المغرب ذاكرة الأمس منقوشة على وهج الحاضر

المغرب ذاكرة الأمس منقوشة على وهج الحاضر

لا تكاد تقول «المغرب» إلا وتنهض نجمة في أقصى بقعة على اليابسة، هناك في أقصى تخوم الامتداد العربي، حيث تنعكس جمالاً على صفحة ماء البحر الأبيض المتوسط تحرس مياهه حتى تطمئن على لقائها بالمحيط الأطلسي، فيما تجلس مسقط «العمانية» على آخر صخرة من بقعة اليباس المسمّاة بالوطن العربي، تحرس «بحر عمان»، لتأمن التقائه ببحر العرب والمحيط الهندي.

 

هكذا شاءت الجغرافيا أن تباعد بين البقعتين، لكن من «خطب الحسناء لم يغله المهر»، فالتاريخ لا يحتكم إلى التضاريس، ولا إلى ما تقوله لغة «تذاكر السفر» في أن المسافة حين تقدّر بالوقت فستكون أكثر من إثنتي عشرة ساعة، بين مطارات وانتظارات، حيث لا يوجد ناقل جوّي يحملنا مباشرة إلى «كازا»، حيث الدار هناك بيضاء، والأرض خضراء، والناس كرماء، وعلى من ينشد المغرب فعليه ألا يستغرب، فتبدو قصيّة على «الخارطة»، ولكن حالما تصلها ستقول: ما أقربها من القلب، فتلك النجمة البعيدة ليست إلا قارّة من جمال مقيم على الأرض، وكانت السماء تحنو على نجمتها التي تبدو أنها سقطت منها، فترسل لها حبّات المطر اشتياقًا، حتى تبلّلت السهول بفيض ربّاني مستحق.
كان الصباح يتفجر عيونًا، فتفيض «مزاريب» الأباريق بنكهة الشاي المغربي يغسل عنّا وعثاء السفر، وقد سارت بنا الحافلة المعلقة بين سماء وأرض في العتمة طوال الليل، لتسلمنا إلى فجر «الدار البيضاء»، ثم اسلمتنا «كازا» إلى الطريق نحو مراكش، فنجد ضالّتنا في الاستراحات الجميلة نمضي بها بعض الوقت، فالسماء حينما تكون مزّينة ببياض السحب تصبح مشرقة أكثر، فكيف إن أغوت الأعين مساحات ذلك الاخضرار وهو ينفض عنه الأسابيع الأخيرة من «الربيع» متأهبًا لصيف يبدو ربيعًا بالنسبة لمن لا يدهشه الرقم خمسين على مقياس درجات الحرارة على حدود «الربع الخالي»، لكن ربيع المغرب ليس خاليًا، بل ممتلئًا كأنما كل مدينة تخبىء ذاكرة خاصة بها، وعليك أيها المحسوب على «المشرق العربي» أن تجيد الإنصات لما تجيده مدن المغرب... إن حكت.
ومن مدينة إلى أخرى نمضي في استقصاء دروب المغرب، تلك المتسعة على تاريخ قارب بين قارات وقوميات، فتشكلت فسيفساء تاريخية تدعى «المغرب» فتجد كل مدينة أشبه ببلد عامر بتاريخيته وحاضره، متنوع في تضاريسه، متعدد في ألسنة بنيه، ومع كل شروق شمس ثمة حكاية تروى، ومع غروبها ثمة حكاية تستيقظ.
 
