أصل تكون البترول في الكويت فوزية حسين

أصل تكون البترول في الكويت

في لحظة شوق وبعد انتظار طويل بتخطي مراحل كثيرة من البحث والتجارب ظهرت بوادر الانتظار. سبحان الله فيما خلق، منظر يقشعر له البدن وتدمع له العيون، بقايا آثار كائنات حية ما زالت متواجدة ومحتفظة بشكلها رغم مرور مائة مليون عام على عمرها ورغم استعمال مواد كيميائية حمضية مركزة لاستخلاصها حفظت في تلك الصخور حتى تقوم بإفراز المواد الهيدروكربونية من البترول والغاز الطبيعي لتتجمع لاحقا للاستعمال كمصدر طاقة تتجلى قدرة الخالق في تسخير هذا الكون للإنسان من أول الخلق وبداية نشأة الكون إلى وقتنا الحاضر. وما يجده الإنسان حوله من حيوانات ونباتات وأرض ومعادن وهواء وجبال وماء.. إنما خلقت لذلك المخلوق البشري حتى يتمتع ويستفيد منها ولعله يتعظ بذلك ويقدر الكرم الإلهي. وإلا فما تفسير الاحتفاظ بهذه الكائنات الحية داخل هذه الصخور ولهذه الفترة الطويلة أى أن يظهر الإنسان على هذه الأرض بحوالي 99 مليون سنة حسب تقدير الجيولوجيين؟.

في أي دراسة جيولوجية عن البترول تجمع عينات صخرية من شركات النفط بعد حفر الآبار للاستكشاف عن البترول تجمع تلك الصخور عادة وتؤخذ التحاليل للدراسة الفيزيائية والكيميائية لاستخلاص أكبر قدر مما يسمى بخزانات النفط.. وحتى يختزن النفط في تلك الخزانات الصخرية لابد أن تتواجد في وضع خاص أي نظام وترتيب صخري معين يحبس قطرات النفط في هذه الخزانات ويمنعها من الهجرة إلى مناطق أخرى. هذا النظام يسمى المحبس البترولي، ولتسهيل الفكرة للقارئ تخيل أن لديك كأس عصير برتقال يتم سحبها بواسطة عود، هذا العود يمثل البئر التي تحفر لاستخراج النفط. أما الكأس فهي الخزان الذي يحوي البترول. تجمع هذا العصير في الكأس كان من مصدر أساسي وهو البرتقال. ولكن ما هو مصدر البترول المتجمع في خزانات النفط تحت سطح الأرض من خلال الدراسات والأبحاث الجيولوجية يتبين أن مصدر البترول المتجمع ناتج عن مواد عضوية الأصل وهي كائنات حية تحللت تحت ظروف معينة (ستوضح لاحقا) حتى تصل إلى مرحلة تبدأ بعدها في إنتاج البترول والغاز الطبيعي. هذه الكائنات الحية دفنت داخل الصخور على مر العصور وتحت ظروف وأجواء وبيئة مناسبة، ثم تأتي اللحظة المناسبة ويأتي وقت قطف ثمار هذه الكائنات بإنتاج الذهب الأسود. ولهذا يتجه الباحثون للبحث عن الصخور التي تكون غنية بالمادة العضوية كشرط أساسي أول لدراسة إمكانية وجود مصدر صخري للنفط في أي منطقة.

والسؤال الآن: كيف يمكن استخلاص هذه المادة العضوية وبقايا الكائنات الحية من تلك الصخور؟ وما هي خطوات الدراسة التي يمر بها الباحث؟.

تتميز هذه المواد العضوية وهي ما يسمى بالكيروجين بانها غير قابلة للذوبان في الأحماض الكيميائية العالية التركيز أي انه إذا تم وضع حمض ذي تركيز عال لإذابة أي مواد عالقة مع الكيروجين فإنها تذوب مع الحمض تاركة راسبا من هذه المواد العضوية. ولهذا يقوم الباحث باستعمال أحماض كيماوية مركزة لإذابة المادة الصخرية تاركة في النهـاية راسبا من المواد العضوية أو الكيروجين لدراستها.

هذه الأحماض (حمض الهيدرفلوريك FH بتركيز 70% وحمض HCI) يتجه الباحث فيها للبس الملابس الواقية مثل القفازات الخاصة، قناع الوجه الخاص، النظارات الواقية، وفلتر خاص لتنظيف الهواء المتنفس من الغازات المتطايرة، من هذه الأحماض مع الحرص على إجراء التجربة في خزانات خاصة مغلقة ومزودة بشفاط لسحب الغازات السامة. تقوم هذه الأحماض بإذابة المادة الصخرية والتي عادة تكون متكونة من مادة جيرية كلسية أو مادة سيلكاتية تتجمع المادة العضوية أسفل إناء التحضير ثم بعدها تغسل بطرق خاصة حتى تنقى من باقي الشوائب لتصبح جاهزة للتحاليل الكيميائية الأخرى،

