الأشعة الشمسية في تطبيقات أخرى يعود تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد، حين استخدم الإغريق العدسات الزجاجية المحدبة في تركيز تلك الأشعة وتجميعها على هدف ما بغرض إحراقه. ففي القرن الثاني قبل الميلاد، وظف العالم الإغريقي الشهير أرشيميدس ظاهرة انعكاسات الأشعة الشمسية من على أسطح الدروع البرونزية لجنود الجيوش المحاصرة لمدينة سيراكوز Syracuse لتوجيهها صوب سفينة خشبية رومانية كانت تحاصر المدينة، فاشتعلت بها النيران وغرق ما عليها من جند. وفي عام 1767 اخترع أحد العلماء السويسريين ما يعرف باسم الطاهي الشمسي Solar Cooker، وهو عبارة عن صندوق بسيط يعلو سطحه لوح زجاجي يوضع أسفله إناء به الطعام المُراد طهوه. كذلك، منذ نحو 100 عام، توصل أحد الباحثين بفرنسا في استغلال البخار المتولد عن تسخين الماء بواسطة تجميع أشعة الشمس وذلك في تشغيل المحركات البخارية. وقد أوحت فكرة تسخين الماء هذه بواسطة تجميع الأشعة الشمسية إلى ابتكار وإنتاج الخلايا الشمسية في عام 1936 بالولايات المتحدة الأمريكية.

في إطار ما هو متوافر بعدد من الخيارات الإستراتيجية التي يمكن توظيفها للحصول على الطاقة النظيفة المتجددة، يعد موضوع استغلال الطاقة الشمسية في التوليد المباشر للكهرباء من خلال توظيف الخلايا الشمسية تُعرف أيضًا باسم الخلايا الفوتوفولطية أو الخلايا الكهروضوئية- يمثل أحد أبرز هذه الخيارات الواعدة التي يمكن الاعتماد عليها لتوفير متطلبات العالم المستقبلية من الطاقة. ويكفي أن نعرف أن ما يصل من إشعاعات شمسية إلى كوكبنا خلال ساعة واحدة فقط في اليوم الواحد يكفى لسد احتياجاتنا من الطاقة لمدة عام كامل ! فمن المعروف أن ما يصلنا من أشعة الشمس يمكن تحويله بصورة مباشرة إلى طاقة نظيفة تعادل ما قيمته 100000 تيرا وات (التيرا وات = ألف مليار وات). وتلك القيمة تناظر ما يقرب من 6000 ضعف حجم استهلاك البشرية من الطاقة الأولية البالغة في عام 2009 نحو 13,7 تيرا وات (13,7 ألف مليار وات). ويستعرض هذا المقال عرضًا موجزًا عن الخلايا الفوتوفولطية Photovoltaics وتطبيقاتها، مع إلقاء المزيد من الضوء على تلك الجهود التكنولوجية الحثيثة والاختراعات المبنية على تكنولوجيا النانو في تصنيع مواد الجيلين الثاني والثالث الموظفين في إنتاج الخلايا الشمسية المتقدمة.

استنزاف مصادر الطاقة التقليدية

يعد أسلوب احتراق الوقود الأحفوري من خلال استخدام محطات توليد الطاقة الكهربية التي يتم بها إنتاج الحرارة اللازمة في تسخين المياه وتحويلها إلى بخار يُستغل في إدارة التوربينيات المُنتجة للكهرباء، هى الطريقة التقليدية الأوسع انتشارًا في العالم للحصول على الطاقة الكهربية. وقد أدى سرعة النمو العالمى للناتج المحلى (World Gross Domestic Product, GDP)، والذي وصل خلال الفترة مابين عامى 1990 - 2009 إلى نحو 156 %، إلى زيادة الطلب على المصادر التقليدية للطاقة لأكثر من 40%، مما ترتب عليه زيادة مخيفة في نسبة الانبعاثات الغازية لثاني أكسيد الكربون، التي وصلت في العام الماضى إلى حوالي 36% مما كانت عليه سابقًا قبل عام 1990. وليس ثمة شك، في أن الطلب العالمى المتزايد على الطاقة سوف يشكل تحديًا كبيرًا أمام قطاع الطاقة العالمى، الذي بصدد مواجهة مشكلة تراجع الاحتياطيات العالمية من الوقود الأحفورى (المصدر الرئيسي لطاقة اليوم) قبيل انتهاء النصف الأول من هذا القرن. وفي إطار تلك المستجدات، فمن المنتظر أن تزداد قيم استهلاكاتنا من الطاقة مع حلول العقد الخامس من هذا القرن لتصل إلى حوالى 30 تيراوات سنويًا. ومن البديهي أن تمثل مشكلة تضاعف زيادة استهلاك الطاقة المعتمدة على الوقود التقليدي زيادة في نسبة الإنبعاثات الغازية، وتفشي ظاهرة الاحتباس الحراري، مما يزيد من احتمالية مواجهة العالم لكوارث بيئية شديدة الخطورة لايمكن معالجتها أو تفاديها.

