أقمار صناعية للبيع سليمان القرطاس

أقمار صناعية للبيع

لم تعد تجارة الإعلام تكتفي بعبثها على الأرض، لكنها تمد هذا العبث نحو الفضاء، والهدف أن تربح مزيدا من المال، حتى لو كان ذلك على حساب الخصوصية الثقافية للشعوب. لقد قيل الكثير عن الغزو الثقافي القادم إلى الجنوب من الشمال عبر الأقمار الصناعية، لكن هذا الغزو باتت تسيره أطماع تجار من أبناء الجنوب نفسه. وهذه واحدة من قصص هذا الاتجار المريب.

قصة القمر الصناعي الآسيوي وشبكة ستار التلفزيونية هي قصة مغامرة غريبة مستمرة عادت على أصحابها بأموال طائلة واختلفت في تقييمها الآراء بدأت هذه القصة في عام 1984 م في رحلة من رحلات مكوك الفضاء الأمريكي تشالنجر، تمت في 3 فبراير، حمل المكوك خلالها قمرين صناعيين ومركبة علمية ليتم إطلاقها في الفضاء هي قمر صناعي أمريكي يدعى 6-Westar وقمر صناعي إندونيسي للاتصالات هو "بالبا 2 ب" أما المركبة العلمية فهي المركبة الألمانية "سباس" التي تحمل أجهزة علمية لدراسة الجاذبية الدقيقة، لكن ما هي علاقة ذلك بالقمر الصناعي الآسيوي؟

فشل ومحاولات إنقاذ

عند وصول المكوك إلى المدار المطلوب، تم قذف القمرين إلى الفضاء، وقد ركب في كل منهما محرك صاروخي يعرف اختصاراً بـ "Pam" يستخدم في نقل القمر الصناعي من مدار دائري بارتفاع 300 كيلو متر (وهو مدار المكوك) إلى مدار إهليجي بأوج (أبعد نقطة في المدار عن الأرض) 36000 كيلو متر، وحضيض (أقرب نقطة في المدار من الأرض) بارتفاع 300 كيلو متر، ينفصل بعدها عن القمر الصناعي ليبدأ نظام الدفع في القمر الصناعي عمله ليصل إلى المدار المتزامن، (وهو المدار المتعامد على خط الاستواء بارتفاع 35850 كيلو متراً عن الأرض، ويدور القمر الصناعي فيه بسرعة تساوي سرعة دوران الأرض حول نفسها لذلك يبدو ثابتا، وتستخدم الأقمار الصناعية هذا المدار للاتصالات والأرصاد الجوية)

لكن الذي حدث هو أن الصاروخين الملحقين بالقمرين الصناعيين قد تعطلا، وبقي القمران يدوران في مدار منخفض عديم الفائدة، وبذلك فشلت عملية إطلاقهما.

عند ذلك لجأت الشركة المالكة للقمر "وستار - 6" إلى إطلاق القمر الصناعي الاحتياطي وبذلك فإنها استغنت عنه.

وفي 8 نوفمبر 1984 م أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) مكوك الفضاء "ديسكفري" في رحلة لاستعادة القمرين "بالبا 2 ب" و"ستار - 6" وتم في هذه الرحلة استعادة القمرين إلى مكوك الفضاء والعودة بهما إلى الأرض.

وخلال المحاولات لإنقاذ هذين القمرين، تم إجراء عدة اختبارات حول صلاحية أجهزة القمرين الصناعيين، أظهرت هذه التجارب أن أجهزة الاتصال بهما تعمل بصورة جيدة لكن المدار الذي كانا يدوران فيه كان من الممكن أن يؤثر على اللحام الفضي، والأسلاك الناقلة للطاقة الكهربائية من الخلايا الشمسية، لذلك فإن عملية إعادة إطلاقهما من المكوك بعد تجهيزهما بمحرك جديد، كانت أمراً غير مضمون.

وأعيد القمران إلى مالكيهما، وبعد فحصهما تبين أنهما يعملان، وجميع أجهزتهما بحالة سليمة، فقررت مؤسسة الاتصالات الإندونيسية إطلاق "بالبا 2 ب" لاحقا، أما الشركة المالكة لـ "وستار- 6" فعرضته للبيع.

وبقي هذا القمر الصناعي مخزوناً ردحاً من الزمن إلى أن تم شراؤه من قبل شركة تأسست حديثا اسمها (شركة الاتصالات الآسيوية) مقرها هونج كونج، وبثمن بخس نسبياً، هو 30 مليون دولار.

وكانت هذه الشركة تسعى إلى تقديم خدمات اتصالات إلى دول شرق وجنوب آسيا التي تفتقد إلى شبكة اتصالات اقليمية.

الصين على الخط

ونظراً لاختلاف تغطية البث للقمر الصناعي "وستر - 6" المخصصة أصلا لتغطي الولايات المتحدة الأمريكية، ومنطقة خدمات الشركة الجديدة، فقد تم الاتفاق بين شركة الاتصالات الآسيوية والشركة المصنعة للقمر الصناعي وهي "هيوز إيركرافت" على تحويل نظام الهوائي للقمر الصناعي ليلائم تغطية البث للمنطقة الجديدة.