كيف تجمعت المادة العضوية؟

معظم المواد العضوية المتواجدة في صخور المصدر البترولي عبارة عن بقايا كائنات حية عاشت في بيئة مائية إما بحرية أو مياه عذبة وتكون إما على شكل مواد ذائبة في الماء أي على شكل محاليل ذائبة أو محاليل غروانية. Colloidal Solution أو على شكل مواد معلقة في المياه بينت الدراسات الحديثة على مياه البحار والمحيطات في الوقت الحاضر ان الكائنات الحية يزداد تركيزها في طبقات المياه العليا (60 - 80 مترا) وهي المنطقة التي يمكن أن تخترقها أشعة الشمس حتى تستطيع النباتات في الماء أن تقوم بعمليات البناء الضوئي وتتغذى عليها الكائنات الحية الأخرى والتي تتغذى عليها غيرها ضمن سلسلة الهرم الغذائى في البحار. وقد وجد أن تركيز هذه المواد أو الكائنات الحية يقل مع زيادة العمق..

الكائنات الحية والمواد العضوية إما أن تتكون داخل البحر أو الوسط المائي وإما أن تكون مضافة إلى البيئة. هذه الإضافة تكون عن طريق الأنهار التي تصب في البحار، أو تيارات المياه البحرية التي تحدث بسبب اختلاف في درجات الحرارة وبدور أقل عن طريق الرياح، أو أن المواد العضوية إما أن تكون بحرية أو مائية الأصل تكونت في البيئة نفسها أو تكون برية متكونة على الأرض أو القارات، تساقطت أو انجرفت مع مياه الأنهار أو الرياح. ناتج هذا الخليط من المواد العضوية والذي يختلف في النوع والتركيز من مكان إلى آخر يتجمع في المياه ويكون متعرضا لظروف يعتمد عليها حفظ هذه المادة لاحقا في تلك الصخور.

وكمية ونوع المواد العضوية المتكونة أو المتجمعة في بيئة ما يعتمد على نشاط الكائنات الحية الدقيقة وقدرتها على التكاثر وكذلك يعتمد على بيئة الترسيب المتكونة فيها وأخيرا على كمية المواد العضوية القادمة من القارات بواسطة الأنهار والرياح.

يزداد تركيز المواد العضوية في الطبقات العليا من البحار كما ذكرنا سابقا كما وجد أن تركيزها يزيد أيضا قريبا من السواحل عنه داخل البحار وهذا بسبب اختلافات تيارات المياه البحرية والمواد العضوية القادمة من القارات بواسطة الأنهار والتي تعتبر غذاء للكائنات البحرية أو أنها مباشرة الترسب.

تتعرض المواد العضوية في البحار للتآكل بواسطة الكائنات الأخرى أو التحلل الكيميائي نتيجة وجود غاز الأكسجين في الماء. أي أنه في البيئات المؤكسدة الغنية بغاز الأكسجين يزداد نشاط الكائنات الحية للقيام بعمليات الأيض وبالتالي تزداد سرعة استهلاكها للغذاء وبالتالي استهلاك هذه المواد العضوية وفي النهاية لا تتجمع بتركيز عال في الرواسب المتجمعة في تلك المنطقة. فكلما قلت الفترة التي تتعرض لها المواد العضوية للوسط المائي المؤكسد قلت الفرصة في وصولها إلى الرواسب وحفظها كمادة عضوية في الصخور. ولهذا يزداد تركيز المواد العضوية في الصخور إذا قل طول عمود الماء الذي تعلوه أو إذا زاد معدل ترسيب الرسوبيات في المنطقة يؤدي إلى سرعة دفن المادة العضوية ومنع تعرضهـا لسطح المياه أو لكائنات حية أخرى والتي تتغذى عليهـا

أما في البيئات المختزلة أو شبه المؤكسدة يتحول الأكسجين المتبقي في الوسط المائي إلى ثاني أكسيد الكربون كناتج من نواتج عمليات الأيض والتي تعتبر من أهم العوامل التي تؤدي إلى نقص كمية الأكسجين وتحول البيئة إلى وسط مختزل.

وبعد أن تدفن المواد العضوية داخل الرواسب تبدأ التغيرات والتفاعلات الكيميائية في تغير هذه المواد العضـويـة بصـورة يسهل تحويلهـا إلى مركبـات هيدروكربونيـة لإنتاج البترول والغاز الطبيعي. ويمكن تلخيص ذلك في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وتحدث هذه المرحلـة على عمق لا يتعـدى بضع مئـات من الأمتـار، حيث أن استمـرار عمليات الدفن للمواد العضوية بواسطة رواسب أخرى تغطيها يزيد عمقها على سطح الأرض.

ومن المعلوم أنـه كلما زاد العمق عن سطح الأرض زادت درجـة الحرارة. هـذه الحرارة ناتجة من الصخور المنصهرة في باطن الكرة الأرضية. وتقاس درجات الحرارة على أعماق مختلفة وفي مواقع مختلفة من سطح الأرض حيث تبين اختـلاف درجة الحرارة من نقطـة إلى أخرى. ولهذا فمن الأهميـة قيـاس التـدرج الحراري في الموقع لدراسة الوضع الجيولوجي فيه.

