رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان أشرف توفيق

رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان

من المكتبة العربية

أثار هذا الكتاب ضجة لم تهدأ حتى الآن عندما كشفت غادة السمان عن هذه الرسائل الغرامية التي كانت في حوزتها وقام زوجهـا بنشرها فقد كانت خطوة جريئة وسط مجتمع عربي تعود على التكتم. ولكنها فقط ذكرت نصف الحقيقة.

في سنة 1971 أصدر أنيس منصور كتابه "يسقط الحائط الرابع" وكان أول ناقد يكتب عن غادة السمان وقال عنها "إنها مثل كرة من القطن المشتعل تنطلق في كل مكان، انها تبحث عن ماء يخمدها فإذا وجدت الماء رفضت وقاومت وصرخت.. ما الذي تريده؟!

إنها تريد أن تظل مشتعلة وأن تحلم بالماء!! وحينما كتب عن أعمالها "دليل الغرباء" و "عيناك قدري" و "البحر في بيروت" وصفها بأنها أديبة غير منتمية.. وتريد أن تنتمي وحينما نقل بعض العبارات من كتبها مثل "قال لي انصهري فانصهرت، قال انسكبي فانسكبت ومثل "طالما بكيت لأنني سقطـت وحدي ولم يرفعني أحد.. حتى أبي لم يرفعني لأنه هرب مع امرأة ضـائعة مثلي!!" صوت حبيبي من الجبال إلى التلال أنت جميلة يـا حبيبتي... عيناك.. وشعـرك وأسنانك وشفتـاك وفمك.. في الليل على فراشي طلبـت حبيبي فما وجدته. قال أنيس منصور عبارته التي اشتهرت.. جـاء أدب الأظافر الطويلة من لبنـان!! أي جـاء على يد غاده السمان وليلى بعلبكي.. وكوليت سهيل- الأظافر عليها الطلاء وبرفان ولكن احذر أنها طويلة!!.

ولكـن د. غالي شكري جاء بعده واهتم فقط بغادة السمان وأصدر عنها عن دار الطليعة في بيروت سنة 1977 كتابه الجميل "غادة السمان بلا أجنحـة" وقال وقتها الإخـوة في الشام عبارة جميلة لها معان.. قوصته السمان أي قتلته باللهجة الشامية.. والمعنى إشاعة حب بينهما- فلا يمكـن أن يخصها وحدها بكتاب من غير الآخـريـات وبخـاصـة ليلى بعلبكى، إلا إذا !!! وفي سوريا يقولونها كثيراً إلا إذا كان؟!

مـع أنه عرف باقي أديبات بيروت ودمشق قبلها في كتابـه "أزمـة الجنـس في القصـة العربية" سنـة 1961 ولكنه في طبعاته الأربع غير وبدل فيه ولم يضف إلى الذين كتبوا عن الجنـس "غادة السمان".. عجبي؟!

حب رجل بسيط

المهـم أنها اعترفت بعـلاقة حـب بينها وبين غسان كنفاني هذا الاعتراف قلـب الدنيـا انها قالت فيه "لا أستطيـع الادعاء.. دون أن أكـذب- أن غسان كـان أحب "رجالي" إلى قلبي كامرأة كي لا أخون حقيقتي الداخليـة مـع آخـريـن سيأتي الاعتراف بهم- بعـد الموت " إذن فأنت الفتاة الجالسة على حجر العفريت في ألف ليله وليله والتي قابلت شهريار وأخاه ومارست الهوى معهما وأظهرت لهما خيطـا من الخواتـم لرجـال آخرين فأعطاها كل منهما خاتمة.

المهم هذا: هز الاعتراف الوسط الأدبي كله رجال.. ونساء ماذا لو فعلها باقي الكتاب آه لو استهوت اللعبة الأدب النسائي؟!

ولهذا قالت لها سناء البيسي أعترف بأنك ملكة الرواية بعد رواية "ليلة المليار" وكان هذا يكفي لماذا الآن وله زوجة وأولاد؟!

ولكـن غادة السمان اختارت أن تصدر عن دار الطليعة في بيروت "رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان" راصدة ريـع الكتاب لمؤسسة غسان كنفانى وهو ما رفضته زوجته وأولاده أما ماذا فعلت غادة لنحكـه على لسان "عبلة الرويني": ومنـذ أكثر من عشرين عاماً أحب الروائي الفلسطيني غسان كنفاني غادة السمان وتبادلا الرسائل العـاطفية.. وبدا عاشقاً ضعيف القلب، لا يلتفت كثيراً لما يردده أهالي بيروت عن أنه ساقط في الخيبة، وأنه سيتعب من لعق حذائها البعيد، ومن أنها لا تكترث به، وأنه ملحاح كالعلق، فكل ما ردده ظل تحت ما يشعره حقاً.