الاستثمار العالمي في مجال الطاقة النظيفة

على الرغم من تدهور حالة الاقتصاد العالمى الذي أعقب الأزمة المالية العالمية في خريف عام 2008، فإن هذا لم يؤثر كثيرًا في النمو المطرد والمتزايد في استخدام الطاقة البديلة والمتجددة، والتى حققت خلال الفترة من 2004 إلى 2009 وحدها نسبة نمو غير متوقعة، تُعد هي الأكبر إذا ما قورنت بمتوسط نسبة النمو في السنوات الخمس السابقة لتلك الفترة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاستثمار في مجال الطاقة الجديدة قد تزايد بنسب عالية خلال السنوات الماضية، ليحتل مصدر الاستثمار الرئيسي للمستثمرين خلال تلك الفترة (2004 2009)، حيث قفزت قيمة الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة من حوالى 18 مليار دولار في عام 2004 إلى نحو 122 مليار دولار مع نهاية عام 2009. وقد بلغت سعة الطاقة المتولدة عما تم إدخاله من أجهزة ومولدات الطاقة الجديدة والمتجددة في سنة 2009 وحدها إلى 260 جيجا وات (260 ألف مليون وات)، تكفي لسد احتياجات 75 مليون أسرة من الطاقة.

الخلايا الفوتوفولطية

إن الخلية الفوتوفولطية ما هي إلا أجهزة Devices أو وحدات Modules تُخَولُ لنا تحويل طاقة الفوتون الضوئية القادمة إلى كوكبنا من الشمس إلى طاقة كهربية وذلك بصورة مباشرة. ويتم توظيف الخلايا الشمسية في تحويل الفوتونات الضوئية إلى تيار كهربائى مستمر (Direct Current (DC يمكن استغلاله في تشغيل أحمال التيار المستمر، وكذلك في شحن البطاريات المستخدمة بالأغراض المختلفة. هذا بالإضافة إلى أنه يمكن كذلك تشغيل العاكسات Inverter القادرة على تحويل التيار الثابت إلى تيار متغير (متردد) Alternative Current, AC يُستغل في تشغيل الأجهزة الكهربائية العاملة على هذا النوع من التيار لتغذية الشبكات الكهربية للمدن بالطاقة الكهربية النظيفة. وترجع تسمية الظاهرة الفوتوفولطية (الكهروضوئية) بهذا الاسم إلى العالم الفرنسي الشهير إيدموند بيكريل Edmond Becquerel الذي اكتشف خلال تجاربة في عام 1839، ازدياد تولد التيار الكهربى عند تعريض اثنين من الإلكترودات الفلزية الموضوعة بسائل موصل للكهرباء (الكتروليت) للضوء. وقد ظلت هذه الظاهرة بلا تطبيق حقيقي حتى العام 1947 حين تم اكتشاف الترانزستورات المصنوعة من آشباه الموصلات Semiconductors بواسطة علماء الفيزياء جون باردين John Bardeen، والتر براتن Walter Brattain وزميلهما ويليم شوكلي William Shockley.

