جون ترا مبل.. «صورة باتريك ترايسي»

جون ترا مبل.. «صورة باتريك ترايسي»

عندما نتطلع إلى صورة شخصية تتجه أنظارنا فوراً صوب الوجه. والأمر طبيعي، ولكنه في بعض الحالات قد يعقد الأمور إلى درجة تستدعي إجراء تحقيق بوليسي لمعرفة حقيقة اللوحة، كما هو حال صورة باتريك ترايسي التي نحن بصددها هنا.

عُرضت هذه اللوحة في ما مضى في متحف بوسطن للفنون الجميلة على أنها بريشة الرسام الأمريكي كوبلي، بدليل التقنية والأسلوب المستخدمين في رسم الوجه. ولكن الباحث تيودور سايزر المتخصص في أعمال الرسام جون ترامبل، لاحظ في العام 1948م أن تقنية رسم الملابس تختلف تماماً عن تقنية رسم الوجه، وأنها أقرب إلى أسلوب جون ترامبل منها إلى تقنية كوبلي. وبعد تدقيقه في دفاتر الرسام ترامبل، وجد تحت العام 1784م ما يأتي: «رقم 15، صورة طولية لباتريك ترايسي مستنداً إلى مرساة. الرأس منسوخ. 20 جنيهاً». وبهذا تأكدت هوية رسام هذه اللوحة وتاريخ رسمها. ولكن عبارة «الرأس منسوخ» حيرت المؤرخين. فاعتقد سايزر أن ترامبل نسخ صورة الرأس في لوحة أخرى قد تكون ضاعت، أو موجودة في مكان ما.

أما سجلات عائلة ترايسي فقد تضمنت إشارة إلى لوحة بعنوان «باتريك ترايسي بريشة جون ترامبل، 20 جنيهاً، 1786م». فهل هي اللوحة ذاتها، ومن أين أتى هذا الاختلاف بين التاريخين؟

المعروف أن ترامبل رسم هذه اللوحة في لندن التي كان قد انتقل إليها عام 1784م. وأنه كان حتى آنذاك خاضعاً لتأثير كوبلي، ولكنه تدريجاً راح من العام التالي يتحرر من هذا التأثير، ليرسم بحرية أكبر. أما اللغز فهو أن باتريك ترايسي لم يزر لندن خلال كل تلك السنوات. فكيف رسمه ترامبل؟

كشفت سجلات عائلة ترايسي أيضاً أن ابن باتريك ويدعى ناتانيال ترايسي سافر إلى لندن في يوليو من العام 1784م. ولكن لا شيء يشير إلى أن والده كان معه على السفينة التي كان من بين المسافرين على متنها توماس جيفرسون نفسه لتسلم منصبه سفيراً في باريس. وبالتالي، إذا كان باتريك ترايسي لم يقف أمام ترامبل ليرسمه، فمن المرجح أنه نسخ صورة رأسه عن لوحة أخرى، قد تكون على الأرجح صورة مصغرة أو منمنمة يحملها معه ابنه ناتانيال.

وتاريخ العام 1786م المدوَّن في سجلات العائلة، هو تاريخ تسلم اللوحة. أما العام 1784م، الظاهر في دفاتر ترامبل فهو تاريخ رسمها. الأمر الذي يمكن تفسيره بأن هذه اللوحة بقيت لسنتين في محترف الرسام، في الفترة نفسها التي شهدت تحوله من الرسم بأسلوب كوبلي إلى الرسم بأسلوبه الخاص. وهذا ما يفسِّر بدوره وجود أسلوبين مختلفين في هذه اللوحة، الأسلوب المحافظ في عنايته بالتفاصيل في الوجه، وأسلوب المساحات اللونية الكبيرة في الملابس والجسم والخلفية.

 

 

 

عبود عطية





جون ترامبل: «صورة باتريك ترايسي»، زيت على قماش، (232 × 133 سم)، 1784 - 1786م، متحف الناشيونال جاليري في واشنطن