ونظراً لانخفاض رأسمال الشركة الجديدة، فقد اختارت أرخص وسيلة لإطلاق الأقمار الصناعية بواسطة الصاروخ الصيني "لونج مارش - 3" وساعد في اتخاذ القرار الحظر الأمريكي على الصين بإطلاق أقمار صناعية ذات تقنية أمريكية، بواسطة صاروخ صيني، وهي كذلك أول عملية إطلاق تجارية لصاروخ صيني.

وكانت هذه العملية مغامرة بكل ما تعنيه من معان، نظراً لفشل عمليتي إطلاق سابقتين، من أصل ست عمليات إطلاق سابقة لهذا الصاروخ، وتم تحديد أبريل من عام 1990 موعداً لإطلاق القمر الصناعي "أساسيات - 1"، وتمت عملية إطلاق الصاروخ الصيني ثلاثي المراحل، في 7 أبريل بنجاح.

ويحمل هذا القمر الصناعي 24 قناة اتصال، بمدى سي الترددي (6/4 جيجا هرتز)، بطاقة 8.5 وات لكل منهما، ويشمل بثها الصين واليابان ومنغوليا وجنوب شرق آسيا والهند وباكستان، وبدرجة أقل إيران والبلاد العربية في آسيا.

وكان أكبر المساهمين والمؤسسين، بليونيرا من هونج كونج يدعى لي كاشنج، وبعد أن تم إيجاز عدد من القنوات، لباكستان والهند وتايلاند ومنغوليا، وبدلاً من الانتظار لمستأجرين آخرين، فإن هذا البليونير دخل المغامرة مرة أخرى، وقرر إنشاء شركة بث تلفزيوني تستأجر عدداً من قنوات "آسياسات" تحت اسم (التلفزيون الفضائي لمنطقة آسيا)، أو ما يعرف اختصارا باسم STAR، تستأجر خمس قنوات، تبث الأولى باللغة الصينية، والثانية تقوم بإعادة بث القناة الفضائية لهيئة الإذاعة البريطانية، والثالثة لبث برامج وأفلام باللغة الانجليزية، والرابعة لبث برامج رياضية والأخيرة لبرامج موسيقية اتخذت أسلوب المحطات الغربية.

ويعتمد تشغيل هذه القنوات على الأرباح التي تحصل من الإعلانات، وكانت هذه الشركة قد بدأت مفاوضات مع شبكة CNN الأمريكية لتتم إعادة القناة التلفزيونية الإخبارية لها، وبعد مفاوضات استمرت سنتين، انتهت إلى الفشل، نتيجة كون هذه الشبكة تحصل على عوائد جيدة من الاشتراكات في اليابان، ولا تريد فقدان هذا المجال المربح.

لقد أثارت خطوة هذا البليونير، ردود فعل متباينة، تراوحت بين الموافقة والرفض والموافقة المشروطة لتجمعات الأجانب لأسباب مختلفة، أخلاقية وثقافية وسياسية، وحتى اقتصادية.

وبذلك تحولت مغامرة بليونير وخشيته من انخفاض العائدات في الاستثمارات، إلى موجة من التأثير الإعلامي الغربي على المجتمع الشرقي، بما فيه من أثر لغوي وثقافي واجتماعي. وبعد الأرباح التي كسبها هذا البليونير من الإعلانات، فقد عقدت هذه الشركة اتفاقاً مع شركة "مارتن مارييتا" الفضائية، لتصنيع قمر صناعي جديد أكبر حجما، ودي عدد مساو من القنوات، بمدى سي وبطاقة 55 وات لكل قناة، وتغطية مشابهة لتغطية "آسياسات - 1" وبتسع من القنوات العاملة بمدى كي يو (14/11 جيجا هرتز)، بطاقة 115 وات لكل قناة، والتي يمكن استقبالها بهوائيات أصغر حجما، تغطي حزمة البث الصين وجنوب شرق آسيا، ومن المؤمل أن يتم إطلاقه بواسطة الصاروخ الصيني "لونج مارشن 2" هذا العام.

ونقلت الأخبار شراء البليونير الاسترالي إمبراطور الصحافة البريطانية، وصاحب شبكة "سكاي نت التلفزيونية"، روبرت مردوخ، لنسبة كبيرة من أسهم شبكة ستار أخيراً. ولا ندري إلى أين ستوصلنا المتاجرة بوسائل الإعلام هذه في المستقبل؟!

 

سليمان القرطاس

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




آسيا سات 1 في الفضاء (لاحظ أن المنطقة العربية ليست من المناطق الرئيسية للتغطية





رواد المكوك يستعيدون القمر الصناعي وستار - 6 من الفضاء





تحوير القمر الصناعي وستار - 6 ليلائم منطقة البث الجديدة





الجيل الجديد المسمى آسياسات - 2 المؤمل إطلاقه عام 1995م