لكن من الإنصاف أن نُرجع الفضل إلى أهله، ففي عام 1954 تمكن العالم داريل شابين Daryl Chapin من اختراع أول خلية فوتوفولطية مصنعة من السيليكون تم بواسطتها تحويل الأشعة الشمسية إلى طاقة كهربية بكفاءة بلغت 6%. وأود هنا أن ألفت الانتباه إلى أن تطبيقات الجيل الأول من الخلايا الفوتوفولطية المبنية على تكنولوجيا السيليكون والتى تم زيادة كفاءتها لتصل إلى نحو حوالى 10%، كانت موجهة في الأساس لمد مركبات الفضاء الخارجى Space Vehicles وكذلك نظم الاتصالات عبر الأقمار الصناعية Satellite Communication Systems باحتياجاتها من الطاقة الكهربية.

تطبيقات الخلايا الفوتوفولطية

على الرغم من كثافة استخدام الخلايا الفوتوفولطية في أعمال الإنارة للمنازل والمدن، فإنها تجد مجالات فسيحة أخرى من التطبيقات المهمة. فهي على سبيل المثال تُستخدم في إضاءة ممرات المهابط في المطارات، وكذلك إضاءة إشارات المرور داخل المدن، وكذلك إضاءة الإرشادات والعلامات المرورية على الطرق السريعة، علاوة على توظيفها في توليد الطاقة الكهربية الخاصة بضخ المياه الجوفية من الآبار واستخدامها في عمليات ري المزروعات وغيرها.

خلايا الجيل الأول

يتم تصنيع الخلايا الفوتوفولطية من مواد آشباه الموصلات، التي تُعد مادة السيليكون أكثرها شهرة واستخدامًا نظرًا لشيوعها وتوافر مصادرها في جميع أرجاء العالم. ولم يكن من المُتاح قبل دخول الأساليب المتنوعة لتكنولوجيا النانو Nanotechnology الخاصة بتخليق سبائك لمواد مختلفة التركيب والبنية من آشباه الموصلات، إنتاج خلايا فوتوفولطية تجمع بين الكفاءة العالية ورخص التكلفة.

ومن المعروف أن رقائق السيليكون التي تُصنع منها خلايا الجيل الأول ليست بالمادة المثالية التي يمكن الاعتماد عليها لإنتاج خلايا رخيصة ذات كفاءة عالية، نظرًا لافتقارها لكثير من الصفات والخواص التي يجب أن تتوافر في مواد أشباه الموصلات المستخدمة في إنتاج الخلايا الشمسية.

وقد أدى تواضع رقائق السيليكون في امتصاص واستيعاب الأشعة الشمسية إلى زيادة أسماكها من 125 - 250 ميكرومتراً، وهى أسماك كبيرة جدا إذا ما تمت مقارنتها بالرقائق المصنعة من آشباه موصلات أخرى مثل زرنيخ الجاليوم Gallium Arsenide ,GaAs التي لاتصل مقاييس أسماكها أكثر من واحد ميكرومتر. وقد تسبب استخدام رقائق السيليكون السميكة إلى ضخامة تكلفة إنتاج الكهرباء، والتي تصل إلى نحو خمسة دولارات أمريكية لكل وات. وعلى الرغم مما بُذل من محاولات تقنية حثيثة لرفع كفاءة خلايا الجيل الأول - لجعلها متقاربة مع الكفاءة النظرية لمادة السيليكون وهي 31% فإن تلك المحاولات لم تؤت ثمارها لتحقيق طموح العلماء والباحثين في هذا المجال.

خلايا الجيل الثاني

مما سبق عرضه، فقد واجه قطاع صناعة الخلايا الشمسية تحديًا تكنولوجيًا صعبًا، ولسوء الطالع، فقد واجهت صناعة الخلايا الفوتوفولطية خلال العشرين سنة الماضية مشكلات بالغة التعقيد بسبب الطلب المتزايد على رقائق مادة السيليكون المادة الأساسية لخلايا الجيل الأول لدخولها في مجال صناعة الحواسب والهواتف النقالة والأجهزة المحمولة وغيرهما من الصناعات الإلكترونية الحديثة، الأمر الذي نتج عنه زيادة كبيرة في أسعار تلك الرقائق إلى الحد الذي هدد بتوقف إنتاج هذا النوع من الخلايا الفوتوفولطية نظرا لعدم جدواها الإقتصادية.

