نيتشه مرة أخرى

نيتشه مرة أخرى

السيد الأستاذ الدكتور/ سليمان إبراهيم العسكري..
بعد التحية..

أود أن أسجل إعجابي بمجلتكم الرائعة التي أحرص على اقتنائها كل أول شهر، كما أريد أن أشيد بفكر سيادتكم الحكيم والمتفتح الحريص على إطلاع القارئ على كل الآراء الحرة وقبول النقد البنّاء من القرّاء للتواصل مع مجلتكم العريقة. ولحبي الشديد لهذه المجلة فإنني يصعب علي أن تقع في فخ التطرف والتعصب في الوقت الذي يحتاج فيه وطننا إلى الاتحاد بين كل طوائفه الدينية والشعبية ضد أعداء الأمة المتربصين.

وأتكلم هنا بالذات عن المقال المنشور في مجلة العربي العدد 616 - مارس 2010 بعنوان «هكذا تحدث نيتشه عن الإسلام» للكاتب الدكتور بنسالم حميش ، والذي قصد فيه - أو لم يقصد - إهانة المسيحية، والمعروف عن نيتشه أنه فيلسوف ملحد أنكر وجود الله ونادى بأنه (ميت). ولا أجد داعيًا لأن يستشهد الكاتب في توقير الإسلام وتقديره بفيلسوف ملحد، فليس الحق بحاجة إلى الباطل لإعلائه، ولا يحتاج النور إلى الظلام كي يظهر، بل يزهق الحق الباطل ويسحق النور الظلام، والأصعب أن يعلي الكاتب من شأن فيلسوف ملحد، ويحط من شأن ديانة توحّد الله وهي المسيحية، ولا أصعب إلا أن يأتي المقال من كاتب يحتل منصبًا تنويريًا وثقافيًا يؤثر في مجتمع كامل، ثم نتساءل لماذا يكرهنا الآخر؟ ولا يتم اختيار أي من مثقفينا في اليونسكو؟ وأقترح على الكاتب أن يغير اسم مقاله إلى «هكذا تحدث نيتشه عن المسيحية» فقد ذم المسيحية أكثر مما مدح الإسلام!

ولا يستطيع أحد أن ينكر عداء نيتشه للمسيحية المعروف تاريخيًا، ولكن هذا لا يعطي الحق لأي من كان أن يؤمن على رأيه بوصفها بـ «مسيحية الإنجيل الجديد إنتاج القدّيس بولس وحوارييه» أو «تحريف حوارييه وصحابته للإنجيل القديم»، وهذا الكلام المرسل من أكاديمي مخضرم ذي شأن عربي ودولي يحسب عليه ويدفع للرد عليه بالأدلة والبرهان.

واستمرارًا في التجريح خلط الكاتب تحت ستار الاستشهاد بنيتشه بين الحملات الصليبية تحت ستار الدين والمسيحية إذ يقول (والكلام لنيتشه!) «المسيحية.. الكحول - وسيلتا الفساد الكبريان» «لأن تلك الحضارة (يقصد المسيحية) استمدت نورها من غرائز أرستقراطية وغرائز فحولية (ولو أخذنا بالخلط بين الدين والحضارة التي تصاحبه سنسقط في فخ المقارنة بين حضارة العالم الغربي الآن (ذي الأغلبية المسيحية) والعالم العربي (ذي الأغلبية المسلمة) على اعتبار أن الدين يرسم أسس حضارته وهذا من قبيل الباطل إذ أن الحضارة نتاج احترام الإنسان لعقله وإنسانيته بغض النظر عن دينه بدليل قيام حضارات لا تعبد الله مثل الفرعونية واليونانية وحضارة الصين. كما أنه لو أخذنا أن المسيحية مجموعة من الصليبيين المستعمرين، فقد نسقط في اعتقاد انتشار الإسلام - بالسيف أيضًا - على أطلال الحضارة الرومانية وهذا ما يفيد المتعصبين من الجانبين المسيحي والمسلم!

وحول إعجاب نيتشه بفرقة الإسماعيلية بتنظيمها المنظم الحر - والذي أمن عليه الكاتب أيضًا - فهذه الفرقة لا تتميز مبادؤها عن المبادئ الصليبية المرفوضة فهي فرقة من المرتزقة المنظمة التي كان رؤساؤها يستغلون الدين والإغراءات الدنيوية وإغراءات الآخرة في جذب المريدين وتجنيدهم في شئون الحرب والعمليات الفدائية وحرب العصابات (وهذا موجود في موسوعة الويكيبديا). وهي نفسها مبادئ الجماعات المتطرفة التي تقوم بعمليات فدائية باسم الإسلام أو مبادئ الصليبيين باسم المسيحية.

ثم ينهي الكاتب مقاله بنقد مبدأ صدام الحضارات الذي أرساه برنارد لويس ويعطي أمثلة للتوغل الأجنبي في وطننا العربي الذي حدث في كثير منه من خلال مبدأ «فرّق تسد» وأحيانًا باسم الدين.

أردت فقط أن أعبّر عن رأيي ولا أنتظر نشر هذه الرسالة، ولكني على يقين أنها ستؤخذ من شخصكم الكريم بعين الاعتبار.

وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام.

د. بطرس سامي سعيد - مصر

  • نشكر د. بطرس وننشر رأيه حفاظاً على مبدأ حرية الرأي والكاتب أبدى رأيه في فيلسوف عالمي نبع من قلب العالم المسيحي ولا يستطيع أحد أن ينكره وينكر أثره في الفكر الفلسفي العالمي

«العربي»

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات