هو . . . . هي

الجمعة 13 أكتوبر

أخيرا، نال زوجي الدرجة التي ظل سنوات يتمناها، وظللت أتمناها معه، بل أدفعه إليها بكل التشجيع والحماس. أصبح زوجي عضوا في السلك الدبلوماسي.

وهكذا، كان علينا أن نتهيأ خلال أشهر لنلتحق بسفارتنا في ذلك البلد الأوربي.

قررت قراءة كتاب (قواعد البروتوكول)، وأنصت إلى زوجات من سبقونا إلى هذه المهمة. ووضعت خرزة زرقاء في سيارتنا، لكي تقينا شر الحاسدين.

وسارت كل الأمور على ما يرام. وبقيت قضية واحدة، وهي كيف يمكنني أن أقيم عشاء ناجحا، أو أدعو عقيلات الدبلوماسيين إلى حفل شاي - فخبرتي في هذا المجال متواضعة تماماً، واعترفت بيني وبين نفسي أن كل اهتمامي بحكاية الدبلوماسية هذه كان ينصب على أجوائها التي كنت أشاهدها في التلفاز، أو اسمع عنها من صديقاتي في الكويت زوجات السفراء.

وأخيرا تحققت أمنيتي، بأن أصبح زوجة دبلوماسي. وكانت رحلتنا التي تتوجت بأول مهمة له في السلك الدبلوماسي.

لكنني اكتشفت أن الحكاية ليست ملابس وابتسامات وأناقة فقط. فقد تعلمت أيضا أنني يجب أن أتخلى عن تلقائيتي، لأنني إذا غضبت وصرخت، نقلت الخادمة تصرفي - غير اللائق - إلى الجيران، ومن تعرفهم، وليس هذا في مصلحة سمعتنا كأعضاء في الهيئة الدبلوماسية. وإن أردت أن أتدبر شؤون البيت، كما كانت تفعل أمي، يقال علينا إننا بخلاء، وإذا ذهبت إلى السوق الشعبي بدلا من الأسواق المخصصة للأغنياء، أصبحت موضع سخرية وتندر، إذن تعلمت كل هذا، ولكن كيف أتعلم حكاية الطبخ والحلويات وأنا التي ما دخلت المطبخ في بيت أهلي إلا لأزعج أمي حتى تنتهي من طبخ الطعام بأسرع وقت؟

قالت لي صديقتي زوجة المستشار بالسفارة: تعلمي. وبدأت أتعلم بعد أن حملت لي كتاب المطبخ الكويتي والأكلات الخليجية، وكتاب الطهي العراقي والفرنسي وكتاب الطبخ الصيني، وأعطتني زوجة القنصل مجموعة من الوصفات لأشهر الحلويات، ولم أنتظر إقامة حفل الشاي أو العشاء، بل بدأت كل يوم أقوم بتجربتين أو ثلاث، وأفرش أمام الزوج. مائدة الغداء العامرة أو العشاء الفاخرة، وكان زوجي يقول أحيانا "الله"، ويصرخ أحيانا أخرى: "الله يرحم الوالدة".

وقررت أخيرا أن أقيم حفلا ردا على عشرات الدعوات التي حضرتها مع زوجي. وقبل أسبوع بدأت العمل بكل ثقة، بعد أن نجحت التجارب وتقبلتها معدة زوجي على كمل وجه، وفي اليوم الموعود كنت قد أعددت (القوزي المحشي) والزبيدي والهامور على الطريقة الخليجية، وأطباق المقبلات الشرق أوسطية، والجريش والهريس الكويتي، وما لذ وطاب من الحلويات، وصفقت بيدي فرحة مثل الأطفال، وأسرعت لزوجي أقول له سوف يرفع رأسك عاليا اليوم.

لكنني فوجئت به وسط غرفة النوم بملابس النوم يطالع الجريدة ويستمع إلى الموسيقا. ما الحكاية؟

قال: إن عليّ أن أؤجل إقامة حفل العشاء لأن اليوم هو الجمعة 13 أكتوبر.