«فاس ومكناس» بنبض التاريخ
ارتبطت في أذهاننا هاتين المدينتين وكأنهما كلمة واحدة، فلا نقول فاس إلا وتأتي مكناس معها على ذات الجملة، وهما يتقاربان في السجع اللغوي سار على ألسنتنا منذ الطفولة التي تبدو قصية جدًا، فسرت إلى «مكناس» أولا يأخذني صوت الفنان البحريني أحمد الجميري بنغمته المميزة وهو يروي حكاية حملت إلينا رائحة تلك المدينة مبكرًا، «شويّخ من أرض مكناس وسط الأسواق يغنّي/ إش عليّ أنا من الناس، إش على الناس منّي»، فكنّا نبحث في أرضها عن شيخها الذي لم يكن في ذلك العهد الذي قال فيه القصيدة يغنّي في موطنه، وربّما عاد إلى أرضها، أو تربة وطنه، بعد طول اغتراب.
كانت «مكناس» الأقرب إلى الرباط، وهي الواقعة بين سلسلتين جبليتين، جبال الريف شمالاً، والأطلس المتوسط جنوبًا، فكانت مدينتها القديمة المحطة الأولى مترائية لنا تلك الأسوار الضخمة التي تحفّها فوق تلك التلة المطلة على المدينة الحديثة، وسهل «سايس» من حولنا ليتشكّل من تلك السهول الخضراء والأودية والينابيع تحفة فنية تسمى مكناس، نسبة إلى اسم القبيلة الأمازيغية «مكناسة» التي احتلّتها وكانت في استقبال الملك إدريس الأول، الملك المؤسس، في القرن الثالث عشر للميلاد.
سرنا نتبع خطوات المرشد السياحي الذي طاف بنا بين أزقة لا تكاد تنتهي، ومعمار لا يكفّ عن الانهمار فوق رؤوسنا، وأمام أعيننا، بجماليات مرشوشة بماء ورد التاريخ وهو يسكب حنينه إلى ذلك الزمن الذي نهضت فيه كل هذه الأسقف، وانثنى الطين على أقواس لا تحصى. مشيرًا إلى أن أصل التسمية يعود إلى قبيلة أمازيغية اطلقت على نفسها اسم «مكناسة»، وقد احتلت المغرب الشرقي آنذاك حتى تافيلالت، وفي القرن الثالث عشر للميلاد استقبلت المولى ادريس الأول، مؤسس المملكة المغربية والمملكة الإدريسية على وجه الخصوص.
يعود تأسيس مكناس إلى القرن الثامن الميلادي، لكنها عاشت مجدها مع مجيء المرابطين إليها، فأنشأوا القصبة المرابطية، وأقاموا مسجد النجارين، وعرفت نهضة عمرانية وحضارية كبيرة، وفي عهد الموحدين فقد شهدت هجرة عدد كبير من الأندلسيين إليها، فرارًا من الأحداث في موطنهم فاستقروا فيها، وفي عهد الدولة العلوية استعادت مكانتها كعاصمة لدولتهم، لكن جاء المنتصف الثاني من القرن الثامن عشر للميلاد ليشهد فقدان المدينة لمكانتها السياسية وانتقالها إلى جارتها فاس.
لكن جريان العصر مضى في أودية لم تكن في الحسبان، فقد جاء الفرنسيون ليفرضوا حمايتهم على المغرب عام 1912م، لكن خلال هذه الفترة عرفت مكناس إقامة مدينة حديثة تشكلت على الطراز الأوربي، ما أعاد إليها بعض رونقها ومكانتها، لكن القديم يأخذنا أكثر، فنمضي في تلك الأزقة، حيث في كل حي مسجد ونافورة أشبه بماء السبيل وفرن، وعبر تلك الممرات كنّا نتنفس تاريخ المدينة يحملنا على وقع نبضاته، زقاق يتلوى بين الجدران المتقاربة وصولاً إلى ممرات تتفرّع داخل السوق، بين محلات صغيرة تعرض أزياء وحلويات ومفارش صوفية، وصولاً إلى درب الحرير، حيث السوق الذي تتبدّى فيه قوالب الخيوط كلوحات فنية، ولم يكن غريبًا أن أشاهد طفلاً يحمل في يده ورقه وعليها دودة قز، حتى تساءلت بيني ونفسي: هل ما رأيته حقًا، أو أنني غرقت كثيرًا في حكايات الحرير، وخيوطه التي تتشابك أمام روحي أكثر من عيني؟!
