منذ خمس سنوات،
انبعث أمل جـديد لـدينا تجاه جـانب ثقافي مهم يخص أطفالنا وهو الثقافة السينمائيـة
المخصصة لهم. كانت الإشارة التي بعثت الأمـل هي الإعلان عن إقامة المهرجان الدولي
الأول لسينما الأطفال في القاهرة وإذا شئنا مزيدا من الإضافة لأهمية هذا الحدث فإن
هذا المهرجـان هو المهرجـان الأول الذي جمع أفلام الأطفال العربية أول مرة ليراهـا
أصحـابها ويتعـارفوا ولـيراهـا الجمهور (الصغير) الكبير الذي تتوجه إليه هذه
الأفلام.
المهرجان هو
المهـرجان الأول الذي جمع أفلام الأطفال العربية أول مرة ليراها أصحابها وليراها
الجمهور (الصغير) الكبير الذى تتوجه إليه هذه الأفلام.
في البداية..
قوبل المهرجان بقدر من اللامبالاة والاحساس بأنه حدث متزيد على مهـرجان القاهرة
السينمائي الدولي والذي يقام لسينما الكبار، وكان وقتها قد وصل إلى أوج نجاحه، خاصة
وأن الهيئة التي تقيم المهرجانين واحدة، وكذلك الإدارة والإشراف.
في البداية أيضا
نظر الكثيرون باستخفاف لفكرة تخصيص "حدث دولي" للأطفال تأتيه وفود من كل مكان
بالعالم، وتفتح قاعات دور العرض السينمائي خصيصا له، وتجتمع لجان تحكيم وينشغل قطاع
غير صغير من النقاد والصحفيين والإعلاميين بمتابعته.
كان مبعث
الغرابة أولا أنه مهرجان يقام لجمهور مستبعد من تقسيم خرائط الاحتفالات الثقافية
التي تحتاج لاستعداد وتمويل وجهـاز عمل فعال. ومبعث الغرابة ثانيا أنه مهرجان بلا
نجوم تثير اهتمام ذلك القطاع الكبير من أهل الإعلام المقروء والمرئي الباحثين عن
النجوم في كل محفل لتصديرهم في بضاعة مضمونة ورائجة التوزيع.
المهرجان
الأول
مر العام الأول
للمهرجان بسلام (17 - 21 سبتمبر 1990) برغم أن أموره لم تؤخذ لدى الكثيرين على محمل
الجد الكامل وكانت الأسباب متعددة مثل تعارض موعده مع بدء العام الدراسي، وانشغال
جمهوره بالعملية التعليمية، ثم عدم وجود أفلام عربية قوية تقف كند لتلك الأفلام
الجميلة التي كشفت لحضور العروض عن الأبعاد التي وصلت إليها سينما الأطفال في
العالم كله، ليس في أمريكا فقط، أشهر بلاد صناعة السينما وأكبرها، ولكن في كندا
والمجر ورومانيا وتركمانيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقا والتي حصل فيلمها
(الابن) على الجائزة الذهبية الأولى، في الهند وفرنسا واستراليا وإيران اكتشف جمهور
المهـرجان في أول دوراته هذا العالم الذي بدونا وكأننا لم ندخله بعد في بلادنا
العربية... وبدا الحديث عن أهمية وجود فيلم عربي يفتتح به المهرجان الدولي الثاني
حلماً صعبا وسط هذه الابداعات القادمة من كل بلاد العالم.. ولعل هذا الاكتشاف
المتأخر دفع البعض وقتها للحديث عن لاجدوى مهرجان كهذا في بلاد لا تنتج هذا النوع
من الفن، لكن الأمل والقدرة على لعق الجراح الخاصة تغلبا وارتفعت نمة جديدة هادئة
في الدورة الثانية للمهرجان مفادها أننا في العالم العربي نحتاج للحديث عن تواجد
أفلام للأطفال أساسا قبل أن نتحدث عن تطويرها وتنوعها، فبعد مائة عام على اختراع فن
السينما نفسه على يد الأخوين لومير (1895) ليس لدى أغلب دولنا العربية سينما للكبار
فما بالنا بسينما الأطفال؟، صحيح أن هناك أفلاما للأطفال في مصر يتم انتاجهـا
وتقديمها منذ الستينيات، لكن ليس لها ملامح الاستمرارية بل الثبات والانتشار والعرض
المستمر، والسبب أنها لم تصبح جزءا من بنية السينما الناطقة بالعربية أي لم تصبح
جزئا من الصناعة ودوره رأس المال والانتاج والتوزيع والعرض المنظم
والمكرر.