هي

بالتي كانت هيَ الدّاء

عمتي، والدة زوجتي العزيزة المصونة، لديها أفكار ومبادئ تعتنقها، وتعيش بها. الحقيقة لم كن أعلم شيئا عن هذه الأفكار أو المبادئ، إلا بعد زواجي من ابنها بفترة، عندما لاحظت أن زوجتي المثقفة ذات المؤهل العالي، تعتقد في أفكار عمتي وتؤمن بها.

فعمتي تؤمن بالخرافات، وتلجأ إلى الدجل والدجالين، في قراء الكف، وفناجين القهوة في كل أمور حياتها، حتى عند اتخاذ القرارات لا تستطيع أن تتخذ قرارا دون الرجوع إلى هؤلاء الدجالين.

عرفت ذلك عندما وجدت أن زوجتي وعمتي ترقبان تصرفاتي بصورة غريبة، فلو شردت في فكرة، أو أن مشكلة أخذت تفكيري، ألاحظ أنهما تتربصان بكل تصرف لي، وتحاولان معرفة أسباب شرودي أو تفكيري، حتى أنني كنت أسمع زوجتي وهي تكلم أمها بالهاتف وتصف لها أحوالي. اليوم جاء من العمل شارد الذهن، اليوم لم يتحدث معي كالمعتاد، في المساء انفعل وكان صوته عاليا. وهكذا كنت محاصرا بنظرات زوجتي وهاتف عمتي. وأفاجأ بعد ذلك بتغيير في أماكن نومنا، أو بأشياء تدس تحت الوسائد، والمقاعد، وفي السيارة، بل وثيابي أيضا، وعندما اكتشفت ذلك سألت زوجتي، فصرخت محتجة بأنها أحجبة للحماية والتوفيق، وجلب حسن الطالع.

وفي يوم من الأيام مرت بي مشكلة كبيرة في عملي، ورويت القصة بتفاصيلها لزوجتي، فقد كانت المشكلة مسيطرة على تفكيري، وطار الخبر إلى العمة المحترمة التي لم تستطع الانتظار، فحضرت للمنزل، وقررت أن هناك عملا معمولاً لك، من أجل تنغيص حياتك في العمل والبيت، وسأذهب لأكشف لك عنه. ضحكت كثيرا، أخذت الموضوع بتهريج، ومن يا ترى له مصلحة في ذلك؟ بعد أيام حضرت العمة معلنة أن هناك عملا معمولا لي، ولابد من إخراج هذا العمل، وزوجتي مؤمنة إيمانا راسخا بما تقوله أمها.

وقررنا إبطال العمل، (وهات يا فلوس ومصاريف). وجاءت ترقيتي، وسفرنا إلى الخارج، وفوجئت أن لدى أوربا تراثا مثل هذا، فالتقاليد الشائعة أنه إذا صادف يوم 13 أكتوبر يوم جمعة فهذا نذير شؤم، والناس لا يدعون فيه، ولا تلبى دعوة، ويتجنب الناس الحركة خارج البيوت قدر الإمكان، بل وفي بعض البلدان يصبح الناس في عطلة تحسبا لشؤم يحدث.

وقررت أن أعالج زوجتي. قلت سنقيم حفلة يوم 13 أكتوبر، وبدأت زوجتي تستعد وتطهو وتجهز مدة أسبوع كامل. وفي عصر اليوم الموعود، عندما صعدت إلى غرفتي، وهي منهكة وقلقة، لتستحثني على ارتداء ملابسي، قلت لها ببرود: عفوا زوجتي العزيزة، لقد اعتذرنا عن الدعوة، لأن اليوم الجمعة يصادف 13 أكتوبر. وعندما شرحت لها الأسباب هاجت وصرخت، وانطلقت تلقي بالخرز الأزرق والأحجبة والأعمال، وتلملم من هنا وهناك، كومة كبيرة جمعتها، وذهبت إلى المطبخ وأحرقتها، وبتنا في تلك الليلة نشم رائحة الدخان.