وسيرًا إلى فاس عبر حقول وأودية، جبال محفوفة باللون الأخضر، وأشجار زيتون ومشمش وبرتقال، وما أن وقفت أمام بوابة المدينة القديمة في فاس حتى جاءنا ذلك الرجل المغربي الذي حاصرنا بالحديث عن مدينته المتسعة على ما لا نعرفه من تاريخ... عارضًا أيضًا جولة يرافقنا فيها عبر مفاوز الزمن وحكايات العابرين هنا.
في دقائق حملنا إلى فاس القديمة، والتي تأسست مع نهايات القرن الثاني للهجري (182هـ/ يناير 789م) على يد إدريس الثاني الذي اختارها لتكون عاصمة الدولة الإدريسية في المغرب، ولذلك فإن المدينة القديمة أمامنا تبلغ 1200 عام من العمر.
طلب الرجل منّا أن نتبعه إلى مطعم يقدم الشهي من الوجبات المغربية، فكنّا ندخل بين تلك الأزقة الضيقة عبر ممرات الأسواق، ليطوف بنا سيرًا سريعًا مسافة أكثر من
 1.5 كيلو لنصعد سلالم خمسة طوابق كي نبلغ سطح مطعم يطلّ على المدينة، بيوتها ومساجدها، وهو يتحدث عن تاريخية ما حولنا، فتعبرنا سريعًا محلات بيع الجلديات والأزياء المغربية الأنيقة، وبائعي الشرابيل (الأخفاف المغربية)، مرورًا بمحلات تكاد تغص بالتحف التي تحتويها بواطنها، وليس ببعيد عنا جامع القرويين، أقدم جامعة في العالم منذ أن تأسس في أواسط القرن التاسع، بذلك الشموخ المهيب، ومقابله هناك «مدرسة العطارين»... أيقونة تستحق التوقف عندها لولا سرعة ذلك الرجل الذي يعرف أن عليه مهمة إيصالنا إلى المطعم، كرسالة أكثر واقعية من العودة إلى ارتداء عباءة التاريخ، كيف لنا أن نصل إلى هذه المدينة ولا ندخل هذه التحفة المعمارية التي تقول المعلومات عنها بأن المرينيين أنشأوها في الفترة الممتدة بين عامي 1323 و1325م، وجعلوها أشبه بلوحة فنية عامرة بالجمال، منمنات ونقوس على الخشب والجبس وآيات قرآنية نقشت بخط عربي مغربي؟!
تختلف المرويات عن اسم المدينة، لكن ابن خلدون يرى أنه اسم جد قبائل مديونة ومغيلة ومطماطة، لكن قد تبدو أيضًا أنها محرّفة من الاسم الأمازيغي «أيفاس»، أي اليمين، كونها تقع على الضفة اليمنى من النهر.
يحدّثنا مرافقنا عن هذه المدينة، فتنبعث روائح الماضي من معروضات المكان، ومن حيطانه التي تقاوم جريان القرون على ترابها، ومن الجلديات المدبوعة، يشير إلى وجود باب «بوجلود»، وإلى المدرسة «البوعنانية» كأول معالم حاضرة الدولة الإدريسية، وهناك الزاوية التيجانية تكاد تسمع صوت ابتهالات شيوخها ونبض قلوب مريديها، وصولاً إلى مزار المولى إدريس كأني به يعلن هناك إقامة عاصمة دولته، فيعبرك التاريخ، أيها السائر في لحظات، لتجد نفسك في «القيسارية» لعلكم تمتحن قدرتك على الصبر وأنت تسير بين حلي وأقمشة فاخرة، لكن ثمة أسواق أخرى تستدعيك لتسمع أصوات نغماتها، حيث الصفّارين والنحّاسين يضعون لمساتهم بمحبة طاغية، فعلك تسير إلى دار البطحاء، ذلك القصر القديم بمعماره العربي والإسلامي، فتجد فنون فاس تنبض بالحيوية، وهو يستقبل العازفين في «مهرجان الموسيقى الروحية العالمية» كعادته في شهر يونيو من كل عام. 
 