والغريـب في
الأمر أن بمصر أكبر عـدد من المؤسسات السينمائيـة، ويوجـد بها معهد سينمائي عال،
وصناعـة سينمائية عمرها سبعـون عاما، وجيش من الفنـانين والمتخصصـين ولكن الحصيلـة
قليلة، مبعثـرة ومهدرة في قاعات العروض الخاصة في بعض المناسبات.
ولقد كشفت دورات
المهرجان الخمس عـن وجود رغبـة حارة لصنع أفلام لملايين الأطفال العرب الذين يجلسون
بالساعات تحت رحمة برامج التلفزيون الأجنبية والعربيـة وأفلام الكبار، ولكن هـذه
الرغبة من الفنانين والمختصين لا يقابلهـا إيمان حقيقي بأهميـة أفلام الأطفال لدى
الأجهزة المسئولة عن التخطيط للثقافة في العالم العربي. ومنذ اليوم الأول لانعقاد
الدورة الأولى للمهرجـان عبر رئيسه ومؤسسه سعد الدين وهبـه عن هذه الحقيقة في بيانه
الأول، ثم توالت مطالبة المهرجان في دوراته التالية للمسئولين عن الثقافة في عالمنا
العربي بالالتفـات إلى سينما الأطفال وبضرورة إتاحة الفرص للمبدعين العرب لصنع
أفلام للأطفال.
ومـع توالي
نداءات المهرجان إلى المسئولين، ومع ازدياد رقعة نجاح المهرجـان من عام لآخر، ومع
ثباته ونمو جمهـور يتزايد ويكون وأيا عام جديدا وواعيا تجاه ثقافـة الطفـل جـاءت
تغييرات ممثلـة في استجابات ايجابية، بطيئـة لكنهـا مبشرة بأذن صاغية وحـركة نامية
واهتمام يتطور إلى فعل على المستـويات المادي والمعنوي نوجزه في النقاط
التالية:
أولا: مبادرة المجلس العربي للطفولة والتنمية بتخصيـص جائزة
لأحسـن فيلـم عربي من بين أفلام المهرجان وذلك معناه دفع مؤسسات الانتاج السينمائي
والتلفزيوني العربيـة إلى وضع أفلام الأطفال ضمن برامجها بشكـل أساسي. وقد بدأ
المجلس تقديم جائزته منذ الدورة الثانية للمهرجـان (أكتوبر 1991) وفي الدورة
الثالثة أضاف للجائزة غطاء ماليـا قدره (50 ألف) جنيه وفي الدورة الرابعة أعيد
ترتيب الجائزة لكي تقدم لأفضل ثلاثة أفلام (ذهبية 25 ألف فضية 15 برونزية 10) وفي
الدورة الخامسة أضيفت جائزة إضافية تعطى لأحد الفنانين العرب المتخصصين في تقديم
الأعمال السينمائية والتلفزيونية للطفل. ثم أعلن الأمير طلال بن عبدالعزيز رئيس
المجلس رفع قيمة الجائزة للضعف (مائة ألف جنيه) ابتداء من الدورة
القادمة.
ثانيا: تزايدت
الأفلام العربية القادمة للمهرجان باطراد دورة بعد أخرى، ولعل الأمر لا يعود لجوائز
المجلس العربي للطفولة فقط بقدر مما يعود إلى التواجد وسط محفل ثقافي مخصص لهذه
الأفلام والأعمال التي توارت في الظل طويلا بلا اعتراف صريح بأهميتها وقيمتها،
فهناك هيئات انتاجية عربية قدمت إنتاجاً لأول مرة وفيها مؤسسات سعودية وقنوات
تلفزيونية فضائية جديدة بالإضافة إلى جهات الإنتاج التقليدية والرسمية.
