سنة التحرير.. وسنة البناء فبراير 1991 - فبراير 1992

حديث الشهر

من لم يخض التجربة ويعرف الألم لا يستطيع أن يقدر، على وجه الدقة، الفرحة الكبرى التي تستقبلها الكويت هذا الشهر مواطنين ومقيمين، شعبا وشرعية، كبارا وصغارا، بمناسبة ذكرى حرب التحرير وعودة الكويت إلى أهلها، وعيدها الوطني الواحد والثلاثين. ففي مثل هذا الشهر من العام الماضي، وعلى وجه التحديد في السادس والعشرين منه، رفع علم الكويت الوطني على أرض الكويت، وعادت الكويت كما كانت حرة، بعد أن رسفت تحت ظلم الاحتلال لفترة زمنية تقارب السبعة أشهر تعد لدى الكويتيين وكأنها سنون طوال.

لا يعرف فرحة عودة الأوطان إلا من ابتلي بفقد الوطن، وحتى لفترة طرفة عين، ولقد ابتليت الكويت وأهلها في تلك الشهور السوداء بأفظع وأقسى ما يبتلى به شعب، لقد ظن النظام العراقي أن الباطل يمكن أن يصبح حقا بمجرد أن تنفخ أبواقه الدعائية بذلك، أو بمجرد أن يجد له مناصرين هنا وهناك يرفعون راية الظلم ويهتفون للغاصب، فجاء في ليل أسود بجحافل كثيرة العدد والعدة تحت دعاوى عديدة ليحتل في نهاية الأمر دولة الكويت الحرة المستقلة، ويطلق دعاواه واحدة تلو الأخرى للتمويه على مقاصده الشريرة. كان النظام العراقي يعتقد أنه عبر حملاته النفسية - يستطيع ترهيب العالم وتخويفه، كما اعتقد أنه - عبر المنتفعين بمغانمه والصاغين لوعوده - يستطيع تحويل الرأي العام إلى صالحه، بل واعتقد أنه - عبر الاحتفاظ برهائن بشرية يهدد العالم والشرعية الدولية، بل ويكف يدها عن أي فعل، وأخرج الحاوي كل ما في جعبته من التهديد والتخويف والإرهاب، وقد فشلت كلها واحدة تلو الأخرى، وتحقق النصر المبين.

وعندما نتذكر تلك الأيام السوداء فإن العالم يقف مشدوها أمام أعمال نظام إرهابي استخدم أساليب الإرهاب بكل صورها وأشكالها دون رادع.

ولكن المأساة كانت تتجمع خيوطها في داخل الكويت المنكوبة بالاحتلال.

لقد فرض ذاك الاحتلال على الكويت والكويتيين تعتيما إعلاميا، بل لقد قال رئيسه دون حياء لإحدى شبكات التلفزيون العالمي: أنا لا أريدكم أن تذهبوا إلى الكويت لأنها ساحة معركة!!

وبالفعل كانت ساحة معركة، ولكن من نوع آخر، كانت ساحة معركة مقاومة شديدة الإيمان بالله وبوطنها الحر المستقل وبشرعيتها التي ارتضتها، فنظم الكويتيون أنفسهم أحسن تنظيم وتعاونوا أحسن تعاون.

بين المسجد والجمعية التعاونية

نظم الكويتيون أنفسهم في مناطق سكناهم بعفوية رائعة لفتت نظر العدو قبل الصديق، وكان محور ذاك التنظيم الفذ، المسجد والجمعية التعاونية المحلية.

ففي المساجد تجمع الكويتيون للصلاة خمس مرات في اليوم يتبادلون بعدها الأفكار والآراء والأخبار وخطط العمل. ويطمئنون بعضهم على بعض، ويتفقدون المريض والمحتاج ويشدون أزر بعضهم بعضا ويؤكدون إيمانهم بالنصر بفضل الله وبفضل تكاتفهم ووقوف الخيرين مع قضيتهم في كل مكان.

وأخذت الجمعية التعاونية المحلية دورا في التنظيم المعاشي لأهل "لا يعرف فرحة عودة الأوطان إلا من ابتلي بفقد الوطن وحتى لفترة طرفة عين". الحي، فتدفق إليها الشباب يحملون البضائع إلى المنازل، ويقسمون ما لديهم من مئونة على المحتاجين ويوزعون الأدوية على المرضى، يخبزون ويوزعون الماء ويطمسون أرقام الشوارع وأسماءها ويحملون الموتى إلى المقابر، وهم قبل ذلك وبعده يتناقلون الأخبار التي تأتيهم من الخارج ويدعمون روح المقاومة السلبية والإيجابية لدى بعضهم البعض.

من هذا التنظيم التلقائي العفوي الرائع نمت روح المقاومة الكويتية الصلبة للمحتل، ومنها أيضا خرجت كتائب المقاومة العسكرية والمعلوماتية، فكانت الأولى تقوم بالمقاومة الإيجابية، تتبع جنود المحتل وتصطادهم فرادى وجماعات، ونشط آخرون في كتابة البيانات وتوزيعها من أجل تعميم المعلومات وشد الأزر والتواصي بالصبر والحيطة.

دعم كل ذلك خطة منسقة تولتها الشرعية الكويتية وأولو الأمر في الطائف، ففتحت قنوات الإمداد المالي والمعنوي للأهل الرازحين تحت الاحتلال، وتكونت شبكة متسقة لتوزيع المال من الداخل والخارج لتصليب عود المقاومة ودعمها.

وصمدت حكومة الكويت في الطائف بقيادة أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح ومعهم كوكبة خيرة من إخوانهم تمتد سلسلتها من الطائف إلى الكويت، عبر مجموعات من الكويتيين والكويتيات البررة الذين آلوا على أنفسهم متابعة دعم مواطنيهم، مهما كانت المخاطرة عظيمة والتضحية شاملة، فالشأن جلل ولا مناص من المقاومة.

وتدفق الكويتيون في أماكن وجودهم خارج وطنهم من كان منهم هناك، ففاجأه الغزو الأسود وأبعده عند داره وأهله ومحبيه، أو من فرض عليه جنود الغزو وطغيانه العسكري أن يهجر بلده مضطرا لسبب أو لآخر على رأسه الإرهاب المنظم.

وكم كان الشعب الكويتي عظيما حيث تحمل أعباء جساما عجزت عن حملها شعوب أكثر منه عددا وعدة، تعرضت لأقل مما تعرض له من ظلم وعدوان.

تدفق الرجال والشباب والنساء في المهاجر المؤقتة لينظموا أنفسهم أفضل تنظيم، وظهرت لجان [الكويت حرة] في لندن والرياض والمنامة والقاهرة وواشنطن والدوحة وأبو ظبي ودمشق وأماكن أخرى عديدة، كلها تنتظم في سلسلة متراصة متكاتفة وعلى لسانها هتاف واحد: "الكويت حرة" - "لا بديل للشرعية" - و "لا قبول أو تنازل للمحتل ولا حتى عن بوصة مربعة واحدة من الأرض"، وقد ضرب أروع مثال للتضحية والمقاومة بعد تحرير الكويت، فتوارى أولئك الشجعان الذين كانوا العمود الفقري للمقاومة، تواروا وراء صنيعهم العظيم دون فخر ولا منة، وانخرطوا في أعمالهم العادية دون ضجيج. وذلك فعل إنساني نادر يضع التضحية ونكران الذات للوطن في قمة أولوياته.

الثقة بالنصر

وكانت القيادة الشرعية الكويتية مؤمنة بتحقيق النصر، واثقة من قدرتها وشعبها على المقاومة، متأكدة من عودة الأهل والأحباب إلى الالتئام في يوم موعود وساعة محددة هي يوم النصر وساعة رفع العلم الكويتي وعودة الشرعية، معتمدة على أشقاء وأصدقاء صدقوا الوعد وصمموا على المساندة، فبدأت الشرعية الكويتية منذ الساعات توارى أولئك الشجعان، الذين كانوا العمود الفقري للمقاومة، وراء صنيعهم العظيم دون فخر ولا منة". الأولى للاحتلال في التنظيم والاتصال وتهيئة الأمور السياسية والاقتصادية للشعب الكويتي، وكان أن قدمت المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومصر وسوريا الدعم الواضح الأكيد لقضية الحق منذ اللحظات الأولى، وحملت الأولى عبء التصدي الإيجابي، فعلى أرضها تجمع العالم بقواته الدولية، ومن خلالها سمع العالم صوت الشجب والرفض، وتكاتفت الجهود الخيرة كلها لتدفع الظلم والظلمات عن أرض وشعب الكويت.