ليست إلا «أصيلة»
عرفت «أصيلة» معرفتي بمثقفها الوزير «محمد بن عيسى»، وهو يضع هذه المدينة الصغيرة على خارطة العالم الثقافية فيدعو لملتقى سنوي يحتفي بالفكر، ويجعل من «أصيلته» قبلة عالمية تشدّ إليها رحال رجالات الثقافة والإعلام، في تحوّل كبير صنعه مفكّر، فآمن به المكان، فأصبحت أصيلة لا تقل شهرة عن طنجة، والتي تبعد عنها نحو أربعين كيلومتراً تقريبًا.
تمضي «أصيلة» عمرها على الشاطئ الأطلسي، وبعدد صغير من السكان، نحو بضع عشرات الآلاف من البشر الذين تلتقيهم وكأنك في مدينتك «الأصلية»، فهي معرض فني مفتوح، تسير في المدينة القديمة، حيث جدرانها البيضاء دالة على الحلم والنقاء، فإذا لامستها ريشة فنان تحوّلت إلى لوحة جدارية ضاجّة بالحياة، مبقية على الحلم، ولكن النقاء يسكن روحك أيها العابر.
في العصر الفينيقي كان اسمها الأمازيغي زيليس، أو زيلي، واللافت أن ساكنها يدعى بالزيلاشي، على الاسم الفينيقي، لكن العرب أسموها «أصيلة»، وليست ببعيدة عن الاسم الذي دعيت به في زمن الاحتلال البرتغالي «أرزيلا»، لكنها بقيت بتلك الأصالة العربية، حتى وإن كان عمرها أكثر من ألفي عام، إلا أن المدينة الحالية تعود نشأتها إلى عام 229 للهجرة، حيث أسّسها المرابطون، من بربر كثامة وهوارة، لمواجهة غزوات الفايكنج البحرية، فلم تكن إلا مجمعات سكنية محاطة بسور وأبراج للمراقبة، ولكنها نقشت اسمها برسوخ، حيث عبرتها أحداث تاريخية جمّة يطول المجال لسردها، حروب وغزوات، صعود وتقهقر، كأنما ليست هذه الجميلة الحالمة من عاشت كل ذلك.
كان صوت التوحيد يرتفع داعيًا لصلاة الجمعة، فإذا بتقليد لم أألفه يشدّني إليه بقوة، الإمام ومعه كل من يريد المشاركة، يقرأون القرآن الكريم بصوت واحد، على الطريقة المغربية، فلا تملك إلا الإنصات أمام ذلك المشهد الإيماني العميق، وتودّ لو تتمكن من إطلاق صوتك معهم، لكن لهم أسلوبهم سريع الإيقاع، بوقفات كأنهم عرفوها لاستدامتهم على ذلك.
وكان الضجيج أمام باب الجامع ملفتًا بعد أداء الصلاة، هناك باعة الفواكه الذين اصطفوا بانتظار المصلين، فواكه الصيف اللذيذة التي لا يمكن مقاومتها كالبطيخ، ويسمّى لديهم بالدلاع، والمشمش والخوخ والعنب، وغيرها بما يكفي أن تستغني عن الغداء، لولا أن المسمى يحفّزك أكثر، فهناك «المطعم الثقافي الأندلسي»، مكان صغير على شارع داخلي في أصيلة، ويلتقي فيه مثقفون في أمسية أدبية أو فنية، وليس ببعيد عنه مطعم «با إدريس»، شخصية لا تنسى، حوّل مطعمه إلى متحف حقيقي، فتناول الطعام وسط قوائم الفرجة أمر ممتع.
تستعيد جماليات المكان وسحره حينما تسير في دهاليز المدينة العتيقة، بتلك الفضاءات الملهمة، حتى الحيطان الصمّاء تشعر أنها خامة ورقية تنتظر بدء الرسم عليها، أما الأبواب فهي أفق يشع، أزرقًا أو أخضرًا، حياة تستشعرها ما أن تدلف من أي أبوابها أردت، فالسور البرتغالي الهوية يمنحها سوارًا من التاريخ تتخلّله تسعة أبراج وحصون، فاختر أي باب ستمضي عبرها، فهناك ثلاثة: باب القصبة، وباب البحر، وباب الحومر، ستجذبك «قيسارية» منتجات الصناعة التقليدية فتبلغ ساحة «القمرة»، حيث يمضي الساهرون أوقاتهم في الهواء الطلق، أو تمضي إلى ساحة «الطيقان» فهناك البرج الصغير المسمى «القريقية» يطل بك على المحيط، وأينما رفعت بصرك تجد على نوافد البيوت ما يسرّ العين، حيث الأزهار والنباتات جزء من عالم المدينة الجمالي.
تتشابه المدن القديمة، ببواباتها وسورها، بدهاليزها ودكاكينها الصغيرة، بفضاءاتها المكشوفة على حياة تنهض من عمق الأمس لتصافح اليوم، في تشابهها معنى بليغ، لا يضرّها أن تكون متناسخة من بعضها البعض، بل يقودك هذا إلى استدعاء الأمكنة السابقة لتراها فيما حولك من جديد، لكن ثمة أرواح تطوف تخبرك أن ما تراه من متشابه خلفه ما هو مختلف، وعليك أن تكتشفه أيها السائح، ضمن ما تريد اكتشافه في هكذا بلاد.
في كل بقعة تجد معنى يتسرّب إليك من «أصيلة»، حتى الحدائق حملت أسماء مشاهير تحتفي بهم، كذاكرة حيّة على مرورهم، فهناك حدائق حملت أسماء مثل الشاعر العراقي بلند الحيدري والروائي السوداني الطيب صالح، والشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، ومن المغرب المفكر محمد عابد الجابري، وهناك ساحة المؤرخ والفقيه المغربي عبدالله كنون الذي أنشأ أول مدرسة ابتدائية أهلية في طنجة.
 
