الساعة

الساعة

ريشة: أمين الباشا

- صباح الخير.

- صباح النور. تأخرت!

- لا.. أنت أتيت باكراً!

- كم السّاعة؟

- آيه؟ نعم؟

- كم الساعة؟

- الحادية عشرة.

- لا.. الساعة الثانية عشرة والربع.

- غلطان.. ساعتك خربانة.

- مثل هذا الوقت الخربان.

- يعني الوقت في ساعتك خربان، مثل الوقت هذه الأيام؟

- لم أفهم!

- اضبط ساعتك.

- ساعتي مضبوطة!

- تعني أن ساعتي أنا ليست مضبوطة!

- لا أعني هذا، ولكن، هل تعلم أنه ليس هناك ساعة تشبه ساعة أخرى، وليس هناك عقرب يسير مع عقرب.. كل ساعة لها أرقامها وعقاربها وهي تسير كما تريد. كما يرغب حاملها.. وحامل الساعة، مع مرور الوقت، يصبح عبداً لها، عقاربها تقفز وتسير كما تشاء، وتسيّر حاملها، وتقوده وتنوّمه وتوقظه وتأخذه إلى أماكن وتعيده.

- تعني أن ساعتي تستعبدني؟

- لا. ساعتك وساعتي أيضا، وساعة هؤلاء الناس الذين يسيرون في هذا الشارع، والذين في سياراتهم البشعة، بأصواتها وضجيجها ومزاميرها ومحركاتها وسائقيها والناس في داخلها، كلهم مسيّرون.

الساعة هي التي تسيّرهم، تنقلهم إلى موعد لا فائدة منه، إلى مواعيد يصلون إليها وينتظرون من أعطاهم موعد اللقاء، وينظرون إلى ساعتهم ودائماً ينظرون وينتظرون لأن ساعاتهم تختلف عن ساعات الذين ضربوا لهم موعداً، ومن ضٍُرب له موعد، ضُرب معه الانتظار.

- الآن كم الساعة؟

- مازلت تسأل عن الساعة؟ اتركها، حاول أن تنساها، كن رجلا جريئا ولا تنظر إليها، لا تهتم لها ولا تهتم بها، هي خائنة، هي مضيّعة للوقت، ابحث عن الوقت عندما يأتيك النعاس.

- يا أخي، هل تريد أن أرمي ساعتي، انظر.. إنها ذهبية، هديّة، هديّة من زعيم.

- ساعتك الذهبية كاذبة، كساعتي الرخيصة، انظر إلى معصمي وانظر إلى معصمك.

هي التي تربطني، نحن لا نضعها في المعصم، هي التي تمسك بنا وتحجزنا وتكتّفنا وتحركنا وتوقفنا، هي التي تأخذنا من مكان إلى مكان ومن فعل إلى فعل آخر، هي كل شيء.

- وتنصحني بألا أهتم بها ولا أهتم لها وتقول إنها كل شيء؟

- صحيح.

- إذن.

- إذن. كم الساعة الآن؟

- مازالت كما هي.

- آه.. عال.. طيب!

- وماذا أيضا؟ كفرتني بغّضتني بالساعات وأرقامها والعقارب، جعلتني..

- مهلا.. مهلا.

- تمهّلت.. وبعد؟

- قلت ألا نعير اهتمامًا بالساعة كساعة، ولم أقل أن نبغضها.

- كأنك تقول إننا كعبيد للساعة، نقبل بمن استعبدنا وألا نبغضه ونرفضه.

- أريد أن أقول ألا نعير اهتمامًا لهذه المستعبدة.

- كيف لا؟ والأيام تمر، والاستعباد يضيّق علينا، يكاد يخنقنا. ونحن ننتظر ماذا؟

- مهلا مهلا.

- مهلا وبعد؟ نحن نتمهّل منذ زمن، ويكاد المستعبد ينهي علينا، تمهلنا طويلاً، يكاد الانتظار يصبح انتظار المجهول، انتظار الموت.

- ما هذه الكلمات؟ والتفاؤل؟ أعرفك أنت متفائل.

- كنت متفائلاً، لكني تطوّرت.

- تطوّرت؟ إلى أين؟

- إلى التشاؤم.

- تفاءل يا أخي.. لا بدّ.

- لابد أن تتطوّر أنت أيضا، كم الساعة الآن، لقد تأخرت، عليّ الذهاب، استودعك إلى الغد.

- إلى الغد.

أتى الغد

- صباح الخير.

- أهلاً.. انظر إلى ساعتك.. تأخرت كالعادة.

- لن أنظر إليها بعد الآن.. لي ساعتي ولكم ساعتكم كما قيل يوماً. لست أدري من قال هذا.

- أنا أعلم من قال هذا.. ولن أقول لك من هو.

- لن أطلب منك اسم القائل، لأن الجملة لن تتغير، إذا علمت اسم قائلها، الأسماء يمحيها الوقت والكلمات تبقى.

- أقول العكس، من قال جملاً مفيدة يحيا ويبقى حيا مع جمله وكلماته.

- هل تعلم أن..

- تريد كلاماً صريحاً..

- هات.

- أنا لا أعلم.. وأنت؟

- أنا أعلم أشياء وأجهل أشياء.

- لا..أنت لا تعلم أشياء ولا تجهل أشياء.

- لم أفهم.. ماذا تريد أن تقول؟

- تقول إنك تعلم أشياء وتجهل أشياء فيها شيء من الكبرياء والتبجّج.. كل الناس تعرف أشياء وتجهل أشياء.

- تعنيني الآن؟

- لا.. الصحيح هو ألا نتفوه بما نعلمه وما نجهله.. لأننا.. أو لأن الناس لن تتفق، لن تصل إلى تفاهم، أنت تقول نعم وأنا أقول لا.. نعم تعني عدم الموافقة.. ولا هو البحث عن حوار عقيم يؤدي إلى عراك.

- طيّب..هل ننهي هذا الحديث؟

- إذا أنهينا هذا الحديث، بماذا تريد أن نتحاور؟

- اسمع.. عال.. جيّد.. آه.. أنا لا أحمل ساعة الآن، لن أحملها بعد الآن.

- وأنا كذلك.. لكني بحاجة إلى معرفة الوقت.. رجاء.. يا أخ.. يا أخ.. كم الساعة.. يا أستاذ.. السّاعة؟

ساعتي متوقفة.

- شكراً.

 

 

أمين الباشا