هكـذا أعلن عن حبه ببساطة ووضوح، مؤكداً أن مشاعره لا يمكن فهمها في شارع الحمراء..

ومنـذ عشرين عاماً نسف الإسرائيليون غسان كنفاني، فاكتملت أسطورته، هو المبدع الفذ الذي يبدأ منه تاريخ تبلور النثر الفلسطيني، الذي نقل الحبر- بتعبير محمود درويش- إلى مرتبة الشرف حين أعطاه قيمة الدم.. وهو النموذج والمثال، نتاج رحلة العذاب الفلسطيني من السقوط المتمثل في وعاء المخيم، حتى الصعود المتمثل في واقعية البندقية.

نشرت غادة السمان رسائل غسان العاطفية إليها، دون نشر رسائلها هـي إليه، ليظل الكتاب ناقصاً ومخالفاً لوجه الحقيقة.. تقول غادة إن رسائلها ليست في حوزتها.. ربما لكن يبقى تاريخ العلاقة في وجدانها.. لكنها التزمت الصمت والموقف الحيادى.. فلـم تعلق على رسالة واحدة، لم تضف هامشا، لم تفصح عن صورتها أو ملامحها يوم كانت، لتتيح أمام القارئ اكتمال المشهد..

ثمة رجل يدعى غسان كنفاني

هكذا انتقت بحيادية تامة عبارتها وهي تشاهد الحريق، وعلى حين تصورت غادة أن كتابها جريء جدا يتحدى "مؤسسات الرياء الاجتماعي"- حسب تعبيرها- ويرفض الخضوع لزمن الغبار الذي يتكدس في الحناجر ولا تملك جرأة المجابهة لأن فعله الحقيقي هو "فعل" غسان، وموقفه الحقيقي هو موقف غسان وجرأته الحقيقية هي "جرأة" غسان تتوارى غادة دون فعل، دون موقف دون جرأة.

أما من هو غسان كنفاني بطل هذه الرسائل..
ولد غسان كنفاني في مدينة عكا بفلسطين عام 1936 ومن عائلة متوسطة انتقل مع أبويه إلى يافا، حيث تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة تابعة لارساليه فرنسية، وقبل أن يكمل عامه الثاني عشر قامت العصابات الصهيونية بمهاجمة المدن الفلسطينية.. فاضطر إلى النزوح مع عائلته المكونة من أبويه وجده وسبعة أشقاء إلى جنوب لبنان وأقاموا هناك فترة من الزمن.. ثم انتقلت العائلة إلى دمشق.. في بداية الخمسينيات التحق غسان بحركة "القوميين العرب التي كانت قد طرحت شعار مناهضة الاستعمار.

في عام 1953 كتب قصته الأولى اسمها "انقذتني الصدفة" وأرسلها إلى برنامج أسبوعي كانت تبثه إذاعة دمشق تحت اسم "ركن الطلبة" بالفعل أذيعت القصة مساء 24/ 11/ 1953.

ثم نشر قصته الثانية في جريدة "الرأي" عام 1953 واسمها "شمس جديدة" التي تدور أحداثها حول طفل صغير من غزة في العام نفسه سافر غسان إلى الكويت ليعمل مدرساً.. وهناك ومن خلال مشاهدته للصحراء ولأبناء شعبه.. وللعلاقات السائدة. يختزن في ذهنه مئات الصور.. وليستفيد منها بعد سنوات في روايته الشهيرة "رجال تحت الشمس" التي كتبها عام 1963.

انتقل إلى بيروت عام 1960، حيث عمل محرراً أدبياً لجريدة "الحرية" الأسبوعية ثم أصبح عام 1963 رئيساً لتحرير جريدة "المحرر" كما عمل في "الأنوار تحت اسم مستعار "فارس فارس" ومجلة "الحوادث" حتى عام 1969 وقد نشر بالأخيرة رواية من قتل ليلى الحايك "و" عائد إلى حيفا "ثم أسس مجلة "الهدف الأسبوعية وبقي رئيساً لتحريرها حتى استشهاده.