وفي إطار الجهود العلمية والبحثية الشاقة التي جاءت متزامنة مع فرض تكنولوجيا النانو هيمنتها الصناعية، لاح بالأفق مولد جيل جديد (الجيل الثاني) من الخلايا يقوم على تكنولوجيا إنتاج الأغشية الرقيقة الفوتوفولطيةPhotovoltaics(TFPV) Thin-Films. ويعتمد أسلوب إنتاج هذا النوع المتقدم من الخلايا على توظيف عدة أساليب وطرق متقدمة، نذكر منها طريقة ترسيب الأبخرة الكيميائية Chemical Vapor Deposition) (CVD نجحت في تخليق أغشية رقيقة من مواد آشباه الموصلات المترسبة على ركائز زجاجية أو من البلاستيك (الركيزة Substrate نعني بها هنا طبقة الزجاج أو البلاستيك السفلية التي يتم عليها ترسيب الأغشية رفيعة السمك من مواد آشباه الموصلات لتكوين وحدة الخلية الفوتوفولطية). وتتميز طبقات الأغشية المترسبة بكونها ذات أسماك رفيعة لا تزيد على واحد ميكرومتر، وهي بذلك تقل من ناحية السمك عن رقائق مادة السيليكون المستخدمة في الجيل الأول من الخلايا بنحو يتراوح من 100-1000 مرة.

وقد أنعشت الأغشية الرقيقة الأمل من جديد في إمكان الاستفادة الفعلية من التطبيقات المختلفة للخلايا الفوتوفولطية، وذلك نظرًا لاستنادها إلى استخدام مواد منخفضة التكلفة مما يؤدي إلى خفض سعر تكلفة إنتاج الواط الواحد من الكهرباء إلى مادون 0.5 دولار. وقد انعكست رقاقة أسماك أغشية تلك الخلايا على أوزانها التي أضحت خفيفة ومرنة، مما أهلها وخَوَّلَ لها لأن تُستخدم كمصادر طاقة للأجهزة المحمولة مثل الهواتف النقالة والحواسب المحمولة. لكن، وعلى الرغم من كل هذه المزايا التي تحتكرها خلايا الجيل الثاني، فإنها مازالت تفتقر إلى الكفاءة المطلوبة التي لا تزيد في أغلب الأحيان على حدود 10%. وترجع أسباب نقص الكفاءة إلى كون أسماك خلايا الجيل الثاني رفيعة جدا، وهي بالتالي لا تستطيع أن تمتص الكمية نفسها من طيف الأشعة الشمسية التي تقوم بامتصاص الرقائق السميكة من السيليكون (خلايا الجيل الأول).

وقد أكدت نتائج الأبحاث الجارية على قدم وساق بأن الأغشية الرقيقة المصنوعة من سبيكة سلينيد نحاس الإنديوم جاليوم Cu(In,Ga)Se2 المعروفة باسم CIGS تنفرد بقدرة فائفة على امتصاص أكثر من 90% من الطيف الشمسي. علاوة على تمتعها بكفاءة عالية في التحويل بلغت نسبتها إلى نحو 20%. لكن، وعلى النقيض من تلك النتائج الباهرة والواعدة، فليس من المتوقع توظيف هذا النوع من الخلايا في التطبيقات الفعلية على المدى الطويل، وذلك نظرًا لمحدودية رصيد العالم من مادة الإنديوم In علاوة على كونها مادة باهظة التكلفة.

الجيل الثالث: جيل تكنولوجيا النانو

كثيرا ما نسمع عن وحدات الجيل الثالث من الخلايا الفوتوفولطية التي تستند في إنتاجها إلى تكنولوجيا النانو. وعلى الرغم من أن هذا الجيل المتقدم من تلك الخلايا مازال في مرحلة البحث والتطوير على المستوى التجريبي والمعملي، فإن جميع النتائج البحثية المنشورة خلال السنوات العشر وحتى اليوم تؤكد على حقيقة واحدة وهي أن المواد النانونية Nanomaterials التي تم التوصل إلى تخليقها معمليا تجتمع فيها خواص تركيبية وفيزيائية متميزة، مما يؤهلها لأن توظف في إنتاج خلايا فوتوفولطية ذات كفاءة عالية وغير مسبوقة. هذا بالإضافة إلى أن تلك الخلايا الناشئة من الجيل الثالث سوف تكون قادرة أيضًا على تحقيق مستويات تكلفة مماثلة أو أفضل من التكلفة الإنتاجية الخاصة بخلايا الجيل الثاني والمعتمدة في إنتاجها على تكنولوجيا الأغشية الرقيقة. وقد شهد العقد الأول من هذا القرن طفرات تقنية واعدة أدت إلى زيادة الثقة في قدرة الطاقة الشمسية النظيفة في المشاركة بالنصيب الأكبر في تلبية احتياجات العالم من الطاقة خلال العقدين المقبلين.