طنجة... كواسر الموج والغزاة 
 سرت إلى مدينة ابن بطوطة، وأشير إلى تاريخ مهم فيها، مفصلي على درجة عالية من الحساسية، في عام 1956م، حينما أراد الملك المغربي محمد الخامس إكمال السيادة الوطنية للمغرب على كل أراضيه فأعلن مغربية أصيلة، حينها غادر عدد من الأجانب المقيمين فيها إلى بلدانهم التي جاءوا منها، فأصبحت طنجة مركزًا مغربيًا مهمًا، خاصة على الصعيدين التجاري والاقتصادي، امتدّت أهميته إلى شمال إفريقيا وما أبعد منها.
هي «ذات المرتفع العالي» كما يشير اسمها الأمازيغي، لكن لا بدّ من الأساطير في مثل هذه المدن، تقول الأسطورة الشفوية، ورغم بساطتها وربما سذاجتها، أن سفينة نوح ضلّت طريقها بعد الطوفان وهي تبحث عن اليابسة، حتى حطّت حمامة فوق السفينة وفي رجليها شيء من الوحل، فصاح ركّاب السفينة «الطين جا الطين جا»، فكانت التسمية بطنجة، لكن الأسطورة الإغريقية كما تروى مغربيًا تقول إن «أنتي»، ابن «بوسيدون» و«غايا»، كان يهاجم المسافرين ويقتلهم، فصنع من جماجمهم معبدًا أهداه لأبيه، وأطلق على مملكته، وكانت تمتد من سبتة إلى «ليكسوس» اسم زوجته طِنجة، لكن «هرقل» استطاع الانتصار على «أنتي»، حتى أن إحدى ضربات سيفه شقّت مضيق البوغاز بين أوربا والمغرب والمغارة المشهورة باسمه، وبعد انتصاره على «أنتي» تزوّج من زوجته التي أنجب منها «سوفوكس» الذي أنشأ مستعمرة «طنجيس».
اقترابًا من الأساطير، فكان لا بد من زيارة مغارة هرقل، لمشاهدة ما يقال إن تلك الفتحة الصخرية على شكل القارة الإفريقية تطلّ على المحيط، ولكن عليك أن تراها من ناحية الماء لتكون مطابقة للواقع.
خرجت من «مغارة هرقل»، لأجد بجوارها مغارة أخرى دعيت بالفنون، لكنها أكثر متعة، ففيها ما يشبه معرض فني، وعلى زاوية يجلس مجموعة من المغنيين الشعبيين، ينشدون ويعزفون بإيقاعات تشبه المكان، فيما كنت أقرأ على لوح رخامي ما تقوله الأسطورة عن هرقل، «أشهر أبطال الميثولوجيا الإغريقية نظرًا لقوته الخارقة وأعماله الأسطورية»، لكنه في الخيال الشعبي يقال إنه يوجد أثر لقدمه منحوتًا على صخر جبل غير بعيد من منطقة «سابرطيل».
يقودني التاريخ إلى فضاءات «طنجة» كأنما هذه المدينة أزلية حقا، كما أدرجها عدد من المؤرخين والجغرافيين، كابن حوقل والحسن الوزان، فيقال إنها تأسّست على يد سكّانها المحليين في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وجاءها التجار الفينيقيون ليسيطروا عليها في القرن العاشر قبل الميلاد، فصارت مركزًا تجاريًا مهمًا على سواحل البحر المتوسط، ولكن في القرن الأول للميلاد ضمّتها الإمبراطورية اليونانية إليها، لتصبح عام
42 م عاصمة للمقاطعة الرومانية.
بين ساحة محمد الخامس والجامع في زاوية منها، ومداخل أسواقها، وحاراتها، وصولاً إلى البحر كانت الانتماءات التاريخية لمدينة طنجة عامرة بالكثير، تستوقف الزوار هنا وهناك، أكثر من البضاعات المكدسة في المحلات، واللافت، كما لاحظت في أصيلة ومدن أخرى، أن بوابات الأسواق تكون على هيئة قفل باب، كأنما الداخل إليها قد وجد القفل مفتوحًا أمام ناظريه، وعليه أن ينتقي ما يسرّه إن سار، ويسرّ أهله إن عاد إلى الديار.
المدينة عرفت مرور العديد من الممالك والدول التي نشأت بعد وفاة آخر الخلفاء الراشدين، فوصلها الجيش الأموي لتكون تحت حكمهم بين أعوام 707 - 750م، ثم بعدها الدولة العباسية حتى قبل نهاية القرن الثامن بخمس سنوات، وجاءت الدولة الإدريسية من عام 789م إلى 921، ثم الفاطميون حتى عام 925م، لكن الأدارسة عادوا من جديد لنحو أربع سنوات، لولا أن الفاطميين تمكّنوا منها من جديد، وفرضوا سيطرتهم لعامين، من
925–927م، وكان تبادل السيطرة بين الدولتين الفاطمية والإدريسية مستمرًا حتى عام 951 م، وبقيت هكذا بضع سنوات حتى خضعت طنجة للدولة المرابطية بين أعوام 1073 – 1147م، وتعاقبت بعد ذلك مسميات الهيمنة على المدينة، فمن المرابطين إلى الموحدين ثم المرينيين ثم الدولة الوطاسية، وبعدها جاء البرتغاليون، الذين قطع عليهم امتداد سيطرتهم عليها من أعوام 1580م إلى 1661م ظهور ما سمي بالاتحاد الايببري لنحو ستين عامًا، ووصلها الإنجليز عام 1661م ليمضوا فيها حتى سيطرة الدولة العلوية عليها عام 1784م، واعتبرها الإسبان محمية لهم بين أعوام 1912م وحتى عام 1924م، لكنها بقيت منطقة دولية من ذلك العام وحتى عام 1956م، حيث أعلنها الملك محمد الخامس مدينة مغربية مستقلة.
نقف على تلّة نبحث بأعين مجردة عن لقاء البحر بالمحيط، الأبيض بالأطلسي، ولولا تلك الإشارة على لوحتين لما عرفنا أن هنا ذلك البرزخ العميق بين لقاء ماءين، واحد يقبّل أقدام سواحل مدينة عربية (الإسكندرية) فيمتدّ إلى سواحل مدن كأنّما على الموج أن يدفع بقوارب «الموت» طلبًا للحياة في منافي القارة العجوز، لكن الأطلسي يذهب إلى آخر تخوم «الأطلس» بجغرافيته العصيّة على الفهم، وقد خلق الله الأرض ومن عليها.
وفي «مقهى الحافة» أبحث عن كرسي يمنحني بهجة أن تشرف على واجهة بحرية ممتدة لا نهاية لتخوم زرقتها، وترى خلف الضباب الوجه الإسباني للقارة الأوربية، وأتذكر أسطورة طنجية أخرى تدعى محمد شكري، «الصعلوك «المختلف عليه، يأكل «خبز الحافي» على سيرة «وجوه» تصعد من روح طنجة وقلبها فكتبها بكل ما في داخله من وجع وشقاء، هو ذلك الذي قيل عنه بأنه «الأمّي الذي لعن كل الآباء»، والكاتب «الذي فاته أن يكون ملاكًا»، و «الذي احتكر كتابة طنجة» تاركًا للآخرين فرصة أن يكونوا سياحًا، قال عنه الكاتب المغربي محمد بنميلود: «شكري الوحيد، المنبوذ، والنابذ، كان لا بد له من حضن بحجم طنجة، وكان لا بد لطنجة من عاشق بحجم شكري ليقصي كل عشاقها، ويستفرد بها إلى الأبد بنرجسية العاشق الغيور والمعتوه الذي يحب كأنه يحارب».
 