ثالثا: اهتمام
المهرجان بإقامة حلقة بحث وندوات حول سينما الأطفال بجانب عروضه وهو ما يضيف
لأعماله جانبا مهما يكمل دائرة الاستفادة المرجوة منه، فلطالما أقيمت الندوات
والمؤتمرات حول ثقافة الطفل بلا فاعلية عملية ممثلة في عروض وأعمال تترجم ما يقال
ولعل حماس المجلس العربي للطفولة والمركز القومي لثقافة الطفل في مصر مع المهرجان
في إعداد الندوات ونشر المطبوعات الخاصة بسينما الطفل ترجمة عملية لقيمة وجود هذا
المهرجان.
غير أنني أعتقد
أنه بعد كل هذا فإن أهم ايجابيات هذا الحدث هو نجاحه في إعادة النظر في العلاقة
الحضارية بين المجتمع والطفل، ورده الاعتبار للطفل العربي كمشاهد مهم، مهـما صغر
عمره وخفت صوته، له الحق في غذاء ثقافي أكثر ملاءمة له، وابداعات تقصده أساسا،
واحتفاليات تقام من أجله تحديدا، فكثيرة هي المهرجانات والأحداث الثقافية
السينمائية والمسرحية والغنائية التي تقام في بلادنا، ولكن، ليس بينها مهرجان واحد
مخصص للطفل. وإذا اعتبرنا أن لمهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال أربعة مهام
مقدسة. فقد أنجز أولها بالفعل وهو جمعه لفناني سينما الأطفال العرب معا في لقاء
سنوي يطلعون فيه على ما انجزوه، وما أنجزه غيرهم من فناني العالم بعد أن كانوا
وكانت أفلامهم في حصار شديد.
إعادة الاعتبار
للطفل
أما ثاني المهام
المقدسة فهي إعادة الاعتبار للطفل كمشاهد له حقوق عامة في دور العرض السينمائي
والنوادي والمدارس وكلا أماكن التجمعات الاجتماعية والثقافية التي تذهب إليها أفلام
المهرجان وتنمية وعي الطفل بالمشاركة الجماعية.
وثالث المهام هو
النفاذ إلي الأغلبية الصامتة من أطفال الريف والمناطق النائية والتي ليس بوسعها
مشاهدة عروض المهـرجان، وذلك من خلال تقدم التلفزيون المصري لشراء الأفلام الفائزة
في دورته الخامسة، وتقدم بعض قنوات التلفزيون العربية الفضائية أيضا لشراء هذه
الأفلام وغيرها وكذلك تقدم (صندوق التنمية الثقافية) المصري التابع لوزارة الثقافة
لشراء مجموعة أفلام فنان السينما الكندي الكبير (روك ديمرز) التي يوجهها للأطفال في
أقصى مراحل عمرهم (10 - 14 عاما) وهذا الإنجاز علامة بارزة وفارقة في علاقة الطفل
العربي بما يراه من سينما تؤثر فيه ويتأثر بها، فما بالنا وهذه الأفلام التي تمثل
أفضل مستوى لفن السينما والفكر والمضمون النبيل تصل إلى أغلب أطفالنا بأكثر الوسائل
يسرا وشعبية، شاشة التلفزيون.
بقي إنجاز أخير
في المهام المقدسة للمهرجان، ما زال أملا وهو وضع سينما الأطفال العربية على خريطة
الإنتاج الفعلي لدى كل المؤسسات الرسمية والخاصة التي تقدم ميزانيات عالية لإنتاج
برامج تلفزيونية محدودة المستوى وأفلام لا تعبر عن طموح حقيقي لعبور الفجوة بين
أفلامنا وأفلامهم ولقد أعلن رئيس المهرجان في ختامه عن مسابقة لكتابة قصص تصلح
لأفلام الأطفال وفتح الباب لكل المبدعين للتنافس.. وها نحن في الانتظار.. وأمامنا
أقل من عام حتى الدورة السادسة في سبتمبر 1995.