وهناك العديد من المواد النانونية التي تمت تجربة توظيفها في صناعة وحدات الجيل الثالث من الخلايا الفوتوفولطية، وتُعد الخلايا الشمسية الصبغية Dye-sensitized Solar Cells (DSC) أحد أهم أنواع الجيل الثالث من الخلايا الفوتوفولطية نظرًا لإنفرادها بمزايا تقنية واقتصادية متعددة ترشحها لأن تكون البديل الموثوق به لخلايا الجيل الأول المصنوعة من رقائق السيليكون باهظة التكلفة. وتختلف الخلايا الشمسية الصبغية في طريقة عملها عن الجيل الثاني من خلايا الأغشية الرقيقة في أنه يتم غمس حبيبات نانونية شفافة (غير معتمة) عالية المسامية من ثاني أكسيد التيتانيوم TiO2 بمركب مادة عضوية - غالبا من تكوُّن لمركب عضوي من مركبات عنصر الروثينيوم Ruthenium فتترسب بذلك جزيئات الطلاء العضوي على الأسطح الخارجية لحبيبات TiO2 التي تُغمر داخل محلول إلكتروليتي Electrolyte Solution يوضع بالخلية. ويتركب السطح العلوي من الخلية المواجهة لأشعة الشمس من لوح زجاجي شفاف يُطلى وجهه السفلي بطبقة شفافة موصلة للكهرباء والتي تعقبها حبيبات TiO2. وتنتهي الخلية بغشاء رقيق من فلز البلاتينوم يليه لوح زجاجي شفاف مطلي بطبقة شفافة موصلة للكهرباء.

وتعتمد الخلايا الشمسية الصبغية في عملها على أسلوب يشبه عملية التمثيل الضوئي في الطحالب والنباتات، حيث تصدم فوتونات الأشعة الشمسية النافذة عبر اللوح الزجاجي بجزيئات مادة الصبغة العضوية المترسبة على حبيبات TiO2 وتمتصها مما يعمل على إثارة إلكترونات المدارات الخارجية لجزيئات مادة المركب العضوية واكتسابها الطاقة اللازمة للإنفصال عن أنويتها، فتتحرر لتخترق حبيبات ثاني أكسيد التيتانيوم النانونية، ثم تنتقل إلى الطبقة العلوية الموصلة للكهرباء. وكما ذكرنا فإن جزيئات مادة الصبغة العضوية الفاقدة لإلكترونها تقوم وبسرعة بتعويض هذه الإلكترونات المفقودة من مركب اليود -المحلول الإلكتروليتي الموجود بداخل الخلية مما يؤدي إلى أكسدة هذا المركب وتحوله إلى يود ثلاثي التكافؤ، لتكتمل بذلك دائرة التوصيل الكهربية للخلية من خلال تلك العملية الكهروكيميائية Electrochemical Process.

ومن الجدير بالإشارة هنا إلى أن كفاءة هذا النوع من الخلايا قد تضاعفت خلال الأعوام الماضية لتصل الآن في عام 2010 إلى حوالي 11%، مما حفز كثيرًا من الشركات لإنتاج خلايا هذا النوع على المستوى الصناعي. وتتفوق هذه الخلايا على غيرها في أنه ليس بالضرورة أن يكون مصدر الفوتونات هو الأشعة الشمسية المباشرة، فنظرية عمل تلك الخلايا تعتمد في التشغيل على أي مصدر من مصادر الإضاءة. وتبذل الآن الجهود نحو استبدال المحلول الإلكتروليتي الموجود داخل الخلية بمادة صلبة مناسبة وذلك من أجل تفادي تمدد السائل عند درجات الحرارة المنخفضة وتعرضه للتسرب خارج الخلية.

