«العربي» رفيقة الأسرة

العربي» رفيقة الأسرة

السيد رئيس تحرير مجلة العربي المحترم..
الدكتور سليمان إبراهيم العسكري - حفظه الله

ما إن قرأت ما كتبته السيدة فاطمة حسين في زاوية «إلى أن نلتقي» في العدد 615 فبراير 2010 من مجلتنا الرائدة «العربي»، حتى وجدت نفسي واحداً من الذين يدعوهم واجب الوفاء للكويت، قيادة وشعبًا ومثقفين، رد التحية، لهذا البلد العربي العزيز، على هذه الرسالة الثقافية التي تقدمها الكويت لكل الوطن العربي، عبر مطبوعاتها المتميزة بالريادة والأصالة، وعلى رأسها مجلة العربي، وسلسلة إصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومن بينها كتاب «عالم المعرفة»، وإصدارات مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ومن ضمنها الترجمة العربية لمجلة العلوم الأمريكية وذلك تحت عنوان «مجلة العلوم».

إن هذه الإصدارات الرائدة، بما تحمله من رسالة قومية عربية وثقافية منفتحة بأفق إنساني رحب، وعلمية حديثة، إنما تسهم بشكل فاعل في تعميم الوعي والتنوير، في كل أرجاء وطننا العربي، حيث لا يمكن بالقطع النهوض بوضعنا العربي المتردي في كل الجوانب، إلا بالثقافة والعلم كإحدى الركائز الأساسية للنهضة المرجوّة.

إن هذا البلد العربي الصغير مساحة وسكانًا «الكويت»، الرابض في أقصى تخوم وطننا العربي الشرقية، إنما يمثل بهذه الرسالة الثقافية الشاملة، حصنًا متقدمًا للدفاع عن العروبة الصافية بأفقها الإنساني الرحب، إذ - في هذا الزمن - لا يحمي الأوطان السلاح والجيوش وحدها، وإنما تحتاج هذه إلى العلم وإلى العزيمة والمعرفة والإيمان العميق، حتى تؤدي واجبها في خدمة الأوطان.

ولعله من محاسن الصدف لي شخصيًا، أنني ولدت في السنة ذاتها التي ولدت فيها «العربي» العام 1958، وبدأ تعرّفي على المجلة في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، من خلال الاطلاع على أعدادها الأولى التي كانت في منزل أحد أقاربي، ومنذ ذلك الوقت، وقد كنت صغيرًا حينئذ، صرت أدّخر من مصروفي اليومي البسيط حتى مطلع كل شهر، ليحضر «العربي» لي أحد أقاربي من العاصمة الأردنية «عمّان»، حيث لم تكن المجلة تصل لبلدتنا الصغيرة حين ذاك. وأجد نفسي اليوم، وقد تجاوزت الخمسين من العمر، على عادتي منذ تلك الأيام المبكرة، أحثّ الخطى لإحدى المكتبات، لشراء نسختي من «العربي»، باللهفة والحنين والعشق ذاته، لهذا الزاد المعرفي المتجدد.

ومع هذه الرفقة المستمرة مع «العربي»، على مدى هذه السنين، أجد أن «العربي» هي رفيقة الأسرة لكل أبنائها، حيث يجد كل فرد من الأسرة ما يناسب عمره واهتماماته، في هذه المجلة الرائدة. كما أن تقدم رحلة الإنسان في العمر، وربما تبدّل اهتماماته، وكذلك أحيانًا رؤاه الفكرية والسياسية، إنما يبقيه رفيقًا لـ«العربي»، يتفق مع الكثير من آرائها، وربما - أحيانًا - لا يتفق مع بعضها الآخر، لكن ذلك بالتأكيد، يدفعه لمزيد من التأمل والحوار وإعادة النظر والرؤية من زوايا أخرى، لم يكن يلحظها من قبل.

وعلى مدى السنين، وخلال سفري للخارج للدراسة الجامعية، كنت أحرص حين عودتي إلى الوطن، على شراء وقراءة كل الأعداد التي فاتتني خلال العام. لكن افتقادي الأكبر لـ«العربي» مثل ملايين العرب، فيما أظن، إنما كان في العام 1990م، عند اجتياح صدام حسين للكويت، إذ ذاك، مثّل الاجتياح الظالم للكويت، جرحين كبيرين في القلب والعقل، الأول أن فكرة «القومية العربية»، التي كان للكويت ولحكامها، ولمجلتها الرائدة «العربي» دور أساسي في الدعوة لهذه الرسالة الغالية، بدءًا من رؤساء تحريرها، مرورًا بكتّابها ومواضيعها، التي تغطي كل أرجاء هذا الوطن العربي العزيز، ومن ضمنها استطلاعات «العربي» المصوّرة تحت عنوان «اعرف وطنك أيها العربي» التي غطت كل أرجاء الأرض العربية الشاسعة، وأسهمت في تلك الأيام، قبل خمسين عامًا، في تعميم المعرفة بأجزاء الوطن، في ذلك الوقت الذي لم تكن فيه وسائل المواصلات ورحلات الطيران، بتلك السهولة التي هي عليها الآن، كما لم تكن قنوات التلفزيونات الفضائية، وشبكة «الإنترنت» وغيرها من وسائل النشر الإلكتروني، موجودة كما هي اليوم، ولذلك مثّل ذلك الاحتلال، زلزالاً هزّ - ربما - تلك القناعات بوحدة الأمة العربية، وأعاد طرح التساؤلات، وفتح باب الحوارات على العقل والقلب مجددًا. والجرح الثاني، تمثل في توقف صدور مجلة العربي تلك الفترة، ولذلك توقف هذا الشلال المعرفي الغني، الذي ينتظره ملايين العرب، مطلع كل شهر، وأظن أن تلك الفترة، عمّقت من إحساس وإدراك كل المثقفين العرب، لهذا الدور الثقافي المتميز الذي تقدمه الكويت لأمتها، دون مِنّة أو سوء نية.

أود في ختام رسالتي هذه، التوجه بالتحية الخاصة، لرؤساء تحرير مجلة العربي على مدى هذه السنين التي تجاوزت الخمسين عاماً.

شكرًا لكم، وإلى مزيد من التقدم والتجدد والعطاء، ودمتم في خدمة أمتنا العربية المجيدة، عبر رسالة العلم والثقافة والتنوير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فتحي جمعة عبداللطيف حبوش
فلسطيني مقيم في لبنان