وقام أمير الكويت بعد أقل من شهرين من الاحتلال بجولة واسعة في أنحاء العالم بدأها مخاطبا العالم كله على أعلى منبر دولي في الأمم المتحدة، شارحا هول المصاب ووحشية المعتدي وفداحة العمل الذي قام به، وخروجه على القانون الدولي والمعاهدات الإقليمية والقيم السياسية والأخلاقية والدينية.

وانتقل أمير الكويت إلى لندن وباريس ثم إلى بكين، مخاطبا العالم وضميره الحي، شارحا بكل التفاصيل والوثائق قضية الكويت. كما قام ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح بجولة عربية مخاطبا الإخوة العرب طالبا تفهمهم وعونهم. ثم استقر الرأي بعد ذلك - ومن أجل إيصال صوت الشعب الكويتي إلى العالم- على دعوة قطاع واسع من الكويتيين في الخارج لمؤتمر شعبي موسع تضافرت فيه الجهود باتجاهين: الأول رفض قاطع للاحتلال ونتائجه ودعم للشرعية والشعب. والاتجاه الثاني هو التصميم على بناء دولة ومجتمع حديث بعد التحرير قوامه العقيدة السمحاء والعروبة الصافية وحقوق الإنسان الحر يرفع فيه ميزان العدل والمساواة والشورى، وكان ذاك التجمع الكبير والديمقراطي حجر زاوية في انطلاقة شعبية جديدة، فطافت اللجان الشعبية الكويتية المنبثقة من ذاك المؤتمر بدول عربية وأجنبية، على الرغم من أن بعض هذه الدول كان له مواقف سلبية تجاه القضية الكويتية برمتها، ولكن كانت الحكمة تدعو للمحاولة الجادة في المحاورة على المستوى الشعبي لتحديد المواقف وجلي الغموض. ولم يكن الموقف الرسمي لهذه الدول - خاصة العربية - مثار عقبة في عدم الإقدام على الحوار الشعبي. هكذا كانت حكمة الشعب الكويتي بعيدة النظر. ولقد استقبلت هذه الوفود استقبالا حارا في بعض البلدان، وفي بعضها الآخر استقبلت ببرود يصل أحيانا إلى حالة العداء والاستفزاز، إلا أن النهايات حققت القول المأثور أن للباطل جولة وللحق جولات.

التحرير

لقد لاحت بشائر النصر بدءا من الطلقة الأولى في الحرب الجوية- وبدأ الحق يأخذ طريقه ليبدد الظلام، وتكللت جهود العالم في الوقوف أمام شريعة الغاب التي أرادها النظام العراقي أن تسود، ووجه أمير البلاد كلمة إلى الشعب الكويتي، قال فيها [لقد كنا نعتز ونفخر بكم لما عانيتم وتعانون من قتل وتعذيب واعتقال وتشريد من المحتل البغيض، ونحن جميعا نعيش معكم صباح مساء في محنتكم ونشعر بما تشعرون، وبمشيئة الله فقد بدأت عملية تحرير أرضنا العزيزة من المعتدين الغاصبين، وسنلتقي إن شاء الله في وطننا العزيز ليلتئم شمل الكويتيين في وطنهم الكويت].

وهكذا كان، فبعد السادس والعشرين من فبراير الماضي عادت الشرعية الكويتية مكللة بالنصر المبين، عادت إلى أرض الوطن، وعاد من كان خارج الكويت ليلتقي بالأحبة داخله، ولكن العودة كانت مؤلمة وحزينة، فقد دمر العدو البنى التحتية وحرق آبار النفط، وسرق كل ما وقع تحت يده من منقولات.

ولم يكن التحرير ماديا، بمعنى دحر آلة العدو العسكرية وطرد جحافله إلى خارج أرض الكويت فقط، بل كان معنويا أيضا، فقد انتصر المعدن الأصيل لشعب الكويت الذي قاسى أتون الحرب الملتهبة وآلامها، فقد كان كيانه كله محورا لتلك الحرب.

الأشهر القليلة اللاحقة للتحرير كانت أشهرا عسرة، زاغت فيها بعض الأبصار هلعا وخوفا وتحوطا، إلا أن الكويت وأهلها كانوا مصممين على بدء مسيرة الإعمار بكل قوة، وكانت قائمة الأولويات عديدة تبدأ عند توفير الخبز والماء، ولا تنتهي عند مشكلة إطفاء حوالي سبعمائة بئر فقط مشتعلة، تحيل نهار الكويت إلى ليل دامس، مرورا بمئات القضايا التي تحتاج إلى متابعة وحل.