ففي صباح الثامن من حزيران عام 1972 استشهد غسان على أيدي عملاء إسرائيل عندما انفجرت قنبلة بلاستيكية ومعها خمسة كيلو جرامات من الديناميت في سيارته وأودت بحياته الغالية.. تقول زوجته ورفيقة نضاله السيدة "آني": ".. بعد دقيقتين من مغادرة غسان ولميس- ابنة اخته- سمعنا انفجاراً رهيبا.. تحطمت كل نوافذ البيت.. نزلت السلم راكضة لكي أجد البقايا المحترقة لسيارته.. وجدنا لميس على بعد بضعه أمتار.. ولم تجـد غسان ناديت عليـه.. ثـم اكتشفت سـاقه اليسرى.. وقفـت بلا حراك.. في حين أخذ فايز- ابنه- يدق رأسه بالحائط.. وليلى- ابنتنا- تصرخ: بابا.. بابا.. لقد قتلوك".

بقي أن نذكر أن المحققين وجدوا إلى جانب السيارة المنسوفـة ورقـة تقول "مع تحيـات سفـارة إسرائيل كوبنهاجن".

هذه الورقـة لها معناها المحدد وهـي تكشف عن جانب مهم من جـوانب نضـاله السياسي فـماذا تعني هذه الرسالة الغامضة؟

زوجة مثقفة وفية

من المعروف أن "غسان كنفاني" كان متزوجاً من فتاة دانمركية اسمها "آني" هذه الفتاة كان لها دور كبير في حياة غسان وفي نضاله ونشـاطه الثوري، وقد اعتمد عليها غسـان في توثيق صـلاتـه بكثير مـن الأوسـاط الأوربية.. بل واعتمـد على مساعـدتها له في الحصول على كثير من الـوثائق المتصلة بواقـع العرب في الأرض المحتلة هـؤلاء الذين كانوا يبلغون حوالي ربع مليون مواطن عربي داخـل "إسرائيل" قبـل عام 1967 والذين أصبحوا أكثر من مليون ونصف مليون مواطن، بعد أن وقعت الضفة الغربية لنهر الأردن تحت سيطرة الاسرائيليين، لـذلك فإن هذه الـورقة التي عثر عليهـا المحققون بمكـان الانفجار تعني إشارة واضحة للدور الذي لعبه غسان من خلال هذه الزوجة المثقفـة الوفية لزوجهـا، ولشعب فلسطين العربي، وتجدر الإشارة إلى أن غسان التقى مع "آني" لأولى مرة وهي تقوم بزيارة لبعض الـدول العربية لإعداد دراسة عن "اللاجئين" الفلسطينيين" وقد تعـرفت على غسان باعتباره كاتباً فلسطينياً يمكـن أن يساعدها في إعداد البحث وتقصي الحقائق.. وانتهت هذه المعرفة إلى الزواج.

وبعد أكثر من عشرين سنة تفتح غاده السمان خزانة أوراقها الخاصة وتنفـض الغبار عن رسائل غسان إليها وتـدفـع بها للنشر نعـم يعرف. كثيرون أن غسان كـان يحبها.. وأنه وقع في هواها في 66 - على الأرجح - حين كـانـا يعيشـان في بيروت " هل يـذكر أحـد بيروت في منتصف الستينيات قبل أن تهدمهـا غاشية الحرب التي لم تبق على أحـد أو شيء؟ ثم رحلـت هي إلى لندن وبقـي هو يكتـب لها الرسائل من حيـث يكون.. من تلك الرسائل اختارت غادة اثنتي عشرة رسالة فيما بين 66 و 68. ونشرتها. مع صور خطية لها، ومقدمتين.

في المقدمة الثانية.. دعك من الأولى التي ليست سوى اقتبـاسـات من الرسـائل ذاتها تـورد السيدة مبرراتها لنشرها هي ليست -فقط- الوفـاء لعاطفتها الغابرة المتجـددة نحوه بل وفاء لمبدع من بـلادها اكتمل بالموت. ولا تنسى حرصاً منها على علاقات أخرى في الماضي والحاضر (لا أستطيع الادعاء- دون أن أكذب- أن غسـان كان أحـب رجـالي إلى قلبي كامرأة كـي لا أخـون حقيقتي الـداخليـة مع آخريـن سيـأتى دور الاعتراف بهم)... وهي تنشر الـرسائل دون حذف أو تعـديل طلقـة في معركتها، التي لـن- تهدأ يـوماً ضـد ما تسميه مؤسسات الريـاء الاجتماعي. ثم لكي تضيف بعداً إنسانياً جميلاً لصورة المناضل من الداخل قبل أن يدخل في سجن الأسطورة، وأخيراً تمارس السيدة غادة لحظة صـدق، فتضبط نفسهـا وهـي تكـاد تتسـتر على عامـل نرجسي لا يستهان بـه: الفخـر بحـب رجـل كهذا،، أهـدى روحه لوطنه وأنشد لي يومـاً ما معناه: مولاي وروحي في يده، إن ضيعها سلمت يده.

لكن قارئ تلك الرسائل "المنتقاة" (تذكـر غاده أنها ليست كل الرسائل، فثمة أخرى قد احترقت في بيتها في 76) قـد لا يستطيـع أن يزيح عن نفسـه أن هذا الدافع النرجسي هو أهم الدوافع كلها.

إنها تريد أن تظل مشتعلة وأن تحلم بالماء !! وحينما كتـب عـن أعمالها "دليـل الغـرباء" و "عينـاك قدري" و "البحر في بيروت" وصفهـا بـأنها أديبة غير منتمية.. وتريد أن تنتمي وحينما نقل بعض العبارات من كتبها مثـل " قال لي انصهري فـانصهرت، قال انسكبي فانسكبـت ومثل "طالما بكيت لأننـي سقطت وحدي ولم يرفعني أحد.. حتى أبي لم يرفعني لأنه هرب مع امرأة ضـائعة مثلي!!" صوت حبيبي آت مـن الجبال إلى التـلال أنت جميلة يا حبيبتي... عيناك... وشعرك 555 أثـار هذا الكتاب ضجة لم تهدأ حتى الآن عندما كشفت غادة السمان عن هـذه الرسائل الغراميـة التي كانت في حـوزتها وقام زوجها بنشرها فقد كانت خطوة جريئة وسط مجتمع عربي تعود على التكتم. ولكنها فقط ذكرت نصف الحقيقة.

في سنـة 1971 أصـدر أنيس منصور كتـابـه "يسقـط الحائط الرابع" وكـان أول ناقد يكتب عـن غادة السمان وقال عنها "إنها مثـل كرة من القطن المشتعـل تنطلق في كل مكـان، انها تبحث عن ماء يخمـدها فإذا وجدت الماء رفضت وقاومت وصرخت.. ما الذي تريده؟!

أثار هذا الكتاب ضجة لم تهدأ حتى الآن عندما كشفت غادة السمان عن هـذه الرسائل الغرامية التي كانت في حوزتها وقام زوجها بنشرها فقد كـانت خطوة جريئـة وسط مجتمع عربي تعود على التكتم. ولكنهـا فقط ذكرت نصف الحقيقـة. قد لا يستطيـع أن يزيـح عن نفسـه أن هذا الدافع النرجسي هو أهم الدوافع كلها.

حب من جانب واحد

فصورة العـلاقة بينهما- كما تعكسها الرسائل هي صـورة تعلق جارف من طرف، نراه ونسمع لهاثه ونقرأ كلماته الشاكيـة الضـارعة الغـاضبـة الآمله، ونحس عذابه الجارف الطاغي لملك الطرف الآخر. بعبارة ثانية أن صورة غاده- كما تبدو في تلك الرسائل- هي صورة فتاة طـاغية الأنوثة، مرحة لعوب، في إحدى الرسائل يقـول لها.. "أنـت صبيـة وفـاتنة وموهوبـة". وأكثر الأوصاف التي يصفها بها تردداً هـي "يا شقية". تعبث بالرجل الذي أيقنت.. من رسالته الأولى- أنه يحبها، والـذي تعرف عنه أنه- كـما يصـف نفسه في رسالته الأخيرة هنا-- "كرة متشابكة مـن الأعصاب والجروح" وهـي في هذا العبـث ليست عادلة تستخـدم سلاحـاً موجعاً كـان غسان زوجاً وأباً وكانت هي حرة طليقة. في إحـدى رسائله يحلل غسان علاقتهما مشيراً لهذه النقطة بالتحديد: "لقد استسلمنا للعلاقة بصورتها الفاجعة والحلـوة، ومصيرها المعتم والمضيء. وتبادلنـا خطأ الجبن: أما أنا فقـد كنت جبانا في سبيل غيري، لم أكن أريد أن أطوح بالفضاء بطفلين وامرأة لم يسيئوا إلي قط، مثلما طـوح بي العالم القاسي قبل عشرين سنة، أما أنت فقد كان كل ما يهمك نفسك فقط".

إذلال العشق

وفي أكثر تلك الرسائل حميمية وسخونة وامتلاء بنـزف القلب، تلك التي وجههـا غسان لأخته الكبرى فايزة، وهـو يعنى غادة في كل كلمـة من كلماتها يحاول غسان تحليل دوافعـه الذاتية العميقة- قدر ما استطاع الغوص والنفاذ- التي تدفعه إلى التعلق بمن تهينه وتذله.

وفيها يـروي واقعة صغيرة من وقائع هذا الإذلال.. قالت لـه في الصباح انها ستأوي إلى فراشها في العاشرة من المساء. ولذك "اذهب لبيتـك باكراً اليوم" لكنها حتى منتصف الليل لم تكـن هناك، ولا في الواحدة، ولا في الثالثة.. "ثم هاتفت لها فأبلغتني أنها كانت تشرب نبيذاً وأنها سهرت مع صديق.. وهذا يـا فايزة ما كانت تريد أن تقوله! هل تتصورين؟ كانت تجهد لتنال أذنى كي تصـب فيها اللعنة، ترى.. مـا الذي يذكر هذه الإنسانة في إلا الذل؟".

ولم يكن غسان ظالماً لها بل كـان - شأن العشاق الكبار- يتلمس لها الأعذار والمبررات فهي وحيـدة "لا تستطيع أن تردم الهوة بينها وبين العالم إلا بالرجال، وهي تفضل التفاهة والمشـاعر التي تمر كل السطح. وأنـا أعرف أن الحياة قد خدشتهـا بما فيه الكفـاية لترفـض مزيداً من "الأخداش" ولكـن لماذا يتعين علي أن أدفـع الثمن؟ أمس صعقتني مثلاً حين قلت لها انني أرغب في رؤيتها فصاحت: اتحسبني بنت شارع؟ كانت ترد على غيري، وكنت أعرف ذلك؟ ولكن.. ما هو ذنبي أنا؟" ذنبك الوحيد أيها العزيز غسان، أنك سقطت في هوى أنثى جميلة طاغية تجيد اللعب ويلذ لها أن تعبث بمن يحبها، كنت في حبك لها مستجيباً لأعمق ما في ذاتك وأنبل ما فيها حين وجدتها في مأزق حقيقي قدمت لها جواز سفر وسعيت لها في عمل فكافأتك مكافأة رائعة.. كتبت لك رسالة بيضاء. اسمك في أولا.. واسمها في آخرها، وتركت لك أن تملأ المساحة الفارغة كما تهوى!.

صراع بين الأنثى والكاتبة

ومن سياق الوسائل أيضاً نفهم أن ثمة صراعاً كان ناشبا بين الأنثى والكاتبة فيها (كان يصفها بأنها "امرأة حتى كعب حذائها". ويخاطبها "أيتها المرأة قبل ألف من أن تكوني أديبة وكاتبة").

وكان غسان يحاول أن يدفع صاحبته نحو الانحياز للكاتبة فيها، نحو النصف الأعلى لا الأسفل، يكتب مرة ضارعاً إليها أن تكتب له:"اكتبي أيتها الحلوة الذكية، تمسكي بهذا الشيء الذي يستطيع إلى الأبد أن يكون درعك أكثر مما يستطيع أي رداء مبتكر"وقصير" أن يفعل بالنسبة لك الحياة ملحمة انتصار تبدأ من العمق فما فوق، فلتجعلي همك هناك.. اطرحي.. مرة وإلى الأبد، حيرتك الأنثوية المغيظة يين رأسك وركبتيك فتكسبي رأسك ورءوس الآخرين وعظمة أنوثتك".. لمن كنت تغني مزاميرك يا غسان؟ أخيراً أعود لملاحظة سناء البيسي لعلي أجد "غسان كنفاني" في روايتها "ليلة المليار" (يعرف أنهم يطاردونه يحدس حضورهم الذي يزداد اقترابا بالحاسة نفسها التي كانت تنبهه في السجن إلى الجلاد القادم ليسوقه إلى قاعة الاعتراف أو النسيان ...)

"آه ذلك الأحمق الذي كنت أعشق، والآن لم أعد أعرف شيئاً.. أحببته بجنون ذات يوم لأنه رائع لا يقول إلا الصدق- كما علمه والده القروي- ولم أكن أدري أن مبرر حبي له سيتحول يوماً إلى مبرر بؤسي" فهل هو خليل في روايتها.. ليلة المليار؟ ربما!

 

أشرف توفيق

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان





غادة السمان