في حمى الحمامة البيضاء
حالما أقول «تطوان» تصعد إلى ذاكرتي تلك الأبيات الشعرية التي عرفناها في فترة الطفولة العائدة إلى سبعينيات القرن الماضي، المستلّة من النشيد القومي العربي الذي كتبه فخري البارودي:
بلاد العرب أوطاني
من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمنٍ
إلى مصر فتطوان
وأصل إلى تطوان كأني أسائلها عمّا فعلته السياسة بنا، لكنها بقيت على العهد، وفية لمرورنا، وقد وضعت رمز السلام لتنعت به، فكيف لمدينة تسمّى بمجسم هي من وضعته في أحد الدوارات بوسطها لولا إيمانها بالمعنى؟! فكانت الحمامة البيضاء تكاد تنهض من تمثالها لتصافح بأجنحتها الزائرين وهم يتمعنون في بهاء ذلك البياض، والمدينة من حولها.
وبذات اللون الأنيق تقتعد ساحل البحر الأبيض المتوسط على مسافة تقدّر بنحو ستة كيلومترات، كجميلة جاءت من الزمن الأندلسي، تكشف عن حسنها بعد عبور تلك جبال وأودية وسهول خضراء، عبر الريف الأنيق، والحقول التي يشقّ تربتها الفلاحون لتنهض زيتونًا وقمحًا، فيشرق دوار الشمس تحت أشعة شمس تخاتل الفضاء من خلف غيوم تتشكّل كأنها تكمل اللوحة الأرضية بجماليات سماوية، مشفوعة بالبياض أيضًا، وتدرك أنها تعيش نهضة زراعية حيث سفوح الجبال مهيأة لنهوض عشرات الآلاف من أشجار الزيتون.
ومع أنها مدينة الحمامة البيضاء إلا أنها تتدثر بتعدد اسمائها، وقيل أنها سبعة، فهي تطوان (تاء مكسورة تعقبها طاء ساكنة) كما وصلت إلينا، وكان مستعملاً في القرن الثامن، أو تطاون وتعني السواقي والعيون، وغيرها من المسميات كتطاوين، وتيطاوان، وتطاوان، وتيطاون، ولكنها تبقى مسميات أمازيغية بما يدل على كثرة العيون بها.
تشير المعلومات إلى أن التاريخ الحديث للمدينة يبدأ منذ أواخر القرن الخامس عشر، أي بعد سقوط مدينة غرناطة في الأندلس عام 1492م على أيدي فردناند وإيزابيلا، فبنى تطوان رجل غرناطي يدعى علي المنظري، وقد خرج آلاف من المسلمين واليهود من الأندلس للاستقرار في شمال المغرب، فقامت تطوان الحديثة على أنقاض سابقة، وأصبحت نقطة جذب لحضارة أندلسية نقلت مجدها إلى بقعة أخرى.
يقول المرشد السياحي بأن للمدينة سبعة أبواب، كشأن المدن مع هذا الرقم العجيب، فيحدّثنا عن باب العقلة، غرب أسوار المدينة القديمة (أو العتيقة كما يلفظ أحيانا)، ويقال أن «العقلة» يعود إلى اجتماع حكماء المدينة على مشارفها، فهو تحريف لمعنى «باب العقلاء»، أما باب الصعايدة فعائد إلى ضريح رجل صعيدي قادم من صعيد مصر، وباب الجياف كون أن اليهود كانوا يمرون بجنازاتهم عبر ذلك الباب، فكان يفتح وقت مرور جنائزهم، وذاك باب المقابر كونه يطلّ على المقبرة الإسلامية، وأيضًا يسمّى باسم الرجل الغرناطي المنظري الذي بنى المدينة، ولكل باب له سبب في تسميته، كباب نوادر وباب التوت وباب الرموز، وهذا نسبة لأسرة الرموز القادمة من الأندلس فامتلكت الأرض التي أقيم عليها الباب.
يذهب بنا المرشد إلى ساحة «الفدان» التي افتتحت عام 2016م، رئة جمالية قريبة من سفح تلّة تحمل على أكتافها جانبًا من بيوت المدينة، وفي فضاء آخر نسير في الشوارع التجارية لنرى كم تبدو «تطوان» أنيقة وحالمة، وذات إرث عميق، فترى المعمار على ضفاف شوارعها مرسوماً بعناية، ونقف أمام القصر لنتأمل من بعيد كيف هي فخامة البساطة وإن بدا المشهد أمامنا ليس بسيطًا، فنغادر ذلك المشهد ليحدّثنا الرجل عن الحضور اليهودي في مدينته، فكان فيها نحو ستين ألف يهودي، لم يبق منهم سوى بضع عائلات، ربما ثمانية عشرة عائلة، أما البقية فهاجروا لأسباب اقتصادية وليست سياسية، وحينما أسلمتنا الطرقات إلى المدينة القديمة كنت أقرأ أسماء «الزنقات» من منظور آخر، فهذه «زنقة القدس»، وتلك «زنقة غزة»، وهكذا تشعر بأن الهوية العربية تكتب ردودها على أي حضور ينتمي إلى غير الديانة الإسلامية.
كان الحضور الإسباني في تطوان كبيرًا، فهنا شارع الإسبان، وذلك مبنى أنيق كان بمثابة شركة عالمية للتأمين في أيام احتلالهم للمدينة، وتلك مدرسة، وغيرها من العلامات التي تؤكد أنهم لم يعبروا هكذا دون آثار تدلّ عليهم، كأنما تبادلوا مع الذين عبروا البحر إلى أندلسهم وضع البصمات، وإن اختلفت الأساليب، وشتّان بين ما تركه العرب هناك وقرون مكوثهم، وما تركه الإسبان هنا، ومقدار ما بقوا على هذه الأرض.
في حمى «الأزرق»
نحو شفشاون..
نحو الأزرق الذي يشعرنا بأنه يمدّ ريشته ليشكّل بحرًا في مدينة بعيدة عن البحر، ويربطها بالسماء الزرقاء فوقها.
في فسحة مرتفعة على الطريق يطل جزءاً من المدينة، فتقف أمام لوحة حقيقية، مهما أوتيت من مهارة في التصوير فلا تبلغ ذلك الإحساس الذي تشكله فسيفساء البيوت وهي تكاد ترتفع فوق بعضها البعض على امتداد التلة التي تتكىء عليها بسحر اللونين الأبيض والأزرق.
يقولون إنها «جوهرة الريف» بما تحتويه من شلالات ومغارات وطبيعة خلابة متدثرة في موقعها الخصب بين جبال «القلعة» و«ميغو»، وتعني القرون باللهجة الريفية، فقد تأسست في عام 1471م على أنها مكان محمي وحصين يحميها من هجمات القوتين العظميتين في تلك المرحلة، إسبانيا والبرتغال، حتى إذا سرنا صوب «عين الماء» أخذتنا في تلابيب سحرها، وجماليات احتفائها باللون الأزرق، ترتديه حتى حيطان بيوتها الملتفة على أزقة وممرات صغيرة، تسير في الزرقة على نحو مدهش كأنما طليت للتو لفرط اللمعان في اللون، فيما الماء يسير في بطن الوادي على عدد من الينابيع. 
قبل أن تتوقف السيارة بنا كان عدد من الصبية يركضون معها، عرفنا أنهم يقومون بمرافقة السياح في جولتهم داخل أزقة المدينة، فاصطحبنا إثنان منهم، فيما يصرّ آخرون على أنهم ضمن «الوفد المرافق»، أو المجموعة التي دورها تعريفنا بالمدينة، وعلينا تقديم المكافأة لكل ذلك العدد!
بدأ مسارنا من رأس عين الماء، يشار إليه على أن القلب المقدس للمدينة، يتقافز الصبية أمامنا، كانوا صغارًا ممتلئين بالحيوية، ترى في أعينهم الحرص على طلب الرزق، يقومون باقتراح الأماكن للتصوير، والقيام بذلك، بمهارة يودون إظهارها لنيل رضا السائح، وما قد يهبه لهم، فعرفنا أن المدينة شهدت نزوحًا جماعيًا من الموريين واليهود السفارديم نهاية القرن الخامس عشر، بعد سقوط الحكم العربي في الأندلس. 
 
هناك... سبتة
تلوح «سبتة» من على البعد، بينما «الفنيدق» تنام بهدوء بجوار الساحل، يشير المرشد السياحي إلى نوم آخر يمارسه البحر الأبيض المتوسط، كأنه حوض سباحة هادئ بلا أدنى موجة تخبرنا عن تلك المدينة التي نراها عبر القلب النابض بعروبته، يأمل أن يسير إلى سبتة دون حاجة للحصول على ختم جواز موظف الأمن الإسباني.
نكتفي بالنظر، وبمدّه إلى ذلك التل الماثل في ذلك الفضاء البعيد كحوت ضخم يظهر بعض جسده يجثم وفق المياه، ذلك «جبل طارق»، بقي الجبل وذهب طارق بن زياد كأسطورة شقّت غمار المياه، أحرقت المراكب أو لم تحرقها، فبقي «البحر من أمامنا»، لكن التاريخ بقي وراءنا، و«الفنيدق» من حولنا، صوت التوحيد يدعو لصلاة «الظهر» فندخل مسجد محمد الخامس، وكأنما يحتاج الأمر إلى ركعتين أخريين على أنقاض أمجاد التاريخ، مع أن «العصر» ماثل بين أعيننا، مع ميلان الشمس نحو الضفة الأخرى من البحر.
على تلّة أخرى، على درب المغادرة، يتوقّف السائق ليشير إلى ما يفصل المغرب عن «سبتة»، وتحت الغيوم المتدافعة كان من الصعب قراءة المشهد الضبابي أمامنا، في أفقه السياسي، وليس المناخي فحسب.
وفي الطريق لمغادرة المغرب يتبقّى ثمّة الكثير ممّا تخفيه عن السائح، كأنما تستبقيه ليقرأ المزيد من أوراقها، وقد بقيت كثيرة، فوق قدرته على اللهاث اليومي من مدينة إلى أخرى، أو تبقي بين يديه دعوة مفتوحة للعودة، عاجلاً أو آجلا،ً فهناك من حسناواتها ما تهفو الروح لمعانقته، فوجدة تزيد من وجدك، وفاس قبلة ثقافية لا بدّ من تقبيل مناراتها، ومكناس تلتئم بروحك كلما هبّ ذلك اللحن القديم: «شويّخ من أرض مكناس وسط الأسواق يغنّي»، لكن عليك أيها السائح أن تسابق الفجر كي تصل إلى المطار قبل أن تقنعك شمس المغرب بالبقاء تحت ضوئها يومًا جديداً، فلا تأمن سحرها، فقد تغلب على جميع حساباتك، وتبقى جائلاً بين دورها الخضراء زمنا لا تعرف كم سيمتد على أجندة عمرك، تاركًا «الدار البيضاء» تلوّح مودّعة، من مطار محمد الخامس، الطائرة المغادرة... بدونك ■