وظهر معدن الشعب الكويتي من جديد وتصميم قيادته ليس إبان المحنة فقط بل في مرحلة إعادة البناء والتصدي للمشكلات الكبرى التي واجهته معيشيا واقتصاديا.وعندما تصمم قيادة مستنيرة وشعب قوي الشكيمة يكون التصدي لتحدي كل العقبات الضخمة أكبر وأعظم.

وكانت المهمة شاقة والآلام عميقة، كما كانت الآمال عريضة في بناء مجتمع جديد متكافل.

وعادت الحياة الطبيعية من جديد إلى أرض الكويت، وفي وقت أقل بكثير مما قدر له حتى الخبراء، وكان رمز العودة والانتصار الداخلي هو إطفاء آبار النفط، التي شاركت في عملياتها دول عديدة، بما فيها فريق كويتي مجاهد.

وكان يوم إطفاء آخر آبار النفط المحترقة، في الأسبوع الأول من نوفمبر، هو يوم انتصار جديد للكويت وعلامة فارقة وواضحة لروح الاستجابة والتصميم التي تمسك بها الشعب وكرت سبحة المنجزات في سرعة قياسية في الداخل والخارج إنجازا بعد إنجاز.

الرهائن

رغم إنجاز التحرير والتعمير فإن الكويت - تأسيسا على تراثها القديم وهو العناية بالإنسان سواء أكان فردا أم مجموعة، والتزاما بمبادئ دينية وأخلاقية سامية - ما زالت تحمل هاجس الرهائن الذين احتجزهم نظام بغداد، وقبض عليهم ظلما وعدوانا وهم في وطنهم ونقلهم عنوة إلى سجونه ومعتقلاته، لذلك فإنك اليوم في الكويت لا تجد شارعا أو مسكنا أو محلا عاما أو خاصا إلا وعليه إشارة لهؤلاء الرهائن الكويتيين عند نظام بغداد، وتسمع دعاء (اللهم فك قيد أسرانا) على كل شفة.

وقد طاف أمير الكويت بالعالم مصحوبا ببعض أبناء الأسرى والمرتهنين في إشارة واضحة إلى أن ابتلاءنا لم ينته بعد، ودعوتنا لكل الخيرين للضغط من أجل إطلاق المرتهنين ما زالت قائمة.

وتمثل قضية الرهائن الكويتيين لدى نظام بغداد استثناء في التوجه العالمي، الذي يحث على إنهاء الإرهاب بأشكاله المختلفة، وكان إطلاق الرهائن في لبنان وغيرها مؤشرا مهما على أن عصر التهديد بالقوة، واختطاف الآمنين قد ولى. وهذه القضية من جانب آخر تؤكد ولوغ نظام بغداد في الممارسات المرفوضة دوليا وقانونيا وإنسانيا.

ويحاول ذلك النظام أن يجعل من قضية الأسرى والمرتهنين الكويتيين عنده ورقة للضغط والابتزاز، واحتفاظه بالرهائن يعني ضمن ما يعنيه أن نظام بغداد يضرب صفحا عن تطبيق قرارات مجلس الأمن الواضحة والصريحة، وهو أيضا يجرح نصوص اتفاقات وقف إطلاق النار.

وفوق ذلك كله يعبر هذا التصرف غير الإنساني عن نظرة هذا النظام لحقوق الإنسان بل ولحياة الإنسان التي لا تعني عنده شيئا، لا لحياة مواطنيه ولا غيرهم.

والإصرار الكويتي على إبقاء قضية الرهائن الكويتيين حية عربيا ودولتا، يعني ضمن ما يعنيه أيضا حرص الكويت على حياة الإنسان التي يجب أن تحفظ وتصان.

ولا يقترب عربي، أو قارئ للعربية، من موضوع الرهائن إلا ويضع في عقله وقلبه معاناة أبناء وزوجات وأهل هؤلاء الرهائن، الذين يسامون سوء العذاب ويحرمون من أدنى حقوقهم المدنية، يعذبون ويحرقون، تحقيقا لروح التشفي عند نظام متعصب.