وبهذا فكلما دفنت طبقـة الصخور إلى أعماق أكبر تعرضت إلى درجـة حرارة أكبر وهذا بدوره له تأثير كبير على المواد العضوية داخل هذه الصخور في إسراع معدل التفاعلات الكيميائية.

أما في المرحلـة الأولى فـلا تتعـدى درجـة حرارة الصخور فيهـا. 60 ْ م أي هي المرحلـة التي تشمل التغيرات الحاصلة في درجـات حرارة أقل من 60 ْ م هنا التغيرات الحاصلة تكـون ناتجة أساسا بواسطة نشاط الكائنات الدقيقة والتي تضمحل بزيادة عمق الرواسب هذه الكائنات الدقيقة هي التي تعيش في وسط مختزل، ولهذه الكائنات الدقيقـة القدرة على سحب الأكسجين المتواجـد داخل المركبات الكيميائية مثل تلك المتواجدة في المواد العضويـة أو في الأملاح الكربونية 2-3CO أو النترات 2-3NO أو الكبريتـات 2-4SO. وينتج من سحب الأمـلاح والأكسجين من هذه المركبات خروج غازات مثل غاز ثاني أكسيـد الكربون 2CO وغاز النيتروجين 2N في الماء أو غـاز كبريتيد الهيدروجين H2S. وتستمر عمليات التغير الكيميائية للنواتج حتى ينتج غاز الميثان 4CH وهو ما يسمى بالمثيان العضوي في هذه المرحلة.

المرحلة الثانية وهي من أهم المراحل التي تمر بها المادة العضوية لإنتاج أكبر كمية من الهيدروكربونيات. أي انها المرحلة التي يتم فيها انتاج البترول بالكميات الكبيرة هذا العامل الأساسي الذي يقوم بتكسير المواد العضوية وتحويلها إلى هيدروكربونيات هو الحرارة المتواجدة في الأرض والتي كـما ذكرنا سابقا تزداد بزيادة عمق الرواسب أي زيادة عمليات الدفن. تتراوح درجات الحرارة التي ينتج عندها البترول في هذه المرحلة بين 60 إلى 160 ْ م. تتحدد كمية المواد الهيدروكربونية المنتجـة على نوع المادة العضوية.

المرحلة الثالثـة: أكثر إنتاج المواد الهيدروكربونية في هـذه المرحلة يكون على شكل غاز الميثان حيث تزداد عمليات التفـاعل الكيميائية وتتكسر الروابط الهيدروكربونية حتى تصبح في أبسط صورها 4CH. بعد أن تصل درجـات الحرارة إلى أكثر من 160 ْ وينتج عن تلك التفاعلات الكيميائية تغيرات على المادة العضويـة في خواصها الفيزيائيـة والكيميائية. ويبدأ انتـاج البترول بصفة عامة عندما يصبح لون المادة العضـوية برتقاليـا أمـا عندما يصبح اللون أسود فإن عمليات إنتـاج المادة العضـويـة للهيـدروكـربونات تتوقف.

ولقـد تعمقت الأبحـاث في دراسة المواد العضويـة لمعرفة صخور مصدر البترول في السنوات الأخيرة وهي من الدراسات الحديثة. ولا تزال الأبحاث جارية لمعرفة الطـرق والتفاعـلات الكيميائيـة المعقـدة لإنتاج البترول. وهناك أسئلـة واستفسارات كثيرة يحاول العلماء والباحثـون الإجابة عنها. ولكن ما فائدة ة دراسة هذه الكائنات ومعرفة أصل صخور المصدر؟

يمكن تلخيص الإجـابـة عن هـذا السؤال بإنـه لا يمكن أن يتواجد البترول في أي منطقة إذا لم تتوافر تلك الصخور الغنية بالمواد العضوية أي أنه إذا وجدت تلك الصخور فاحتمال تواجد البترول يكون أكبر وكلما زادت الكمية وعدد وحجم هـذه الصخـور زادت كميات البترول في الحوض الترسيبي، وهذا ما يشد الجيولوجيين في محاولـة معرفـة من أين جـاءت كميـات البترول المتواجدة في منطقـة الشرق الأوسط (60% من مجموع المخزون في العالم). وبهذا تجد أيها القـارئ الكرم الإلهي للإنسان أن يجعل تلك الكائنات تدفن في الأرض وتحفظ لمئـات الملايين من السنين حتى يتسنى للإنسـان أن يستثمر تلك الثروة لخدمته واستفادته.

ولا نـدري ما تخفي لنـا الأرض من ثروات يجهلهـا الإنسان سورة الإسراء، الآية: 85 وما أوتيتم من العلم إلا قليلا والحمد لله رب العالمين

 

فوزية حسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




نوع من بذور النباتات يوضح تغير درجات لون المادة العضوية - المرحلة الأولى





نوع من بذور النباتات يوضح تغير درجات لون المادة العضوية - المرحلة الثانية





نوع من بذور النباتات يوضح تغير درجات لون المادة العضوية - المرحلة الثالثة





الأدوات الوقائية المستعملة عند إجراء عملية استخلاص المادة العضوية من الصخور





بذور نباتات برية





خلايا خشبية لنباتات برية