سلال الورد في أحد ممرات مدينة مكناس

أحد البيوت القديمة التي تحولت إلى نزل فندقية، وتسمى «الرياض»

مأذنة أحد المساجد تلوح من خلال أحد ممرات السوق في المدينة القديمة بمكناس

إحدى بوابات مدينة فاس القديمة، من هنا عبر مؤسس الدولة الإدريسية ليضع أولى لبنات مملكته

«شفشاون»... مدينة حريصة على أن تدهشك، بزرقة الحيطان، أو بالمزهريات التي تعكس ألوانها وظلالها

كل هذا الفضاء الجميل ترسمه مدينة شفشاون فكيف تتسع مساحة الصورة لاكتنازه؟

بائع عصير البرتقال... فالموسم موسم هذه الفاكهة الشهيرة في البلاد ككل

ساحة جامع محمد الخامس في طنجة الذي يطل خلف الأشجار... وقريبًا منه بوابات سوق المدينة ودهاليزه

مجسم لأشهر شخصية عبرت تاريخ طنجة، إنه الرحالة ابن بطوطة

تمثال للبطل هرقل بجواره لافتة تشرح عن بطولته التي خلّدته في الخيال الشعبي

في مغارة الفنون تختبئ أصوات غناء شعبي بجوار منحوتات تعبّر عن التسمية

زنقة غزة، وهناك زنقة القدس، وكأنما هي الرد العربي على يهودية الأحياء في تطوان

ثلاث لقطات من المدينة القديمة في أصيلة تعكس الاهتمام بالفنون

حديقة الطيب صالح في مدينة أصيلة، ضمن معالم عدة حملت أسماء كتاب معروفين

من على هضبة مغربية خضراء تبدو على البعد سبتة وليس ببعيد مضيق جبل طارق

بحيرة تشكلت خلف سد الشريف الإدريسي، وما أكثر السدود في المغرب