وهناك العديد من النماذج الناجحة الأخرى من الجيل الثالث للخلايا الفوتوفولطية، نذكر منها الخلايا متعددة الوصلات Multifunction Cells التي تعد النموذج الأكثر نجاحا ونضجًا لهذه الطائفة الجديدة من الخلايا الشمسية المتقدمة. ويعزى إنتاج هذا النوع من الخلايا إلى محدودية كفاءة الخلايا الفردية التي لاتزيد القيمة النظرية لها على 31%، وذلك نظرا لأن فاقد الفوتونات غير الممتصة هائل وتصل قيمته إلى نحو 20%. وتقوم فكرة إنتاج هذا النوع من الخلايا على تجميع عدة خلايا فوتوفولطية مختلفة، وترتيبها في منظومة واحدة فوق بعضها البعض. وتكديس هذه الخلايا وتجميعها لايتم بصورة عشوائية، وإنما يتم في نسق علمي مدروس، حيث توضع الخلايا التي لها قيم عالية من فجوات الحزم Bandgap في المقدمة تليها الخلايا ذات القيم الأقل وهكذا. وعند مرور الأشعة الشمسية خلال تلك المجموعة المتكدسة من الخلايا، فإن كل خلية تقوم بامتصاص واستيعاب مجموعة ضيقة من الطاقة، مما يعمل على تقليل الفاقد من طاقة الفوتونات التي يتم استيعابها بالكامل، مما يؤدي إلى رفع كفاءة الخلية. ويعرض الجدول رقم 1 مقارنة بين الأنواع المختلفة من الخلايا الفوتوفولطية للأجيال الثلاثة والذي يمكن فيه ملاحظة تفوق خلايا الجيل الثالث على الجيلين السابقين. ويعزو العلماء هذا التفوق إلى التقدم الذي أحرزته البشرية في توظيف تقنيات تكنولوجيا النانو المتقدمة لتخليق مواد من آشباه الموصلات لإنتاج هذا الجيل الجديد من الخلايا.

وفي إطار النتائج البحثية، فإنه من المرجح أن يتم تعميم استخدام المواد النانونية على نطاق واسع في مجال تصنيع تلك الخلايا مما سوف يؤدي إلى زيادة قدرتها في امتصاص أكثر من 95% من جسيمات الفوتونات المُكونة للضوء والحاملة للإشعاعات الكهرومغناطيسية المقبلة من الشمس.

ونود هنا أن نؤكد على أنه خلال السنوات الخمس المقبلة سوف تجد أنابيب الكربون النانونية Carbon Nanotubes وكذلك البلورات النانونية Nanocrystals ونقاط الكم Quantum Dots مجالات فسيحة في إنتاج خلايا شمسية أكثر تقدما وكفاءة، حيث أضحى بإمكاننا اليوم الحصول على مجموعات متعددة لتلك النانونيات المتقدمة والهيمنة على فجوات Holes أحزمتها Bandgap عن طريق التحكم في تغيير أشكال وأحجام حبيباتها. لذا فمن المؤكد أن يخول ذلك كله زيادة في قدراتها على تحويل الطاقة الضوئية الشمسية إلى طاقة كهربية، ومن ثم تزداد آمال البشرية في مستقبل مشرق حتى مع غياب أو اضمحلال مصادر الوقود الأحفوري التي تبارينا في استنزافها خلال القرن الماضي.

 

 

 

محمد شريف الإسكندرانى 




شكل 1: يمثل الشكل العلوي نموذجًا حقيقيًا لإحدى الخلايا المرنة من الجيل الثاني من الخلايا الفوتوفولطية المنتجة بأسلوب الأغشية الرقيقة. ويوضح الشكل السفلي صورة ملتقطة بواسطة الميكروسكوب الماسح الإلكتروني لقطاع رأسي لتلك الخلية يبين تركيب طبقاتها وترتيبها





الشكل 2: يعرض الشكل (أ) نموذجا حقيقيا لإحدى الخلايا الشمسية الصبغية، بينما يوضح الشكل (ب) شكلا تخطيطيا لهذا النوع من الخلايا مبينا فيه التركيب الداخلي للخلية





جدول رقم (1): مقارنة بين كفاءة بعض من نماذج أجيال الخلايا الفوتوفولطية الثلاثة