التحرك الكبير

بين فبراير 1991 وفبراير 1992 شهدت الكويت نشاطا ضخما على الصعيد المحلي الداخلي، وعلى الصعيد الخارجي، فالإنجازات التي تمت داخليا واضحة ومشاهدة. وعلى الصعيد الدولي تم التحرك الواسع من قبل أمير الكويت فقام بزيارات بعد التحرير إلى واشنطن والأمم المتحدة ولندن وباريس وبكين وموسكو وروما. بجانب دول الخليج العربية وكل من دمشق والقاهرة لحمل شكر الكويت حكومة وشعبا على المواقف الصلبة والمبدئية، التي وقفتها هذه الدول بجانب الحق الكويتي. وما أن سلمت الكويت رئاسة المؤتمر الإسلامي في داكار إلى عبده ضيوف رئيس الجمهورية السنغالية في ديسمبر الماضي حتى تسلمت في الشهر نفسه رئاسة مؤتمر القمة الخليجي الثاني عشر الذي عقد في الكويت في الشهر نفسه، والذي كان عقده في حد ذاته اختبارا للإرادة الكويتية، تنظيما وأمنا ونتائج. وقد تحدث جابر الأحمد في افتتاح المؤتمر فقال: [إن انعقاد هذه القمة على أرض الكويت، وفي هذه الآونة بعد التحرير، يفصح عن مضامين عديدة من الوحدة بين بلداننا وشعوبنا، والروابط التي تربط بينها وبين أصولها العربية وانتمائها الإسلامي].

وأضاف:

[ولا يخالجني أدنى شك في أنكم جميعا تشعرون معي بأننا أمام معطيات جديدة كل الجدة، تولدت عن العدوان، وكانت لها آثارها المباشرة على شعوبنا الخليجية التي مثلت بؤرة الأحداث، ومن ثم فهي تتطلع إلي أن ترى جديدا تؤمن به حاضرها، وتثق من خلاله في مستقبلها].

ولقد تمخضت القمة لدول الخليج العربي عن قرارات عديدة على المستوى الإقليمي والعربي والدولي، كلها تصب في دعم النظام الدولي الجديد وإقامة نظام عربي مبني على العدالة والتعاون والواقعية، ونائيا عن الشعارات التي ضللت الجماهير ومازال بعضها يفعل.

المواقف المضادة

في الوقت الذي تحتفل فيه الكويت بالعيد الأول للتحرير مازال الألم يعتصرنا من جراء مواقف بعض العرب الذين وقفوا بوضوح ودون خجل مع المعتدي، وبرروا تصرفاته، بل وحاول بعضهم فلسفتها وبيعها للجماهير.

وقد قامت حركات سياسية منظمة باتخاذ هذا الموقف، مبررة موقفها بالوقوف أمام (الأجنبي)، وحقيقتها أنها تريد تصفية حسابات داخلية عميقة في بلدانها. وقد اتخذ بعضها موقف التأييد للعدوان وتهييج الرأي العام في بلادها كمنطلق حسبته لإضعاف النظام الذي تعيش في ظله.

وسقطت بسرعة لافتة الوقوف (ضد الأجنبي)، عندما دعت تلك الحركات السياسية إلى إرسال متطوعين والتبرع بالدم وإرسال الدعم المادي للنظام المعتدي. الحسرة تكمن في أن الكويت منذ أن تبوأت مكانها في المجال العربي والدولي دائبة الدعم والنصرة لكل ما هو خير وطيب ويعود بالنفع على الشعوب العربية والإسلامية.

لقد كان خطاب هذه الجماعات السياسية إلى الجمهور العربي خطابا عاطفيا مثيرا للغرائز الأولى دون تمحيص وتدقيق، وقد كان خطابا تغيب فيه العقلانية وتهتز القيم ويحول الصعاليك فيه إلى أبطال.

وتطرح قضية احتلال الكويت وتحريرها من هذا المنطلق أسئلة عميقة وشائكة حول الوعي السياسي العربي الحاضر، وفيما إذا كان قادرا على تجاوز الإثارة والتضليل وتلوين المعلومات.

عيد التحرير

ويطل علينا العيد الأول للتحرير آخر هذا الشهر، والكويت تعود أفضل مما كانت فقد صهرت أهلها المحنة وطهرتهم نار الحرب من أدران السلبيات السابقة، وولدت من جديد بلدا حرا وشعبا يتطلع إلى مسيرة يسودها العدل والحرية. وطنا يقدم الجهود ولا يبخل، ويقدم التضحية ولا يفخر، ويواصل دعم الحق ولا يخشى، فقضايا العرب عديدة، وقضايا المسلمين كثيرة، والكويت، على الرغم من الجراح والمحنة، هي كويت العرب والإسلام.